شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
التمثلات الجنسانية للإسلاموفوبيا... الجندر والقلق الجنسي في أوروبا الفرنكوفونية

التمثلات الجنسانية للإسلاموفوبيا... الجندر والقلق الجنسي في أوروبا الفرنكوفونية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

تحظى الهبّة الشعبية الإيرانية بتغطية واسعة في فرنسا. مقالات كثيرة نشرت في الصحافة الفرنسية منذ بداية الحراك في منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي حول "ثورة النساء الإيرانيات ضد البطريركية الأبوية المقدسة" وحول "الحجاب بوصفه أداة أيديولوجية بيد الدولة الدينية للسيطرة على أجساد النساء وحركتهن".

لكن قطاعاً واسعاً من المثقفين، لا سيما من اليمين وأقصى اليمين، يحاول ليّ ذراع ما يحدث في إيران عنوةً لخدمة سرديته الأيديولوجية بشأن الحجاب والمسلمين وخاصةً النساء المسلمات، والتي تريد الخروج بالعلمانية من مساحتها المنطقية في فصل الدين عن الدولة إلى مساحة أوسع من خلال تحويلها إلى عقيدة، أشبه بالعقائد الدينية، بشكل معكوس.

في هذا السياق، ظهرت أصوات تقارن بين سياسات فرض الحجاب في إيران والحجاب في فرنسا، وتنادي في الوقت نفسه بفرض نزع الحجاب في الفضاء العام، حتى خارج مؤسسات الدولة الحيادية، أي استبدال "البطريركية الأبوية المقدسة" التي تفرض على النساء ارتداء الحجاب في إيران بـ"بطريركية أبوية علمانية" تفرض عليهن نزع الحجاب. والنتيجة واحدة: التحكم في أجساد النساء وخياراتهن الذوقية والعقائدية.

وعودة إلى التاريخ الإيراني المعاصر تكشف عن رجوع الحجاب في نهاية سبعينيات القرن الماضي بوصفه رمزاً ثورياً، وكان ارتداء الحجاب قد أصبح، في السنوات القليلة السابقة على الثورة الإسلامية، شائعاً بين جيل الشباب الذين غالباً ما كانوا يرونه وسيلة للتعبير عن معارضتهم السياسية للنظام الملكي وتغريبه للمجتمع الإيراني. ومن أسباب ذلك سياسات عشوائية قسرية فرضها شاه إيران رضا شاه، عندما أصدر في عام 1936، مرسوماً يَحظر كل أنواع الحجاب، في إطار سياسته الثقافية التحديثية، التي عُرفت بسياسة "تغيير الملابس"، والتي كانت آثارها عكسية وكارثية.

هذا الجدل الفرنسي ليس وليد ما يحدث في إيران. بل هو جدل يتجدد على مدار الأعوام الفائتة، لأسباب انتخابية وسياسية وأحياناً أمنية. وله ما يماثله في الفضاء الفرنكفوني الأوروبي في سويسرا وبلجيكا.

من خلال كتاب "الجنس والإسلاموفوبيا: التمييز والتحيز والتمثيلات في أوروبا"، الصادر حديثاً عن منشورات المدرسة العليا (جامعة ليون الفرنسية)، نجد نهجاً متعدد التخصصات لمعالجة هذا الجدل. هو عمل يقدّم دراسة للجوانب الجنسانية للإسلاموفوبيا في فرنسا وسويسرا وبلجيكا، عبر جمع مساهمات من علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي، ويحلل العمليات التي يتم من خلالها تطوير التمييز والتحيز ضد المسلمين ونقلهما، من قبل الجهات الفاعلة المؤسسية والمواطنين على حد سواء، والطرق التي تقاوم بها الضحية.

الجندر منتشر في كل مكان في النقاشات حول الإسلام واندماج المسلمين في الدول الأوروبية، سواء من حيث أشكال الحجاب الإسلامي أو التشريعات التي تحظره. وبالتالي، فإن الإسلاموفوبيا هي جوهر تطور هذا الشكل المحدد من العنصرية والتمييز العنصري.

الإسلاموفوبيا والجندر... أي تقاطعات؟

صيغ مفهوم الإسلاموفوبيا للإشارة إلى شكل معيّن من أشكال الآخر، يمرّ عبر التمييز العنصري ولكنه لا يقتصر عليه. تُظهر الفصول المختلفة التي جُمعت في الكتاب بوضوح أن الإسلاموفوبيا تستدعي سجالات ومراجع خطابية محددة، وأنها تقترض من العنصرية ولكنها توضح أيضاً العناصر الأيديولوجية والقوالب النمطية الخاصة بالرؤية السلبية للإسلام كدين. علاوة على ذلك، فإن البعد الجنساني في الإسلاموفوبيا المعاصر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبعد الديني. في الواقع، يستند هذا الأخير إلى قوالب نمطية محددة تستهدف النساء المسلمات المتدينات، وهن أول ضحايا أعمال الإسلاموفوبيا.

الجندر هو جوهر العنصرية التي يعاني منها المسلمون في هذه الدول الثلاث. بشكل عام، غالباً ما تكون النساء المهاجرات أو المنتميات إلى فئات أقلية في أغلب المجتمعات هدفاً لأشكال تمييز أقل علانية، إلا أن هذه القاعدة تشتغل عكسياً في حالة النساء المسلمات، اللواتي يقعن في كثير من الأحيان ضحايا المواقف السلبية وأعمال التمييز العلني من المسلمين.

في فرنسا، 70% من ضحايا النشاط الإسلاموفوبي من النساء (المحجبات في أغلب الأحيان). ولوحظت نسبة مماثلة، 71%، في بلجيكا. وفي سويسرا، كشفت دراسة استقصائية للمسلمين أن النساء المسلمات (35% من سكان شمال إفريقيا و20% من النساء من دول يوغوسلافيا السابقة) أبلغن عن تعرضهن للتمييز في العام السابق، أكثر من الرجال من نفس المجموعات. والنساء اللواتي يرتدين الحجاب هن الضحايا بشكل خاص، إذ تتجاوز النسبة 50% في هذه الفئة.

"قطاع واسع من المثقفين، لا سيما من اليمين وأقصى اليمين، يحاول ليّ ذراع ما يحدث في إيران عنوةً لخدمة سرديته الأيديولوجية بشأن الحجاب والمسلمين وخاصةً النساء المسلمات، والتي تريد تحويل العلمانية إلى عقيدة، أشبه بالعقائد الدينية، بشكل معكوس"

لفترة طويلة، كان يُنظر إلى المسلمين على أنهم يضطهدون ويسيطرون على النساء. ووفقاً لهذه الرؤية، اعتُبر الأمر نابعاً من طبيعة المسلمين "غير المتحضرة". في سويسرا، نُظّمت حملة حظر المآذن من خلال خطاب مؤيد للدفاع عن حقوق المرأة. وهكذا، دافع ممثلو الأحزاب القومية اليمينية عن هذه المبادرة، التي قُبلت في العام 2009، باعتبارها تهدف بشكل خاص إلى حماية المرأة السويسرية من "النظام الأبوي الإسلامي"، دون الدخول في نقاش جاد حول العلاقة بين بناء المآذن واضطهاد النساء المسلمات من طرف أزواجهن.

لا يناقش الكتاب مسألة الحجاب والتمييز الذي تتعرض له النساء المسلمات في هذه الفضاءات الفرنكفونية الثلاثة، من زاوية دينية، أي من مدخل شرعية الحجاب بوصفه ممارسة دينية، فيها الكثير من الخلاف والجدل ضمن النقاش الإسلامي حول مدى مركزيته أو هامشيته في العقيدة الإسلامية، ولكن من زاوية موضوعية تتعلق أولاً بـ: حرية النساء في تحديد إختيارتهن الجسدية والذوقية؛ وثانياً: حرية المعتقد، أي أنه حتى إذا فرضنا أن هذه الممارسة الدينية لا أصل لها في جوهر الإسلام، إلا أن اختيار البعض لها نابع من حرية المعتقد.

وبالتالي، يؤسس الكتاب نهجه التحليلي على قيم إنسانية كونية لم يعد حولها اختلاف منذ ترسيمها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، عام 1948، والذي تشير المادة 18 منه إلى أن لـ"كلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرِّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة".

"المفارقة الأكبر أن اعتبار النساء المسلمات ضحايا لا يُترجَم في الأوساط المجتمعية الأوروبية في شكل تضامن معهنّ، بل يترجَم على العكس في شكل من التمييز والعنصرية"

الوجه الآخر للعملة هو أن النساء المسلمات يُنظر إليهن ويوصفن كضحايا لهذا النظام القمعي الأبوي، وشكله الظاهر هو الحجاب. هذه التمثيلات المتجانسة والاختزالية تجردهم من كل ولاية على أنفسهن: سيكنّ تحت رحمة الرجال من حولهن، دون إمكانية التصرف أو الانخراط بحرية في ممارسات معيّنة تتعلق باللباس.

وتتجلى المرأة المحجبة في الذهنية الأوروبية بوصفها كائناً ضعيفاً مغلوباً على أمره، يفرض عليها زوجها تغطية شعرها. من خلال مسح واسع قائم على مقابلات شخصية مع فئات مختلفة طبقياً واجتماعياً من النساء المحجبات في سويسرا وفرنسا وبلجيكا، يكشف الكتاب عن قصور هذه الرؤية، وعن أن النسبة الأكبر من النساء يرتدين الحجاب بمحض إرادتهن، سواء كمعتقد ديني أو تقليد اجتماعي، دون تدخل من الشريك.

والمفارقة الأكبر أن اعتبار النساء المسلمات ضحايا لا يترجَم في الأوساط المجتمعية الأوروبية في شكل تضامن مع هؤلاء الضحايا، بل يترجَم على العكس في شكل من التمييز والعنصرية، أي أن الفئات نفسها التي تعتبر النساء المحجبات ضحايا، تزيد على "اضطهادهن الديني" اضطهاداً اجتماعياً، وهذا الجانب يكشف عن أن استخدام حجة الضحية هو في وجهه الحقيقي استخدام سياسي ولأسباب أيديولوجية، يشيع في الفترات الانتخابية.

تُبنى هذه التمثيلات الجندرية للإسلام والمسلمين ويحافَظ عليها في مستويات مختلفة وفي بيئات مختلفة، دون أن يكون هذا بالضرورة نتيجة لتنسيق واعٍ وطوعي. على المستوى السياسي، تُستغَلّ على نطاق واسع من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة، ولكن أيضاً من قبل الأحزاب الأخرى للتأكيد على تصورات بأن المسلمين يريدون الاستحواذ على المجتمع، لتوسّع هذه الأحزاب قاعدتها الانتخابية.

"تجد النساء المسلمات أنفسهن ضحية استقطاب، لا مصلحة لهن فيه، بين اليمين الأوروبي العنصري من جهة، واليمين الإسلاموي من جهة أخرى"

في الوقت نفسه، تلعب وسائل الإعلام أيضاً دوراً مركزياً في نشر التمثيلات الجندرية المرتبطة بالإسلام، فكثيراً ما يُستشهَد بهذا الدين باعتباره "في صعود"، ويحتل مساحة أكثر وأكثر في الفضاء الاجتماعي. وتُنقَل خطابات حول "المرأة المسلمة" وإعادة إنتاجها وتعزيزها من خلال الخطابات والمواقف التي اتخذتها بعض الشخصيات النسوية.

ويمكن ملاحظة هذه الظاهرة أيضاً على الأرض، على حد تعبير النساء اللواتي يناضلن من أجل المساواة بين الجنسين. وبالتالي، فإن بعض الخطابات النسوية تساهم في جعل النساء المسلمات أمام خيارين: إما التخلي عن الحجاب واعتباره سجناً وأداة اضطهاد، أو سيتم رفضهم كموضوع نسوي.

الخروج من الاستقطاب

هذه البيئة الطاردة للنساء المسلمات تمثل مناخاً خصباً للجماعات الإسلاموية التي تريد استغلال مشاعر العزلة والرفض في دعم سرديتها المناهضة للاندماج في المجتمعات الغربية. تجد النساء أنفسهن ضحية استقطاب، لا مصلحة لهن فيه، بين اليمين الأوروبي العنصري من جهة، واليمين الإسلاموي من جهة أخرى. لا تبقى المرأة المسلمة سلبية في مواجهة التمييز والصور النمطية.

يرصد الكتاب ردود أفعال النساء، على الرغم من أن الدراسات حول الإسلاموفوبيا تركز بشكل أكبر على الجوانب السلبية، مثل حدوث التمييز وعواقبه، أكثر من التركيز على الاستراتيجيات الموضوعة لمكافحتها. الاستراتيجيات الفردية التي يتبناها ضحايا التمييز، سواء كانت هذه الأخيرة تتعلق بالانتماء إلى دين، أو عرق، أو جنس، أو توجه جنسي، وما إلى ذلك، توصف في علم النفس الاجتماعي على أنها "استراتيجيات المشاركة". ومع ذلك، غالباً ما يرغب ضحايا التحيز والتمييز والهجمات بتجنب تصعيد العنف والأعمال الانتقامية. إنهم يتبنون "استراتيجيات التجنب"، والهدف منها هو الانسحاب جسدياً و/ أو عقلياً من الموقف المجهد. وبالتالي، قد تعمد الضحية إلى تجنب أماكن معيّنة. ومن خلال شهادات نساء مسلمات يعشن في فرنسا، نكتشف أن العديد منهن أصبحن يتجنبن الظهور في أماكن معيّنة تعرضن فيها سابقاً للتمييز الجسدي أو اللفظي.

"وَجدت الكثير من النساء المسلمات في أوروبا أنفسهن خارج سوق العمل، نتيجة لرفضهن التفاوض بشأن ارتداء الحجاب، فحاولن استكشاف استراتيجيات مقاومة جديدة من خلال التوجه إلى العمل الحرّ وريادة الأعمال والحرف الصغيرة"

يرصد الكتاب في فصله الثامن طريقة جديدة للمقاومة ابتكرتها مجموعة من النساء في فرنسا، في أعقاب إقرار قانون حظر الرموز الدينية في المؤسسات العامة في العام 2004، تقوم على بناء شبكات لريادة الأعمال النسائية. استجابة لمتطلبات حيادية الرؤية الدينية في قطاعي التوظيف العام والخاص، أقرت الحكومة الفرنسية قانوناً في 15 آذار/ مارس 2004 يشمل مستخدمي المؤسسات التعليمية العامة.

وخارج القطاع العام، يُطبَّق هذا الحياد أيضاً في بعض الشركات الخاصة، إذ تميل لوائحها إلى تقليد التزام الحياد الذي تفرضه الدولة. لذلك، وجدت الكثير من النساء أنفسهن خارج سوق العمل، نتيجة لرفضهن التفاوض بشأن ارتداء الحجاب. ودون الدخول في مواجهة خاسرة سلفاً مع مؤسسات النظام السياسية والقضائية، إذ أقرت المحكمة الأوروبية هذه القوانين، حاولن استكشاف استراتيجيات مقاومة جديدة في مواجهة هذا السياق التمييزي المباشر أو غير المباشر، من خلال التوجه إلى العمل الحرّ وريادة الأعمال والحرف الصغيرة، ضمن نهج قائم على العلاقة بين احترام القانون السائد والاندماج في المجتمع دون صدام، وفي نفس الوقت كفرصة للتغلب على الصور النمطية السلبية التي يعانين منها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image