"يحرم الواقع المغربي عدداً من الأرامل الرجال من رواتب زوجاتهم اللواتي توفّين، وذلك على الرغم من قانونية هذه المسألة"؛ بهذه الجُملة انطلقت نعيمة، وهي سيدة ثلاثينية، تقطن في مدينة سلا، في الحديث عن أحد المواضيع الشائكة بين جُملة من الرجال المغاربة، ممّن كانت زوجاتهم قيد حياتهن موظفات، مردفةً: "أنا ابنة سيدة موظفة، بعد وفاتها قبل سنوات طِوال، اضطر والدي ذو الراتب المُتوسط، إلى انتظار أزيد من عشر سنوات للاستفادة من راتب زوجته الراحلة".
أضافت المتحدثة لرصيف22: "طوال السنوات المنصرمة، عانينا كثيراً من الناحية المادية، إذ كان والدي يعمل ممرضاً في مستشفى عمومي، ونحن خمسة أبناء. كانت سنّ أكبرنا خمس عشرة سنةً عندما ماتت أمي"، مؤكدةً أنه "على أرض الواقع، يحصلُ عكس ما تقرّه وزارة المالية، إذ لا أحد يستفيد من راتب الموظفة المتوفاة؛ لا زوجها، ولا أطفالها، وهو شيء مؤسف".
لا دخان من دون نار
في رد لها على جُملة من الأخبار التي تشير إلى حرمان ذوي حقوق الموظفة المتوفَّاة، أي الأيتام والزوج والأبوين، من حقهم في راتبها، قالت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، إن "ذوي حقوق الموظفة المتوفاة يستفيدون من حقهم في الراتب"، مشدّدةً في بيان توضيحي، على أن "أحكام القانون رقم 011.71 المحدث بموجبه نظام المعاشات المدنية، لا يتضمن أي مقتضيات تمييزية بين المرأة والرجل في ما يتعلق باستفادة ذوي حقوقهم من المعاش".
أضافت الوزارة أن "أبناء الموظفة المتوفاة يستفيدون من مبلغ معاش تُقدّر نسبته بـ50 في المئة من معاش التقاعد المستحق لأمهم ابتداءً من تاريخ وفاتها، ويُرفع هذا المبلغ إلى نسبة 100 في المئة في حال عدم وجود زوج تحق له الاستفادة من المعاش"، وهو أمر ينطبق أيضاً على زوج الموظفة المتوفاة إذ يستفيد "من مبلغ معاش تُقدّر نسبته بـ50 في المئة من معاش التقاعد المستحق لزوجته".
"يحرم الواقع المغربي عدداً من الأرامل الرجال من رواتب زوجاتهم اللواتي توفّين، وذلك على الرغم من قانونية هذه المسألة"
"أما الأبوان، فيستفيدان من معاش التقاعد المستحق لها، إذا كانت الوفاة منسوبةً إلى العمل، وكانت المعنية بالأمر تعيلهما في تاريخ وفاتها، حيث يخول لكل منهما مبلغ معاش تُقدّر نسبته بـ50 في المئة من المعاش المستحق للأرملة"، يضيف المصدر ذاته، نافياً كل ما تم تداوله من أخبار، طوال السنوات القليلة المُنصرمة، لتخرج عدد من الحالات إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وتُدلي بعكس ما أفادت به المؤسسة العمومية، ويستفيض كثيرون في الحديث عن وضعهم الملتبس بخصوص معاش الزوجة بعد فقدان زوجاتهم.
يقول عادل، وهو شاب في مُقتبل العمر، متزوج من أستاذة تدرس في الثانوي، وأب لطفلين، إن "المرأة مشاركة بشكل أساسي في البيت، وراتبها مهم في حياة أسرتها، وكذا سيكون مهماً بالقدر نفسه في حالة وفاتها، إذ إن الزوج يعتمد على راتب الزوجة حتى بعد الوفاة، مما يعكس أهمية دورها الاقتصادي"، مردفاً في حديثه إلى رصيف22 أن "الراتب بعد الوفاة يُصبح عبارةً عن ‘تأمين اجتماعي’ للأرمل والأيتام، وحماية للأسرة من التأثيرات القاسية التي قد تترتب على ذلك، لأنه لا شيء مضموناً في هذه الحياة، ومن الممكن جداً أن يحدث عجز مفاجئ، أو أزمة مُلحّة، وتالياً يُصبح معاش الزوجة المتوفاة ستراً للأسرة".
كانت المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة حكومية)، قد أكدت في مذكرة إخبارية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، سنة 2021، أن نسبة 16.7 في المئة من الأسر المغربية، البالغة نحو 8.5 ملايين أسرة، تعيلها النساء، وترتفع هذه النسبة في الوسط القروي لتصل إلى 19.1 في المئة، مقابل 11.4 في المئة في الوسط الحضري.
هؤلاء النساء لا يشغلن وظائف بسيطةً، بل يتحملن مسؤوليات مهمةً، وبرواتب جيدة داخل المؤسسات. فعلى صعيد الوظائف العمومية بلغت نسبة النساء اللواتي يشغلن مناصب المسؤولية 23.5 في المئة، فيما بلغت نسبة المقاعد التي تشغلها النساء في مجلس النواب 20.5 في المئة، ومجلس المستشارين 11.67 في المئة، وحصة مقاعدهن في المجالس الترابية (منتخبات في البلديات) نحو 21 في المئة، فيما لم تقدّم المؤسسة الرسمية أرقاماً محددةً عن عدد النساء العاملات في القطاع غير المهيكل، على الرغم من أن الاقتصاد الموازي شكّل نحو 30 في المئة عام 2021، بحسب الإحصائيات الرسمية، ويوظف مئات آلاف النساء اللواتي يُعددن المعيلات واللواتي يضمنّ السير المادي المُستقر لكثير من الأسر.
هل القانون المغربي مُتحيز للرجال؟
في الوقت الذي تعمل فيه وزارة المالية على نفي ما يروج، انطلقت جُملة من الأصوات الحقوقية، باتهام الحكومة المغربية، بـ"عدم تحقيق المساواة بين المرأة والرجل"، ومبررهم أن الظرفية المادية للأسرة تتأثر، إذ إن النساء حين يعملن، يُقدمن على إعانة أسرهن بشكل يساوي أو يفوق ما يساهم به الرجال.
حرمان زوج المرأة الموظفة المتوفاة وأبنائها من معاشها ما هو إلا مظهر من مظاهر العنف الاقتصادي الممارس على النساء
ويريدون أن تكون تأكيدات الوزارة بأنه من حق الأرمل "استفادة زوج الموظفة المتوفاة من مبلغ معاش تُقدّر نسبته بـ50 في المئة من معاش التقاعد المستحق لزوجته، مُباشرةً بعد وفاة الزوجة"، ليست مجرد بيان صحافي بل حقيقة تعيشها الأسر التي تفقد معيلاتها.
في هذا السياق، قالت مريم إبليل، وهي باحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، "دائماً ما أعتقد بأن مفتاح المساواة بين الرجل والمرأة هو تحقيق العدالة المالية، وضمان الحرية المالية للنساء"، عادّةً أن "حرمان زوج المرأة الموظفة المتوفاة وأبنائها من معاشها ما هو إلا مظهر من مظاهر العنف الاقتصادي الممارس على النساء، بل يتخطى كونه عنفاً إلى تجسيده في ما يُعرف بمصطلح ‘الحكرة’ (الاحتقار) لوجود النساء في الفضاء العام".
"إذا حدث هذا الأمر، أي حرمان الزوج من معاش زوجته الموظفة المتوفاة، لا تفسير يمكنه تبرير هذه 'الجريمة'، لأنها سرقة في نهاية المطاف، إذ إنه من حق ذوي المرأة قانونياً، أن يستفيدوا بشكل مباشر من معاشها بعد وفاتها"، تؤكد الباحثة، في حديثها إلى رصيف22.
واستغربت أنه برغم نفي "وزارة الاقتصاد والمالية وجود أي تمييز بين المرأة والرجل في ما يتعلق باستفادة ذوي حقوقهم من المعاش، إلا أن هناك العديد من الشكاوى التي تثبت العكس، وفي رأيي على ذوي الحقوق اللجوء إلى القضاء في هذه الحالة".
من جهته، يقول محمد حبيب، مساعد اجتماعي في قسم قضاء الأسرة في المحكمة الابتدائية في الرباط، إن "ما يجعل الزوج لا يستفيد مباشرةً من معاش زوجته المتوفاة، أنه يتوجب عليه قانونياً بلوغ سن التقاعد، إلا إذا أتى ما يُفيد كونه عاجزاً، فيستفيد حينها من 50 في المئة من معاش زوجته، وكذلك الأبناء يستفيدون من معاش والدتهم المتوفاة في حال لم يكن الأب على قيد الحياة، هذا في الشق القانوني، أما واقعياً فبات على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي توفير المعلومات الكاملة بشكل قانوني، على شكل دليل، لأن هذا أمر يدخل في نطاق الحق في الحصول على المعلومة".
أضاف المتحدث: "بما أن الزوجة تستفيد من معاش زوجها المتوفى مباشرةً بعد وفاته، يتوجب كذلك على الزوج الاستفادة من معاش زوجته المتوفاة بشكل تلقائي ومباشر، ومن دون أي شكل من أشكال التمييز"، وختم: "الرجل يُحرَم تلقائياً من معاش زوجته المتوفاة بعد زواجه، الشيء الذي بات يتوجب تعديله، لأنه لا يمكن حرمان الرجل من حق طبيعي مقابل الحصول على حق مادي، ممّا يُعدّ حرمان شخص من حقه في الحياة، وباتت من الضروري إعادة تشكيل هذه الحقوق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...