شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
شارة على ذراع لاعب عربي؟

شارة على ذراع لاعب عربي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!


في البيان الذي أصدره المنتخب الألماني لكرة القدم، بعد منعه من ارتداء شارة "حب واحد"، الداعمة لحقوق المثليين، قبل انطلاق مباراته أمام اليابان في مونديال قطر 2022، جاء أن "الأمر ليس متعلقاً بموقف سياسي، فحقوق الإنسان ليست موضعاً للتفاوض".

ماذا لو تخيّلنا، على الناحية الأخرى، أن لاعباً عربياً قرر ارتداء شارة على ذراعه للتضامن مع قضية ما؟

لا يميّز كثيرون، خصوصاً في البلاد المحرومة من الحياة السياسية، والضمانات الحقوقية، بين أن تتخذ موقفاً من قضية سياسية؛ كالحرب في أوكرانيا أو القضية الفلسطينية، وبين أن تتخذ موقفاً يمسّ قضيةً حقوقيةً؛ كالموقف من العنصرية، أو الفقر، أو -سبب المشكلة في المونديال "العربي"- حقوق المثليين ومجتمع الميم-عين، من بين طيف واسع من الحقوق الإنسانية التي قد لا تتصل مباشرةً بالفعاليات السياسية.

هكذا وإن كان مفهوماً أن يُستفز كثيرون في منطقتنا من إظهار التعاطف الواسع في الحقل الرياضي الأوروبي، مع الأوكرانيين إثر الاجتياح الروسي، لأن ذلك "الإظهار للتعاطف" يناقض الإصرار المديد من المؤسسات الرياضية الدولية على عدم "تسييس الرياضة"، متذكرين المنع والعقوبات التي تعرّض لها الكثير من اللاعبين العرب إثر إظهارهم التعاطف مع الفلسطينيين أو مقاطعة مباريات مع لاعبين إسرائيليين، فإن شعور الاستفزاز هذه المرة -في المونديال القطري- لا يبدو ذا حجة متماسكة. فمن غير المفهوم أن يُعدّ التضامن مع حقوق المثليين محلاً للمقارنة مع أي قضية عربية، ولا هو مسألة سياسية حتى إن حاول كثيرون من الغاضبين تسييسها ليتمكّنوا من اجتراح أسباب لـ"مقاومتها". ويبدو رفض أغلبية واضحة من الجمهور العربي لتناول المسألة المثلية برمتها، أقرب إلى تصريحات قديمة لمسؤولين في أنظمة شهيرة باستبدادها، تصريحات نفى أصحابها وجود أي مثليين في بلدانهم، على ما في ذلك من مخالفة بديهية لأبسط حقائق العلم والاجتماع.

لا يميّز كثيرون، خصوصاً في البلاد المحرومة من الحياة السياسية، والضمانات الحقوقية، بين أن تتخذ موقفاً من قضية سياسية؛ كالحرب في أوكرانيا أو القضية الفلسطينية، وبين أن تتخذ موقفاً يمسّ قضيةً حقوقيةً؛ كالموقف من العنصرية، أو الفقر، أو حقوق المثليين

لكن جوهر "الصراع" قد لا يكون المثلية في ذاتها، وإنما يتعلق قبل ذلك بحق المرء في إظهار تضامنه مع أي شخص كان. لقد دار النقاش حول حق لاعبي ألمانيا -ولاعبين أوروبيين آخرين كانوا أقل "إخلاصاً للقضية"- في أن يعلّقوا شارات على أذرعهم الخاصة، لا أذرع الآخرين. قد يبدو الصراع على الجسد –ظاهرياً- صراعاً على جسد المثليين، أو ممارسي المثلية، لكنه في الحقيقة امتد ليشمل الصراع على جسد اللاعبين أنفسهم، والمتعاطفين بشكل عام، إذ مُنع حتى جمهور المباريات من ارتداء أو إظهار أي شارة "ملونة" ترمز إلى حقوق المثلية.

ثم إن هذا الصراع على الجسد، امتدّ حتى إلى الإشارة الرمزية التي أبداها لاعبو الفريق الألماني، بوضع أكفّهم على أفواههم، كرمز لـ"الإسكات" الذي تعرضوا له بمنعهم من ارتداء شارات دعم المثليين. فقد أثارت تلك الإشارة، للغرابة، غضباً لا يكاد يقلّ عن الغضب من شارات الدعم نفسها، وطوفاناً من السخرية -خصوصاً بعد خسارة الألمان من اليابانيين في المباراة- عمّ وسائل التواصل الاجتماعي، ليس من الإنترنت العربي المحلي فحسب، بل حتى من صفحات للعرب المقيمين في ألمانيا، الذين بدا واضحاً أنهم "يستحون" من تصرف "فريقهم".

لكن ماذا لو تخيّلنا، على الناحية الأخرى، أن لاعباً عربياً قرر ارتداء شارة على ذراعه للتضامن مع قضية ما؟ لا يجب أن يشطح خيالنا كثيراً، فاللاعب العربي، كأي مواطن عربي، لا يتمتع بقدر كبير -أو أي قدر- من حرية التعبير الحقيقية. وأحياناً، قد يُسمح له بالتضامن مع قضية عروبية، أو لنقل، يتم التسامح مع تضامنه، إذ عادةً ما يخفي اللاعب إشارة تضامنه تحت قميصه، إلى أن تحين اللحظة المناسبة ليكشف عنها. أما أغلب ما يخفيه تحت القميص، فيكون عادةً صوراً لأحد أفراد العائلة، أو صديق راحل، خاصةً لو كان لاعباً في الفريق نفسه، أو لأمور "إنسانية" من هذا القبيل. ولإخفائه حتى هذا التضامن البسيط تحت قميصه أسباب، فهو لا يضمن -في مجتمع السلطات الصارمة هذا- أن يتم السماح له مسبقاً بالإعراب عن أي شيء. لهذا يزداد استخدام القمصان الداخلية، ويندر استخدام الشارات على الذراع.

يمكن للّاعب العربي -في هذا التصور الخيالي- أن يرتدي شارةً تعترض مثلاً، على زواج القاصرات في بلاده، أو تحذّر من ختان الإناث. يمكن أن يرتدي شارةً تتعاطف مع أطفال الشوارع، وتطالب بتعديل قوانين التبنّي

هذا على الرغم من أن اللاعب العربي، لو كان مسموحاً له أن يتضامن، ولو كان -قبل ذلك- ذا عقل ورؤية، لديه بحر لا نهائي ممن يمكن أن يتضامن معهم، ومن القضايا التي يمكن أن يساهم في التنبيه إليها، حتى مع الالتزام بعدم "تسييس الرياضة"، وحتى مع تجنّب الحريات العامة كونها "سياسةً". يمكن للّاعب العربي -في هذا التصور الخيالي- أن يرتدي شارةً تعترض مثلاً، على زواج القاصرات في بلاده، أو تحذّر من ختان الإناث. يمكن أن يرتدي شارةً تتعاطف مع أطفال الشوارع، وتطالب بتعديل قوانين التبنّي. ويمكن أن يدعم قوانين التبرع بالأعضاء، أو المساواة القانونية بين الرجل والمرأة. كما يمكن أن يحارب التحرش الجنسي، والعنف ضد النساء. في الواقع، إذا كان يمكن لهذا المشهد الخيالي أن يتحقق، فإن لاعبي المنتخب الألماني سوف يحسدون اللاعبين العرب على وفرة القضايا التي تنتظرهم ليتضامنوا معها، لو كان بإمكانهم، ولو كانوا يريدون.


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard
Popup Image