شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"لست متاحةً لأني مطلقة"... تحديات النساء المنفصلات في المجتمع الفلسطيني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الجمعة 18 نوفمبر 202212:10 م

هذا المقال أُنتج ضمن مشروع "المدافعات عن حقوق المرأة"، بدعم من منظمة Civil Rights Defenders.

تعاني النّساء عموماً، من صورٍ نمطيّة تتشكل عنهنّ بناءً على وضعهنّ ومكانتهنّ الاجتماعية، من زواجٍ أو انفصال. فدائماً تأتي صورة النّساء العزبات على شكل جُمل تقليديّة معروفة: "ظل راجل ولا ظل حيطة"، و"الراجل ستر وغطا"، و"الله يستر عليكِ"، إذا لم تجد بعد عريساً "لقطة". لكن من جانبٍ آخر، تعاني النساء المنفصلات من نظرة أخرى مختلفة، إذ تحاول المجتمعات إشعارهنّ بالحرج لكونهنّ انفصلن واخترن الحياة من دون "ظل الراجل"، في حيواتهنّ.

وفي مجتمعنا الفلسطيني، تختلف النظرة تجاه النّساء وحالتهنّ الاجتماعية، باختلاف مناطقهن السكنية، في الداخل (أراضي الـ48)، والضفة أو غزة، لكنها تُجمع على شيء واحد: تذنيب المرأة في ما تصل إليها علاقتها.

تُفرض على المرأة محاولات التأقلم مع حياتها الجديدة مع زوجها، فالرجل لا ينظر إلى امرأةٍ أخرى إن حافظت الزوجة على شكل معيّن من اللّباس وتسريحة الشّعر في البيت وخارجه، وإن قامت يومياً بتنظيف البيت ومسحه وتحضير الطعام وتنظيف الأواني، وإن توقفت عن طلب أي شيء يخصها واكتفت بالطلبات البسيطة للبيت. وبينما تقوم بكلّ المهام الموكلة إليها عليها أن تحافظ على ابتسامة دائمة ومن دون "نكد" لزوجها عندما يعود من العمل، وإذا قام بتعنيفها عليها "مداراته". كما يتوجب عليها اليوم العمل خارج البيت من أجل مساعدته في تكاليف الحياة المرتفعة، وهذا كلّه بالحفاظ على نفسها مبتسمةً، ومطيعةً.

وفقاً لمركز الإحصاء الفلسطيني، بلغت حالات الطلاق عام 2020، في الضفة الغربية، 4،558 حالةً، وفي غزة 3،448، أما في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل فقد أظهرت الإحصائيات وفقاً للمحاكم الشرعية أنّ 40% من حالات الزواج سنوياً تنتهي بالطلاق، وهذا يُعدّ رقماً كبيراً بالنسبة إلى المجتمع الصغير.

خلال هذا التقرير نسلّط الضوء على معاناة النساء المنفصلات في المجتمع الفلسطيني، في كافة أماكن فلسطين التاريخية وفي الشتات، وكيف تتغيّر النظرة إليهن وطريقة المعاملة من المجتمع والعائلة، وكيف تُفرض القوانين الاجتماعية بشكلٍ مختلف لأنها الآن "مطلقة"، وهدف "سهل" للمجتمع والرجال بشكلٍ خاص؟

في مجتمعنا الفلسطيني، تختلف النظرة تجاه النّساء وحالتهنّ الاجتماعية، باختلاف مناطقهن السكنية، في الداخل (أراضي الـ48)، والضفة أو غزة، لكنها تُجمع على شيء واحد: تذنيب المرأة في ما تصل إليها علاقتها

التستر بدلاً من المواجهة

تعاني النساء الفلسطينيات من عواقب وصعوبات مختلفة في مواجهة أهاليهن في اللحظة التي يقررن فيها الانفصال، وتكون الأمور أكثر صعوبةً بعد مرور وقت قصير على الزواج، إذ تأتي إدعاءات المجتمع لتفرض على المرأة تحمّل الإهانة والعنف من أجل إنجاح زواجها الذي ينقذها من ألسنة مجتمعها.

تقول ساجدة (اسم مستعار)، التي تبلغ من العمر اليوم 27 عاماً، وهي من إحدى قرى الجليل في الداخل الفلسطيني، عن تجربتها في الطلاق بعد سنة ونصف من زواجها: "قرار الانفصال كان صعباً، ليس بسبب فكرة انفصالي أو حالتي النفسية في تلك الفترة، إنما وجدت صعوبةً حقيقيةً في كيفية طرح الموضوع أمام أبي والعائلة بشكلٍ عام؛ كيف سيكون تقبلهم لهذا القرار بعد سنة ونصف فقط من زواجي؟ بعد أقل من نصف سنة على زواجي، كنت قد اتخذت قراراً بالانفصال، وذلك بسبب اكتشافي خياتنه عن طريق الصدفة، فقد أمسكت هاتفه على غير عادتي، عندما وصلته رسائل وصور من فتاة أخرى، لأدخل إلى المحادثات وأكتشف كل سيرورة خيانته خلال أشهر الزواج وما قبله".

أما سماء (اسم مستعار)، 24 عاماً، فلسطينية من أحد مخيمات لبنان، فتقول: "لقد كان قرار الانفصال صعباً جداً، اتخذته بعد ولادة ابنتي بثلاثة أشهر، وذلك بسبب التعرض للعنف الجسدي. فكرت كثيراً في أني لا أريد لابنتي أن تراني في مثل هذه الحالة، لذلك قررت الانفصال والعودة إلى بيت والديّ، لكني كنت خائفةً طوال الوقت من رد فعل والدي، وهو ما حدث فعلاً".

وتشاركنا عبير (اسم مستعار)، مهندسة متدربة في القطاع الخاص، وتبلغ اليوم 22 عاماً، من قطاع غزة، تجربتها في الانفصال بعد شهرٍ واحدٍ فقط من زواجها، وبينما لم تنهِ سنتها الجامعية الأولى: "كان تقبّل قرار الانفصال صعباً على العائلة. عندما قررت مصارحتهم بما يحدث معي من تعنيف مستمر في بيت زوجي السابق، جلس معي عمي الكبير وأخذ يحكي لي عن نساءٍ من العائلة والحي يُضربن ويُعنّفن بشكلٍ دائم، وما زلن عند أزواجهنّ ولم يتطلقن. جاءت الاعتراضات في العائلة على شاكلة أني ما زلت في أول شهر ونصف من الزواج وعليّ الاعتياد على طريقة الحياة الجديدة والمختلفة عن عائلتي، بحيث أن السنة الأولى هي سنة الاعتياد للأزواج على بعضهم البعض، ولا بد من احتمال غضب الزوج وتقلباته المزاجية".

المواجهة المباشرة... تحديات وعقبات

لا تقتصر العقبات بالنسبة إلى النساء المنفصلات مع الأهل، أو البيئة المقربة، بل تتعدى ذلك إلى المجتمع الأكبر والبيئة المحيطة من "الحارة"، والرجال الذين تعرفهم أو تتعرف إليهم لاحقاً. وتختلف المشكلات بالنسبة للمرأة بحسب البيئة الجغرافية التي تتواجد فيها.

تقول ساجدة مستحضرةً ذكرياتها عند اتخاذها قرار الانفصال: "أكبر مشكلة واجهتها عند اتخاذي القرار، كانت في إقناع أبي بضرورة هذا الانفصال وبعدم قدرتي على الاستمرار في زواج يقوم على الخيانة والعنف الجسدي. عندما صارحت أبي للمرة الأولى، بدا كأنه قد تلقّى صفعةً للتو، بل أكثر من ذلك، بدا كأنه 'حدا رمى عليه مي باردة مع ثلج'. حتى هذا اليوم ما زلت أتذكر تعابير وجهه بعد مرور أربع سنوات على انفصالي".

تكمل قائلةً: "واجه أبي مشكلةً حقيقيةً في تقبّل أن ابنته الوحيدة سوف تصبح مطلقةً في عُرْفِ المجتمع، لقد كان يفكر في ماذا سوف يقول الناس عن هذا الانفصال؟ وكيف سيواجهه؟ اليوم، أفهم كيف يفكّر أبي وجيله، لن نستطيع نحن تغيير طريقة تفكيرهم بعد 50 سنةً، لأنها حياتهم وتقاليدهم التي كبروا وتربّوا عليها، لذلك توجد فجوة كبيرة بيننا في التفكير والقرارات، فالذي كان من الممكن أن تتحمله المرأة من عنف قبل 10 سنوات و20 سنةً، لا يمكن لأي امرأة من جيلنا اليوم تحمّله".

تقول سماء: "لقد واجهت صعوبةً في إقناع والدي بحقيقة انفصالي. لقد كان قلقاً من نظرة الناس تجاه ابنته الوحيدة بعد فترة زواج لم تتعدَّ السنتين في المخيم الذي لا تخفى فيه كلمة، فكيف بالطلاق؟".

ثم تضيف ساجدة: "في حالتي، كان المجتمع يعرف طبيعة المشكلات والخيانة التي تعرضت لها والعنف أيضاً. شعرت بنوع من التضامن من الناس، ما أثار استغرابي. كانوا يحكون لي جملاً تعبّر عن فخرهم في أني تمكّنت من مواجهة أبي والمجتمع والسير وراء قراري الشخصي، لكن من ناحية أخرى، كان الرجال من حولي ينظرون إليّ نظرة أننا نستطيع أن نكون معك على علاقة مختلفة، والقيام معكِ بأمور لا نستطيع الخوض بها مع فتاة لم تتزوج ولم تمارس الجنس من قبل مثلاً. وكنت أجد هذا صعباً جداً، إذ صارت الفكرة السائدة بأني مُتاحة فقط لأني مطلقة".

"كان الرجال من حولي ينظرون إليّ نظرة أننا نستطيع أن نكون معك على علاقة مختلفة، والقيام معكِ بأمور لا نستطيع الخوض بها مع فتاة لم تتزوج ولم تمارس الجنس من قبل مثلاً. وكنت أجد هذا صعباً جداً، إذ صارت الفكرة السائدة بأني مُتاحة فقط لأني مطلقة"

البدء من الصفر... حياة جديدة قديمة

تحاول النساء بعد الانفصال الاستمرار في الحياة من حيث توقفت، والتقدم في حيواتهن العملية، واستكمال الدراسة الجامعية، والاستمرار في لقاء الصديقات والأصدقاء والانخراط في المجتمع الرافض أصلاً لفكرة طلاقهنّ، لكنهنّ يواجهنّ مصاعب أخرى حتى بعد انفصالهنّ.

تضيف ساجدة: "تزوجت صغيرةً في عمر التاسعة عشر، وعندما تطلقت كنت في الثالثة والعشرين، فواجهت هنا مصاعب حقيقيةً في العودة والتأقلم على الحياة من جديد مع والديّ، لأنهما اعتقدا أن عليهما إعادة تربيتي مرةً أخرى، والتعامل معي على أني الطفلة التي خرجت في عمر التاسعة عشر من البيت. واحتجت وقتاً طويلاً حتى صارا يفهمان أني حرة في تصرفاتي ولا أحتاج "محرم" معي أينما ذهبت، وأيضاً في طريقة ارتدائي للملابس ونوعيتها. فلأنني مطلقة لا أستطيع ارتداء ما أريد، بل عليّ السير وفق قوانين المجتمع فحسب".

تضيف معلّقةً: "صرت أجد في كثير من الأحيان أن جيلنا الصاعد، لم يعد لديه تقدير حقيقي للزواج كمؤسسة وشراكة حقيقية وحب يدوم وتأسيس عائلة، فصارت الخيانة والعنف وعدم التقدير أشياء عاديةً، والطلاق أيضاً".

وقالت سماء حول مشكلاتها بعد الانفصال مع وجود طفلة في حضانتها: "أكثر الصعوبات التي واجهتها وما زلت أواجهها، هي قضية المحاكم الشرعية هنا، بسبب أن طليقي لبناني وليس فلسطينياً من المخيم، فمعظم الحقوق تعود إليه لأنه مواطن، وجميع المعاملات التي يجب عليّ القيام بها لابنتي يجب أن تكون بوجوده، وهو كان يرفض التواجد والتوقيع على الأوراق اللازمة، وحتى النفقة التي حكمت بها المحكمة لصالح ابنتي، يرفض دفعها فعلياً وبقيت حبراً على ورق تنتظر التنفيذ في ظل غياب حكومة تجبره على تنفيذ القوانين".

