بعد ساعاتٍ فقط، من التفجير المروع الذي هزّ منطقة تقسيم في إسطنبول، أعلنت السلطات التركية توقيف المنفّذة، وهي أحلام البشير، السورية الجنسية.
لكن الراوية الرسمية للحادثة التي أودت بحياة 6 أشخاص، وجرح العشرات، لم ترقْ لكثير من السودانيين الذين سارعوا إلى منصات التواصل الاجتماعي، للتأكيد على أن البشير لا محالة من بني جلدتهم، وذلك بناءً على معايير عنصرية تتصل بسحنتها، ولونها الأسود، واسم والدها المنتشر عندهم بكثرة.
سودانية من الانقاذ كمان…
— Dr. Hassan Tawakol A. Fadol (ودعلويه) (@hassan_tawakol) November 14, 2022
أحلام محمد البشير السليت…
والله الملامح سودانية والاسم سوداني…
ومن ثم تلقفت هذا الزعم، جنسيات أخرى، ليقولوا إن منفذة التفجير سودانية، مستدلّين بما يقوله السودانيون أنفسهم.
ونتيجة لهذا التسارع، شكا سودانيون في إسطنبول من حملات أمنية على المناطق المكتظة بحملة الجواز السوداني، وإجراء عمليات فحص وتدقيق في الأوراق الثبوتية، ومعرفة أسباب دواعي هجرتهم من بلاد النيلين إلى بلاد البوسفور.
?حملة كبيرة جدا علي مناطق مكتظة بالسودانيين وتفتيش اقامات واوراق ثبوتية وضيق ما عادي . في تركيا
— Elmotaz Elmagboul معتز مقبول (@ElmotazElmagbo1) November 15, 2022
و السبب
هظار السودانيين في السوشال ميديا
انو البت دي ما سورية سودانية حسب الملامح
يعني حتي في الضحك بنضحك غلط??
عقدة اللون
السلوك الطبيعي المتعارف في جرائم الإرهاب، هو أن الدول –ذاتها- تسارع إلى التبرؤ من القتلة والمنفذين والمخططين، وتصل في إنكارها إلى حد القول بإسقاط الجنسية عن المشتبه فيهم، ودعك هنا ممن يثبت تورطهم. ثم حين تجد هذه الحكومات أن الإرهابي من حملة الجنسيات المزدوجة، لا تتورع بالقول إن هذا السلوك لا يشبه شعبها البتة، في إشارة إلى أن هذا السلوك جرى تمريره من الدولة الأخرى وجواز سفرها.
وبمقارنة هذا الأمر مع ما حدث في السودان، إزاء المتهمة بالتفجير، نجد أننا أمام سلوك غرائبي، تصرّ فيه مجموعة بعيدة عن محيط الشبهات، على دخول مسرح الجريمة طواعيةً، سواء كان هذا عن وعي وإدراك، أو من دون وعي، عبر خلط الجد مع الهزل.
مع ظهور أولى الصور للمتهمة الرئيسة بتنفيذ التفجير، أحلام البشير، شكك ناشطون على وسائل التواصل في السودان، في أمر جنسيتها السورية، وطالب بعضهم السلطات التركية بالتنقيب والتدقيق في أمر أصولها، ورأوا أنها سودانية تحمل الجواز السوري، أو سودانية متزوجة من سوري، مرّر لها جنسية بلاده.
أسباب الشك السوداني، كانت محصورةً في لون بشرة أحلام المائل إلى السواد، ومن ثم في اسم والدها المنتشر عندهم، فأحد أشهر الحكام الديكتاتوريين عندهم حمل هذا الاسم، ونعني الرئيس المعزول عمر البشير.
لكن اللافت في الأمر، وجود شبه إجماع بين القائلين بسودانية أحلام، وانتفاء أي فرصة لأن تكون سورية، وكأنما اللون الأسود حكر عليهم دون شعوب الأرض.
قال الأمن التركي أحلام البشير سورية، فقال كبير المغردين، لا لا الزولة دي تشبهنا، واسم البشير دا حقنا
لماذا نتمسك بأحلام؟
عن سر إصرار تمسكنا بمنفذة تفجير تقسيم، ذهبنا في رصيف22، إلى أخصائية الطب النفسي، الدكتورة دارين حامد، التي
قالت إن مسلك بعض السودانيين، تجاه أحلام البشير، يُظهر وجود مشكلات مكتومة، في شأن نظرتهم إلى بعضهم البعض، ونظرة الآخرين إليهم.
وأقرت بأن المجتمع السوداني في طبيعته مجتمع رعوي، لم يجرِ تحديثه بشكل كامل، وما تزال صلاته بالقبيلة عاليةً، إلى درجة أن الساسة ما يزالون إلى اليوم يستنصرون بالقبائل، بل كثيراً ما تُوزَّع المناصب في الدولة بناءً على الجهة والقبيلة.
وأضافت: إن ظهور القبيلة بشكل كثيف في الحياة السودانية، استتبعه ظهور أنماط سلوكية ذات صلة بالمكانة الاجتماعية من حيث الرفعة والضِعة، ما يصب في نهاية المطاف في خانة تكريس العنصرية.
وتابعت: من ناحية أخرى تطل العنصرية في سلوك بعض الشعوب العربية إزاءنا كسودانيين، إذ يتم رفضنا كعرب، وهو أمر قائم على نوع من الاستعلاء.
وأضافت أن المفارقة في الأمر، أنَّ السودانيين من أكثر الشعوب الإفرو-عربية التي تشكو من العنصرية، ولهم صولات وجولات ضد من يحاكونهم في الأعمال الدرامية بصبغ جلودهم باللون الأسود، أو بحصر ظهورهم في مهن –يرونها دونيةً- كمهنة الساعي والبواب.
وختمت الطبيبة النفسية حديثها، قائلةً إن معاناة السودانيين مع العنصرية، دفعت بعضهم ليكونوا عنصريين، وما أدل على ذلك من حادثة أحلام.
سودانيون يشتكون في إسطنبول من حملات أمنية على المناطق المكتظة بحملة الجواز السوداني
ركوب التراند
يعتقد الباحث الاجتماعي، شهاب أبو القاسم، أن تمسّك بعض السودانيين بمفجّرة تقسيم، عائد إلى رغبة شديدة في "ركوب التراند".
وقال لرصيف22، إن البحث عن الشهرة، يدفع كثيرين من رواد وسائل التواصل الاجتماعي للمشاركة في تحديات مجنونة، أو اتخاذ مواقف متطرفة، بحثاً عن حصد الإعجابات فقط.
وأضاف أن حادثة تقسيم تكشف عن قلة الوعي في أمر "جدّه جد، وهزله جد"، وينم كذلك عن ضعف القوانين في مسائل هي في صميم الأمن القومي، كونها تهدد سلامة مواطنين سودانيين في الخارج.
قبل سنوات، وعلى سبيل المزاح، كان رئيس قسم الأخبار في الصحيفة التي أعمل فيها، يطالبنا بتفجير إحدى مواقف المواصلات العامة، لإنتاج خبر رئيس نتلافى فيه حالة الشحّ التي تتسم بها أيام الجمعة من كل أسبوع، وهو أمر لم أكن أدري بأنه قد يتحول ذات يوم إلى حقيقة، بالاستماتة في محاولة تبنّي تفجير إرهابي برّأتنا منه سلطات الدولة المتضررة نفسها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...