هذا التقرير أُنتج ضمن مشروع "المدافعات عن حقوق المرأة"، بدعم من منظمة Civil Rights Defenders.
نظمت جمعية "نحن النساء، كلنا" (نو توت) مظاهرات في كل المدن والقرى الفرنسية في التاسع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي، وكانت كبرى هذه المظاهرات في العاصمة باريس.
ترى المنظمة في دعوتها للتظاهر أن الهدف هو رفض الوقائع العنيفة التي تفوق الاحتمال، إذ تتعرض 225 ألف امرأة للتعنيف من قبل شريك حياتهن الحالي أو السابق، ويتعرض ثلث النساء للتحرش في مكان العمل، وتتعرض ثمانون في المئة من النساء المعوّقات للتعنيف، وخمس وثمانون في المئة من النساء المتحولات جنسياً إلى فعل معاد للمتحولين، وتسع وستون في المئة من النساء من أعراق مختلفة يتعرضن للتميز ضدهن في العمل، وتتعرض النساء السمينات لأربعة أضعاف التمييز في العمل، وتجبر ستة ملايين وسبع مئة ألف امرأة على ممارسة سفاح القربى، وتغتصب النساء في عيادات الأطباء النسائيين.
تضيف المنظمة أن المظاهرة تنظم أيضاً لإيصال صوت من لم يعد لهن صوت، إذ قتلت 700 امرأة خلال رئاسة إيمانويل ماكرون، وتدعو المنظمة للصراخ غضباً في مواجهة الفشل المؤسساتي للقضاء والشرطة في مواهجة العنف القائم على النوع الاجتماعي. تشرح المنظمة أن الضحايا عندما يطالبن بحقوقهن القانونية يواجهن بالتشكيك بأقوالهن، بغياب التحقيق في قضاياهن، وبلوم الضحية بدل لوم الجاني وغير ذلك من أشكال العنف المؤسساتي التي تؤدي إلى ضياع حق الضحايا وغياب المحاسبة.
إن كان هذا هو وضع النساء في فرنسا، فما هو وضعهن في سوريا؟
تأملت المتظاهرات والمتظاهرين ولافتاتهم التي تدعو إلى مزيد من التشدد وإلى سن القوانين التي تحمي النساء، ولم أستطع أن أمنع سؤالاً من التسلل إلى نفسي: إن كان هذا هو وضع النساء في فرنسا، فما هو وضعهن في سوريا؟
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 28761 امرأة في سوريا منذ العام 2011، وبحسب تقرير للأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية يعاني ثلاثة ملايين سوري من الإعاقة، وتتعرض ثلث النساء ذوات الإعاقة لإساءة نفسية أو بدنية. كما تم تسجيل اعتقال 11141 امرأة سورية، ثمانون بالمئة منهن في معتقلات النظام السوري، سجل قتل 94 امرأة بالغة منهن تحت التعذيب. وما زال عدد يقدر على الأقل بعشرة آلاف امرأة مختفية قسرياً أو مغيبة. كما سجلت الشبكة 11526 حادثة عنف جنسي استهدفت النساء.
"العنف القائم على النوع الاجتماعي متأصل في المجتمع السوري ومشرعن قانونياً ومجتمعياً، ولكن نسبته ارتفعت كثيراً خلال السنوات العشر الأخيرة في ظل النزاع المسلح" د. مية الرحبي، مديرة منظمة مساواة
التقت رصيف 22 بمديرة منظمة مساواة د. مية الرحبي التي شرحت أن العنف القائم على النوع الاجتماعي متأصل في المجتمع السوري ومشرعن قانونياً ومجتمعياً، ولكن الملاحظ أن نسبته ارتفعت كثيراً خلال السنوات العشر الأخيرة في ظل النزاع المسلح، نتيجة الانفلات الأمني، حيث قام فريق التوثيق في مساواة بالتعاون مع منظمتي "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" ومنظمة "سارا" بتوثيق 185 جريمة قتل للنساء بذريعة الشرف.
وتقول الرحبي: "الحرب تؤثر على القواعد الأخلاقية والمجتمعية التي قد تلجم العنف الأسري في وقت السلم، فتتسرب انتهاكات الحرب إلى فضاء المنزل، بالإضافة أن انتشار الأسلحة الفردية قد يشجع على ارتكاب جرائم العنف المنزلي وحوادث القتل بذريعة الشرف". وأضافت أن الناجيات من الاعتقال تعرضن إلى عنف أسري قد يصل إلى حد القتل أو هرب الضحية من محيطها الأسري.
