أقدمت صحيفة تابعة للسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، أبو مازن، على فصل رسّام الكاريكاتور الفلسطيني البارز محمد سباعنة على خلفية نشره رسماً ساخراً انتقد تقاعس السُلطة عن الرد على الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة على الضفة الغربية المحتلة ومخيم جنين، وهو ما أثار "مخاوف عميقة حيال القيود على حرية التعبير" في مناطق سيطرتها.
نشر سباعنة الذي ينشط بقوة في فضح جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني عبر حسابه في تويتر الذي يتابعه نحو ستة آلاف شخص، يوم 19 كانون الثاني/ يناير 2023، صورةً لأبو مازن - باعتباره زعيماً للسلطة الفلسطينية- وهو يفكر مع تعليق: "القيادة تدرس خياراتها… ندين؟ نشجب؟ نستنكر؟"، مع هاشتاغ "#جنين".
"يثير مخاوف عميقة"
والخميس 26 كانون الثاني/ يناير 2023، أفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عبر حسابه في تويتر: "تم إنهاء عمل رسام الكاريكاتور محمد سباعنة من صحيفة ‘الحياة‘ المحلية، بعد نشره رسماً حمل انتقاداً ضمنياً للرئيس محمود عباس، غير مبرر ويثير مخاوف عميقة بشأن القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير".
"غير مبرر ويثير مخاوف عميقة بشأن القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير"... صحيفة "الحياة الجديدة" الفلسطينية تفصل رسام الكاريكاتور محمد سباعنة لانتقاده، برسم عبر حساباته الشخصية، تقاعس السلطة الفلسطينية عن حماية أهالي #جنين من الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة
وحث المرصد الحقوقي الصحيفة على "إلغاء القرار فوراً، واحترام حق العاملين فيها بالتعبير عن آرائهم المشروعة".
وفي سلسلة تغريدات، قالت منظمة "حقوق رسامي الكاريكاتور" الدولية غير الربحية، والتي تُعرف اختصاراً بـ"CRNI": "رصدنا فصل صحيفة الحياة الجديدة التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية رسّام الكاريكاتور محمد سباعنة بسبب رسم نشره عبر حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي هو يعبر عن رأيه الشخصي".
لفتت الشبكة التي تُعنى بالدفاع عن حقوق رسامي الكاريكاتور في جميع أنحاء العالم إلى أن سباعنة هو ممثلها في المنطقة، مشددةً على أنه "رسام كاريكاتور سياسي ومؤلف روايات مصورة ذائع الصيت وحاصل على جوائز، طالما أظهر دفاعه عن دولة فلسطين وشعبها".
وتساءلت الشبكة: "ببساطة، كيف يكون عمل رسامي الكاريكاتور مؤثّراً إذا لم يكونوا قادرين على انتقاد رؤساء دولهم وحكوماتهم؟"، داعيةً الصحيفة الفلسطينية إلى إعادة سباعنة إلى عمله مرة ثانية واحترام حقه في حرية التعبير عبر حساباته الشخصية وعدم إرغامه على حذف الرسم الذي تسبب في فصله من عمله.
رسام الكاريكاتور الفلسطيني محمد سباعنة لرصيف22: أنا من جنين. عندي استعداد لدفع هذا الثمن. أهلي قدموا أرواحهم لأجل البلد وفيه ناس عمالة بتخسر دمها. معنديش مشكلة أخسر راتبي عشانهم. اللي قدمته أنا إشي كتير رخيص
"أنا من جنين"
في تصريح خاص لرصيف22، قال سباعنة إن ما تعرّض له هو "فصل تعسّفي"، مؤكداً أنه بصدد مقاضاة الصحيفة حفظاً لحقوقه المالية والأدبية.
مع ذلك، قال سباعنة إن القرار، الذي أُبلغ بحقيقة أسبابه من قبل زملاء له مقربين من إدارة الجريدة، كان متوقعاً بالنسبة له منذ بدأ العمل في الصحيفة قبل 15 عاماً وازداد في الآونة الأخيرة مع نشرة ثلاثة رسوم تنتقد تقاعس السلطة الفلسطينية عن اتخاذ موقف حيال الاعتداءات الإسرائيلية الدموية المتكررة على الشعب الفلسطيني.
وأضاف: "هذه ليست أول مشكلة لي مع الجريدة. مند 15 سنة أعمل فيها، و15 سنة أتوقع مثل هذا القرار. لو لم يُتخذ لانتابني الشك في ذكائي أو مواقفي السياسية نظراً للخلافات الجوهرية بيني وبين سياسات الجريدة".
المفارقات العديدة التي تكتنف القرار والتي اعتبرها "مضحكة مبكية". صدر القرار في الذكرى السنويّة الأولى لمعرض رسوم الكاريكاتور الخاص بالزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والذي عدته السلطة مسيئاً وغير ملائم، وأُعلن بالتزامن مع أنباء ارتكاب إسرائيل مجزرة دموية جديدة في مخيم جنين اكتفى الرئيس الفلسطيني بالرد عليها بـ"إعلان الحداد وتنكيس الأعلام ثلاثة أيام" والدعوة إلى اجتماع حكومي لبحث الأمر.
وأسفرت عملية اقتحام الجيش الإسرائيلي لمخيم جنين، صباح الخميس، عن سقوط تسعة شهداء فلسطينيين بينهم سيدة مسنّة، وإصابة 20 آخرين أربعة منهم في حال خطرة.
في اتصال لمحاولة فهم ملابسات قرار الفصل، أبلغ رئيس تحرير الصحيفة سباعنة أن الإدارة ترغب في "تجديد الدماء" عبر تعيين مزيد من الشباب. يقول الرسام الفلسطيني إن الشخص الذي حلّ بديلاً منه "رجل أمن، وقدّي في العمر، وكان مشرف على معرض رسوم عرفات اللي أغضب فتح والسلطة"، معرباً عن دهشته من استبداله بسبب رسم اعتبروه مسيئاً بالمشرف على المعرض الذي أثار ضجّةً واسعة. وزاد بأن رئيس التحرير نفسه يكاد يكون ضعف عمره.
وتابع: "أنا من جنين. عندي استعداد لدفع هذا الثمن. أهلي قدموا أرواحهم لأجل البلد وفيه ناس عمالة بتخسر دمها. معنديش مشكلة أخسر راتبي عشانهم. اللي قدمته أنا إشي كتير رخيص. شيء لا يقارن يعني"، مبرزاً أن حساباته عبر مواقع التواصل الاجتماعي تستطيع إيصال أفكاره ورسوماته الكاريكاتورية بشكل أوسع انتشاراً من "الحياة" ما يعني أن خسارته تتمثل في المردود المادي فقط.
يُشار إلى أن السلطة الفلسطينية اتهمت مراراً وتكراراً بقمع وتقييد حرية الصحافيين المعارضين أو المنتقدين لها، كما حجبت عشرات المواقع المحلية المعنية بفضح الفساد والعدوان على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة أياً كان مرتكبها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...