في واقعة شهدتُها شخصياً، سمعتُ أحد الأولاد الصغار في شارعنا يضرب آخر، فحاولتُ أن أفصل بينهما، مستفسرةً عن سرّ هذا الصراخ والضرب المبرح، وإذ بي أكتشف أن الطفل الذي تعرض للضرب كان قد "لطش" هوية الضارب من يده، ليراها.
اعترف الضارب بأن الهوية فيها اسم أمه، زاعماً بأن أصحابه سيتنمّرون على اسمها، بالقول: "يا ابن فلانة"، ويزيدون على الاسم ما يخطر لهم من الصفات، وهذا ما لا يرضاه هذا الصغير أبداً، لا على نفسه ولا على عائلته.
اسمنا عيب أو مُخجل؟
"يتحاشى الشاب ذكر اسم أمه أمام أصدقائه حتى لا ينادوه ‘يا ابن فلانة’، ويعدّها مسبّةً في حقه. كما لا يعرّفهم باسم أخته من باب الحماية والحرص"؛ هذا ما قالته الدكتورة في علم النفس الإعلامي سهير السوداني، عادّةً أنه نوع من المعايير الاجتماعية التي لها دلالات اجتماعية تنمّ عن الثقافة التي تسود المجتمع الذي يعيش فيه الشاب.
اسم العروس تحوّل فجأةً إلى "كريمته"، لذا يقولون: "تزوجتْ شقيقة فلان أو ابنته"، عوضاً عن اسمها الحقيقي، خشية التشبه بعادات الغرب أو تحسّباً لما لا تُحمد عقباه
ولهذا تعدّ بعض المجتمعات والبيئات ومن دون تعميم، اسم الأم أو الأخت أو الزوجة من الخطوط الحمراء المفترض عدم الوصول إليها والبوح عنها علناً أمام الناس.
بطاقات الأفراح كذلك لم تنجُ من هذا الأمر، فاسم العروس تحوّل فجأةً إلى "كريمته"، لذا يقولون: "تزوجتْ شقيقة فلان أو ابنته"، عوضاً عن اسمها الحقيقي، خشية التشبه بعادات الغرب أو تحسّباً لما لا تُحمد عقباه.
هو "الجهل بحد ذاته"، بحسب وصف الباحث وأستاذ علم الاجتماع، الدكتور حسين الخزاعي، الذي قال لرصيف22، إن دعوات الأفراح تحولت فعلاً إلى إلكترونية، لكن هذا الموروث لم تتم دراسته ولا تعديله، برغم أن المدعوين إلى الزفاف هم من عائلتَي العريس والعروس ويعرفون بعضهم: "المزعج أن هذا التصرف تمارسه فئة متعلمة في المجتمع"، على حدّ قوله.
هو التواطؤ الثقيل المسكوت عنه
يبرر البعض تغييب اسم العروس بدافع الخجل من اسمها، فقد يكون غريباً أو صادماً وليس من الأسماء التي تعولمت وبدأت غريبةً على مسامعنا، كأن يكون لطفية أو صفية أو شمّة أو صيتة مثلاً، ومع ذلك، هذا كله لا يهمّ، فحجب اسمها فيه امتهان وانتقاص من مكانة الزوجة، وعليها ألا تقبل بذلك، لأن الزفاف وطقوسه مقصود بهما شرعاً وعُرفاً إشهار الزواج.
دينياً، لا يجوز كتم اسم الزوجة، فالنبي محمد كان يعتزّ بزوجاته، ونصف الدين مأخوذ عن السيدة عائشة أم المؤمنين، ما يعني أن من يكتم اسم الزوجة جاهل أو يغلّب العيب والتقاليد على الشرع.
ومع ذلك، هناك الكثرة الغالبة ممن يتقبّلون ذكر اسم المرأة بنفس اسمها أياً كانت من دون أي استغراب، بل يذكره بوضوح، وفق رأي الأخصائية النفسية ومدربة التنمية الذاتية، سحر مزهر، في حديث إلى رصيف22.
"عرسان حردانين"
كشف خالد (اسم مستعار)، لرصيف22، عمّا حدث معه عند تحضير بطاقة زفافه: "دار حماي رفضوا أكتب اسم زوجتي عليه، ولما سألتهم عن هالسر العظيم، قالوا لي عادات وتقاليد، وهيك صار مع أخواتها السابقات، والله كنت مفكر ألغي العرس لأجل هالغباء إلي بسمعه، وبعد عدة (هوشات) اضطريت أوافق على كتابة كريمته".
وتابع بالقول: "كل ما بتذكر هالموقف بنقهر وبفكر أتجوز واحدة تانية عشان أكتب اسم زوجتي على كيفي، ومتل ما هو، من دون لفّ ودوران، مو على كيف أهل مرتي".
"دار حماي رفضوا أكتب اسم زوجتي عليه، ولما سألتهم عن هالسر العظيم، قالوا لي عادات وتقاليد، وهيك صار مع أخواتها السابقات، والله كنت مفكر ألغي العرس لأجل هالغباء إلي بسمعه، وبعد عدة (هوشات) اضطريت أوافق على كتابة كريمته"
بدورها، وافقت الصحافية أمل التي تبلغ من العمر 45 عاماً، على الارتباط بزميلها الصحافي الذي يعلم جيداً حجم علاقاتها وصداقاتها في الوسط الصحافي، واستبدل اسمها من أمل إلى كريمته في بطاقة.
وتعليقاً على هذا التصرف، قالت أمل: "لما شفت اسمي كريمته، بعد ما كل إلي بيعرفوني إنه اسمي أمل، اتصلوا معي ليباركوا لي على تغيير اسمي وكيف تشقلب بهالسرعة من أمل إلى كريمته، والأنكى من هيك، من وقتها الناس بتناديني باسم كريمة أو كريمته، بجد صرت مضحكة، مسألة مخزية بين زملائي والناس".
أهل العروس: وين اسم بنتنا؟
يعتقد كثيرون أن طمس اسم الزوجة من بطاقة فرحها، فيه كرامة لأبيها وأسرتها، لكن هناك من يستنكر هذه العقلية جملةً وتفصيلاً، ولا يخفي موقفه.
فعلى سبيل المثال، استنكر أحد الوزراء السابقين في الأردن تجاهل بطاقة دعوة فرح ابنته ذِكر اسمها ووضع كلمة (كريمته)، الموجهة للمشاركة في حفلات الأعراس، بحجة الالتزام بالأخلاق والتقاليد، ما استدعاه إلى نشر بوست على حسابه عبر فيسبوك، قائلاً فيه: "كريمته؟؟!! تتجاهل بعض بطاقات دعوات الحضور للمشاركة في حفلات الأعراس ذكر اسم العروس، وتضع مكانه كلمة (كريمته) في اعتداء جائر ومستفز على وجود وحضور المرأة الإنساني والاجتماعي، أي تخلف هذا؟ وأي جهل؟ وأي عيب يرتكبه بعضنا في مطلع الألفية الثالثة؟ وأي ادّعاء وتظاهر مكشوف بالالتزام بالأخلاق والتقاليد. هل يعقل ذلك وقد كان رجالنا في عهود سابقة يفتخرون وينتخون بأسماء أخواتهم وبناتهم فيقول أحدهم: وأنا أخو صبحة، أو وأنا أبو شيخة. وكانت ولا تزال عشائر أردنية كريمة تتسمى بأسماء المشاهير من نسائها، فتُكنّى إحدى العشائر مثلاً بأخوة خضرة".
رأي هذا النائب يشبه تماماً رأي لانا (اسم مستعار)، التي تعمل في بيع الملابس: "مش عارفة أضحك ولا ألطم صراحةً، يعني أنا إلي سنين بنتظر ارتباطي برجل يقدّرني ويحترمني، بعد شغلي إلي بقعد فيه ساعات واقفة ممنوع أقعد والأهم إنه الشارع والجيران بعرفوا اسمي، آخرها بقرر زوجي وعائلته يستبدلوا اسمي بـ (كريمته)، عشان ما حدا يناديه باسمي، يعني حدا يشرح لي وين العظمة والكارثة لما يعرفوه الناس؟ المهم بعد صراع طويل وافقتُ رغماً عني يصير اسمي بين يوم وليلة (كريمته)".
أفكار غريبة
في حديثها إلى رصيف22، أكدت الأخصائية التربوية والأسرية، الدكتورة آمال الدويري، أن وأد اسم العروس في بطاقة فرحها، ليس فيه تكريم لها: "المرأة مكرّمة مسبقاً من الله، وسواءً ذُكر اسمها أم العكس، فهو لا يُنقص من قيمتها ولا يزيده، لذلك، لا داعي لمسحه من الأساس، حتى وإن كان هذا يعود عند البعض إلى العادات والتقاليد الاجتماعية والأعراف المتوارثة".
وأضافت: "حتى وإن كان البعض يرى أن في طمس الاسم حياءً أمام الأغراب، فماذا نقول عن ذِكر القرآن الكريم للسيدة مريم، وكلنا يعرف أسماء زوجات سيدنا محمد عليه السلام وبناته، هذا في حال ارتبط الأمر بالحلال والحرام أساساً".
هل يعقل ذلك وقد كان رجالنا في عهود سابقة يفتخرون وينتخون بأسماء أخواتهم وبناتهم فيقول أحدهم: وأنا أخو صبحة، أو وأنا أبو شيخة. وكانت ولا تزال عشائر أردنية كريمة تتسمى بأسماء المشاهير من نسائها، فتُكنّى إحدى العشائر مثلاً بأخوة خضرة؟"
زاويةٌ أخرى ينظر منها البعض إلى الموضوع بحسب الدويري، وهي أن العريس وأهله في وأدهم اسم العروس إهانة لها كأنثى من باب احتلال الذكورة للكوكب. وقد تختلف الآراء تبعاً للعمر ودرجات الوعي المتفاوتة، كونها تطويب مُلكية متوارثاً للرجل: "أعود وأؤكد أن الفتاة التي تكتب اسمها على (باجة) عملها، واسمها خرج من نطاق دائرة التضييق من كل النواحي، يدل على أننا في تطور تكنولوجي وانفتاح كبير لم يعد لاختباء اسمها فيه مكان".
وتساءلت: "إن كان شكل طلب يد الفتاة للزواج اختلف عن ماضيه، ومعلوماتها الشخصية وصورها باتت معروفةً، وانتقلت أيضاً من الرؤية الشرعية إلى رؤيتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الصور والفيديوهات، هل هذا يستدعي أن نُخفي اسمها أو نخجل من ذكره؟".
ورأت الدويري أن تحديات اليوم تحتاج إلى المرونة، وحلول الأمس لا تناسب الحاضر: "ومن قال لكم إن من باب إكرام المرأة حجب اسمها أو طمسه؟".
في الختام، قد يتساءل البعض: "هل اسم العروس عيب أو مخيف إلى هذه الدرجة حتى نحذفه تماماً من بطاقة فرحها ونستبدله بكلمة كريمته، وكأن المرأة مجرد ملحق بالزوج؟".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...