مؤخراً، انتشرت على مواقع السوشال ميديا مقاطع للإعلامية المصرية ياسمين عز، وهي توصي السيدات بمعاملة الرجال بتقديس، مشيرة إلى أن المرأة التي تحصل على رجل يجب أن تكون في غاية الامتنان والسعادة لهذا الإنجاز، وتنصح النساء بأن يعشن حياتهن في خدمة الرجال، لأن وجود رجل في حياة المرأة – وفق خطابها- هو جائزة في هذا الزمان.
وبالأمس، الأربعاء، الحادي عشر من كانون الثاني/يناير 2023، أعلن المجلس القومي المصري للمرأة، برئاسة الدكتورة مايا مرسى، وجميع عضواته وأعضائه، ولجانه الدائمة وأمانته العامة وفروعه بالمحافظات ،عن رفضه وعميق استيائه من المحتوى المسيء الذي يُقدم من خلال برنامج "كلام الناس" المذاع على قناة "MBC مصر"، لياسمين عز، والذى يمثل "إهانة وتحقيراً وتقليلاً من شأن المرأة المصرية، ويضرّ بها، كما يعد محتوى موجّهاً لتغييب الوعى المجتمعي، بما يتم إنجازه على أرض الواقع من جهود حثيثة لتمكين المرأة المصرية".
وسواء أكانت ياسمين عز تروّج لأفكار هي مقتنعة بها أم تروّج لخطاب إعلامي مضاد للإعلامية رضوى الشربيني، رغبة في الشهرة؛ فإن ما تخاطب به الفتيات المراهقات والنساء خطير للغاية.
سواء أكانت ياسمين عز تروّج لأفكار هي مقتنعة بها أم تروّج لخطاب إعلامي مضاد للإعلامية رضوى الشربيني، رغبة في الشهرة؛ فإن ما تخاطب به الفتيات المراهقات والنساء خطير للغاية
وهذا لأن المرأة في المجتمع العربي دائماً ما يُحكم عليها بالتخلي عن شيء للحصول على شيء آخر، وإذا قرّرت أن تحصل على الأمرين فعليها أن تخوض حرباً ما. فإذا كانت أماً عليها أن تتخلّى عن حياتها المهنية، وإذا اختارت مهنة صعبة قد تجد صعوبة في لقاء شريك حياة يرضى بظروف عملها، وإذا قرّرت الزواج؛ فعليها أن تخضع لإرادته، والكثير من الرجال يظنون ذلك، ولكن الأخطر من الرجال الذين يقتنعون بأهمية خضوع المرأة لتكون زوجة "صالحة"، هن النساء اللواتي يصدقن تلك النظرية.
فالنساء من جيل أمي والأجيال السابقة لها؛ كن وما زلن مساعدات في إنشاء تلك الأجيال المقتنعة بضرورة خضوع المرأة للرجل حتى تستقيم الحياة، فالأم تربي ابنتها على أن الأخ الأكبر له الأولوية في كل شيء، ويجب أن تعمل الأخت – كبرى أو صغرى – على خدمته، وأن تنفّذ كل أوامره حتى لو كان لا يتمتع بالنضج الكافي؛ فهو ذكر وكفى.
وحتى الآن، لازال هناك أمهات صغيرات يربين أبناءهن على هذا النحو، ولكن أيضاً بدأ الأمر يتغير لدى الكثير من النساء اللواتي اصبحن أكثر وعياً بحقوقهن وحقوق أبنائهن وبناتهن المتساوية.
ودائماً ما أرى أن الحل في أيدي الأمهات الشابات الآن؛ حيث يقع على عاتقهن إخراج أجيال تدرك منذ الطفولة أنه ليس على طرف أن يخضع للآخر، وأن الحياة مشاركة ومساواة بين الرجل والمرأة.
