شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
كيف نتعامل مع قصصنا عبر إنستغرام وفيسبوك بعد الانفصال العاطفي؟

كيف نتعامل مع قصصنا عبر إنستغرام وفيسبوك بعد الانفصال العاطفي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 15 ديسمبر 202204:00 م

فتحتُ شاشة حاسوبي، وبدأتُ بالبحث عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كانت الخطوة الأولى للكتابة، فبالرغم من وفرة المصادر عمّا أكتب، إلا أنني لم أتخيّل أن كل قصص الحب هذه منشورة أمامي ولم أفكر يوماً في قراءتها أو قراءة أصحابها.

بدأتُ من إنستغرام، حيث شاهدتُ قصصاً لأناس أعرفهم وآخرين لا أعرفهم، كان أولها مقطع صغيرة من المسلسل الفنزويلي المترجم إلى العربية "كاسندرا"، تقول فيه الممثلة الجميلة لحبيبها السابق لويس دافيد: "هل ظننتَ أنني لن أثمل من قُبلة تمحو أثر قبلاتك؟".

ثم قصة أخرى تقول: "هل تظن أنك لو عدت بعد كل هذا الغياب، لتخبرني بأنك تحبني، سأصدقك؟ حسناً، أنت على حق"، وثالثة بالإنكليزية معناها بالعربية: "عد إلى الجذور... عد إليّ"، ورابعة تحمل صورةً للفنّان جورج وسوف وهو يضع يده على جبينه، كُتب عليها: "ضاع الوفا".

هذه القصص وغيرها، التي قد لا تتجاوز مدتها العشر ثواني، تختصر حكايات عاطفيةً تُوّجت بالانفصال والتأرجح بين الشوق للشريك السابق والرغبة في الانتقام منه، ونظراً إلى كون وسائل التواصل الإجتماعي أضحت جزءاً من حياتنا، لم يجد المحبّون سواها سبيلاً لإيصال مشاعرهم.

"خلّي حساب الدمعة عليّا"

وسط أجواء عيد الميلاد في أربيل، في شارع يحمل اسم "غزالة"، التقيتُ بالشابة العراقية داليا. جلسنا وأضواء الميلاد تحيط بنا، بينما تعلو شجرته بجوارنا، ونسمع صوت جرس "سانتا كلوز"، بالقرب منّا. نظرتُ إليها مُبتسمةً، لكنها قابلت ابتسامتي بالدموع.

"نظرتُ إلى السماء الممتلئة بالنجوم، فشعرت بأن هذه النجوم في الأعالي تتغامز عليّ وقد رأتني أرنو إليها من خلال نافذتي. أججت الشوق في داخلي إلى حبيبي السابق. فتحت حسابي على إنستغرام، ونشرت قصتي، وصورةً لفنجان قهوة، تلاهما مقطع من أغنية: "في قهوة عالمفرق، في موقدة وفي نار، نبقى أنا وحبيبي نفرشها بالأسرار"؛ هذا ما قالته داليا عندما طلبتُ منها أن تروي قصتها.

ماذا حدث بعدها؟ تجيب الشابة العشرينية لرصيف22: "عجزت عن النوم. كنت كل ثانية أتفحص هاتفي المحمول، لأتأكد من أنه شاهد القصة، لكنه لم يفعل، بالرغم من أنه كان متصلاً بالإنترنت طوال الليل. غرقتُ في دموعي واستسلمتُ للنوم. في الصباح قررتُ طلب إجازة من العمل، أردت الاختباء في سريري، لكنني فحصت هاتفي مرةً أخرى فوجدت صورته بين صور الأصدقاء الذين شاهدوا قصتي؛ عادت الحياة لتسري في عروقي. تراجعتُ عن فكرة الإجازة، خاصةً أنه نشر على قصته مقطعاً من أغنية: "فاضي شوية نشرب قهوة بحتة بعيدة، تعزمني على نكتة جديدة، وخلي حساب الضحكة عليّا".

