شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
أزمة تدعى الأرشيف...

أزمة تدعى الأرشيف... "خشبة" يحاول حلَّها في المسرح السوري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 20 ديسمبر 202205:03 م

يواجه المسرحيون والمهتمون بالمسرح بشكل عام في الحالة السورية أزمة تدعى الأرشيف، سواءً كنا نتحدث عن النصوص أو الأبحاث، أو العروض التي لا نعرف منها سوى أسمائها، أما تسجيلات العروض، فهي إما ضائعة أو في الأرشيف الرسمي (المعهد العالي للفنون المسرحيّة، وزارة الثقافة، التلفزيون السوري، إلخ) أو لم تسجل بالأصل. هذه الأزمة الخاصة بالأرشيف اشتدت بعد اندلاع الثورة في سوريا، خصوصاً مع تزايد الاهتمام بالظاهرة المسرحيّة السورية وتاريخها وتطورها.

يمكن القول إنه لا يوجد مكان واحد يحوي "كلّ" العروض أو النصوص، هناك الجهد الشخصي والفضول البحثي إلى جانب المحاولات الفردية التي تقتصر على الباحثين والمهتمين، تلك التي نكتشف إثرها تسجيلاً قديماً لمسرحية ما، يبقى تبادله على نطاق ضيق، بعكس بعض المسرحيات التي تشكل تراث المسرح السوري المتوافر على منصات النشر كيوتيوب وغيرها.

إطلاق برنامج "الخشبة"

انطلاقاً من هذا النقص الفادح، قامت مؤسسة "دوزان ثقافة وفن" التي تأسست في تركيا عام 2019، والمهتمة بحفظ الذاكرة الفنية والثقافيّة السوريّة، بإطلاق برنامج "الخشبة"، الذي حسب وصفه: "يعمل على توثيق المسرح السوري وأرشفته، ومن ثم إتاحته على هذه المنصة، كما يوفر العديد من ورش العمل والتدريبات الدورية المرتبطة بالمسرح".

بصورة أخرى، يعمل برنامج الخشبة على خلق منصة تحوي العروض المسرحيّة والنصوص السورية، والأبحاث والمقالات التي تتحرك في هذا الفلك، إلى جانب تعريف بالمسرحيين السوريين من مختلف الأجيال، لخلق مساحة يمكن للباحث أو المهتم الوصول إلى ما يريده من خلالها.
قامت مؤسسة "دوزان ثقافة وفن" التي تأسست في تركيا عام 2019، والمهتمة بحفظ الذاكرة الفنية والثقافيّة السوريّة، بإطلاق برنامج "الخشبة"، الذي يسعى لتوثيق المسرح السوري وأرشفته، ومن ثم إتاحته للجمهور
يشير رامي مغاربة، المدير العام لمؤسسة "دوزان"، في الوبينار الخاص بإطلاق "الخشبة"، إلى أن محرك المشروع هو "الذاكرة" لجمع السوريين في كل أنحاء العالم. المشكلة أن هذه الذاكرة بدون أرشيف، وهنا ظهرت إستراتيجية أو معالم المشروع عبر تبني ثلاثة مفاهيم هي: التوثيق، والتفاعل، والتمكين.

أهمية المشروع

تأتي أهمية المشروع حسب مغاربة من قدرته على جمع الذاكرة الفنية والثقافية وتوثيقها، وفي نفس الوقت يبتعد عن الصيغة الأثرية أو المتحفية. فهناك سعي لخلق أرشيف حيوي، وهنا يظهر "التفاعل"، أي أن يكون الجمهور على تماس دائم مع الأرشيف المتاح للجميع، والأهم دفع الجمهور غير المهتم بـ"الثقافة" إلى ممارسة أنشطة فنية وثقافيّة تتعلق بالأرشيف.
تتميز منصة "خشبة" بإتاحتها خاصيةً تسمح للجمهور نفسه بأن يضع ما يمتلكه من عروض أو وثائق ضمن الأرشيف، بحيث يكون "جهد" التوثيق تفاعلياً، ولا يرتبط بمؤسسة واحدة أو بأفراد محددين يمتلكون صلاحية الاختيار والتقييم
لكنها في نفس الوقت على احتكاك فيزيائي أو رقمي مع الفنون المختلفة. أما بخصوص "التمكين" فالهدف منه هو جذب الشباب الناشئ خارج سوريا إلى تاريخ سوريا الفني، وتعريفه على الموسيقى والمسرح والفنون السوريّة، في سبيل الوقوف بوجه القطيعة التي يختبرها بحكم المنافي وتعزيز ارتباط هذا الجيل بسوريا وبناء قدراته الفنية، وتزويده بأدوات متعددة للإنتاج. هذه المقاربة لا تنطبق فقط على مشروع "خشبة" بل تمتد إلى مشروع "نوتة" الذي يتناول التراث الموسيقي لسوريا.

إشكاليات وتحديات

تشير د. حنان قصاب حسن الأكاديمية والباحثة السورية وواحدة من أعلام المسرح في سوريا، إلى إشكالية مؤسساتية ترتبط بتوثيق بدايات المسرح السوري، إذ تخبرنا عن بداية عملها في المعهد العالي للفنون المسرحية في سوريا عن ابتعاد الطلاب في مشاريع تخرجهم عن مفهوم "التوثيق"، واتهام الكثير من المسرحيات بالـ"تجاريّة". وتضيف لرصيف22 أنها حاولت كسر هذه الصورة النمطيّة، ودفع الطلاب للتوجه نحو مسرحيين كعبد اللطيف فتحي، وحكمت محسن وغيرهما من رواد المسرح السوري لاستكشاف دورهم وأثرهم الطليعي.

 تشير قصاب حسن أيضاً إلى الصعوبات التي واجهها بعض العاملين في شأن الأرشفة في سوريا، سواءً كانوا طلاباً أو مختصين، فهناك الخوف من المخابرات والإهمال من قبل المؤسسة الرسمية التي أعاقت أيضاً بناء الأرشيف. وتلفت لاحقاً إلى أزمة توثيق "المسرح" أو تسجيله، كوننا ننتقل من وسيط فني قائم على التفاعل الحيّ (الآن/هنا) إلى وسيط مختلف (التسجيل المصور) الذي يكون استهلاكه شخصياً وهو يفقد التجربة المسرحية حيويتها، ناهيك بأن مهارات تسجيل مسرحية تختلف عن التصوير التقليدي.
لكنها تلفت انتباهنا إلى إمكانية قراءة وصف العروض وملامحها من المذكرات الشخصية المتنوعة التي يكتبها المختصون أو الناس العاديون، تلك التي تصف العروض وتفاصيلها كمشاركة المرأة وزمن العرض وثمن التذكرة. وتضيف أن بعض المسرحيين السورين رفضوا تسجيل مسرحياتهم لعدم توافر الكوادر اللازمة.

يطرح المسرحي والباحث ياسر أبو شقرة، مدير مشروع "الخشبة"، تساؤلات حول صعوبة الوصول إلى الأرشيف في الحالة السوريّة، وكيفية بناء هذا الأرشيف، ناهيك بالأسئلة النظرية المتعلقة بنظام الأرشفة، خصوصاً أن جهود عملية الجمع متفاوتة الصعوبة. صحيح أن منصة الخشبة وصلت إلى مخزون كبير من العروض والنصوص والأبحاث، لكن حسب وصف المشروع نفسه:
يهدف برنامج "خشبة" إلى جذب الشباب الناشئ خارج سوريا إلى تاريخ سوريا الفني، وتعريفه على المسرح السوري، في سبيل الوقوف بوجه القطيعة التي يختبرها هذا الجيل بحكم المنافي والتجاذبات السياسيّة
"لا يمكن اعتبار المواد المتوفرة هي الأرشيف الكامل، فالبرنامج يحتفظ بالكثير من المواد التي لا يمكن إتاحتها لأسباب تتعلق بملّاكها، أو لأسباب تتعلق بوجود هذه المواد في أماكن أخرى كالمسارح والصحف التي ما زالت تستخدمها".
يضيف أبو شقرا أن غياب التقييم أو الموقف السياسي لـ"خشبة" يشكل عائقاً أمام بناء الأرشيف، علماً أن التجاذبات السياسية بعد عام 2011 في سوريا، قسمت الجمهور والمهتمين والمختصين. ثم يلفت انتباهنا إلى إتاحة المنصة خاصية تسمح للجمهور نفسه أن يضع ما يمتلكه من عروض أو وثائق ضمن الأرشيف، بحيث يكون "جهد" التوثيق تفاعلياً، ولا يرتبط بمؤسسة واحدة أو أفراد محددين يمتلكون صلاحية الاختيار والتقييم.
جلسة إطلاق "خشبة" كانت غنية بمعلومات وحكايات عن تاريخ المسرح السوري وبداياته والصعوبات التي تواجهها عملية الأرشفة، وجولة في الموقع الإلكتروني تكشف أننا أمام بذرة مبشرة، إذ هناك حوالى 40 عرضاً متاحاً للمشاهدة، والعدد يستمر بالتصاعد، ما يشكل كنزاً للباحثين أو المهتمين بالمسرح الذين فاتتهم عروض سبق أن سمعوا عنها. المبشر أيضاً أن الخشبة تحاول كسر مركزية العروض "النخبويّة" وتحاول الانفتاح على المسرح "التجاري" و"الهزلي"، الذي يُستثنى عادة من الأرشيف والدراسات الأكاديميّة، علماً أنه الأكثر رواجاً بين الجمهور في سوريا.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image