شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
أكان لا بد يا لي لي أن تضيئي النور؟ عن شخصية

أكان لا بد يا لي لي أن تضيئي النور؟ عن شخصية "الملتزم الهلاس"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الثلاثاء 22 نوفمبر 202201:47 م

"أحرص على الذهاب مبكراً إلى عملي، أبذل كل جهدى لإنهاء مصالح الناس، أرفض الرشوة، وعلاقتي بزملائي جيدة، أؤدي الصلوات الخمس، وفي ليلة العطلة أشرب الحشيش، وأحتسي زجاجتي بيرة".

بهذا الاعتراف الصريح، رد أحمد مدحت (40 عاماً)، وهو اسم مستعار، ويعمل موظفاً في شركة اتصالات بالقاهرة، على وصفه بالملتزم الهلاس، يقول لرصيف22: "طالما تشرب حشيش وبيرة، ستطاردك شائعة إنك بتاع نسوان".

حياة أحمد يعتبرها البعض في المجتمعات العربية تناقضاً، وهذا النمط من العيش ليس حكراً عليه، فنمط حياة "الملتزم الهلاس" شائع وموجود بالفعل، الأمر الذي يثير تساؤلاً هل من حق الناس فعل الشيء ونقيضه ما داموا لا يؤذون أحداً؟ وهو ثقافة من صلب الموروث المتصالح مع نفسه، أو الذي يصالح بين الدين والدنيا وتثبته مقولات من نوع "ساعة لقلبك وساعة لربك"، و"أنا بيني وبين ربنا عمار"، "وربك رب قلوب".

أكان لا بد يا لي لي أن تضيئي النور؟

يقول يسري (30 عاماً) وهو اسم مستعار، مقيم في الجيزة ويعمل في أحد فنادق القاهرة: "أخبرني صديقي أن صيامي لن يقبل لأننى شربت الخمر قبل رمضان بأسبوع، وأنني سأظل نجساً لمدة 40 يوماً، وحتى صلاتي لا تجوز، ورغم ذلك كان يقيني بأن الشرب لن يحول بينى وبين الله، ذهبت لصلاة التراويح في ليلة الـ27 من رمضان، ليلتها انهمرت دموعي، وشعرت بسكينة وراحة، وعدت إلى منزلي ونويت الصوم".

"أحرص على الذهاب مبكراً إلى عملي، أبذل كل جهدى لإنهاء مصالح الناس، أرفض الرشوة، وعلاقتي بزملائي جيدة، أؤدي الصلوات الخمس، وفي ليلة العطلة أشرب الحشيش، وأحتسي زجاجتي بيرة"

ويكمل لرصيف22: "فى الحقيقة لم أستطع الإقلاع بسهولة لأني كنت مدمناً، استغرقني الأمر قرابة عامين، كنت خلالها أصلي بشكل منتظم".

بحسب أستاذ الطب النفسي في جامعة الأزهر د. هاشم بحري، فالتدين في مجتمعاتنا ينقسم إلى نوعين حقيقي وشكلي، يقول: "هناك حديث نبوي يقول إذا رأيتم الرجل يرتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان، كثر يفعلون ذلك للحصول على هذه الشهادة من الناس، لكن درجات إيمانهم متفاوتة. شخصية الملتزم الهلاس تذكرنا بشخصية رجل الدين فى قصة رواية يوسف إدريس (أكان لا بد يا لي لي أن تضيئي النور)".

لخص خالد منتصر في مقاله على موقع المصري اليوم مضمون الرواية المشار إليها كالآتي "في الرواية المذكورة لا يستطيع المؤذن كبت نداء الرغبة وهو يرى من مرصده العالي جسد لي لي المثير والنور يفضحه ويجسده.. القصة صراع ينتصر فيه نداء الجسد في النهاية على كل عوامل الكبت والترويض، ليخرج الشيخ متسائلاً في النهاية بندم: أكان لا بد يا لي لي أن تضيئي النور".

وهي الرواية التي اتهم إدريس بسببها بالزندقة والتطاول على الدين.

"أنا مش أحسن من المنشدين والمقرئين"

يعتقد مراد (37 عاماً) المقيم في حي عابدين وسط القاهرة، ويعمل فى مجال التسويق أن شرب الحشيش ذنب صغير، وهو لا يصدق أنه سيطرد من الجنة "عشان سيجارتين" على حد تعبيره.

