"أغلقوا المدارس، وصمت العالم، وأغلقوا جامعاتنا، وصمتوا كذلك، ماذا علينا أن نفعل؟ هل نقتل أنفسنا؟"؛ كلمات أدلت بها فتاة أفغانية في مقطع فيديو، نشرته يَلدا حكيم الإعلامية الأفغانية في بي بي سي الفارسية على حسابها في تويتر، معلقة على ذلك: "حزنُ فتياتٍ أفغانيات محطمات على خسارة تعليمهن الجامعي بعد حظر طالبان".
تعكس يلدا حكيم صرخة المرأة الأفغانية في وجه العالم الغربي، لربما ليتأنب الضمير لديهم ويستذكروا مسؤوليتهم تجاه ما فعلته سياساتهم بأفغانستان، والمرأة التي باتت محور المعاناة في هذا البلد.
خيبة أمل قوية عمت العالم من حركة طالبان التي بدت أنها تعيد أفغانستان إلى الحقبة الأولى من حكمها في نهاية القرن العشرين، حيث بعد فترة طويلة شهدت السماح وعدم السماح للتعليم الجامعي للنساء، أعلن وزير التعليم العالي في حكومة طالبان محمد نديم، مساء الثلاثاء الماضي 20 كانون الأول/ديسمبر 2022، عن قرار حظر الدراسة الجامعية على الفتيات حتى إشعار آخر، وقال إنه "سيُطبق فوراً".
كانت هناك معارضة لخطوات طالبان الأخيرة من قبل المعتدلين بعض الشيء في الحركة، إذ أكد المراقبون أن سبب الإعلان عن حظر التعليم الجامعي بعد سنة ونصف من عودة طالبان للحكم هو الخلاف الداخلي في صفوف طالبان
وهذا ليس بقرار جديد، فهو ما كانت تترقبه الفتيات في كابول بعد أن منعتهن الحركة من التعليم الثانوي في أنحاء البلاد في 23 آذار/مارس الماضي.
ونشرت الإعلامية الأفغانية يلدا مقطع فيديو من مجموعة طلاب امتنعوا عن المشاركة في الامتحانات احتجاجاً على حظر زميلاتهم من دخول الجامعة. كما شاركت بعض النساء في مظاهرات أمام أبواب الجامعات في العاصمة كابول. "خرجنا اليوم إلى الشوارع لنرفع أصواتنا ضد إغلاق الجامعات للفتيات"، هكذا صرحت إحدى المشاركات في الوقفة الاحتجاجية التي قمعتها طالبان بسرعة.
وعبرت إحدى الطالبات الجامعيات عن غضبها بالقول: "حطّموا الجسر الوحيد الذي كان يمكن أن يربطنا بالمستقبل". وتساءلت: "كيف يمكن أن يكون رد فعلي؟ أؤمن أن بإمكاني الدراسة وتغيير مستقبلي وجلب الضوء لحياتي، لكنهم حطموا كلّ هذا".
ووصفت طالبة أخرى بأنها "فقدت كل شيء"، حيث كانت تدرس الشريعة الإسلامية وترى أن طالبان تناقض "الحقوق التي منحها الله لنا. عليهم أن يذهبوا إلى الدول الإسلامية ويروا أن أعمالهم ليست إسلامية في أي شيء".
ردود فعل دولية
أدانت الأمم المتحدة والعديد من البلدان قرار طالبان، وقال مفوض الأمم المتحدة لشؤون أفغانستان إن هذا القانون فيه خرق لحق المساواة في التعليم ويزيد من إقصاء النساء من مظاهر حياة المجتمع الأفغاني.
من جهته، وصف مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، قرار طالبان بمنع النساء من الدراسة في الجامعات، بأنه "ضربة مروعة وقاسية أخرى لحقوق النساء والفتيات الأفغانيات ونكسة مؤسفة للغاية للبلد بأكمله".
أما الولايات المتحدة فأكدت أن خطوة كهذه سيترتب عليها إجراءات ضد طالبان. وصرح وزير الخارجية أنطوني بلينكن، في بيان صادر عنه: "لا يمكن أن تتوقع طالبان أن تكون عضواً مشروعاً في المجتمع الدولي ما لم تحترم حقوق الجميع في أفغانستان. لا يمكن أن يزدهر بلد مع عزل نصف المجتمع".
أما في إيران الجارة الغربية لأفغانستان، وفي ظل الاحتجاجات التي تشهدها هذه البلاد حول نيل المزيد من الحريات للنساء، فقد تضامن الشعب مع الأفغانيات وندد بقرار طالبان. واستنكر الباحث التاريخي الإيراني حسين دهباشي الموقف الإيراني الرسمي المقتصر، بقوله: "تتذكرون ماذا فعلتم من ضجيج إعلامي عندما بقيت فتاة محجبة في فرنسا خلف الأبواب تنتظر لساعات كي تدخل المدرسة بسبب حجابها؟ الآن طالبان، الأصدقاء الأعز للمتشددين في إيران، يحظرون دخول الطالبات للجامعات، ولكن الجمهورية الإسلامية تقبع في سجن المجاملات والخوف".
وبعد يومين من قرار طالبان، وبعد انتقادات من الصمت الرسمي الإيراني تجاه ذلك، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني يوم الخميس 22 كانون الأول/ديسمبر 2022، إن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بصفتها جارة لأفغانستان ومهتمة بالسلام والاستقرار والتنمية في هذا البلد، تأسف لسماع نبأ وجود عقبات أمام التعليم العالي للفتيات والنساء في أفغانستان، وتأمل في أن تقوم السلطات الأفغانية المعنية بإزالة العقبات بسرعة وتوفير الأرضية لاستئناف دراسة تلميذات وطالبات هذا البلد في جميع مستويات التعليم".
اعتدال طالبان لا يشمل النساء
وكانت طالبان قد وعدت بنظام حكم أكثر اعتدالاً بعد استيلائها على السلطة وعقب انسحاب القوات الأمريكية من البلاد في صيف 2021، لكن المتشددين الإسلاميين في الحركة استمروا في تجريد النساء من حقوقهن وحرياتهن.
وكان زعيم طالبان هبة الله آخوند زاده، والدوائر المقربة منه ضد التعليم الحديث بشكل عام، خصوصاً للفتيات والنساء. كما كانت هناك معارضة لخطوات طالبان الأخيرة من هم أكثر اعتدالاً في الحركة، إذ أكد المراقبون أن سبب الإعلان عن حظر التعليم الجامعي بعد سنة ونصف من عودة طالبان للحكم، هو الخلاف الداخلي في صفوف طالبان.
ومع أن وزارة التعليم العالي وعدت بأن العلماء قد قرروا تعليق الدراسة الجامعية للفتيات حتى "تجهيز مناخ أكثر ملاءمة"، وأضافت أن الأمر سيحصل قريباً ولا داعي لقلق المواطنين، إلا أن المرأة الأفغانية والعالم بأسره ما زال يتذكر وعود الحركة لفتح بعض المدارس الثانوية وسط تراجعها في ما بعد.
عزل تام للنساء
"هذا آخر شيء يمكن أن تعمله طالبان . أفغانستان ليست بلداً، بل قفص تحبس فيه النساء"، هكذا علقت المحاضرة الجامعية والناشطة الأفغانية في الولايات المتحدة حميرا قادري ووصفت الأوضاع في بلادها بأنها عزل تام للنساء بعد حظرهن من التعليم الجامعي.
الحظر من التعليم يأتي في إطار سلسلة من القيود الصارمة تفرضها طالبان على نساء أفغانستان في الشهور الأخيرة لإبعادهن عن الحياة العامة، وذلك تطبيقاً لتفسيرها المتزمّت للشريعة. ففي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي تم منعهن من ارتياد المتنزهات والحمامات العمومية والصالات الرياضية في العاصمة كابول.
بعد إنهاء الحقبة الأولى من حكومة طالبان في عام 2001، أشارت احصائيات منظمة اليونسكو أن الحضور النسائي في مؤسسات التعليم العالي قد تضاعف 20 مرة منذ سقوط الحركة وحتى عام 2018
وقبل إعلان الحظر كانت الجامعات، تعمل ضمن قيود تميز ضد الفتيات وفقاً لما أمرت به الحركة بعد استيلاءها على السلطة، فأبواب الدخول منفصلة وكذلك الصفوف الدراسية، ولا يسمح بتعليم الطالبات سوى لأستاذات أو أساتذة مسنون.
وكانت طالبان قد سمحت للفتيات قبل ثلاثة أشهر بدخول امتحانات القبول للجامعات في عموم البلاد، لكن كانت هناك قيود على تخصصات الفتيات، حيث كانت الهندسة والاقتصاد والطب البيطري والزراعة من المحظورات، إضافة إلى فرض قيود مشددة على دراسة الصحافة.
وتخليت العديد من الفتيات عن التعليم بعد وصول طالبان إلى السلطة بسبب كثرة الصعوبات والعراقيل، كما كانت هناك تكهنات في الشهر الأخير حول ما إذا كانت حكومة طالبان سوف تحظر تعليم النساء. ومع أن الشعب الأفغاني كان يتوقع ذلك آجلاً أم عاجلاً، فإن القرار سبب صدمة لدى الفتيات.
وبعد إنهاء الحقبة الأولى من حكومة طالبان في عام 2001، أشارت إحصائيات منظمة اليونسكو أن الحضور النسائي في مؤسسات التعليم العالي قد تضاعف 20 مرة منذ سقوط الحركة وحتى عام 2018.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون