شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
طالب خامنئي بتشويه سُمعته بدلاً من إلقاء القبض عليه... مولوي عبد الحميد

طالب خامنئي بتشويه سُمعته بدلاً من إلقاء القبض عليه... مولوي عبد الحميد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 3 ديسمبر 202206:10 م

ما زالت الاحتجاجات الإيرانية في الأشهر الأخيرة من عام 2022 مستمرة ومعلنة عن رفض قاطع لسياسات أسلمة المجتمع، والاستياء من تدخل رجال الدين في شؤون الحياة المدنية والنيل من الحريات الفردية بحجة المخالفة مع دين الله، ما كان يُطبّق منذ عام 1979 في البلاد.

وبما أن شرارة اندلاع الانتفاضة كانت إثر وفاة مهسا أميني، شابة من أصول كُردية ومن المذهب السني، فقد ضمت تلك الاحتجاجات مطالبَ الأقليات في إيران، وباتت هتافاتها ضد الظلم والحرمان إلى جانب الحرية.


بعد أحداث يوم الجمعة 30 أيلول/سبتمبر الماضي، في مدينة زاهِدان ذات الأغلبية السنية، والتي تضمنت اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة راح ضحيتها عشرات المدنيين، وكذلك بعد تسريب أنباء حول اعتداء جنسي على فتاة قاصر من البلوش من قبل  قائد مخفر شرطة هناك، لفتت تصريحات الشيخ عبد الحميد إسماعيل زِهي، إمام السُنة في زاهدان أنظار المتظاهرين ورواد شبكات التواصل والإعلام الإيراني من خارج البلاد.

نريد بلداً آمناً وموحداً. ليس لدينا مواطن شيعي ومواطن سُني، وقوميات ومذاهب مختلفة، بل كل من يعيش في إيران هو مواطن لديه حقوق يجب مراعاتها"

وصف رجل الدين السُني أحداث زاهدان بـ"الجمعة الدامية"، وأثارت دعواته الجريئة من منطقة البلوش، والتي تعد منذ فترة طويلة واحدة من أفقر مناطق البلاد، المساءلة والحوار السياسي في البلاد.

فباتت مظاهرات أيام الجمعة في زاهدان رمزاً للغضب والمقاومة، وتحول الشيخ عبد الحميد إلى ملهم للمتظاهرين، يدعم حركتهم ويدافع عن حقوقهم ويرفض قمعهم، كما وينتقد في خطاباته سياسات النظام الإسلامي والمرشد الأعلى على مدى 44 عاماً من انتصار الثورة الإسلامية.

سيرة حياته

ولد الشيخ عبد الحميد إسماعيل زِهي عام 1946 في مدينة زاهدان، وبعد إنهاء الدراسة في المدارس الابتدائية، توجه نحو باكستان المجاورة لمحافظة سيستان وبَلوتشستان الإيرانية كي يدرُسَ في المدارس الدينية هناك. وبعد التخرج عاد إلى مدينته ليصبح أستاذاً للعلوم الدينية وفق المذهب الحنفي في مدرسة "دار العلوم" جديدة التأسيس.


أصبح عبد الحميد الذي يلقب بـ"مولوي" و"شيخ الإسلام"، زعيمَ المدرسة الدينية منذ عام 1987 إلى اليوم. ويشرح الموقع الإلكتروني التابع له أن الشيخ "يحمل أفكاراً تدعو للوحدة الإسلامية، خاصة بين الشيعة والسُنة، كما يخالف التفرقة والإطاحة بالدولة، ويؤكد على استقلال ووحدة أراضي الوطن".  

وحول حقوق أهل السُنة من الشعب الإيراني، يفتي الشيخ بـ"التمسك بالحلول القانونية لنيل الحقوق والحريات، والمخالفة مع أي انتفاضة مسلحة ضد الحكومة"، حسبما ذكرت قناة بي بي سي.

أفكاره الدينية والسياسية

أما بالنسبة للشؤون الدينية فلا تخرج أفكاره عن دائرة أيّ رجل دين آخر من أي مذهب إسلامي، فهو يصف أن إسفار النساء في البلاد جاء نتيجةً لتسلّل الثقافة الغربية داخل المجتمع الإيراني عبر الأقمار الصناعية. كما ويؤكد أن الشريعة الإسلامية لا تسمح للمرأة بالسَّفر دون محرَم.

وفي السنة الماضية عندما استولت حركة طالبان على أفغانستان، دعم الشيخ عبدالحميد الإمارة الإسلامية هناك،  ووصفهم بالمجاهدين في سبيل الله الذين نالوا النصر أمام الكُفر.

تحول منبر الجمعة لأهل السُنة إلى أداة للضغط على الحكومة، وأصبحت خطب الشيخ عبد الحميد تشفي غليل المحتجين بكل انتماءاتهم

وبرغم انسجام الآراء تجاه الحجاب وحركة طالبان بين زعيم أهل السُّنة ونظام الجمهورية الإسلامية، إلا أن علاقاتهما لم تسِرْ في طريق واحد، فتارة تتلاقى هذه العلاقات وتارة أخرى تبتعد بابتعاد المذاهب. وبينما يدعم المرشد الأعلى علي خامنئي التيارَ المحافظ المسيطر على الدولة، يدعم الشيخ عبد الحميد التيارَ الإصلاحي الذي يدافع عن حقوق الأقليات العرقية والدينية.

وأثناء تفشي جائحة كورونا عام 2020، والتي بدأت من مدينة قُم الدينية، معقل الفكر الشيعي، أوعز إمام أهل السُنة سببَ دخول وانتشار كوفيد19 إلى طلاب المدارس من دولة الصين. كما ووصف نشاط جامعة المصطفى الدينية في قُم التي تضم عشرات الطلاب من أنحاء البلاد ومن الدول الأخرى، بالنشاط ضدّ الوحدة الإسلامية.   

يتمتع الشيخ عبد الحميد بشعبية لدى أهل السُنة الذين يشكلون 20 بالمئة من سكان البلاد حسب تقارير خاصة بهم. وبينما تخشى السلطات أن يكون للسُنة في إيران زعيم خاص بهم دون مقام الولي الفقيه علي خامنئي، جاءت تأكيدات عبد الحميد في ما سبق على عدم وجود طموحات لدى علماء أهل السُنة بأن يكون لهم زعيم دون المرشد الأعلى.

ممنوع من السفر

مع ذلك كشف الشيخ قبل سنوات في لقاء مع صحيفة "اعتماد" الإصلاحية، عن ممانعة النظام من زياراته الخارجية، حيث أراد السفر إلى دولة قطر للقاء بعض أقاربه،  ولكن لم تسمح له السلطات. كما أعلن عن تقييد رحلاته الداخلية إلى المحافظات الأخرى بغيةَ لقائه بأهل السُنة، لتبقى زياراته تقتصر على مدن محافظة سيستان وبلوتشستان فحسب.

ووسط صمت الكثير من علماء الدين الشيعة حول ما يدور من احتجاجات في البلاد وسقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين وفق إحصاءات نشطاء حقوق الإنسان في المنفى، بل وقد ذهب بعض من أئمة صلاة الجمعة الشيعة على وصف المتظاهرين بـ"المرتزقة"، و"دعاة العُري"، و"مثيري الشغب"، و"الانفصاليين"، تحول منبر الجمعة لأهل السُنة إلى أداة للضغط على الحكومة، وأصبحت خطب الشيخ عبد الحميد تشفي غليل المحتجين بكل انتماءاتهم.

هل أمر خامنئي بتشويه سمعته؟

بعد القرصنة الإلكترونية التي طالت وكالة أنباء "فارس" التابعة للحرس الثوري، نشرت مجموعة "بلاك ريوارد"، نشرةَ أخبار سرية كانت تعِدّها الوكالة خصيصاً لقائد الحرس الثوري، جاء فيها أن المجلس الأعلى  للأمن القومي والشرطة توصلا إلى حلّ يقضي باعتقال إمام أهل السُنة في زاهدان، بينما مانع من ذلك المرشد الأعلى، وطالب بتشويه سُمعته وتهميشه بدلاً من إلقاء القبض عليه.

وبينما أكدت الوكالة صحةَ إعداد النشرات السرية، نفى مكتب المرشد الأعلى صحةَ الأخبار المتداولة عن تصريحات خامنئي واعتبرها إشاعاتٍ لا غير.

في غضون ذلك، انتشرت مقاطع فيديو تظهر لافتة كبيرة في مدينة زاهدان تحمل صورة عبد الحميد وتعليق "شيخ الإسلام خطّ أحمر"، وتظاهر المئات دعماً له.


وبشكل ضمني أشار عبد الحميد إلى الوثائق المُسربة في خطبة الجمعة الماضية، مصرحاً: "لو أن الحكم بيدكم اليوم، فذلك من مشئية الله. ولو كان لنا بين الناس محبة وسمعة حسنة، فذلك عطاء الله. وما يمنحه الله هو وحده القادر على سلبِه،  فلا يمكن لأحد آخر سلب العزة".

وعن التطورات الجارية في البلاد قال: "نريد بلداً آمناً وموحداً. ليس لدينا مواطن شيعي وفي الجانب الآخر مواطن سُني وقوميات ومذاهب مختلفة، بل كلُّ من يعيش في إيران هو مواطن لديه حقوق يجب مراعاتها"، كما احتجّ على أحكام الإعدام الصادرة بحق المتظاهرين وبينهم قاصرون.

"لقد سئمنا التمييز والضغوط والفقر عبر 44 عاماً من حكم الجمهورية الإسلامية. اجلِسوا مع المتظاهرين وأنصتوا لاحتجاجهم، فهؤلاء هم الشعب"؛ كانت هذه آخر تصريحات أدلى بها إمام أهل السُنة في زاهدان.

زعيم السُّنة

وحسب صحيفة واشنطن بوست يؤكد مدير برنامج الدراسات الإيرانية في جامعة ستانفورد عباس ميلاني: "يتمتع مولوي عبد الحميد بمكانة تجعل من النظام لا يستطيع أن يمسّه. وطالما كان عبد الحميد شخصيةً صريحة في إيران لسنوات عديدة، وينظر إليه على أنه زعيم الأقلية البلوشية وكذلك المجتمع السني".

"لقد سئمنا التمييز والضغوط والفقر عبر 44 عاماً من حكم الجمهورية الإسلامية. اجلِسوا مع المتظاهرين وأنصتوا لاحتجاجهم، فهؤلاء هم الشعب"

وهناك تفاعل واسع من جانب رواد شبكات التواصل الاجتماعي مع تصريحاته التي يطلقها أيام الجمعة من موقع "عيدْگاه"، وهو محل إقامة صلاة الجمعة بحضور جماهيري مهيب، وبالقرب من جامع "مَكّي" الذي يُعتبر رمزاَ للبلوش.

"المولوي كأنه تلا آية الهية عندما قال: هو الله الذي يمنح العزة، لا شخص آخر"؛ هكذا علّق الناشط محمد حسين كريمي بور على تصريحات عبد الحميد الأخيرة.


كما جاءت تغريدة أمين بُوريا، التي نالت إعجاب الكثير من المغردين: "مشروع تشويه سمعة مولوي عبد الحميد الذي جاء في النشرات السرية المُسربة لم يفلح. اليوم حتى غير المسلمين ينصتون إلى كلامه، وهو قد دافع عن البهائيين، واحتج على أحكام الإعدام". 

سرعان ما وقع الشيخ عبد الحميد في دائرة غضب حكومة المحافظين الذين كان قد دعمهم لأول مرة خلال انتخابات 2020 الرئاسية، وهو مؤشر آخر على أن علاقات الرجل مع النظام لم تهدأ كثيراً. كما يشن الإعلام الموالي للنظام دائماً هجمات تنال من شخصيته، وبألفاظ تقلل من مكانته. فيبدو أن الرجل الديني السُني بات اليوم الصوتَ الذي يحظى بأكبر قدر من الاستماع مقارنة بنظرائه الشيعة، بين أطياف المجتمع الإيراني الذي يبحث عن داعم لحركته النضالية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image