إنها أيام الخميس، نجتمع ونسهر لنضحك ونتحدث. عندها تبدو قصصنا الحزينة مادةً جيدة للضحك. يقول المثل "إن كبرت مصيبتك اضحك لها". أيتها المصيبة أنت كبيرة جداً فتعالي نضحك معاً وبصوت عالٍ.
في قريتي الجميع يعرف الجميع، فإذا كنت تعرفني ووجدت أن رغبتك بمعرفة أبطال القصص التالية أقوى من جزعك من الألم الحاصل فيها، فأنت تمارس شيئاً اسميه النميمة الجنسية.
هل التسمية دقيقة؟ لا أعلم، ولكن في هذا النوع من النميمة ينصرف الناس عن الحدث الأهم في القصة وهو الجريمة، وينشغلون بالرغبة بمعرفة التفاصيل الجنسية للجريمة. تتوجّه طاقتهم نحو النميمة وليس الغضب: من هي الطفلة الضحية؟ أين يقع بيتها؟ هل فقدت عذريتها؟ ماذا كانت تفعل أمها عندما حدثت هذه المصيبة؟ يا إلهي من سيدق باب بيتهم طالباً للنسب بعد أن حدث لابنتهم ما حدث؟
تبكي وتضحك دون توتر وكأن الفعلين واحد
لمس جدي مهبلي. أنا في السادسة وهو شيء ما في الثمانين. لمسه بعد غداء أعدته أمي له في بيتنا. لمسه وأنا جالسة بجانبه وحدنا. لمسه في الصالة بينما كان الكثيرون في المطبخ. لمسه وهو جدي وأنا حفيدته. لمسه وهو يضحك ويقول: "ما هذا الشيء الجميل؟". لمسه وأنا لا أعرف لماذا يضع جدي يده في بنطالي؟ لماذا يحرك أصابعه تحت ملابسي الداخلية؟ لماذا يضحك؟
جدي، أنت الآن ميت، وإذا كان في الموت راحة فهي حتماً ليست من نصيبك. هلّا أخبرتني لماذا كنت تضحك؟ ما المضحك أن تكون يدك مدسوسة في بنطالي بينما بطنك محشوّة بطعام أمي؟
جدي، أنت إنسان سيء، لم يجرؤ أحد أن يقولها في وجهكك لأن علاقاتنا الاجتماعية وقيمنا الأسرية وبرّ الوالدين واحترام كبار السنّ أسمى وأهم من سلامة أطفالنا، ولكنك سيء. أتمنى ـن تعرف ذلك.
في طفولتي، تحرّش بي رجلٌ من رجال العائلة. حضنني من الخلف، أنا في العاشرة من عمري ولا أعرف أن هناك معاني مختلفة للحضن.
تكره الشوكولا بالبندق لأنه يحبها
يقولون أن للرجل عضوٌ ذكريٌ ينتصب إذا ما لمس مؤخرتي؟ هل هذا صحيح؟ أنا في العاشرة، لا أفكر في أعضاء الرجال التناسلية. أفكر في أيديهم الكريمة وهي تحمل لنا علباً من الشوكولا، أفكر في عيونهم عندما يغمضونها وهم يضحكون، أفكر في وجوههم عندما تحرقها الشمس بعد يوم عمل طويل، أفكّر في أكتافهم تحملنا فوقها لنكبر أسرع ونصبح أطول، هذا ما أعرفه عن أجساد الرجال.
في طفولتي، تحرّش بي رجل من رجال العائلة. حضنني من الخلف. أنا في العاشرة من عمري ولا أعرف أن هناك معاني مختلفة للحضن. نستعيذ بالله من ضيوفٍ يدخلون البيوت وينتهكون أجساد أهلها، لا أحد يتخيل أن أحدهم كان في بيته اليوم -وقت الظهيرة تحديداً- الكل يعتقد أنه ذهب إلى بيوت الآخرين.
الأشرار لهم وجوه جميلة أيضاً
كنا نقف في طابور أمام طاولته ننتظر دورنا لتصحيح دفاترنا. لماذا كنا نحبه ولا نخاف دقائق الانتظار التي تسبق تصحيحه لما كتبنا؟ لا أعلم. كان له وجه بشوش بشاري خفيف. كان ممتلئ البنية، قصير القامة، أسود الشعر. لطيفاً جداً وكأنه أفضلُ أبٍ في العالم، ذكيٌ جداً وكأنه أفضل معلمٍ في العالم.
لماذا استيقظت ذات صباح متذكرة مشهد يده تربّت على مؤخراتنا دائماً وتتحسسها بينما يلقي نظرة على دفاترنا؟ لماذا الآن وبعد كل هذه السنين يزورني هذا المشهد فجأة؟ وكأن عقلي استيقظ ليخبرني أن هذا ليس عادياً، ليس من باب اللطف أن يتحسس المعلم مؤخرات تلميذاته، هذا ليس لطيفاً. هذا أمر آخر لم يحدثنا عنه أحد وقتها.
الأشرار لهم وجوه قبيحة ولا يبتسمون. هكذا هم في أفلام الكرتون التي نحضرها، هذه الأفلام ربطت في أذهاننا الشرّ بقبح الوجه والخير بجماله،لذلك كان يحق لأستاذنا المتحرّش أن يفعل ما يحلو له، أنتم لا تعرفون كم كان لطيفاً وبشوشاً، لقد كان يحبنا.
نعود إلى بيوتنا. لا نُسأل كيف كان يومك؟ لا نسأل عن مشاعرنا. نسأل عادة عن امتحاناتنا التي قدمناها أو عن واجباتنا التي سنقدمها، تطلب أمهاتنا منا أن نغسل أيدينا ونغيّر ثيابنا ونأتي لتناول الطعام. أنت مجرد طفل، وملابسك المتسخة وعلاماتك المتدنية هي أسوأ ما قد تعود به من المدرسة، اليس كذلك؟
الأشرار لهم وجوهٌ قبيحة ولا يبتسمون، هكذا هم في أفلام الكرتون، هذه الأفلام ربطت الشر بقبح الوجه والخير بجماله، لذا كان يحق لأستاذنا المتحرّش أن يفعل ما يحلو له، لقد كان يحبنا!
خوف أمي عليّ لم يكن لي
إذا مرّت به تراه يضحك ويهمس لأصدقائه ويشير إليها فيضحكون معه. على الأغلب يخبرهم أنه قبّلها، ويخبرهم أنهم يستطيعون فعل ذلك إن أرادوا، عليهم فقط أن يقوموا بذلك على نحوٍ صحيح: شارعٌ خالٍ، تسرعُ باتجاهها، تدفعها إلى أقرب حائطٍ، تقبّلها سريعاً وتركض مبتعداً، تُكرّر ذلك كلما سنحت لك الفرصة، وتذكّر: ادفعها باتجاه الحائط، قبّلها سريعاً واركض.
هي أضعف من أن تصرخ، أبطىء من أن تهرب، ويبدو أنها لا تقول شيئاً لأحد، لأن لا شيء تغير في ردّة فعلها منذ القبلة الأولى، بل في كل مرة يقبّلها تصبح أكثر انكساراً.
تتكرّر القصة بسبب الخوف وتخاف الطفلة من تكرارها، التكرار يشعرها أنها شريكة في القبلة، إذ لا يمكن أن تخبر أحداً عن جريمتها. لقد تمكنت قصص أمها وجاراتها منها تماماً.
تفكر في فتاة بعمرها حملت لأنها استخدمت "منشفة" أخيها، ماذا حصل لها؟ هل وضعت جنينها؟ هل هي بخير؟ كانت أمي تخاف على الفتيات في هذه القصص وكنت معها أخاف عليهن وأخاف أن أتحول إلى واحدة منهن فالتزمت الصمت.
*****
هل عرفت من نحن؟ هل حاولت أم أنك ما زالت تحاول؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...