في جلسة مغلقة أمام الإعلام والأردنيين، فصل مجلس النواب الأردني، النائب محمد عناد الفايز، على خلفية رسالة إلى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يطالبه فيه بوقف الدعم المالي عن الأردن لأنها "تذهب للفاسدين".
92 نائباً صوّتوا لصالح فصل الفايز، من أصل 110 نواب حضروا جلسة صباح الأربعاء للتصويت على قرار اللجنة القانونية المتعلق بالفصل، بناءً على قرار المكتب الدائم (رئاسة المجلس)، المتضمن إحالة الفايز الى اللجنة القانونية للنظر في ما نُسب إليه من مخالفات.
جاء قرار اللجنة القانونية النيابية بحق الفايز بعد إقرار مخالفته الأعراف البرلمانية والدبلوماسية في ما يتعلق بطريقة المخاطبة والإساءة الصادرة عنه في رسالته إلى محمد بن سلمان، وتشويه سمعة المملكة من خلالها ومخالفته المتعلقة بالغياب عن جلسات المجلس، بالإضافة إلى الحنث بالقسم القانوني وقبض المخصصات المالية من دون وجه حق، خلال فترة غيابه عن المجلس، ومخالفة نصوص وقواعد مدونة السلوك النيابي.
فصل الفايز جاء لثلاثة أسباب، أولها الرسالة السياسية، ثم غيابه عن جلسات المجلس، وأخيراً حصوله على المخصصات المالية كاملةً، بحسب ما ورد في محضر اللجنة القانونية.
هنا يشير الخبير البرلماني، وليد حسني، لرصيف22، إلى أن مجلس النواب كيّف أزمة النائب الفايز "قانونياً"، لتبرير فصله، إذ إنها المرة الأولى التي تتم فيها محاكمة نائب على غيابه وأخذ مخصصاته.
حسني يؤكد أن اللجنة القانونية تحدثت عن غياب الفايز عن 45 جلسةً، مع أخذه كافة مخصصاته المالية، على الرغم من وجود نواب سابقين غابوا أكثر من ذلك وحصلوا على مخصصاتهم.
طالب النائب "بتشكيل حكومة إنقاذ وطني فناقش البرلمان الاردني قرار فصله!
رسالة من نائب بن سلمان
تعود جذور الأزمة إلى شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حين وجه الفايز رسالةً إلى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، طالب فيها بوقف المساعدات المرسلة إلى الأردن، قائلاً: "لم تتوانوا يوماً عن الوقوف مع الأردن، ومد يد العون له، حتى باتت كأنها واجب مفروض من طيب كرمكم وفزعتكم الصادقة النبيلة".
الفايز أضاف في الرسالة التي وجهها إلى مكتب بن سلمان عبر السفارة السعودية في عمّان: "نسمع بالمساعدات للدولة، ولكن لا تذهب سوى إلى طبقة فاسدة تزداد غنى على حساب كرامة الأردني الأبي، فجميع المساعدات الملكية السعودية تُشحد على حساب كرامة شعب أردني، وتهبونها لصون عزة العرب والمسلمين في كل بلد تصل إليه، إلا الأردن فإنها تصل إلى جيوب من يتسيد القرار وإلى زمرة فاسدة أضحى الشعب الأردني هو سبيل رزقها".
وأردف: "فلسان حال الوطن والمواطن الأردني برسالة: لا نريد مساعدات، ولا نريد هبات، فبلدنا مليء بالخيرات، أردننا عزيز على قلوبنا، تأبى كرامتنا أن يقال عنا شعب الشحادين المتسلقين، شعب يلهث خلف من يساعده من أجل نجدته كما يصورونه، فكل خيراتكم تصل إلى جيوب الفساد والفاسدين، وهباتكم تذهب لدفع فواتير جميع الأردنيين منها براء".
تزامنت رسالة النائب مع زيارة رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، إلى الرياض، وقد علّق عليها آنذاك قائلاً: "الأردن أرض الشموخ، والأردني عزة وفخر وكرامة وشهامة، تعرفون في قناعة أنفسكم من يكون، فلا يصورون لكم الأردن سلةً ممزقةً، ولا يبعثون برسائل الشحدة والاستجداء، ولا بزيارة هي أشبه بالخجولة، فكل ما يأتي سيذهب من دون أن يدخل الوطن، ولا يُصرف على مقدرات تعيد لمواطن أردني سرقوا قوت أبنائه وباعوا مقدراته، بعضاً مما له، فالطبقة الفاسدة كاذبة".
تراجعت ثقة الأردنيين بمجلس النواب إلى 17%، بحسب آخر استطلاع رأي أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية.
غضب أردني سعودي
حديث الفايز ليس جديداً أردنياً، فهناك همسٌ في العتمة عن سرقة المنح والدعم المقدَّم للمملكة، لكن هذه الرسالة تحديداً أثارت جدلاً واسعاً في الصالونات السياسية الأردنية، وسببت حرجاً دبلوماسياً للسلطة السياسية في عمّان، وسابقة تاريخية إرسال نائب أردني رسالةً إلى مرجعية سياسية يتحدث فيها عن سرقة الدعم والمنح القادمة من الخليج أو السعودية.
مصادر مقربة من السفارة السعودية في عمّان (فضلت عدم الكشف عن هويتها)، كشفت عن انزعاج سعودي من الرسالة، لمّا قد تسببه من أزمة دبلوماسية بين الرياض وعمّان.
أما السلطة السياسية في عمّان، فقد أخذت قراراً بمعاقبة الفايز بفصله من المجلس، وشن حملة إعلامية ضده، الأمر الذي يتفق معه حسني، عادّاً الفصل "سياسياً" وليس "قانونياً"، وهي أول مرة تحدث في عمر البرلمان الأردني منذ العام 1947، فقد كانت بالإمكان محاكمة الفايز عبر القضاء وليس محاكمته وفصله.
الاستقالة
في بداية الشهر الحالي، أعلن النائب محمد الفايز استقالته من المجلس، خلال اجتماع مع أبناء قبيلته "بني صخر"، إحدى أكبر العشائر الأردنية، مؤكداً أنه سلّم استقالته لأحد زملائه النواب لإيصالها إلى أمانة المجلس، فيما طالبه الحضور، وفق ما ظهر في البث المباشر، بالعدول عن قراره من أجل استمرار وصول صوتهم وعدم شغور مقعده.
النائب ذاته طالب "بتشكيل حكومة إنقاذ وطني في ظل ظروف اقتصادية صعبة يشهدها الأردن"، إلا أنه لم تتم مناقشة الاستقالة بل نوقش قرار الفصل.
سابقة تاريخية
مجلس النواب التاسع عشر (الحالي)، سجّل سابقةً في تاريخ المجالس النيابية التي مرت على المملكة، بفصل نائبين وتجميد عضوية آخر خلال عمره.
وسبق أن فصل مجلس النواب السابع عشر، النائب طلال الشريف عقب إطلاقه النار تحت قبة البرلمان خلال مشادة مع النائب قصي الدميسي.
أما مطلع الألفية الثالثة، وتحديداً في العام 2006، فتم فصل عضوين من نواب جبهة العمل الإسلامي من عضوية مجلس النواب، هما محمد أبو فارس وعلي أبو السكر وفقاً لأحكام قضائية لمشاركتهما في عزاء "أبو مصعب الزرقاوي" وإدلائهم بتصريحات سياسية.
تأتي حادثة فصل الفايز مع تراجع ثقة الأردنيين بمجلس النواب إلى 17%، بحسب آخر استطلاع رأي أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية.
اليوم، وقبيل الحديث عن حكومات برلمانية قادمة، وفقاً لخطة التحديث السياسي، تتسع فجوة الثقة بين مجلس النواب والشارع الأردني، مع حديث متصاعد عن غياب الإرادة السياسية برفع يد السلطة الحاكمة واليد الأمنية عن البيت التشريعي الأول للأردنيين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا