شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"أسهل شيء أن يُنتج الثدي الحليب"... هل تكفي الفطرة للرضاعة الطبيعية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الاثنين 28 نوفمبر 202201:52 م

في مستشفى الولادة، الذي وجَّهني إليه طبيبي كونه شريكاً مؤسّساً به، وفي الساعات الأولى بعد خروجي من غرفة العمليات، ردَّد طاقم التمريض سؤالاً واحداً: "اشتريتوا حليب صناعي ولا لسه؟". 

حدّثني قلبي أن أختبر الرضاعة الطبيعية أولاً، خصوصاً أنهم بالمستشفى رشحوا بالإجماع نوع حليب محدداً كأنه إعلان مدفوع الأجر، ككل تفاصيل الولادة التجارية.

خمسة عشر يوماً من الارتجال والمعاناة والآلام، رضيعة تبكي بلا انقطاع ولا نوم، وأم جديدة على حافة الانهيار والاكتئاب...

 الفطرة وحدها لا تكفي إذاً! 

حدّثني قلبي أن أختبر الرضاعة الطبيعية أولاً، خصوصاً أنهم بالمستشفى رشحوا بالإجماع نوع حليب محدداً كأنه إعلان مدفوع الأجر، ككل تفاصيل الولادة التجارية

زُرت، بعد بحث واستشارات عدة، استشارية طب الرضاعة الطبيعية، أسماء صادق، التي جعلت أولى الخطوات في طريق أمومتي أمتع وأيسر بعد بضع جلسات. مرّنتني فيها عملياً على الأوضاع الصحيحة للرضاعة التي تتيح لجسدي وجسد طفلتي "صفر احتمالات" من الألم.

"طب الرضاعة الطبيعية عُرف في مصر منذ عام 2003. قلّةٌ تخصصوا به لأنه غير معترف به كتخصص قائم بذاته، لا بد أن يكون الطبيب مصرحاً له بمزاولة المهنة في تخصص الأطفال أو التغذية أو طب الأسرة، وبجانب ذلك يدرس الرضاعة الطبيعية"، هكذا قالت لي استشارية طب الرضاعة الطبيعية.

اختيار نوع الرضاعة أمر شخصي بحت، ولا يمكننا أن نلوم الأمهات في اختياراتهن، لكن ربما في مجتمعاتنا النامية تحديداً يصبح أمر تغذية الطفل مهماً للغاية.

مليارات الجنيهات ربما توفرت بالاستغناء أو تقليل استهلاك الألبان الصناعية. طب الرضاعة الطبيعية هو الطريق الآمن الذي يغني عن استخدام الألبان الصناعية، وبالتالي يعطي فرصة أكبر للطفل في مناعة وذكاء أفضل، ووقاية أكبر من أمراض عدة، مثل الأورام والسكري والحساسية والعدوى عموماً.

اختيار نوع الرضاعة أمر شخصي بحت، ولا يمكننا أن نلوم الأمهات في اختياراتهن، لكن ربما في مجتمعاتنا النامية تحديداً يصبح أمر تغذية الطفل مهماً للغاية

بمنتهى الرقة، حطّمت استشارية الرضاعة الطبيعية غالبية الموروثات والأعراف المتداولة عن الرضاعة. وعلّمتني أن الرضاعة الطبيعية "غير مؤلمة"، ويجب أن لا تحتمل الأم المُرضعة أي نوع من أنواع الألم، فالأوجاع مهما صغرت هي دلالة على وجود خطأ ما، إما في زاوية الرضاعة وطريقة الجلوس وإما عدم اكتمال التقاط طفلك للثدي أو غيره. 

كما علمتني الاستشارية أن الرضاعة الطبيعية "عرْضٌ وطلب". بمعنى أن جسم الأم مهيأ لأن يفرز كمية الحليب بحسب احتياج الرضيع، أي كلما رضع الطفل أكثر أفرزت الغدد اللبنية كمية أكبر، والعكس صحيح، فإذا لم يرضع الطفل كثيراً تفهَّم الثدي ذلك وأنتج قدر احتياج الطفل. وهذا يفسر لنا كيف يرضع التوائم بشكل طبيعي. وقالت الدكتورة لنا أنه لا يوجد شيء طبي اسمه "لبن قليل لا يكفي رضيع".

اذهبي فوراً إلى استشاري الرضاعة الطبيعية الأقرب إليك ولا تحتملي الألم الذي لطالما شجعتنا ثقافتنا بأن نتفانى لتحمّله كي نصبح أمهات مضحيات يستحققن أن تكون الجنة تحت أقدامهن. 

تقول طبيبتي أسماء صادق: "أسهل شيء أن ينتج الثدي الحليب، الأمر كله في كيفية جعل الطفل يتفاعل مع ذلك الإنتاج بشكل طبيعي ومستمر". 

