"من مدينة الدار البيضاء، أتيت إلى مدينة طنجة، لتحقيق حلم طفلي الذي يبلغ ثمانية أعوام بحضور حفل افتتاح كأس العالم للأندية، لكننا للأسف لم نتمكن من الحصول على التذاكر"، يتحدث عبد الرحمن، عن مُحاولاته التي ذهبت سدى في تحقيق أمل طفله الصغير، مُردفا "بعد الانتصار المغربي الكبير في كأس العالم في قطر، وانتشار الفرحة في كافة المُدن المغربية، أصبح حُلم الفُرجة الكُروية مُباشرة من قلب الملاعب، في قلوب الكثير من المواطنين المغاربة، سواء الصغار أو الكبار، لكن للأسف أفسد علينا غياب التذاكر هذه المُتعة الكُروية".
على غرار عبد الرحمن وابنه، اللذين لم يتمكنا من ولوج ملعب طنجة، لحضور حفل الافتتاح وكذا المُباراة الأولى؛ أراد مُشجعون مَغاربة كُثر حضور مباريات في كأس العالم للأندية، الذي يُقام لثالث مرة في المملكة، بعد كل من سنة 2013 و2014، غير أن نفاذ التذاكر بسُرعة من الموقع الرسمي للاتحاد الدولي "فيفا"، حال دون تحقيق آمالهم، فأصبحوا إثر ذلك "فريسة" بين أيادي مُمتهني بيع التذاكر في ما بات يُطلق عليه "السوق السوداء".
سوق موازية تُلهب الأسعار
قبيل أربع ساعات من طرحها على الموقع الرسمي للإتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" وفي بعض مراكز البيع بعدد من المُدن المغربية، نفذت كامل تذاكر مباراة الوداد الرياضي المغربي والهلال السعودي، ضمن منافسات الدور الأول من كأس العالم للأندية في المغرب، الشيء الذي وُصف من قِبل المُتتبعين للشأن الرياضي بكونه "أسرع عمليات نفاذ تذاكر مباريات كرة القدم في العالم العربي".
بحسب "فيفا" فإن أسعار تذاكر مباريات الموندياليتو توزعت على ثلاث فئات، انطلاقا من ثمن 50 درهما مغربيا (5 دولارات) للمباريات الثلاث الأولى، بما في ذلك مواجهة الوداد المغربي مع الهلال السعودي التي نظمت في 4 فبراير/ شباط وانتهت بفوز الهلال؛ وانطلاقا من 100 درهم مغربي (10 دولارات) للدور نصف النهائي، الذي يشهد دخول ريال مدريد وفلامينغو غمار المنافسة؛ ثم 200 درهم مغربي (20 دولارا) للمباراة النهائية؛ لكن أيادي الاحتكار حالت دون ذلك، فعاد مُشكل الجشع وانطلق التهافت المُتسارع للحصول على أكبر عدد من التذاكر، لإعادة طرحها بأسعار مُضاعفة في "السوق الموازية"، عبر المجموعات المُهتمة بكرة القدم على "فيسبوك" وكذا عبر كافة المواقع الالكترونية.
أصبح حُلم الفُرجة الكُروية مُباشرة من قلب الملاعب، في قلوب الكثير من المواطنين المغاربة، لكن للأسف أفسد علينا غياب التذاكر هذه المُتعة الكُروية #المونيدياليتو
يقول ياسين خالد، مشجع فريق الوداد البيضاوي، "كُنت مُتحمسا لحُضور مباراة الوداد الرياضي المغربي والهلال السعودي، في ملعب مولاي عبد الله بالعاصمة الرباط، غير أنني أتأسّف كثيرا لعدم حُصولي على التذكرة، بسبب نفاذها في ظرف وجيز من نُقط البيع الرسمية، وتوفرها فقط خِفية في السوق السوداء بثمن خيالي".
"كان ثمنها الأصلي يتراوح بين 50 درهم (نحو 5 دولارات) للفئة الثانية من المدرجات و100 درهم (ما يُعادل 10 دولارات) للفئة الأولى، لكنها بيعت في السوق الموازية فقط بثمن لا يقل عن 350 درهم (نحو 35 دولارا) للفئة الثانية، و900 درهم (نحو 90 دولارا) للفئة الأولى، أي بضعف الثمن الأصلي عشرة مرّات" يضيف خالد في حديثه لرصيف22، ويكمل "كان يجب على الجهات المعنية، أن تخضع لنظام بيع التذاكر المُقرر في البطولات الوطنية، بمعنى أن تطرح تذاكر كل مباراة مُعينة على حدة، إضافة إلى خاصية البطاقة الوطنية أو جواز السفر بالنسبة إلى الأجانب، لكل تذكرتين، كي تتفادى بذلك احتكار جهات مُعينة لكافة التذاكر وإعادة بيعها في السوق السوداء".
قام الإتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" بطرح تذاكر كأس العالم للأندية 2023، المُقام بالمملكة المغربية، ما بين 1 و 11 من شهر فبراير/ شباط الجاري، والتي تشارك فيها سبعة أندية بطلة لقاراتها وهي: الأهلي المصري، الهلال السعودي، أوكلاند سيتي، الوداد البيضاوي، سياتل ساوندرز، فلامينغو، وريال مدريد؛ غير أنها بيعت بالكامل في وقت وجيز.
تنظيم مُحكم وتذاكر غائبة.. من المسؤول؟
مُباشرة بعد تداول أخبار نفاذ تذاكر المُباريات من نقط البيع الرسمية، رجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالكثير من المنشورات المُعبرة عن حالة عارمة من استياء المُشجعين الرّاغبين في تشجيع فرقهم الكُروية؛ وزاد شغف المُشجعين أكثر بحضور المباريات مباشرة من قلب الملاعب، بعد تداول صُور حفل الافتتاح، في ملعب ابن بطوطة في القرية الرياضية في مدينة طنجة، الذي تخللته عروض فنية، ذات دلالات ثقافية، من قبيل رقصات فنية تسلط الضوء على كل من الثقافة الأمازيغية والحسانية وغيرها، للتأكيد على تعدد الثقافات في المملكة؛ خاصة أنه حطّم الرقم القياسي في عدد الحُضور، وذلك منذ أول نسخة لهذه المسابقة الدولية سنة 2000 التي أقيمت بالبرازيل.
استغلت السوق الموازية خللا في نظام بيع تذاكر مباريات كأس العالم للأندية لشراء غالبيتها فوجد الجمهور نفسه ضحية لأسعار التذاكر الباهظة
تباينت آراء رُواد مواقع التواصل الاجتماعي، بين من يُثني على "الترتيبات التنظيمية الناجحة لحدث الافتتاح"، وبين من يكشف عن أسفه من "عدم قُدرته على الحصول على تذكرة" مُطالبا بتدخل الجامعة المغربية لكرة القدم، من أجل الضرب بيد من حديد على كل من سوّلت له نفسه احتكار تذاكر كل من مباراة الوداد الرياضي، وكذا مباراة ريال مدريد، إضافة إلى مقابلة النصف نهائي التي تجمع فلامينغو البرازيلي بالفائز من مواجهة الوداد والهلال؛ وضمان حصول المُشجعين على التذاكر بأسعار معقولة. وكذا توسيع الأبحاث القضائية في قضية استفادة بعض الجمعيات الرياضية من التذاكر بهدف توزيعها على عدد من المواطنين، لكنهم لم يفعلوا ذلك.
ترى فاطمة الزهراء جودار، صحافية متخصصة في الرياضة، أنه "بحكم أن كأس العالم للأندية نُظّم قبل سنوات بالمغرب، فعدد كبير من الجمهور المغربي كان حريصا على انتقاء التذاكر قبيل طرحها من طرف الفيفا وتفادي شرائها من السوق السوداء بأثمنة مضاعفة"، مضيفة "لكن للأسف، رُغم ذلك، قد حصل ما لا تحمد عقباه، إذ أن عُشاق نادي الوداد ونادي ريال مدريد المغاربة صُدموا بنفاذ كافة التذاكر، ساعات قليلة بعد طرحها للبيع في نقط البيع الرسمية".
"إن ثمن التذاكر الرسمي الذي كان في المتناول، هو ما جعل نُشطاء السوق السوداء يتهافتون على اقتنائها بكثرة، من أجل ضمان إعادة بيعها بعد ذلك بأثمنة خيالية"، تردف جودار، في حديثها لرصيف22 مؤكدة "أن عدم حصر إمكانية اقتناء التذاكر في تذكرتين فقط بالنسبة لكل مشجع ساهم كذلك في سُرعة نفاذها".
كان الاتحاد الدولي لكرة القدم، قد مكّن الجماهير من "شراء 4 تذاكر كحد أقصى في كل مباراة"، مشيرا إلى أن "جميع المشجعين، بما في ذلك الأطفال، وأن الأشخاص الذين يستعملون كراسي متحركة، يمكنهم شراء تذاكرهم لولوج المباريات، مع إرفاق طلبهم بإثبات رسمي لاستعمالهم الكراسي المتحركة، ويمكنهم أن يستفيدوا من تذكرة مجانا لمرافق شخصي لهم".
في السياق نفسه، تؤكد جودار، أن "نفاذ التذاكر، قابله تذمر كبير جدا لمناصري الفريق الأحمر ومحبي ريال مدريد المغاربة، خاصة أن الأثمنة المطروحة في السوق الموازية تفوق بكثير القدرة الشرائية للمشجع المغربي"، مردفة في حديثها لرصيف22 أن "طرح التذاكر على دفعات كان من شأنه ردع محترفي السوق الموازية. كما أنه كان يجب على الفيفا نص شروط صارمة لبيع التذاكر خصوصا فيما يخص الكمية المخصصة لكل شخص".
"عاينت عن قرب، صبيحة موعد استخراج التذاكر، يوم الاثنين المُنصرم، في قاعة الأخضر الرداد في مدينة تمارة صدمة المُشجعين المهووسين بكرة القدم، بخبر نفاذ كافة التذاكر" تسترسل المتحدثة نفسها، مشيرة إلى أنه "كان من المفترض على فيفا طرح دليل تفسيري لشروط اقتناء التذاكر، لتفادي ما حصل، إذ أنه من حصل على تذاكر المباريات كان محظوظا جدا، بعد أن سهر ليلة طرح التذاكر على الموقع الرسمي للاتحاد الدولي، وكان سريعا في النقر للحصول على تذكرة، بات مُشجعون آخرون، يرونها بمثابة حلم بعيد المنال".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...