شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
تدريس الأمازيغيّة في المغرب...

تدريس الأمازيغيّة في المغرب... "تيفيناغ" الأخ المظلوم في التعليم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 23 يناير 202302:16 م

لماذا ما زال أساتذة اللّغة الأمازيغيّة يتجرّعون مرارة الخيبة والإحباط؟ ظلّ هذا السؤال يتجدّد كلّ سنة منذ عقدين من الزّمن؛ أي منذ بداية إدماج الأمازيغية في المدرسة العمومية سنة 2003. حين تواصل رصيف22، مع معظمهم، اتضح أنّ حكاية ترسيم الأمازيغية ما زالت تثير الكثير من "الغضب" في صفوف مدرّسيها والفاعلين الأمازيغيين المدافعين عنها.

لم يكفّ الفاعلون عن النداء بالترسيم أفقيّاً وعموديّاً، أي على نحو عمليّ، كونه مدخلاً أساسيّاً لضمان حيويّة اللغة الأمازيغية داخل المجتمع والمدرسة. وهو ما سيؤدي، بالتّبعة، إلى استكمال باقي الحقوق الهوياتية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بها. لكن، كيف ينظر أساتذة اللغة الأمازيغية إلى مكانة مادّتهم داخل مدارس المملكة؟

الأمازيغية لغير النّاطقين بها

نبدأ مع محمد، أستاذ اللغة الأمازيغية في مدينة الريصاني جنوب شرق المغرب. يصف الأستاذ الوضع على أنه "مأساة"، قائلاً إنّ "الصعوبات، تتحدد وفقاً للنطاق الجغرافي حيثُ يشتغل المدرّس مثلاً، فهل المنطقة مميّزة بغالبية من الأمازيغ أم من غير الأمازيغ؟ هذه مشكلة تواصلية في الأساس، لأنّ التواصل بين الأستاذ يكون إما سلساً ومباشراً أو متعثراً بسبب اللغة، بمعنى أنه حين تحاول تدريس الأمازيغية لغير الناطقين بها، فهذا يستدعي جهداً مضاعفاً، لذلك أغلب التلاميذ لا يستوعبون كثيراً الدروس الخاصة باللغة الأمازيغية، ولذا يصبح التواصل محدوداً بسبب الهوّة اللغوية بين المُعلِّم والمتعلّم".

يؤكد محمد أنّه في المنطقة حيث يدرِّس، غالباً ما تصطدم عمليّة تنزيل الدروس الخاصة باللغة الأمازيغية، بتصورات خطأ عند الآباء، وتنتقل تلقائياً إلى التلاميذ، من قبيل أن اللغة الأمازيغية هي مادة بلا أيّ قيمة تربويّة، أو أنها لا تصلح للعصر، وأنها مجرد نافلة... إلخ. هنا، يقول الأستاذ في تصريحه لرصيف22، إنّ الأمر بلغ حدّاً جعل "الكثير من الآباء يصرّحون علانيّة بأنهم لا يريدون لأبنائهم أن يتعلموا الأمازيغية، وهذا يخلق مشكلةً في رؤية المتعلم للمادة. فهل هي بالنسبة إليه لغة مثل باقي اللغات الحاسمة في مساره التكوينيّ، أم أنه ينظر إليها كشيء ثانوي لا يضرّ تركه بالمسار إجمالاً؟".