مفاهيم المجتمع المتعدِّية تتدخل، بل تتحكم في جسم المرأة، ما يجعل غالبية الأمهات يخجلن من الرضاعة خارج المنزل، ولو باستخدام ساتر

وتوضح أن رضعات الأعشاب، الموروثة كعلاج لاضطرابات الهضم في الرُّضَّع "مجرد مُخدِّر تظهر آثاره فيما بعد بإصابة القولون العصبي"، فيما حليب الأم وحده هو احتياج الطفل أول ستة أشهر. أما المغص الشائع الذي يعاني منه الطفل الرضيع، فيُعالجه التدليك وتمارين البطن. 

تعود صادق لتؤكد أنه لا توجد علاقة إطلاقاً بين علاج مرض الصفراء - يصيب نسبة كبيرة من حديثي الولادة - وبين الألبان الصناعية. وفي غالبية الأحيان، تكون نسبة الصفراء ليست إلا مسألة وقت يحتاج إليه الكبد ليعمل بشكل كامل مع الاستمرار في الرضاعة الطبيعية "الصحيحة". 

تهتم استشارية طب الرضاعة الطبيعية في المقام الأول بصحة الأم المرضع البدنية والنفسية. تحرص على حضور الزوج جلسات الرضاعة، التي تبدأها من فترة الحمل تمهيداً للفكرة. وتقول: "الرضاعة الطبيعية فكرة فطرية، تحتاج فقط إلى الفهم والتقبل قبل الممارسة". وترى في الشريك/الزوج مصدر الدعم الأول للأم في رحلة الرضاعة. ودائماً تردد لزوجي: "اللي عاوز طفل سعيد مُعافى يبسط أمه".

ظروف سوق العمل القاسية تجبر غالبية الأمهات على الاستمرار في أشغالهن طوال فترة حملهن، وتدخلات عديدة تُجبرهن على الولادة القيصرية دون سبب طبي مُلح، لأن الملف أصبح تجارياً أكثر منه طبياً، النتيجة هي: "أم معنّفة/منهكة تماماً" بعد الولادة، تتعافى ببطء. وخلال ذلك، يضطر رضيعها إلى أن يبدأ حياته بمكونات صناعية أو أعشاب غير مغذية، بل ضارة.

مفاهيم المجتمع المتعدِّية تتدخل، بل تتحكم في جسم المرأة، ما يجعل غالبية الأمهات يخجلن من الرضاعة خارج المنزل، ولو باستخدام ساتر، ويخجلن من شفط الحليب في أثناء ساعات العمل وادخاره لإرضاع أطفالهن في وقت لاحق، فيضيع حق الطفل في تغذية آمنة بين الجهل والحسد والخجل. 

نعم، تظن الكثيرات أن الرضاعة "بتتنظر"، أي تُحسد. كيف نتعامل مع هذا الشيء المقدس كأنه جريمة يجب إخفاؤها؟ ألم يرضع هؤلاء المُنظّرون من أثداء أمهاتهم؟ ألم يعلموا أننا نحن النساء لدينا أثداء أصلاً؟

موضوع الرضاعة الطبيعية بحاجة إلى كثير من التنوير والتوعية.

من أجل هذه الأسباب وغيرها، ومن أجل صحة أفضل لأطفالنا ونسائنا، أرى أن موضوع الرضاعة الطبيعية بحاجة إلى كثير من التنوير والتوعية والبحث الدائم عن أسباب تعطيله والعمل على حلها. هذا الأمر يحتاج إلى دعم يبدأ من الأم ذاتها وزوجها كشريك ومسؤول، ثم دعم المجتمع باختلاف ثقافاته. ولعلها فرصة هنا لتخصيص المطاعم والكافيهات وأماكن الخروج والترفيه عموماً، كما أماكن العمل، مساحة آمنة للأم المُرضعة تُناسب مهمتها وتحقق لها ولوليدها الراحة.

بعد تجربة امتدت سبعة أشهر، لا أشعر أنني فقط أرضع بنتي حليباً لتنمو وتتحصّن من الأمراض، بل أعيش معها اتصالاً وجدانياً وروحياً. أسقيها الأمان والحب والأنس. أحميها وأحمي نفسي من قسوة أفكار العالم الخارجي.

يحدث أحياناً أن تطاردني هواجس الخوف والقلق على صحتها أثناء الرضاعة، ثم يأتي صوت طبيبتي من مكان ما: "حليبك كله مضادات حيوية"، فأطمئن. يحدث أن أمرر يدي على رأسي أثناء الرضاعة فتخرج أصابعي بشعرات متساقطة، فأحزن، ثم تمسح يدي الأخرى رأس بنتي لتتأكد أن شعرها يطول، ولو ملليمتراً واحداً، فأطمئن. يحدث أن تطول الرضاعة وتعطلني عن إنجاز أي شيء في يومي، ثم تنظر إليّ ابنتي نظرة تثير فيَّ فكرة جديدة لمقالة، أو صورة أسجلها لأخلقها لاحقاً، فأطمئن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image