"الحرب تؤثر على القواعد المجتمعية التي تلجم العنف الأسري في وقت السلم، فانتشار الأسلحة الفردية قد يشجع على ارتكاب جرائم العنف المنزلي وحوادث القتل" د. مية الرحبي
وأشارت الرحبي إلى أن فقدان المعيل والنزوح والهجرة أضافت أشكالاً من القهر أدت إلى تعرض النساء لأنواع مختلفة من العنف والاستغلال ومن بينها العنف الجنسي، وزادت من أثر القوانين الجائرة أصلاً المتعلقة بالأحوال الشخصية وقوانين الجنسية. "فعجزت النساء عن استصدار أوراق ثبوتية لهن أو لأولادهن تسوي أوضاعهن القانونية أو أوضاع أطفالهن في حالات الترمل أو الهجر أو الطلاق أو اختفاء الزوج، أو ولادة طفل دون زواج مثبت".
تشير تقارير حول ظاهرة تجنيد النساء إلى قيام النظام السوري والفصائل الكردية المسلحة بضم النساء إلى الوحدات المقاتلة، تقول الرحبي: "هنالك تقارير تتحدث عن التجنيد القسري أو تجنيد القاصرات، وقد هربت بعض الأسر الكردية من مناطق هذه الفصائل خوفاً من تجنيد بناتهن. وتعرضت المقاتلات لكافة أنواع الانتهاكات من قبل الأطراف المقابلة، كما جند النظام النساء ولو بأعداد محدودة".
قابل رصيف22 الحقوقية والنسوية السورية جمانة سيف للحديث عن استخدام العنف الجنسي كسلاح في سوريا. تشرح سيف أن العنف الجنسي "تم استخدامه ضد النساء من قبل نظام الاسد والمليشيات المرتبطة به في سوريا منذ بداية الثورة، كأدأة لبث الذعر وترويع المجتمعات. كما تم استخدام أجساد النساء كوسيلة للانتقام من أقاربهن وذويهن من الرجال وذلك أثناء مداهمات المنازل لاعتقال المتظاهرين وعند نقاط التفتيش وأثناء الاستجواب. وقد وثقت لجنة التحقيق الدولية جرائم العنف الجنسي منذ تقاريرها الأولى. وفي تقريرها الخاص عن العنف الجنسي الصادر عام 2017 تحت عنوان (فقدت كرامتي) وثقت اللجنة تعرض النساء والفتيات لعمليات تفتيش عنيفة ومذلة واغتصاب في 20 فرعاً من فروع المخابرات السياسية والعسكرية التابعة لنظام الأسد".ولكن سيف أشارت أن العنف الجنسي كسلاح لم يستهدف النساء وحدهن، فقد "استخدم نظام الأسد ومليشياته العنف الجنسي ضد الجميع، النساء والفتيات والرجال والفتيان لترويع معارضيه ولانتزاع الاعترافات وكأداة للامعان في التعذيب وامتهان الكرامة الانسانية وقد تم توثيق اغتصاب الرجال والفتيان في 15 فرعاً أمنياً".
ولكن سيف ترى أن استهداف النساء بالعنف الجنسي تحديداً، كان له دوافع عديدة، "فإضافة الى الانتقام وإرسال رسائل الغطرسة والتفوق عبر أجساد النساء، أراد نظام الأسد تحقيق هدفين: الأول هوتحييد النساء عن المشاركة بالثورة مراهناً على الاستثمار في العقلية الذكورية السائدة في المجتمع والتي تربط مفهوم الشرف بأجساد النساء وبالتالي على المجتمع حمايتهن وإجبارهن على البقاء في البيوت وعدم المشاركة في الشأن العام. والثاني هو ضرب مجتمعات المعارضة وتفتيتها، مما لهذه الجرائم من آثار وتبعات طويلة الاجل ليس على الضحايا انفسهم بل على المجتمع ككل وخصوصاً في مجتمعات تدين الضحية وتنبذها وتحملها المسؤولية عما تعرضت له".
