لم تزل فكرة التبرع بالأعضاء ملتبسة وغير محسومة في المجتمعات العربية، لارتباطها بـ"حرمة" الموت ولوقوفها على الحد الفاصل بين ما هو إنساني وما هو ديني، ولأننا كبشر نحاول تجاهل فكرة الموت قدر الإمكان.
قرار التبرع الذي يتخذه "الحي في حال وفاته" يكاد يكون شجاعة مطلقة، فمن يتخذ هذا القرار من الرجال والنساء يضع عينيه في عيني الموت ويقرر أن يشاهد وجه الموت الجميل المتمثل في تقديم الحياة للآخرين.
هل هو توجه جديد؟
مصرياً لا يزال هذا التوجه غير منتشر، بل هو جديد على مسامع الكثيرين منهم، فكل المعروف عن التبرع بالأعضاء يأتى في روايات عن تبرع شخص حي لقريب له من الدرجة الأولى لإنقاذ حياته.اليوم تؤسس مصر لإنشاء أكبر مركز إقليمي لزراعة الأعضاء في مصر والشرق الأوسط وإفريقيا في المدينة الطبية في معهد ناصر، بعد أن وجهت الرئاسة المصرية بإنشاء المركز بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال بهدف خلق منظومة متكاملة تشمل قاعدة بيانات لعمليات الزرع، والمرضى، والمتبرعين.
قرار التبرع الذي يتخذه "الحي في حال وفاته" يكاد يكون شجاعة مطلقة، فمن يتخذ هذا القرار من الرجال والنساء يضع عينيه في عيني الموت ويقرر أن يشاهد وجه الموت الجميل المتمثل في تقديم الحياة للآخرين.
في نفس الوقت أعلنت الفنانة المصرية إلهام شاهين عن رغبتها في التبرع بكل عضو من جسدها بعد وفاتها، وذلك عبر منشور لها على انستغرام.
إقرار التبرع بالأعضاء
وصل عدد من وثقوا الإقرار الرسمي برغبتهم بالتبرع بأعضائهم بعد وفاتهم 16 شخصاً في جمهورية مصر العربية، ويأتى نص الإقرار المقدم والذي يتم توثيقه من قبل الشهر العقاري وفق الصيغة التالية:"أقبل وأوفق على التبرع بعد الثبوت من وفاتي ثبوتاً يقيناً يستحيل بعده العودة إلى الحياة بأي عضو يمكن نقله مثل (الكبد – الكلى – القلب – البنكرياس – الأمعاء الدقيقة - الرئة) أو أي نسيج مثل (الجلد – صمامات القلب – الأوعية الدموية) وكذلك العظام وأي عضو آخر أو جزء منه أو نسيج يمكن نقله مستقبلاً وفقاً للتقدم العلمي، للاستفادة منه إلى أي جسم إنسان آخر للمحافظة على حياته أو علاجه من مرض جسيم أو استكمال نقص حيوى طبقاً للقواعد والقوانين المتبعة. وهذا القبول للتبرع دون مقابل مادي أو عيني لأقاربي أو لأى شخص آخر بسبب النقل أو بمناسبته. كما أقر بأن قبولي للتبرع ناتج عن إرادتي الحرة كما يحق لى العدول عن هذا الإقرار في أي وقت، وأقدم هذا الإقرار إلى اللجنة المختصة في وزارة الصحة طبقاً للقانون رقم 5 لسنة 2010 والمنشور الفني رقم 2 لسنة 2011 وللجنة قبوله أو رفضه وهذا الإقرار تحت مسؤوليتي الشخصية دون أية مسؤولية لمصلحة الشهر العقاري حالياً أو مستقبلاً والتبرع بدون مقابل مادي أو عيني".
لا زلنا ننتظر تفعيل القانون
مينا حسني (35 عاماً) فني في الهيئة القومية لسكك حديد مصر هو رقم تسعة من مقدمي إقرار التبرع والأول في الاسكندرية، وأدمن على صفحة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، يقول لرصيف22 إنه قدم الإقرار منذ العام 2017 إلى أن تم توثيقه في العام 2021 من قبل بوابة مصر الإلكترونية.يقول حسني إنه ينتظر هو وغيره تفعيل قانون التبرع بالأعضاء وتنظيم عملية التبرع، مشيراً إلى أنه قام بتوثيق إقراره في حلوان بعدما رفض اثنان من الموظفين التوثيق في نفس المنطقة
يقول حسني إنه ينتظر هو وغيره تفعيل قانون التبرع بالأعضاء وتنظيم عملية التبرع، مشيراً إلى أنه قام بتوثيق إقراره في حلوان بعدما رفض اثنان من الموظفين التوثيق في نفس المنطقة، فبحسب تجربته ومتابعته لم يعلم معظم الموظفين في الشهر العقاري بوجود الإقرار، وهو ما تسبب بمشاكل لدى بعض الراغبين عند محاولة تسجيل إقرارتهم.
ويقول إيهاب سامح (36 عاماً) الذي يعمل مصرفياً في بنك في دولة الإمارات ويأتي رقم 15 بين مقدمى إقرار التبرع بالأعضاء، إن الفكرة كانت دائماً لديه إلى أن وجد صفحة مجموعة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، لتكون دافعاً له فى أول أجازة إلى الإسكندرية ويقوم بطباعة الإقرار وتقديمه وتوثيقه في الشهر العقاري في الأول من أيلول/ سبتمبر 2022.
ويضيف أنه يتطلع إلى أن يصبح التبرع بالأعضاء عقب الوفاة بمثابة خانة في بطاقة الهوية، ويختم: "الدود هياكل أعضائي بعد بيومين وروحي هي اللي هتتحاسب".
عاطف عتمان (45 عاماً) وهو صيدلاني وكاتب يقوم بتوثيق إقرار التبرع بأعضائه بعد الوفاة. يقول لرصيف22 إنه يعتبر تأثير المرض أقوى من الموت، ومن هذا المنطلق وثق رغبته في التبرع بأعضائه في وصيته منذ آب/ أغسطس 2020 وبعد عدم تمكنه من توثيقها، وجد الإقرار الحل الأمثل.
ورغم رضاه الشخصي على الخطوة التي أقدم عليها لكنه يدرك تماماً أنها ليست مألوفة في المجتمع، وقد تكون مرفوضة، يقول: "تقع كلمة التبرع بالأعضاء على مسامع المصريين ككلمة التشريح الذي يرفضه الكثيرون منهم لاعتبارات اجتماعية وثقافية".
يأمل إيهاب أن يصبح التبرع بالأعضاء عقب الوفاة بمثابة خانة في بطاقة الهوية، ويختم: "الدود هياكل أعضائي بعد بيومين وروحي هي اللي هتتحاسب"
يتابع صفحة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة على الفيسبوك 11 ألف شخص ممن يؤيدون فكرة التبرع بالأعضاء أو يجدون غرابة في تطبيقها، وقد تأسست الصفحة في العام 2017 من قبل المهندس يوسف وهو أول مقدم لإقرار التبرع بالأعضاء بعد الوفاة.
مجدي يعقوب يرفع الصوت
في سياق متصل شدد السير مجدي يعقوب جراح القلب العالمي على أهمية نشر ثقافة التبرع بالأعضاء، وذلك خلال المؤتمر التأسيسي الأول للجمعية المصرية لزراعة الكبد، تحت عنوان "كل شخص يستحق فرصة ثانية في الحياة، نحو إجراء 70 ألف عملية زراعة أعضاء بحلول عام 2030"، مشيراً إلى أنه يجب مساعدة المجتمع من خلال نشر ثقافة التبرع بالأعضاء في الحياة وبعد الموت.وأكد على ضرورة أن يكون هناك نقل للأعضاء من الأحياء وحديثي الوفاة. وتابع أنه من المحزن وجود وفيات من الأطفال لعدم وجود زراعة أعضاء في مصر، لافتاً إلى ضرورة وجود زراعة للأعضاء سواء القلب أو الكبد أو الرئة.
وخلال المؤتمر ذاته أكد وزير الصحة المصري الدكتور خالد عبدالغفار أن الوزارة بصدد الانتهاء من تجهيز مركز زراعة الأعضاء، الذي سيعدّ أول مركز بذلك المستوى في الشرق الأوسط.
مجدي يعقوب... "من المحزن وجود وفيات من الأطفال لعدم وجود زراعة أعضاء في مصر"
وكان مستشار الرئيس لشؤون الصحة الدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار الرئيس أشار في لقاء تلفزيوني إلى أن العمر المُحدد للشخص المتبرع بالأعضاء بحاجة إلى إعادة نظر، وزيادته لأكثر من 50 عاماً، خصوصاً مع زيادة متوسط طول العمر في مصر، مشيراً إلى أن الحكومة تدرس إضافة خانة اختيار التبرع بالأعضاء في بطاقة الرقم القومي.
ولفت إلى أن الأمر الجديد الذي تتم دراسته هو أن المتبرع إذا أراد إلغاء موافقته على التبرع بأعضائه يستطيع فعل ذلك بسهولة، وإذا أراد أهله عدم التبرع بأعضاء المتوفى بعد الوفاة فسوف يتم ضمان تنفيذ ذلك.
رأي الأديان فيما يقدمه العلم
الدين المسيحى بجميع طوائفه أجاز التبرع بشرط أن يكون دون مقابل مادي، وكان البابا تواضروس الثانى قد قال في تصريحات سابقة إن هذا الأمر جائز كنسياً بشرط أن يترك الميت وصية تسمح لذويه باستخدام أعضائه من أجل إنقاذ حياة آخرين.أما الدين الإسلامي فأجاز التبرع مع وضعه شروطاً ثلاثة: أن يكون المتبرع بالغاً عاقلاً، وألا يتم التبرع بما قد يتسبب بخلط الأنساب كالأعضاء التناسلية، وأن يكون المتبرع له "معصوم الدم" أي مسلماً أو غير المسلم الذي لم يحارب المسلمين.
وأجازت دار الإفتاء في الفتوى رقم 15085 التي جاء فيها جواز نقل الأعضاء من متوفى إلى شخص حي مصاب بشرط أن تبعد هذه العملية عن نطاق التلاعب بالإنسان، بالإضافة إلى تحقق موت المتبرع بتوقف قلبه وجميع وظائف مخه ودماغه توقفاً لا رجعة فيه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...