شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
علاج البلوغ المبكّر لدى الأطفال... بين البُعدين الجسدي والنفسي

علاج البلوغ المبكّر لدى الأطفال... بين البُعدين الجسدي والنفسي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 15 يناير 202303:14 م

تحمل مرحلة البلوغ معها كثيراً من التوتر والحماسة للطفل والأهل معاً، كيف لا وهي المرحلة التي يتحول بها طفلك المدلل -جسدياً على الأقل- إلى شخص بالغ، وعلى الرغم من تعاملنا كأهل مع هذه المرحلة على أنها مفروغ منها أو أن الطبيعة تقوم بعملها، إلا أنها تستدعي التنبه لرصد أية تغيرات مبكرة أو في غير أوانها، هذا بالطبع بالإضافة إلى إعطاء أهمية للحالة النفسية للأطفال. 

ينطوي البلوغ على الكثير من التغيرات الفسيولوجية والتي يكون الجسد مهيئاً لها منذ الولادة، ولكنها تبدأ في الظهور في الوقت المناسب بناءً على إشارات تصدر بشكل أساسي -وليس حصري- من منطقة تحت المهاد في الدماغ. هذه المنطقة تحتوي على الغدة النخامية التي تعتبر "المايسترو" لكل الغدد الصماء الأخرى ـ ومن ضمنها الأعضاء التناسلية الداخلية، وهي المبيضين لدى الإناث، والخصيتين لدى الذكور.

تفرز الغدة النخامية العديد من الهرمونات المسؤولة عن تنظيم عمل بقية الغدد الصماء كالغدة الدرقية والمبيضين والخصيتين. فتؤدي هذه الهرمونات إلى تنشيط أو تثبيط إفراز الهرمونات من هذه الغدد، كما تستجيب للتغذية الراجعة منها، الأمر الذي يؤدي إلى تناسق عجيب بين نسب الهرمونات في الجسم بما يتناسب مع حاجته ومرحلته العمرية. ومن الجدير بالذكر أيضاً أن الغدة النخامية تفرز هرمون النمو المسؤول بشكل أساسي عن نمو الطفل وزيادة الطول المترافقة مع مرحلة البلوغ.

تبدأ هذه الهرمونات بالعمل معاً عندما يحين الوقت المناسب للبلوغ؛ لكن ما هو الوقت المناسب للبلوغ حقاً؟

ما هو العمر الطبيعي للبلوغ؟

يختلف توقيت بداية البلوغ من طفل إلى آخر باختلاف العوامل الجينية والبيئية، لكن من المتفق عليه طبياً ألاّ تبدأ تغيرات البلوغ لدى الفتيات قبل عمر 8 سنوات، وألا تبدأ لدى الذكور قبل عمر 9 سنوات، وعليه فإن أية بداية قبل ذلك تعتبر بلوغاً مبكراً، وهي حالة أكثر شيوعاً بين الفتيات مقارنة بالصبيان، وللدقة فالحديث هنا يدور  عن بداية البلوغ وليس عن اكتماله، فمرحلة البلوغ هي مرحلة ديناميكية تستغرق من عام إلى عامين حتى تكتمل.

يختلف توقيت بداية البلوغ من طفل إلى آخر باختلاف العوامل الجينية والبيئية، لكن من المتفق عليه طبياً ألاّ تبدأ التغيرات لدى الفتيات قبل عمر 8 سنوات، وألا تبدأ لدى الذكور قبل عمر 9 سنوات، أي أن أية بداية قبل ذلك تعتبر بلوغاً مبكراً 

عندما يحين الوقت، تبدأ هرمونات الغدة النخامية بتحفيز إفراز الهرمونات الجنسية من الخصيتين والمبيضين بالإضافة إلى مشاركة غدد أخرى مثل الغدة الكظرية والغدة الدرقية، وهرمونات أخرى مثل هرمون النمو وغيره لتبدأ مرحلة البلوغ.  

تبدأ هذه المرحلة عند الفتيات ببروز الثدي، حيث يمر الثدي بأربع مراحل خلال فترة البلوغ تسمى "مراحل تانر" حتى يصل إلى الشكل النهائي لدى البالغات في نهاية فترة البلوغ، وتتخلل هذه المرحلة تغيرات أخرى؛ مثل ظهور الشعر في المناطق الحساسة وتحت الإبطين، ونمو الأعضاء التناسلية الداخلية والخارجية، وتكون هذه التغيرات مصحوبة بزيادة بالغة في الطول تسمى "قفزة نمو البلوغ"، ثم تنتهي هذه المرحلة ببداية الدورة الشهرية التي تعتبر آخر مرحلة من مراحل بلوغ الأنثى والتي تعلن اكتمال العملية.