تقول عبير لرصيف22، بعد عودتها إلى بيت والديها بعد الانفصال: "قبل زواجي كان من الطبيعي أن أقضي الوقت مساءً مع صديقاتي أو أن أنام في بيت إحداهنّ. بعد انفصالي صار من الصعب خروجي للقاء صديقاتي أكثر من مرة في الأسبوع، فالجيران يتحدثون ويصل الكلام إلينا بأنني مطلقة ويجب عليّ البقاء في البيت حتى لا يحكي الناس عن سُمعتي وشرفي".

الارتباط بعد الطلاق... شبه مستحيل

تكون فكرة الارتباط بعد الانفصال جحيماً على النساء. معظمهنّ شاركنّ تجربتهنّ مع نظرة الرجال إليهن بعد الانفصال. يتعامل معظم الرجال في مجتمعنا الفلسطيني مع المرأة "المطلقة" على أنها فريسة سهلة، يمكن أن "يتسلى" معها ثم يتركها، لأن "الرجل الحقيقي" يرفض الزواج بامرأة تزوّجت سابقاً.

يتعامل معظم الرجال في مجتمعنا الفلسطيني مع المرأة "المطلقة" على أنها فريسة سهلة، يمكن أن "يتسلى" معها ثم يتركها، لأن "الرجل الحقيقي" يرفض الزواج بامرأة تزوّجت سابقاً.

تقول عبير عن معاناتها في التعامل مع الرجال بعد انفصالها: "ربما الأصعب، بعد انفصالي، هو تعامل الذكور معي بعد الطلاق. يتعاملون على أنهم إذا تحدّث إليّ أحدهم فأنا في نعمة، وكأنه يقوم بشيء حسن لأجلي. لا ينظرون إليّ كشخص، بل كامرأة مطلقة يمكنهم قضاء بعض الوقت في الحديث معها فحسب، وليس أكثر من ذلك".

أما ساجدة، فتحكي عن تجربتها في الارتباط بشخصٍ آخر بشكلٍ رسمي بعد مرور سنتين على انفصالها: "عندما توجّه إلي الشاب في البداية، لم أُصدّق أنه فعلاً مهتم في أن يبني معي علاقةً حقيقيةً، لكنه حاول بشتى الطرق إقناعي بأنّ أهله لا يملكون أي مشكلة في ارتباطه بامرأة مطلقة في عمرٍ صغير، ولكن ما حدث في الحقيقة، هو أنّ أمه كانت طوال الوقت تتحدّث من ورائي بأقوال مختلفة للناس مثل: 'تحمد ربها إنه ابني تطلّع عليها'، و'ابني بوخذ بنت مش مطلقة بس هي ملزقة فيه'، وتأكدت هنا من أنّ الكثير من الأهالي لا يقبلون ارتباط أبنائهم بامرأة تزوّجت سابقاً، وكأنّ زواجها السابق وانفصالها عبارة عن وصمة عار".

تأتي تجارب النساء في هذا التقرير، كنافذة صغيرة على عالم النساء المنفصلات في مجتمعنا الفلسطيني. كلهنّ رفضن إبراز أسمائهن الحقيقية، لأنهنّ يدركن أن الحديث، بصوتٍ مرتفع، عن مثل هذه التجارب، يكاد يكون وصمة عار أمام نظرة المجتمع إليهنّ.

لا تنتهي معاناة النساء المعنفات في بيوتهنّ بعد انفصالهنّ، إذ تظلّ الأسئلة تلاحقهنّ، وتظلّ الدعوات "بالستر" و "بظل راجل" يحرس شرفهنّ على ألسنة النساء في الحي، ويظلّ الوصم "مطلقة"، في إشارةٍ إلى السلبية المطلقة للكلمة، يلاحق كلّ امرأةٍ قررت عيش حياتها بعيداً عن زوجٍ معنّف، وخائن، ولا يكنّ أي احترام لها ولقيمتها كإنسان.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image