"فتحت حسابي على إنستغرام، ونشرت قصتي، وصورةً لفنجان قهوة، تلاهما مقطع من أغنية: "في قهوة عالمفرق، في موقدة وفي نار، نبقى أنا وحبيبي نفرشها بالأسرار"

استمر لقائي بداليا نحو ساعة من الزمن، حكت خلالها كيف عاشت نحو سبعة أشهر من التوهم بأن الحبيب السابق سيعود إليها جرّاء تفاعله مع قصصها على إنستغرام، إلى أن جاءت تلك الليلة، التي أعلن فيها خطوبته في منشور واضح عبر حسابه على فيسبوك، أرفقه بصورة جمعته مع خطيبته كتب عليها: "أخيراً أصبحنا معاً".

وعن موقفها تجاه ما نشره، تقول داليا: "لو كنتُ دققتُ مسماراً في الجدار، لما بدا أكثر تصلّباً مني عندما قرأتُ منشوره".

وهم الإنستغرام

حملت روز في عروقها صفات الشجاعة، فأطلقت عليها صديقاتها لقب "المقاتلة"، فهي نشيطة، قوية، وجريئة، لكن قصة حب عنيفةً أفقدتها جزءاً من تلك الروح، وهي في الخامسة والثلاثين من عمرها، وأوقعها الاستخدام الخطأ لوسائل التواصل الاجتماعي في فخ الوهم الذي انتهى بصحوتها على واقع جديد في ألمانيا.

تقول الشابة العراقية لرصيف22: "عشتُ معه قصة حب استمرت عاماً ونصف، في أربيل، لكنها انتهت، مخلّفةً عالماً كاملاً من الوحدة، خاصةً أن جميع أفراد عائلتي في ألمانيا. عجزتُ عن التصديق، ولم أجد طريقاً للوصول إليه سوى ترقبه عبر إنستغرام ومتابعة ما ينشر وإرسال رسائل غير مباشرة له، أخبره فيها عن حالي، علّه يعود، فتُزهر الحياة من جديد".

"كانت رسالةً جامدةً، وخاويةً من أي مشاعر، إلا تلك المرتبطة بالشفقة، وكأن قصتي لا تعنيه وكأنه ليس هو الشخص الذي أحببت، قرأتُ رسالته وغبت عن الوعي، بعدها بعشرين يوماً، حذفت كل اتصال به عبر الإنترنت وجميع الصور، وألغيت خاصية التذكير بالقصص السابقة عبر فيسبوك، ثم غادرتُ إلى ألمانيا، علّني أُشفى منه قريباً"

يأتيني صوتها من برلين، عبر سمّاعة هاتفي، بارداً شبيهاً بليالي العاصمة الرمادية، تقول: "بعد انفصالنا كنت غارقةً في حزني الذي لطالما تأجج بعد منتصف الليل، فنشرت قصتي عبر إنستغرام. كانت مقطعاً من أغنية باللغة الإنكليزية تقول: ‘كل ما أحتاجه الليلة هو حبك’، لكنه لم يشاهدها. أردت الهروب من واقعي، ونشرت مجدداً مقطع فيديو صغيراً يظهرني أغنيّ بينما أتناول كأساً من النبيذ داخل أحد بارات أربيل".

تضيف: "واظبت على نشر قصص تعبّر عن شوقي تارةً، وعن حزني تارةً أخرى، قصص تناديه ليعود أو تعاتبه أو تسأله عن أخباره، لكنه تجاهل معظمها، وكل ما فعله هو نشر صوره في أثناء العمل، أو رأيه في ما يجري في العالم أو الشهادات التي حصل عليها، إلى أن تفاقم الألم في داخلي، ونشرت صورةً لأحد مشافي أربيل، كتبتُ عليها: "شكراً للأصدقاء الذين ساندوني في محنتي الصحية".

تتابع بالقول: "طبعاً لم أكن في المستشفى، انهالت على بريدي الإلكتروني الرسائل من الأصدقاء والعائلة، تسألني عن حالتي الصحية. في كل مرة كانت تصلني فيها رسالة أظنها منه إلى أن وصلتني رسالته أخيراً عبر واتساب، عرض من خلالها المساعدة سائلاً إن كنت في حاجة إلى المال لدفع تكاليف المستشفى".