ولكن تلك الأمهات الصغيرات، الكثير منهن يجلسن يومياً أمام شاشات التلفاز، بمختلف ثقافتهن وتوجهاتهن الدينية، وأي خطاب إعلامي موجه إليهن عن الزواج والمشاركة والتعامل مع الرجل؛ يعد خطاباً مؤثراً ومشكلاً لأفكارهن، حتى لو بشكل غير واع، والتأثير لا يشملهن فقط بل يشمل أيضاً الأجيال الجديدة التي ستخرج من تحت أيديهن.
أتذكر جيداً كلمة عمتي – والتي كانت غالية على قلبي- حين كانت تبارك لي على جائزة أدبية حصلت عليها، قالت لي: "مبروك... عقبال ما أفرح بيكي"؛ والفرح هنا تقصد به الزواج، وقتها كنت في قمة سعادتي وشعوري بالاستقلالية، وفجأة شعرت بأني ينقصني شيء لم أكن ألحظه من قبل: الشريك.
وتلك الجملة التي قالتها لي عمتي يرميها المجتمع في وجه المرأة يومياً، سواء بالكلام أو التصرفات أو الإفيهات المضحكة في الأفلام الدرامية. ضوء أسود حزين وخانق مسلّط دائماً على المرأة التي لم تتزوج، كل هذا الكم من الشعور بالحاجة الذي يُزرع في نفس المرأة؛ يجعلها ممتنة فيما بعد لوجود رجل في حياتها، لمجرد ألا تكون "ناقصة" في عين هذا المجتمع، وحتى تجد المرأة تلك القطعة الناقصة والتي ستجعلها "فائزة" أمام الآخرين فيجب أن تخضع له.
واقع الأمر؛ والتي عادة ما تكتشفه المرأة بمجرد أن تتزوج؛ هو أن الزواج يأخذ من المرأة أكثر مما يمنحها، وأن الصورة الكاملة تلك هي صورة وهمية رسمها مجتمع ذكوري وأقنع به النساء قبل الرجال
وواقع الأمر؛ والتي عادة ما تكتشفه المرأة بمجرد أن تتزوج؛ هو أن الزواج يأخذ من المرأة أكثر مما يمنحها، وأن الصورة الكاملة تلك هي صورة وهمية رسمها مجتمع ذكوري وأقنع به النساء قبل الرجال.
الصورة التي تقول إن المرأة يجب أن تتزوج، ويجب أن تخضع للزوج؛ حتى يحصل الرجل على الأمان الذي يريده؛ ليظهر أمام المجتمع أنه يمنح الأمان للمرأة، ومن وجهة نظري أن الرجل الذي يُخضع المرأة ويخيرها بين الزواج وكيانها المستقل؛ هو رجل لا يجد بجواره شريكاً يساعده على التطور الذاتي، وعادة هذا النوع من الرجال لا يطمح للتطور والنضج.
وأنا صغيرة في سن المراهقة، سألت أمي سؤالاً استحقيت -من وجهة نظرها- القذف بـ"الشبشب" لأجله، وهو: "هل لأن أخي لديه، تشريحياً، قطعة زائدة بين قدميه، له حقوق زائدة عني... ماذا عن شخصيته وشخصيتي؟".
وقتها أمي صُدمت من سؤالي، ولم تجد سوى العنف لتردّ به علي، وعلى مدار سنوات من عمري كافحت للوصول إلى معادلة الحصول على الحب دون الحاجة للخضوع للطرف الآخر؛ بداية من أسرتي، مروراً بعملي وصولاً لزوجي؛ ولازالت تلك الحقوق محل نقاش: هل هي كافية وعادلة أم لا، ولكن طالما أحاول؛ فيكفيني شرف المحاولة والمقاومة.
ثم تأتي ياسمين عز تأخذنا للنقطة صفر، وتبخّ سماً في آذان أجيال جديدة من المراهقات والأمهات الصغيرات، وإن لم تقتنع النساء بكلامها؛ فالرجال سيستخدمون كلام ياسمين عز كسلاح على عنق المرأة التي تطالب بحقوقها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com