بعد 40 عاماً في الأسر، أفرجت سلطات السجون الإسرائيليّة عن الأسير وعميد الأسرى الفلسطينيّين كريم يونس (67 عاماً)، وأنزلته في منطقة رعنانا وحيداً في الداخل الفلسطيني المحتلّ، دون إبلاغ أحد من عائلته، وذلك لمنع الاحتشاد وتنظيم أيّ احتفال بتحرّره بعد كلّ هذه السنوات، ومحاولة تخريب استقباله ومنع فرحة ذويه، كما أشار الناطق باسم مكتب إعلام الأسرى حازم حسنين.
ويعتبر يونس أقدم أسير فلسطينيّ في السجون الإسرائيليّة، وأقدم أسير في العالم أيضاً، وكان قد اعتُقل في السادس من كانون الثاني/ يناير1986، بتهم حيازة أسلحة وتهريبها للمقاومة الفلسطينيّة وقتل جنديّ إسرائيليّ، وأثناء محاكمته الأولى، حُكم عليه بالإعدام شنقاً، قبل تخفيفه إلى السجن المؤبّد لفترة مفتوحة، ليستقرّ الحكم بعد ذلك عليه بـ40 عاماً.
كريم يونس: تركت خلفي آلاف الأسرى، إنّهم اليوم موحّدون أكثر من أيّ وقت مضى في وجه بن غفير وأتباعه. لدينا استعداد لتقديم 40 سنة أخرى من أجل حريّة شعبنا
وفي مقاطع فيديو انتشرت عبر شبكة الإنترنت، توجّهت عائلة يونس لإحضاره من المكان الذي تمّ إنزاله فيه، وعند وصوله إلى مسقط رأسه (بلدة عارة) في الداخل الفلسطينيّ المحتل، زار منزل والدة رفيقه في الأسر، ماهر يونس، وما لبث بعد ذلك أن توجّه لزيارة قبري والده ووالدته.
ومن أمام المقبرة، سرد الأسير المحرّر حيثيّات الإفراج عنه، قال إنّه خلال ساعات الليلة الماضية، اقتحمت قوّات سلطات السجون سجنه بشكل مفاجئ، ونُقل من السجن إلى خارجه على الفور، ثمّ نُقل من مركبة إلى أخرى، ممّا زاد انفعاله، حتّى وجد نفسه وحيداً عند محطّة الباصات، ثمّ طلبوا منه التوجّه إلى بلدة عارة، وهناك، قابل بعض العمّال الفلسطينيّين الذين تحدّث معهم واتّصل من هاتف أحدهم بذويه الذين وصلوا إلى المكان ونقلوه إلى منزله.
بعد 40 عاماً قضاها في الأسر، أفرجت سلطات السجون الإسرائيليّة عن عميد الأسرى الفلسطينيّين كريم يونس (66 عاماً)، وأنزلته في منطقة رعنانا وحيداً في الداخل الفلسطيني المحتلّ، دون إبلاغ أحد من عائلته
قال يونس: "لا يوجد في داخلي ما أشعر به. اليوم فقط استنشقت الهواء ورأيت الشمس… مع الأيّام قد أتعوّد على ذلك. شعبنا بأكمله يستحقّ كلّ تعظيم سلام، وأسرانا يدعون للوحدة الوطنيّة، وهذا هو قانون الانتصار".
وتابع "تركت خلفي آلاف الأسرى، إنّهم اليوم موحّدون أكثر من أيّ وقت مضى في وجه بن غفير وأتباعه. لدينا استعداد لتقديم 40 سنة أخرى من أجل حريّة شعبنا".
وأضاف "خرجت من هذا السجن من أجل مواصلة طريق الحريّة. من الممكن أن تكون حريّتي هذه بداية لحريّة الأسرى، فأنا ابن فلسطين كلّها".
وفور إطلاق سراح يونس، تحرّك سياسيّون إسرائيليّون لتمرير مشروع قانون سحب الجنسيّة والإقامة من فلسطينيّي الداخل المحتل، ومن بينهم كريم يونس وماهر يونس. وكان وزير الأمن القوميّ، المتطرّف إيتمار بن غفير، قد تحدّث الليلة الماضية مع قائد الشرطة الإسرائيليّة، مطالباً بمنع الاحتفالات التي قد تحدث لمناسبة الإفراج عن يونس، حسبما جاء في تقرير نشرته القناة 12 الإسرائيليّة.
على الجانب الآخر، هنّأت اللجنة المركزية لحركة "فتح" أبناء الشعب الفلسطيني بـ"حرية القائد كريم يونس، عضو اللجنة المركزية للحركة، أقدم أسير في العالم، بعد أكثر من 350 ألف ساعة، وأكثر من 14 ألف يوم، و40 عاما، قضاها في زنازين الاحتلال الإسرائيلي".
وقالت اللجنة إن "كريم يونس بصموده الأسطوري، إنما شكل عنواناً أصيلاً لكل أحرار العالم ممن عقدوا العزم على رفض الظلم والاضطهاد والعنصرية"، كما حيّت "جموع الأسيرات والأسرى على طريق الحرية والانعتاق من زنازين الاحتلال".
قصة انتظار مريرة
وكان آخر لقاء ليونس بوالده قبل عامين من وفاته، ولم تسمح له سلطات الاحتلال حينها بتشييع والده، وتوفّيت والدته قبل ثمانية أشهر من الإفراج عنه، إذ كانت دائمة الظهور في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعيّ، تروي قصّة انتظارها الطويلة لولدها، والتي دامت لأكثر من 39 عاماً، وخلال هذه السنوات، لم تستطع أن تلتقي به سوى مرّة واحدة، مع السماح للأسرى بالتقاط صور مع ذويهم.
وعُرف عن يونس أنّه باحث أكاديميّ، إذ واصل رحلته التعليميّة والأكاديميّة من داخل سجنه، من خلال الجامعة المفتوحة في أبو ديس، وأنهى درجة الماجستير في العلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة، كما أشرف على عمليّة تعليم واسعة.
مع اعتقال يونس عام 1984 من مقاعد الدراسة في جامعة بن غوريون حين كان في السابعة والعشرين من عمره، اختفت أخباره تماماً، فلم يعرف أهله مكان اعتقاله، وظلّ البحث عنه جارياً لأشهر عديدة، حتّى عثروا عليه في سجن عسقلان بتهم عديدة، منها الانتماء إلى حركة فتح، وقتل جنديّ إسرائيليّ وتهريب أسلحة محظورة للمقاومة الفلسطينيّة.
كان آخر لقاء ليونس بوالده قبل عامين من وفاته، ولم تسمح له سلطات الاحتلال حينها بتشييع والده. كما توفّيت والدته قبل ثمانية أشهر من الإفراج عنه، وكانت دائمة الظهور في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعيّ، تروي قصّة انتظارها الطويلة لولدها، والتي دامت لأكثر من 39 عاماً
وكان من المفروض الإفراج عن يونس ضمن اتّفاقيّة بين السلطة الفلسطينيّة والسلطات الإسرائيليّة، تقضي بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيّين المعتقلين قبل اتّفاقيّة أوسلو، لكن ما لبثت السلطات الإسرائيلية أن تراجعت عنها، وعُرف عنه رفضه أن يُستخدم للضغط السياسيّ على القيادات الفلسطينيّة، مؤكداً على "الحقوق الأساسيّة والثابتة والمشروعة للشعب الفلسطينيّ". وخلال مدّة أسره، الأربعين عاماً، أصدر كريم يونس كتابين، هما "الواقع السياسيّ في إسرائيل" عام 1990، و"الصراع الأيدلوجيّ والتسوية" عام 1993، وهما كتابان بحثيّان يتناولان السياسية الإسرائيليّة من الداخل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...