"مراحل تانر": هي أربع مراحل يمر بها تكوُّن الثدي لدى الفتيات خلال البلوغ،  حتى يصل إلى الشكل النهائي لدى البالغات 

أما عند الصبيان فيبدأ البلوغ بنمو ملحوظ في الخصيتين وزياد في الحجم، يتبعه نمو في القضيب، مترافقاً مع نمو الشعر في الأماكن الحساسة وتحت الإبطين، إضافة إلى خشونة الصوت مع ظهور شعر الوجه، وانتهاءً بالاحتلام الذي يعلن اكتمال البلوغ.

هل يحتاج البلوغ المبكر للعلاج؟

من الضروري جداً فهم التسلسل الزمني للأحداث، فهذا الفهم يساعد في الحالات التالية:

أولاً: قد يحدث أحياناً أن يسبق علامات البلوغ ظهور بعض الشعر تحت الإبطين، مع رائحة عرق تشبه رائحة الكبار، وقد يكون السبب في هذا التغيّر هو النشاط المفرط في الغدة فوق الكلوية، وليس في الغدد التناسلية. وعليه فغياب العلامات الأولى للبلوغ -أي بروز الثدي لدى الفتيات وزيادة حجم الخصيتين لدى الصبيان- يعني أن ما يعيشه الطفل/ الطفلة لا يعتبر هذا بلوغاً مبكراً.

ثانياً: لا بد من الانتباه من أجل خلق فرصة زمنية للتدخّل الطبي في حالات البلوغ المبكر، حيث أن التدخل المبكر يتيح مجالاً أكبر للعلاج ويعود بنفع أكبر على الطفل/ـة، ولكن؛ لماذا يجب علينا التدخل أصلاً؟ وما هو الضير في البلوغ المبكر؟

قد يؤثر البلوغ المبكر على ثقة الطفل بنفسه، أو يعرضه للتنمر من قبل أقرانه، بالإضافة إلى الضرر الطبي المحتمل منه، لذا يجب مراجعة طبيب أطفال بتخصص غدد، والذي قد يصف له حقن الهرمونات  

بات مفهوماً أن مرحلة البلوغ تنطوي على عدة تغيرات، ولكنها تعتبر الفرصة الأخيرة لحدوث قفزة نمو في الطول وهنا تكمن أهميتها.

يمر الأطفال في حياتهم بعدة قفزات نمو، يحدث أكبرها خلال السنوات الأولى في حياة الطفل، حيث يتضاعف الطول خلال أول أربع سنوات، ثم تتباطأ هذه العملية بحيث تتراوح الزيادة من 5 إلى 7 سم سنوياً، إلى أن يحين البلوغ؛ حيث تحدث آخر قفزة نمو في حياة الأطفال بزيادة بالغة خلال فترة البلوغ ثم تكاد تتوقف بعد ذلك.

ويعود السبب في ذلك إلى أن الزيادة في الطول لدى الأطفال تحدث من خلال منطقة خاصة في العظام تسمى قرص النمو، تتكون هذه المنطقة من غضاريف تحتوي بعض الخلايا النشطة التي تؤدي إلى زيادة الطول تحت تأثير هرمون النمو. لكن هذه المنطقة تتحول إلى منطقة عظمية بفعل هرمونات البلوغ الجنسية، وعليه فإنها تفقد قدرتها على النمو وزيادة الطول، وهذا يفسر لماذا الزيادة المتوقعة في الطول بعد حدوث البلوغ ضئيلة جداً مقارنة بالسنوات التي تسبق البلوغ.

من الضروري فهم التسلسل الزمني للبلوغ من أجل خلق فرصة للتدخل الطبي في حالات البلوغ المبكر، الأمر الذي يتيح مجالاً أكبر للعلاج ويعود بالنفع على الطفل وأهله

هنا تكمن أهمية التدخل لإيقاف البلوغ المبكر، لإعطاء الجسم فترة زمنية أطول لزيادة الطول قبل تأثر قرص النمو في العظام. ناهيك عن المشاكل النفسية واحتمال تأثر ثقة الطفل بنفسه، أو احتمالات تعرضه للتنمر من قبل أقرانه.

هذا بالإضافة إلى أن سبب البلوغ المبكر قد يكون في بعض الأحيان عضوياً خفياً -مع أن عدم وجود سبب عضوي هو الأكثر شيوعاً-، فقد يكون هذا السبب العضوي هو ورم في مكان ما مثلاً، ولذلك من الضروري جداً خلق الوعي العام بهذه الحالة وتداركها في الوقت المناسب.

كيف يتم إيقاف البلوغ المبكر؟

يتم إيقاف البلوغ المبكر في حال ثبت وجوده، عن طريق إعطاء حقن هرمونية بشكل شهري أو كل عدة شهور، تحت إشراف أخصائي أطفال بتخصص فرعي في الغدد الصم. ولكنها لا تؤخذ قبل إجراء عدة فحوصات للتأكد من التشخيص ومن أن العلاج ملائم للطفل، ويستمر استخدامها طوال الفترة المطلوبة لإيقاف البلوغ، على أن يتم إيقاف الخضوع للعلاج لاستئناف البلوغ، وتعتبر هذه الحقن آمنة الاستخدام لكن بشرط أن تكون تحت الإشراف الطبي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard