شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"تحلوا بالشجاعة وكونوا أنفسكم"... بيلا تار يلتقي رصيف22 على نيل القاهرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الخميس 1 ديسمبر 202204:30 م

على نيل القاهرة، أثناء مشاركته في فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، التقى المخرج المجري المخضرم بيلا تار، الحائز عدداً من الجوائز السينمائية العالمية رصيف22، متحدثاً عن السينما وصناعتها وحواري ودروب القاهرة الشعبية. 

"كونوا أنفسكم ولا تتبعوا المنطق اللعين لمجال صناعة الأفلام، حتى لا تتسمم أفكاركم وأرواحكم" هذه الكلمات كانت النصيحة الأخيرة التي وجهها بيلا تار لصناع الأفلام الشباب الذين شاركوا في ورشته السينمائية، التي أقيمت على مدار تسعة  أيام على هامش فعاليات الدورة الـ 44 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وضمن الدورة الخامسة لبرنامج "أيام القاهرة للصناعة".

حصل صاحب الأفلام الروائية التسعة على الهرم الذهبي من مهرجان القاهرة لـ"إنجاز العمر"، ومثلت زيارته الأولى لمصر فرصة مهمة استفاد منها 11 صانع أفلام مصرياً في تطوير مهاراتهم على يد أحد أهم صناع السينما في العالم، والذي استطاع أن يخلق لنفسه مساحة خاصة في عالم السينما بأسلوب سرد غير تقليدي ولغة سينمائية تحمل بصمته ورؤيته الفلسفية للحياة.

على نيل القاهرة، أثناء مشاركته في فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، التقى المخرج المجري المخضرم بيلا تار، الحائز عدداً من الجوائز السينمائية العالمية رصيف22، متحدثاً عن السينما وصناعتها واختلاف القاهرة عمَّا زاره من عواصم

تَقَدَّم للورشة أكثر من 200 شاب وفتاة على أمل أن ينضموا لقائمة طويلة من تلاميذ بيلا تار في أنحاء العالم، اختير منهم 20 من قبل القائمين على البرنامج، ومن هؤلاء اختار تار بنفسه قائمة المشاركين النهائية، والتي بلغت 11 من المخرجات والمخرجين الشباب. 

في عام 2011 قدم بيلا تار فيلمه الروائي الطويل الأخير "حصان تورينو"، وحاز عنه عدة جوائز منها الدب الفضي لجائزة لجنة التحكيم الكبرى وجائزة الفيبريسى "اتحاد النقاد الدولي" في مهرجان برلين السينمائي الدولي، وأعلن بعده توقفه عن صناعة الأفلام الروائية، واتجاهه لتدريس السينما. فإلى جانب كونه أستاذاً زائراً في عدد من معاهد السينما في العالم وإدارته للورش التدريبية، أسس تار مدرسة "فيلم فاكتوري" في سراييفو (عاصمة البوسنة) قبل أن ينسحب منها منذ عدة سنوات.

على النيل 

أمام صفحة نيل القاهرة، جلس تار مسترخياً يمارس الزُهد، يقول لرصيف22: "استمتعت بمشهد النيل في القاهرة، لكني لا أعرف أي شيء عما كان يدور داخل المهرجان، لم أشاهد أية أفلام ولم أحضر حفلات، لأننا كنا نعمل في الورشة منذ بداية النهار حتى حلول الليل، خاصة أن الهدف الرئيسي من الورشة كان أن يعمل المشاركون على تصوير مشاهدهم الخاصة في مواقع مختلفة".

هذا الجزء تحديداً هو ما استمتع به تار، وانتقلت لقطات طريفة منه لتجد طريقها إلى وسائل التواصل الاجتماعي مثيرة الدهشة والضحك لمشهد المخرج العالمي وهو جالس على "كنبة بلدية" في بيت بسيط لأحد تلاميذه في الورشة ملتقياً أصدقاء الأخير من أبناء حي "إمبابة" الشعبي. يقول تار: "تنقلت معهم في مناطق متفرقة في قلب القاهرة حتى أننا في يوم واحد قمنا بتصوير أربعة مشاهد ما بين الجامعة الأمريكية بوسط البلد وحي شبرا ومحل أبو طارق الشهير بوسط البلد ومنطقة شعبية بجنوب القاهرة".


كاره السجاجيد الحُمر

اجتمع بيلا تار مع طلبة الورشة في صباح يوم ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لمشاهدة المشاهد التي قام كل منهم بتصويرها خلال الورشة والتعليق على كل مشهد، وفي المساء، اصطحبهم لالتقاط الصور التذكارية على السجادة الحمراء في حفل الختام، لكنه غادر قبل بداية الحفل نفسه، بما أنه ليس من محبي هذا النوع من الأجواء الاحتفالية، واكتفى بالظهور على السجادة بصحبة الطلبة.  

التنقل بين دروب القاهرة هو ما استمتع به تار، وانتقلت لقطات طريفة منه لتجد طريقها إلى وسائل التواصل الاجتماعي مثيرة الدهشة والضحك، لمشهد المخرج العالمي وهو جالس على "كنبة بلدية" في بيت بسيط لأحد تلاميذه في الورشة، ملتقياً أصدقاء الأخير من أبناء حي "إمبابة" الشعبي

ويؤكد: "أبحث دائماً عن الأفضل، وأحب العمل مع الشباب مهما كان مُرهِقاً، فإذا لم أؤمن بالشباب فهذا يعني أني لا أؤمن بمستقبل السينما. استمعت جدا بالعمل مع الشباب في القاهرة وأحببتهم لأنهم مختلفون إذ أرى قوتنا كبشر دائماً في اختلافاتنا، ولذلك طلبت منهم في نهاية الورشة أن يحافظوا على اختلافهم، ولا يتخلون عن حريتهم في سبيل تحقيق توقعات الأخرين. يجب أن لا يتبعوا المنطق اللعين لصناعة الأفلام ويصبحوا مثل الكثيرين غيرهم، فهو شيء مخز جداً، يجب أن يتحلى صانع الأفلام بالشجاعة والثقة بالنفس ولا يتبع أهواء الآخرين".   

ويضيف: "نحن الآن في القرن الـ 21 ويمكن صناعة فيلم بالهاتف المحمول وعرضه على الإنترنت، فعالم الإنترنت أكثر ديموقراطية. لم تعد هناك قواعد أو أسلوب أكاديمي ولا مملكة خاصة يحكمها أصحاب المستويات العليا ويحرمون غيرهم منها. أي شخص يمكنه أن يصنع فيلماً".

"لست كبيراً وإنما أنا محبوب"

يرى البعض أن تار أسطورة سينمائية يتطلع إليها الجميع، بينما يعتبر هو هذه المقولة "وهماً كبيراً"، ويعلق: "ربما أكون محبوباً في بعض الأماكن، بينما يتجاهلني البعض في أماكن أخرى".

"لقد حدث عرضاً"

أما عن أسلوبه وصناعته للأفلام فيقول "جان لوك غودار (المخرج الفرنسي الذي رحل مؤخراً وحظى بحضور قوي في دورة مهرجان القاهرة الأخيرة) كان شخصية ساخرة، وقاسياً جداً على نفسه. قابلته مرة واحدة في حياتي عام 1984 بمهرجان روتردام، وكنت وقتها في مرحلة الشباب، وأردت أن أسال المايسترو: كيف صنعت كل هذا؟ فقال لي «لقد حدث عرضاً» It just came up، وشعرت أنه يخدعني، ولكن بمرور الزمن عندما يأتي شاب ليسألني السؤال نفسه أجيبه بالطريقة نفسها وبمنتهى الصراحة لأنها الحقيقة، الأمور تحدث هكذا بشكل تلقائي". 

تار لرصيف22: "نحن الآن في القرن الـ 21 ويمكن صناعة فيلم بالهاتف المحمول وعرضه على الإنترنت، فعالم الإنترنت أكثر ديموقراطية. لم تعد هناك قواعد أو أسلوب أكاديمي ولا مملكة خاصة يحكمها أصحاب المستويات العليا ويحرمون غيرهم منها. أي شخص يمكنه أن يصنع فيلماً"

 استخدام تار طرقاً غير تقليدية للسرد في أفلامه التي حملت ما أطلق عليه النقاد "نظرة فلسفية" عن الحياة ورؤية حزينة ومتشائمة عن الإنسانية، ساعد في تشكيلها استخدامه لونين اثنين، هما الأبيض والأسود، إضافة إلى تميز سينماه باللقطات الطويلة البطيئة الخالية من الحوار، التي تمنح المشاهد قدرة على الشعور بالمشاهد بإحساس ممتد، ويشير إلى أنه يفضل ألا تكون الأفلام محكومة بزمن، وكانت هذه نقطة أساسية يركز عليها في أعماله، لهذا لا تظهر في أفلامه سيارات، والملابس لا تعبر عن زمن محدد، لأن ما أراد التعبير عنه في أفلامه "كان لا بد أن يحمل سمة أبدية نوعاً ما".

 اعتمد في أغلب أفلامه على ممثلين غير محترفين ليقترب من الواقعية والتعبيرات الصادقة، لكنه يقول: "لم أعمل فقط مع ممثلين غير محترفين، فلدي فيلم مع تيلدا سوينتون، وبعض الممثلين الأخرين المعروفين. الأمر فقط يعتمد على طريقة العمل المختلفة، والتي تعتمد بشكل أساسي على تجاربهم الشخصية وإحساسهم الصادق. لذا لا يوجد فرق بين طريقة العمل مع تيلدا مثلاً أو شخص كان مجرد عامل في مصنع قبل أن يقف أمام الكاميرا، لأني لا أرى سوى الإنسان أياً كانت خلفيته، وأريد أن أسرق منهم ردود أفعالهم الطبيعية، لأن ردود أفعال الناس مختلفة".

ويضيف: "لا أعرف ما هي الواقعية، وأري أن نصف أفلامي بعيدة عن الواقعية. لكن الأفلام حتى ما يوصف بغير الواقعي منها كالحياة، يراها كل شخص بطريقة مختلفة، وردود أفعالنا تجاه الموقف الواحد مختلفة تماماً".

أما عن استخدامه للأبيض والأسود، فيرجعه إلى أنه كان يعاني دائماً من الألوان المتعددة في السينما: "اعتبرها ألواناً بلاستيكية غير حقيقية، فالأخضر أكثر خضاراً والأحمر كذلك، وحتى أقوم بتصحيحها، يحتاج الأمر الكثير من التعقيدات، ربما يكون الأمر أسهل الآن مع التكنولوجيا الرقمية الحديثة. لكني أفضل الأبيض والأسود وأرى أن بهما درجات رائعة في الرماديات وأكثر حساسية، بالإضافة إلى أنها تمنحنا الإحساس بمشاهدة فيلم صنعه مخرج على عكس واقع الحياة الملون، وبالتالي تدرك بسهولة رؤيته المقدمة في الفيلم". 

أفلام تار التي تم تصويرها على أفلام 35 مللي، يجري حالياً ترميمها وتحويلها لنسخ رقمية بأحد المعامل في لوس أنجلوس، ويؤكد "أحرص على حضور مراحل العمل التقني والإشراف على التفاصيل، وخاصة مرحلة تصحيح الألوان، وهذا ما حدث خلال العمل على SÁTÁNTANGÓ  وFamily Nest وWerckmeister Harmonies وDamnation، حتى أحرص على أن تكون قريبة من الجودة التي صنع بها الفيلم في الـ35 مللي. للأسف أصبح هناك ضرورة لتحويلها لنسخ رقمية لأنه لم يعد هناك الآن صالات عرض للأفلام الـ٣٥ مللي، ولكن أتمنى أن تتوفر واحدة أو اثنتان منها في المستقبل حتى ولو قاعات صغيرة".

ضد نتفلكس

لكنه في الوقت نفسه، يعلن رفضه عرض هذه الأفلام على المنصات الإلكترونية ولا يحب تأثيرها على صناعة السينما حالياً، وطريقة عمل المخرجين من خلالها ويقول: "لا اوافق على عرض أفلامي في منصات العرض، وبالنسبة لى الفيلم هو السلوليد. لكني رجل قديم الطراز، أما الأفلام الرقمية الحالية فاسميها «موشن بكتشر» أفلام متحركة، وبعض المخرجين صار عليهم العمل بشكل معين حتى يتوافق إنتاجهم مع هذه النوعية من الأفلام الرقمية، أما أنا فعندما أصنع فيلماً لا أفكر في أحد؛ كل ما أفكر فيه فقط هو أنه يجب أن يكون مثالياً. هذا هو هدفي الوحيد، وأنصح الشباب دائماً ألا يسيروا حسب التوقعات، وأن يكونوا أنفسهم. وأعتبر المخرج الذى يتخلىعن حريته ورؤيته ليوائم قواعد الصناعة واستوديوهات الإنتاج شخصاً فاشلاً. فالفيلم هو انعكاس لشخصية المخرج وطموحه على الشاشة".

-----------------------

الصور إهداء لرصيف22 من فنان الفوتوغرافيا أحمد حسن



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image