ويتابع في حديثه لرصيف22: "أشربه مرة كل أسبوع، وأعتبره وسيلتي الوحيدة للترفيه، وسواء كنت مسطولاً أو سكرانَ فأنا لا أؤذي أحداً، أسمع الشيخ ياسين التهامي، حيث تأخذني موسيقاه وكلمات أغانيه إلى السماء".

أما أيمن حسيب (41 عاماً) وهو اسم مستعار من سكان الدقي، ويعمل في الصحافة، فيقول: "الجميع يعرف أنني أشرب الحشيش والكحول، وكثيراً ما يصفني الناس بالشيزوفرنيا، لأنني أصلي ومفتون بآل البيت، ومساجد الحسين، والسيدتين زينب ونفيسة. لا ألومهم، فمرة أنا درويش مسبحتي لا تفارقني، وبعد أيام، يعرفون عن شجاري وأنا في حالة سكر مع حارس العقار".

ويتابع: "لن أسمح لأحد أن ينهاني عن الصلاة أو الصوم بحجة أني أشرب، ومحاولات نصحي بالتوقف عن الحشيش والمشروب أو إزالة الوشم من ذراعي، فوحدي أقرر هذه الأمور".

محمود: أغلب المنشدين والمقرئين معروف عنهم شرب الحشيش، هو ما يسطلنهم ويجعلهم في حالة تجلي، أنا مش رح أكون أحسن منهم

تروي سارة (28 عاماً) وهو اسم مستعار لربة منزل حكايتها لرصيف22: "كنت أنظر لمن يشرب الحشيش والكحول من المنظور الديني، لكن بعد زواجي أصبت برهاب الجنس، فأقنعني زوجي بشرب كأس معه لتسهيل علاقتنا الجنسية الأولى، رفضت في البداية ثم اقتنعت ثم أعجبني شعور السكر، ومع هذا لم أقطع صلاتي طوال شهور الزواج الأولى".

"أغلب المنشدين والمقرئين معروف عنهم شرب الحشيش، هو ما يسطلنهم ويجعلهم في حالة تجلي، أنا مش رح أكون أحسن منهم" هذا ما يقوله محمود (50 عاماً) وهو اسم مستعار ويعمل منجداً في إحدى ضواحي الجيزة.

محمود الذي يعرف أن الخمر والحشيش حرام في الدين غير مقتنع أن عليه أن يختار بين الصلاة وبين ما يحسن مزاجه ويسعده، "الحشيش بيخلينى قريب من ربنا، وحاسس بوجوده فى كل شيء، وعمري وأنا شارب ما ضايقت حد، بالعكس بحس كل الناس إخواتي" بحسب كلماته.

رجل دين: صلاتهم غير مقبولة، وكذلك صيامهم

يرفض أمين عام رابطة خريجي الأزهر الشريف بمطروح الشيخ كارم أنور عفيفي آراء كل من شاركوا بالتقرير، يقول لرصيف22: "صلاة الشخص الذي يفعل الكبائر غير صحيحة وكذلك صيامه".

من جهته يصف أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية في القاهرة د. سعيد صادق هذه الحالة بالتناقض لكنه في نفس الوقت يعتقد أن الحكم على تعاطي الحشيش ليس بهذه السهولة، يقول: "تعاطي الحشيش أمر مختلف، فهو لا يزال ملتبساً من المنظور الديني، إذ ليس هنالك إجماع على تحريمه من الفقهاء، والأهم أن الثقافة الشعبية لا تفصل أو ترى تعارضاً بين التدين وشربه".

استمتاع الناس بالدنيا وملذاتها والحرص في نفس الوقت على العبادات، هو التطبيق الدقيق لمقولة "ساعة لقلبك وساعة لربك" التي يؤمن بها المصري، وهي من سمات المجتمعات الزراعية التى يلعب الدين دوراً محورياً فيها ويستطيع أهلها عيش الحالتين معاً

أستاذ الأدب الشعبي د. محمد عفيفي، يرى أن استمتاع الناس بالدنيا وملذاتها والحرص في نفس الوقت على العبادات، هو التطبيق الدقيق لمقولة "ساعة لقلبك وساعة لربك" التي يؤمن بها المصري، وهي من سمات المجتمعات الزراعية التى يلعب الدين دوراً محورياً فيها ويستطيع أهلها عيش الحالتين معاً.

ويقول لرصيف22: "المصري فرفوش، يحب الضحك والهزار، والفلاح البسيط اللي بيزرع وبيعمل أغاني لموسم الحصاد، ويصلي بسرعة، يعيش بمنطق إنه يعمل اللي عليه، والباقي على ربنا، وبالتالي لا تناقض في العقلية المصرية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image