تصف روز ما جاء في الرسالة: "كانت رسالةً جامدةً، وخاويةً من أي مشاعر، إلا تلك المرتبطة بالشفقة، وكأن قصتي لا تعنيه وكأنه ليس هو الشخص الذي أحببت، قرأتُ رسالته وغبت عن الوعي، بعدها بعشرين يوماً، حذفت كل اتصال به عبر الإنترنت وجميع الصور، وألغيت خاصية التذكير بالقصص السابقة عبر فيسبوك، ثم غادرتُ إلى ألمانيا وبدمعة وابتسامة بدأتُ حياةً جديدةً هنا، علّني أُشفى منه قريباً".

أرشفتُ قصة حبي!

يعيش فادي حياةً تعيسةً كما يصفها لرصيف22، ويقضي معظم وقته يتمرن في النادي ثم يعود إلى المنزل، حيث تنتظره والدته لتنهال عليه بعشرات الأسئلة التي لا يجد إجابات عن معظمها: كيف سيشرح لها أنه منذ انفصاله عن بانة، لم يتذوق حلاوة الحياة؟

يقول الشاب العراقي: "أتابع حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وأبحث عن منشوراتها، وعندما أعجز، أراسل صديقاتها، وأطلب منهّن إخبارها بأنني ما زلتُ أُحبها لكنها لا تستجيب. أتخيّلها في آخر لقاء لنا، فأبتسم، لكن فجأةً أشمّ في خيالي رائحة رجل آخر تشاركه حياتها، فأتيه وتقودني أفكاري إلى إنشاء حساب فيسبوكي جديد لمراسلتها منه".

"يدق الباب فأقول هي، أقول رجعت خلاص ليّا"، و"أنا عايش ومش عايش ومش قادر على بُعدك"، وغيرهما من أغاني عمرو دياب التي ملأت حساب فادي الجديد عبر فيسبوك

"نادر خروف"، هذا هو الاسم الذي اختاره فادي لحسابه الجديد، وأرسل طلب صداقة إلى بانة، تعليقاً على هذه النقطة، يقول فادي: "اخترت هذا الاسم كرسالة غير مباشرة بأنني فادي وأنني أنذر خروفاً لتعودي إليّ، ثم بدأتُ بنشر قصصي، ومقطعاً من أغنية عمرو دياب: "وحشتيني وحشتيني، سنين بُعدك على عيني، ليالي كنت مش عايش ومستنيكي تحيني".

"يدق الباب فأقول هي، أقول رجعت خلاص ليّا"، و"أنا عايش ومش عايش ومش قادر على بُعدك"، وغيرهما من أغاني عمرو دياب التي ملأت حساب فادي الجديد عبر فيسبوك. يقول: "كل ما فعلته أنها شاهدت القصص، لكنها لم تتفاعل معها، بل ازداد جفاؤها وغرورها، حتى أنها مرةً تفاعلت بوجه ضاحك على إحدى القصص".

ويضيف: "نصحني صديقي بالتوقف عن ملاحقتها وإلغاء متابعتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وحذف جميع الصور المنشورة التي جمعتنا، لا بل نصحني بحظرها من عالمي الرقمي ومن حياتي أيضاً".

ماذا فعلت؟ يجيب فادي: "في البداية، عجزت لأن ذلك يعني ضياع الأمل. شعرتُ بأن حياتي من غيرها كابوس. ازداد تعلّقي بإنستغرام وفيسبوك، فهما الوسيلتان الوحيداتان لمعرفة أخبارها، إلى أن بدأت تزعجني رؤيتها غير مبالية وتعيش حياتها من دون الاكتراث لأمري، ففعلتها. كان غيابها عن جميع حساباتي على الإنترنت أمراً مفيداً حقاً".

تُظهر القصص السابقة، كيف أضحت وسائل التواصل الاجتماعي، سلاحاً يوجَّه ضد المُحبّين أحياناً، وتضعهم داخل حقل من الألغام العاطفية المعقدة المتمثلة في الانفصال رقمياً، فتبدأ رحلة الوهم مع كل قصة ينشرها الحبيب السابق، وتصل إلى العقل آلاف الأفكار يومياً: هل قصدني بهذه القصة؟ هل أقوم بإلغاء متابعته؟ أو إلغاء الصداقة؟ أم أكتفي بكتم صوت الإشعارات؟ هل أحذف الصور أم أحتفظ بها؟

إصلاح القلوب المكسورة

يقول الدكتور الأمريكي جاي ونش، في كتابه "كيف تصلح قلباً مكسوراً"، إن آلام حسرة القلب تتم معالجتها تماماً كالألم الجسدي، لذلك لا بدّ لك أن تترك حزنك يخرج بعد الانفصال، إن كنت قد عشت مستويات عاليةً من الألم خلال علاقتك العاطفية، فحظر الشريك السابق هو الحل الأنسب لتبدأ حياةً جديدةً.