كيف ينظر أساتذة اللغة الأمازيغية إلى مكانة مادّتهم داخل مدارس المملكة؟

مشكلة أخرى، يصرّ محمد أن يجرّها للمساءلة، وهي أنّ اللّغة المعياريّة التي يراد تعميمها لم تراعِ الاختلاف بين اللهجات (السوسيّة، تمازيغت، والريفيّة)، في مختلف المجالات الجغرافية للمملكة، فمثلاً إذا قدّمت اسماً لشيء ما، أو صفةً باللغة المعيارية، فهي غير متوافقة مع اللهجة الأمّ التي نشأ عليها المتعلم، وتالياً هذا يخلق لديه ارتباكاً في عملية التعلم، إذ يتيه بين لغة العائلة ولغة المدرسة في تفاصيل صغيرة، لكنها فارقة. لذلك، كان سيكون أفضل لو تم تدريس المستويات الثلاثة الأولى باللهجة المحلية، حتى ينضج الجهاز المفاهيمي، ثم بعد ذلك يمكن إغناؤه بلهجات مناطق أخرى.

لكن، هل ما يتحدث عنه محمد مشكلة تتعلّق به وحده؟ تجيبنا نادية، وهي أستاذة للّغة الأمازيغية في منطقة تنغير، في جهة درعة تافيلالت، مفيدةً بأنّ "كلّ المشكلات عامّةً تلمسُ كلّ أستاذ للّغة الأمازيغية وتؤثر على أدائه التربوي وعلى الدرس في المجمل، خصوصاً أنّنا نجد أستاذاً واحداً أو أستاذةً لمادة اللغة الأمازيغية في كلّ مدرسة. لكن، هذا المدرّس يتمّ تكليفه بأقسام دراسية كثيرة".

تقول نادية في حديثها إلى رصيف22: "في حالتي مثلاً، أدرِّس 7 أقسام، بمعدل 38 تلميذاً في كلّ قسم، وتالياً أنا مكلّفة بتعليم اللغة الأمازيغيّة لنحو 266 تلميذاً. هناك إكراه في الكمّ، فمثلاً لنتخيٍل أننا نريد القيام بكتابة نموذجية، أو أن ندرِّس كل مكونات الحصّة ونشرك جميع التلاميذ في صناعة الدرس. هذا مستحيل، زمنيًّاً وبيداغوجياً".

في المدن الصغيرة كما في كبريات المدن يعاني أساتذة اللغة الأمازيغية من التهميش مقارنة ببقية الأساتذة. تهميش لدورهم ولمادتهم

لا تفوّت نادية الفرصة لوضع الإصبع على الجرح المتعلّق بمشكلة انعدام الاستمرارية والديمومة في تدريس اللغة الأمازيغية، فالدروس تتوقف في الصف الابتدائي الثالث، ويتعثر التعميم، ويصبح الدرس مشروخاً.

هذا يطرح مشكلةً لكثير من الأساتذة إذ إنهم لا يدرسون اللغة بشكل إستراتيجي، فهم يدركون أن المسار سيتوقف، لذلك تقتصر الدروس على المقرر من دون إبداع ومن دون أنشطة موازية في غالبية الأحيان، والحلّ أن تتمّ مساواة الأمازيغية باللغة الرسمية الأخرى، لتجاوز كلّ هذا التخبّط.

مشكلات أخرى

لا يقتصر الأمر على المناطق البعيدة عن العاصمة، بل هو موجود أيضاً في الرباط والمدن الكبرى المحاذية لها من قبيل سلا. ترى إلهام وهي أستاذة تابعة للمديرية الجهوية في سلا، أنّ الارتجالية والعشوائية الحالية تبيّن أنّه ليست ثمّة رؤية وزراية أو رسمية واضحة للنهوض باللغة الأمازيغية، ويبقى الأمر كلّه على عاتق الأستاذ الذي عليه أن يجتهد ويبدع، وهو يدري أنّه يعاني من حيف غير مقبول.

في حديثها إلينا، تفيد إلهام بأنّ لديها 200 تلميذ ضمن أقسام عدة، يحتاجون إلى نماذج للكتابة، وهذا يدفع الأستاذ إلى كتابتها لكلّ تلميذ، أي ما مجموعه 200 نموذج. تقول المتحدثة: مرّةً كنت قررت أن أطبع الورق لكي أدّخر الوقت والجهد لأشياء أخرى، ونمرّ بسرعة لإتمام المقرّر (المنهج الدراسي) في الوقت، فطلبت من التلاميذ ثمناً زهيداً للطبع، لكنّ الإدارة رفضت ذلك بصفة قطعيّة، وطلبت مني التوقف الفوري عن عملية الطبع، متحججةً بأن ذلك غير قانوني. وهذا وحده يفسّر أن الفاعل الإداري ينظر إلى الأمازيغية كمادة هامشية لا تحتاج إلى جهد كبير.

طريقة العمل في المدارس المغربية لا تساعد على انتشار مادة الأمازيغية ولا على أن تكون لها مكانة مناسبة وسط المتعلمين

الأستاذ الذي يكتب نماذج للتلاميذ، خصوصاً للسنتين الأولى والثانية الابتدائيتين، مطالبٌ في ما بعد بتصحيحها حين ينقل التلاميذ النموذج. لذلك، ترى إلهام أنّ "هذا مرهق ومكلف نفسياً وبيداغوجياً، لأن طبع نموذج لكلّ تلميذ سيكون حلاًّ عمليّاً ومفيداً لي كأستاذة وللتلاميذ أيضاً. هذا فضلاً عن مشكلة أنه ليس هناك أيّ أستاذ في المغرب للّغة الأمازيغية يتوفر على قاعة خاصة به، فيضطر في كلّ مرة إلى التنقل من قاعة إلى أخرى. هذا التنقل مرهقٌ جسدياً ونفسياً ومزعجٌ جداً لأنه يفوّت نصيباً مهمّاً من الحصة الدراسية؛ كأنّه ترحالٌ يوميّ والأستاذ محمّلٌ بجذاذاته ومذكرته اليومية حيث تدوَّن تفاصيل سير الدروس".

الأمر نفسه، يؤكده ياسين، أستاذ الأمازيغية في مدينة مراكش، الذي يرى أنّ "القاعة ضروريّة لكلّ أستاذ مهما كان تخصّصه، فأحياناً أكتب لهم على السّبورة، وننتقل من تلك القاعة ويضيعُ ذلك المحتوى من دون أن نحتاجه لحصة أخرى أو لقسم آخر مثلاً"، ثم يضيف مفسّراً: "والمأزق الآخر أنّ الأستاذ، أو الأستاذة، الذي يحتلّ القاعة بشكل يوميّ قد يطلب مني ألا أمسح تلك السّبورة التي ترك فيها شيئاً من الدرس متعلقاً بمادة أخرى. هو يعدّ القاعة خاصةً به بشكل حصريّ، ولكن، حين يتعلق الأمر بمادة اللغة الأمازيغية فهي لا تتوفر في أي مؤسسة في المغرب على قاعة مخصصة لها".

في تصريحه لرصيف22، يعتقد ياسين يقيناً أنّ "التلميذ في الابتدائي يحتاج إلى الرسومات وأسماء الحيوانات والأشهر بالأمازيغية... إلخ، وهذه الأشياء ينبغي أن توضع على شكل ملصقات على جدران قاعة الدرس بشكل دائم لأنها دعائم تربوية. فالتواصل بالصورة مع تلاميذ الابتدائي يُعدّ عملاً ديداكتيكياً مهماً، لأن ذلك يُشعر التلاميذ بأنهم في قاعة للأمازيغيّة، وتركيزهم سينصبّ على تلقّي دروسها".

"التلميذ في الابتدائي يحتاج إلى الرسومات وأسماء الحيوانات والأشهر بالأمازيغية... إلخ، وهذه الأشياء ينبغي أن توضع على شكل ملصقات على جدران قاعة الدرس

من جانبه، يؤكد عبد الله بادو، المفتش التربوي في المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية في الرباط، أنّ مشكلة المناهج المتعلقة بالأمازيغية أعمق، أي طريقة بناء المناهج المتعلقة باللغة الأمازيغية، التي لا تخضع لأي منطق تربوي أو بيداغوجي. فأولاً على مستوى الطريقة، البناء غير متماسك ولا يوفر تدرجاً في تعلم اللغة ولا يوفّر الحيز الزمني لتعلم كل الكفايات المرتبطة بتملك اللّغة، خاصةً أنّ تعلمها ليس أمراً سهلاً، بل يتطلّب جملةً من القدرات التي تجب تنميتها لدى المتعلم، سواء من حيث تملّك القدرة على الاستماع أو القدرة على التحدّث، أي جانب التواصل الشفهي.

هذا التواصل، وفق ما أوضحه بادو لرصيف22، هو من بين الكفايات المهمة التي يجب تعلمها. أما الجانب الآخر فهو المتعلق بالقراءة والكتابة، لكي يتمكن المتعلّم في النهاية من إنتاج نصّ كتابيّ بناءً على أساسيات التعلم هذه، والمنهج الحالي لا يضمن تعلّمها للأسف، لأن ثلاث ساعات في الأسبوع لا تخوّلنا تنزيل المنهج حتى.

لغة سهلة في تعلّمها؟

يرى بادو أنّ "اللغة الأمازيغية بالمقارنة مع الفرنسية والعربية تتميز بسلاسة في التّعلم بما أنها لا تتغير في كتابتها، في حين أنّ اللغات الأخرى قد نجد فيها حرفاً يُكتب بأشكال عدة، ما يجعل عملية التّعلم معقّدةً، بيد أنّ هذا التعقيد مثلاً غير مطروح في حروف تيفيناغ، ويجعل عمليّة القراءة والتّهجي مباشِرةً وسلسةً".

يؤكّد بادو أنّ "الأمازيغيّة سهلة لأن التلميذ يعرف أن بنية الحرف الشّكلية لا تتغيّر سواء في بداية الكلمة أو وسطها أو آخرها، ما يجعل عمليّة حفظ الحروف سهلةً للغاية"، مشدداً على أنّه "في الفرنسية سيحتاج التلاميذ إلى حفظ أشكال عدة للحَرف في مواضع مُختلفة من الكلمة. أما بالمقارنة مع اللغة العربية، فاللغة الأمازيغيّة لا تتوفر على الحركات كالنّصب والرفع والكسر... إلخ، وهذا أيضاً يجعل عملية تلقّي الأمازيغية من الناحية البيداغوجية عملاً لا يواجه صعوبات في بنية اللغة".

يجمل المفتش التربوي عبر ضرب المثل بتجربة سابقة، قائلاً: "في السابق، كنت أؤطّر أساتذة الأمازيغية في مديرية الدار البيضاء، وعلى هامش زيارات ميدانية لبعض المؤسسات، أجرينا تجارب في الإملاء لفائدة التلاميذ في السنة الثالثة، بحضور النائب الإقليمي للتربية والتكوين. وجدنا أنّ نسبةً كبيرةً من التلاميذ يكتبون اللّغة الأمازيغية بسهولة، بينما وجد العديد منهم صعوبات في تحرير ما أُملي عليهم باللغة الفرنسية والعربية أيضاً، ما يبيّن أنّ الأمازيغية ليست بذلك التعقيد كما يروّج لها".

لكن، إلى متى سيطول الانتظار لكي يتمّ تعميم تدريس اللغة الأمازيغية أفقياً وعمودياً على كل المستويات الدراسية، والحسم مع النهج الحالي الذي يكتفي بوضعية قائمة منذ سنة 2003؟

يبقى هذا السؤال معلّقاً حتى يقرّر الساسة تنزيله إلى أرض الواقع، وتتم الإجابة عنه بشكل يرضي كلّ الأطراف، لتوضع اللغة الأمازيغيّة، في المكانة التي تستحقّها، كونها مكوّناً حيويّاً من مكونات الهوية المغربية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image