تم استخدام أجساد النساء كوسيلة للانتقام من أقاربهن وذويهن من الرجال وذلك أثناء مداهمات المنازل لاعتقال المتظاهرين وعند نقاط التفتيش وأثناء الاستجواب" جمانة سيف، حقوقية سورية
قبل الحديث عن إمكانية محاكمة النظام ومليشياته على جرائم العنف الجنسي المرتكبة، لا بد من المرور سريعاً على تاريخ نظر القانون الدولي إلى هذه الجرائم وتعامله معها، تشرح سيف: "استخدام العنف الجنسي كسلاح حرب ممارسة موغلة في القدم، وقد تم التعامل معها كممارسة لا مفر منها في الصراعات لقرون طويلة. وعلى الرغم من ارتكاب كل الأطراف لجرائم العنف الجنسي في الحرب العالمية الثانية، إلا أن محاكمات نورنبيرغ وطوكيو، اللتين انشأتهما دول التحالف المنتصرة، لم تعترف بالطابع الإجرامي للعنف الجنسي ولم تحاكمه. لاحقاً، ومع تطور القانون الدولي تم تجريم الاغتصاب وجرائم العنف الجنسي الأخرى في العديد من الاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقيات جنيف سنة 1949، إلا أن الاعتراف الدولي الحقيقي لم يظهر إلا نهاية عام 1992 في قرار مجلس الأمن تاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر، والذي اعتبر أن الاحتجاز واغتصاب النساء الجماعي المنظم والمنهجي، وفي الخصوص النساء المسلمات في البوسنة والهرسك، يشكلان "جريمة دولية لايمكن تجاهلها".
ومع قرار مجلس الأمن تاريخ 25 آيار/مايو 1993 بخصوص تأسيس المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، بدأ ظهور تطور ملموس، إذ شمل النظام الأساسي للمحكمة، الاغتصاب كجريمة ضد الإنسانية إلى جانب الجرائم الاخرى كالتعذيب والإبادة، كما وسعت المحكمة في تعريف الرق كجريمة ضد الانسانية واعتبرت أنه يشمل الاسترقاق الجنسي وأدانت المحكمة أكثر من ثلث المدانين عموماً بجرائم تتعلق بالعنف الجنسي. لاحقاً وفي المحكمة الجنائية الخاصة براوندا والتي تأسست بقرار مجلس الامن تاريخ 8 تشرين الأول/نوفمبر 1994، تم تحقيق تطور آخر، إذ اعتبرت المحكمة أن الاغتصاب والاعتداء الجنسي يشكلان أعمال إبادة جماعية إذا ما ارتكبت بقصد تدمير جماعة كلياً أو جزئياً. (وهو ما تم الحكم به منذ مدة قصيرة في محاكم ألمانية بخصوص الجرائم المرتكبة ضد الأيزيدين).
التطور الأهم على مستوى القانون الجنائي الدولي، هو نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي عرف وعدد جرائم العنف الجنسي وأنواعها كجريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب.
أما التطور الأهم على مستوى القانون الجنائي الدولي، فهو نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي تم اعتماده في روما في 17 تموز/ يوليو 1998. وقد عرف وعدد جرائم العنف الجنسي وأنواعها كجريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب وألزم الدول المصادقة عليه بالإسهام في منع هذه الجرائم ووضع حد للإفلات من العقاب وممارسة ولايتها القضائية الجنائية لمحاسبة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم الدولية، مما حدا الدول الموقعة ومنها العديد من الدول الأوروبية الى تعديل قوانينها الوطنية تنفيذاً لالتزاماتها الدولية وتفويض نياباتها العامة بمقاضاة هذه الجرائم تحت مبدأ الولاية القضائية العالمية كما حصل في محاكمة الخطيب/ كوبلنز وكذلك في محاكمة الطبيب علاء. م الجارية في مدينة فرانكفورت الالمانية".
وعند سؤالها حول إمكان اعتبار جرائم العنف الجنسي المرتكبة من قبل النظام ممنهجة ويمكن المحاسبة على مجملها، أجابت سيف: "بالتاكيد، فجرائم العنف الجنسي المرتكبة من قبل النظام كانت جزءاً من الهجوم الممنهج والواسع النطاق ضد السكان المدنيين مما يشكل جريمة ضد الانسانية وهذا ما كنا نناضل من أجل الاعتراف به منذ سنوات طويلة وما ناضلنا من أجل إثباته في محاكمة فرع الخطيب الى أن تمت إضافته كجريمة ضد الانسانية في الحكم الصادر في كانون الثاني الماضي عن المحكمة الادارية العليا في مدينة كوبلنز والذي لم ينشر كاملاً بعد".
في انتظار المحاسبة والعدالة على كل الجرائم المرتبكة، تبقى النساء في كل العالم في وضع لا يحسدن عليه، إلا أن المقارنة بين أوضاعهن في دول تنهشها الصراعات المسلحة والأنظمة المستبدة والعنيفة، ودول مستقرة وديمقراطية، تجعل الطريق للوصول لإلغاء العنف القائم على النوع الاجتماعي أطول أو أقصر حسب مكان وجود النساء وإمكانية النضال من أجل مزيد من الحماية القانونية. يبقى الأمل موجوداً بفضل نضالات نسوية طويلة الأمد، لا تقبل اليأس، وتسعى دوماً من أجل عالم أعدل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com