أشعل معرض للرسوم الكاريكاتيرية للقائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات غضباً واسعاً إذ اعتُبِرت الرسوم "مسيئة" إليه على نحو خاص، و"تشويهاً وتسخيفاً" للرموز والمقدرات الوطنية الفلسطينية على نحو عام، مع نقد فني للمبالغة التي حملتها الرسوم، وهي "غير محمودة".
وكان رئيس وزراء السلطة الفلسطينية في رام الله، محمد اشتية، قد افتتح معرض "كاريكاتير فلسطين وياسر عرفات" الأحد 23 كانون الثاني/ يناير، في المتحف التابع لمؤسسة ياسر عرفات بمدينة رام الله.
وانتشرت مجموعة من الرسوم الكاريكاتورية من داخل المعرض الذي يشارك فيه نحو 100 رسام من 43 دولة، بنحو 350 لوحة فنية عُرض منها على جدران المعرض 250 فيما عُرضت الرسوم المتبقية على شاشة عرض في مدخل المتحف.
وقال اشتية لصحافيين إن الإقبال على المشاركة في المعرض "يدل على حجم التضامن الدولي مع فلسطين وقضيتنا، ويدل على الجذور الراسخة لذكرى ياسر عرفات في المجتمع الدولي"، لافتاً إلى أن "العديد من اللوحات مثلت رؤية العالم لياسر عرفات بعيني الفنان وليس كما هي حقيقته".
لكن الساعات الماضية شهدت انتقادات واسعة للمعرض والقائمين عليه وكذلك لاشتية، مع إجماع محبي عرفات ومنتقديه على أن الرسوم "تسيء" إليه، وهو ما انتهى بـ"المصادرة" و"الإتلاف" للرسوم. علماً أن المؤسسة قالت إن الرسوم المختارة خضعت لـ"نقاش وفحص" واستُبعد منها الذي كان من المحتمل أن يثير "جدلاً دينياً أو عرقياً".
"الرسوم التي كانت تُنشَر في الصحف الإسرائيلية وتقوم عليها الدنيا. اليوم، في مؤسسة فلسطينية برعاية رئيس الحكومة"... غضب واسع من رسوم كاريكاتورية لـ #ياسر_عرفات. هل كان عملاً مقصوداً لـ"تشويه" الزعيم التاريخي للفلسطينيين؟
انتقادات وبيانات فـ"مُصادرة"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، تحسّر ناشطون فلسطينيون على أن "الرسوم التي كانت تُنشَر عبر الصحف الإسرائيلية وتقوم عليها الدنيا. اليوم هي في مؤسسة فلسطينية برعاية رئيس الحكومة".
وتداول منتقدون صورة اشتية وهو يضحك على الرسوم، قائلين إنه تنبغي محاكمة اشتية بتهم "الإساءة للرموز والنيل من الوحدة الوطنية والثورية وقذف مقامات عُليا". وتحدث آخرون عن "غضب فتحاوي عارم من إهانة سلطة عباس واشتية لعرفات".
كذلك خلّفت الرسوم موجة من "الميمز" والتعليقات الساخرة على المعرض. وشكر فلسطينيون منتقدون لعرفات المؤسسة على "مخزون الميمز يلي قدمولنا ياه ويلي رح يكفينا إن الله راد لسنة كاملة".
ولفت الصحافي الغزّي أحمد المقادمة: "طبعاً لو حد ثاني من الشعب عملها كان عفن في (سجون) أريحا، بس لما تكون مؤسسة رسمية بعتبروه فن"، مذكراً بالهجوم المتكرر على رسام الكاريكاتير الموالي لحركة حماس بهاء ياسين والدعوات إلى محاكمته على خلفية رسومه عن عرفات.
وزاد المقادمة: "المضحك أن القائمين على المعرض استثنوا مشاركة بعض الفنانين بسبب انتماءاتهم السياسية المعارضة للسلطة. يعني كل المشاركين مرضي عنهم وهاد يلي طلع معاهم؟".
"كيف لسلطة أن تقوم برعاية معرض كاريكاتير والكاريكاتير أساسه انتقاد السلطات؟"
ودخلت شخصيات سياسية وعامة على خط التعليقات الغاضبة إذ اعتبر القيادي في تيار الإصلاح الديمقراطي، غسان جاد الله، أن تحويل صور عرفات إلى مشاهد كاريكاتيرية ساخرة نابع من محاولات "تشويه كل مقدرات شعبنا وتسخيف كل رموزنا الوطنية"، مشيراً إلى أن القيام بذلك تحت "رعايةٍ رسميةٍ" يعتبر "إساءة مقصودة وعاراً يلحق بأصحابه وجريمة تستحق معاقبة مرتكبيها".
ووصفت حركة فتح في رام الله والبيرة الرسوم بأنها "مسيئة لرمزية ياسر عرفات وشخصيته الثورية"، مطالبةً بإزالتها فوراً أو أنها ستتدخل هي لإزالتها بأيدي أعضائها.
أما القيادي في فتح، قدورة فارس، فكان أشد لهجةً في انتقاد المعرض إذ رأى أن عرض الرسوم الكاريكاتورية "عمل خبيث ومقصود وليس بريئاً على الإطلاق لأن هناك عملية تخديش وتبهيت لصورة الرمز والقائد أبو عمار في وعي ووجدان الأجيال الصاعدة". ودعا إلى "أولاً، وقف المعرض وإتلاف الرسومات، وثانياً تشكيل لجنة تحقيق حركية ومعاقبة المسؤولين عن هذا العمل المشبوه والتشهير بهم".
إثر هذه الضجة، قال "متحف ياسر عرفات"، في بيان، إن الرسوم المعروضة "تُمثل وجهة نظر راسميها" الذين رسموا شخصية أبو عمار "من منظورهم الفني والثقافي والاجتماعي. فبعضهم رآه بمنظار صيني، وآخر بمنظار جنوب أفريقي، وآخر بمنظار برازيلي وهكذا، وجميعهم من منظار تضامني معنا".
وشدد المتحف على أن ما نُشر بالمعرض "لا يمس ياسر عرفات بشخصيته ورمزيته" وأن "فن الكاريكاتير من الفنون الجدلية والإبداعية"، مؤكداً مراجعة كل الرسوم المعروضة وحذف ما أغضب الفلسطينيين.
ورفض كثيرون تبريرات المتحف. كتب أحدهم: "هاده بيحكيلك مؤسسة ياسر عرفات في معرض الكاريكاتير شافوا أبو عمار من أكثر من منظور عالمي بس شكلهم نسيوا المنظور الفلسطيني".
نقد من منظور فني
من وجهة نظر فنية، لفت رسام الكاريكاتير الفلسطيني الشهير علاء اللقطة إلى أن للمبالغة في رسم الكاريكاتير -كما في رسوم معرض أبو عمار- وجهين هما وجه حسن ووجه قبيح وهذا يعتمد على الشخصية المراد رسمها. وأضاف: "عندما أرسم (رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أرئيل) شارون أو (إيهود) أولمرت أو (بنيامين) نتنياهو أستخدم المبالغة القبيحة التي تعكس شخصياتهم وتخدم فكرة الكاريكاتير الذي أتناوله كرسام فلسطيني في نقد أو فضح قادة الاحتلال وجرائمهم".
"المضحك أن القائمين على المعرض استثنوا مشاركة بعض الفنانين بسبب انتماءاتهم السياسية المعارضة للسلطة. يعني كل المشاركين مرضي عنهم وهاد يلي طلع معاهم؟"
أما المبالغة الحسنة لديه فهي "تصور الشخصية العظيمة كالشهداء والأسرى وأبطال المقاومة، فمهما بالغت يجب الحفاظ على قدسية الشخصية ورمزيتها بحيث تكون محببة لعين القارئ وهو رسم تمجيد وتوقير".
من هذا المنطلق، اعتبر اللقطة أن الرسومات في معرض عرفات "إهانة للشهيد أبو عمار وقدح في رمزيته بل إساءة لكل من يحبه"، مستدركاً: "كان على منسقي المعرض أن يلفتوا انتباه الرسامين المشاركين إلى رمزية أبي عمار وإلى هدف المعرض وهو تخليد ذكراه. وما داموا لم يفعلوا ذلك فعلى الأقل حجب الرسومات المسيئة!".
إقصاء لأسباب سياسية
تجدر الإشارة إلى أن الانتقادات للمعرض هي انعكاس لسياسة قمع الفن وانعكاس لمبدأ الصوابية والخطأ وكلاهما رسخته السلطات الفلسطينية في مناطق سيطرتها إذ حوكم/ يحاكم الكثير من الكتّاب والفنانين والناشطين عبر السوشال ميديا بتهم واهية، بينها الإساءة للرموز أو السلطة وزعزعة استقرار المجتمع وما شابه.
المفارقة أن القائمين على المعرض، الذين رضخوا في النهاية للضغط الشعبي والسياسي، وقعوا في فخ قمع الأصوات المتنوعة بمنع مشاركة الفنانين المختلفين سياسياً مع سلطة الرئيس محمود عباس.
"الموضوع مش الكاريكاتير إنما الوضع اللي بيغلي بالبلد والقطيعة مع الناس وفقدان الأمل والخوف العظيم من المستقبل".
قال رسام الكاريكاتير محمود عباس في حسابه عبر فيسبوك: "تم سحب اسمي من القوائم ‘مع أني لم أتقدم بطلب المشاركة‘"، مذكراً بأن اشتية سبق أن هاجمه في مؤتمر صحافي بسبب رسم كاريكاتيري بينما قطعت السلطة رواتب والدي وشقيقيّ "الشهداء" بسبب رسوماتي. وأضاف أن السلطة قطعت راتب أمية فايز جحا لنفس السبب أيضاً.
وسأل الرسام الفلسطيني مستغرباً: "كيف لسلطة أن تقوم برعاية معرض كاريكاتير والكاريكاتير أساسه انتقاد السلطات! في النهاية، لو تم توجيه الدعوة لشككت بنفسي ولراجعت حساباتي".
وسخر علاء اللقطة من المعرض بصورة تضمنت فرشتين، الأولى فرشاة أحذية كتب عليها "فرشاة لتلميع الأنظمة الفاسدة"، وأخرى فرشاة رسم كتب عليها "فرشاة لدك عروش الأنظمة الفاسدة"، في إشارة إلى أن فرشاة الرسم المهنية لم تكن يوماً لتخضع للأنظمة.
وأكدت هنيدة غانم، مديرة مركز مدار الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، أن "الكاريكاتير اللي بيرسم صور مثالية لأي كان ومهما كان مش كاريكاتير" وإنما "رسم مع لمسات فنية وتحرير وفلتر". واعتبرت أن "الموضوع مش الكاريكاتير إنما الوضع اللي بيغلي بالبلد والقطيعة مع الناس وفقدان الأمل والخوف العظيم من المستقبل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...