يحكي الدكتور جاي ونش، أن الكثير من المرضى كانوا مهتمين بما سيظنّه الحبيب السابق عنهم، إن قاموا بحظره أو حذف الصور المشتركة بينهما على فيسبوك أو إنستغرام: "كنت دائماً أُجيبهم بسؤال: هل هذا مهم؟ توقف عن أخذ حبيبك السابق في عين الاعتبار عند التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، هو فَقَد الحق في إبداء رأيه عندما قرر الانفصال، لذلك مهمتك القادمة هي التركيز على تعافيك أنت فقط".

ينصح الطبيب جاي ونش، بعدم نشر صور تعبّر عن الفرح الزائد أو الحزن الزائد، بل نشر القصص التي تدل على نجاح المرء في مهمة ما، أو قضاء وقت ممتع مع العائلة، من دون نشر أغنيات حزينة أو صورة مع شخص جديد بعد الانفصال بفترة وجيزة، انتقاماً منه. إن وسائل التواصل الاجتماعي سوف تعمل ضد الشخص المعني في هذه الحالة.

إن آلام حسرة القلب تتم معالجتها تماماً كالألم الجسدي، لذلك لا بدّ لك أن تترك حزنك يخرج بعد الانفصال، إن كنت قد عشت مستويات عاليةً من الألم خلال علاقتك العاطفية، فحظر الشريك السابق هو الحل الأنسب لتبدأ حياةً جديدةً

بحسب دراسة أُجريت في العام 2009، ونُشرت في مجلة "علم وظائف الأعصاب"، عندما تكون مع شخص ما، فأنت في الأساس تشكل إدماناً في كل مرة تراه أو تكون معه فيها، ما يزيد من هرمون الدوبامين في الدم، وعند الانفصال، تعاني من انسحاب هذا الهرمون من جسمك، ما يجعلك تشعر بالحاجة إلى البحث عن هذا الشخص، سواء شخصياً أو عبر الرسائل النصية، أو التحقق من وسائل التواصل الاجتماعي. إن أثر توقف هرمون الدوبامين كأثر انسحاب المخدرات من الدم، لذلك عليك التخلّص من هذا الإدمان العاطفي.

يقول الطبيب جاي ونش أيضاً، إن وسائل التواصل الاجتماعي وحش تجب إدراته حتى في أفضل الأوقات، لأن خوارزمية عملها ستقترح لك المحتوى الذي يلائم حالتك النفسية، ستجد حسابك تحوّل إلى مجموعة من القصص العاطفية الفاشلة، وعبارات الحب المؤلمة، بمجرد أنك ضغطت على زر أعجبني على إحداها، لذلك عليك التوقف عن الاستماع إلى الأغاني الحزينة أو قراءة القصص التعيسة، واتّباع الخطوات التالية:

إذا كنت لا تقوى في البداية على حذف شريكك السابق من قائمة الأصدقاء، يمكنك إلغاء متابعته كخطوة أولية، وكذلك الصور التي جمعتكما، ويمكنك استخدام خاصية الأرشفة في حال عجزك عن حذفها مباشرةً، أو رفعها إلى غوغل درايف، المهم أن تبعدها عن وجهك.

إذا كنت لا تستطيع التوقف عن متابعة ما ينشره، إليك هذا التمرين: فكّر في جميع النتائج واكتب الاحتمالات، نادراً ما تجعلك مشاهدة قصته أو تفقد صفحته تشعر بتحسن، إن كان يبدو سعيداً ستشعر بالسوء، إن خرج مع الأصدقاء ستشعر بالسوء، صورة مع شريك جديد ستشعرك بالسوء أيضاً، لذلك في بعض الأحيان قد يكون عدم معرفة كل شي نعمة. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image