شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
على طريقة المتنبي…
 الدبيبة يكلّف نفسه بالتحقيق فى عنف ميليشياته

على طريقة المتنبي… الدبيبة يكلّف نفسه بالتحقيق فى عنف ميليشياته

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 17 نوفمبر 202201:00 م

لأنك في ليبيا، فكل شيء ممكن ومحتمل على طريقة أن من لم يزر ليبيا، فقد فاته الجوّ كله.

برهن عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة المؤقتة في العاصمة طرابلس، قبل ساعات، صحة هذه المقولة مجدداً، بعدما كلّف وزارة الدفاع التي يتولى تسيير شؤونها، بالإضافة إلى رئاسته للحكومة، بشكوى مجلس الدولة الأعلى (الاستشاري)، من قيام ميلشيات مسلحة تابعة لحكومة الدبيبة بمنعه من عقد جلسة لأعضائه لحسم مصير الحكومة .

تحركات استباقية

استبق الدبيبة، الذي عزز مؤخراً قواته الأمنية والعسكرية في طرابلس، مساعي الإطاحة بحكومته، بأمر ميلشياته بمنع انعقاد مجلس الدولة الذي من المقرر أن يبت أعضاؤه في إقالة الحكومة، عبر البحث عن شكل السلطة التنفيذية الجديدة وإعادة تكليف شاغلي المناصب السيادية، التي تضم مختلف الأجهزة المالية والرقابية والأمنية في البلاد.

وعلى طريقة الشاعر العربي الكبير أبي الطيب المتنبي، "فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ"، قال الدبيبة في بيان نشرته حكومته عبر فيسبوك، إنه كلّف فوراً وزارة الدفاع بالتحقيق لمعرفة الملابسات الحقيقية، "حتى لا ننجرّ وراء مزاعم مضللة من طرف ذي مصلحة".

لم يكتفِ الدبيبة بإصداره أمراً لنفسه، بل مضى قدماً إلى حد لعب دور الضحية في مواجهة اتهامات له بممارسة دور الجلاد في الانتخابات الرئاسية المؤجلة

اتصالات غير معلنة

وجاء البيان بعد وساطات تركية وأمريكية، كشفت عنها مصادر ليبية مطلعة، لرصيف22، أشارت إلى تلقّي الدبيبة سلسلة اتصالات غير معلنة من مسؤولي البلدين تطالبه بالتراجع.

لم يكتفِ الدبيبة بإصداره أمراً لنفسه، بل مضى قدماً إلى حد لعب دور الضحية في مواجهة اتهامات له بممارسة دور الجلاد في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة منذ نهاية العام الماضي، وإرباك المشهد السياسي في البلاد، عبر تسجيله رفضه لما وصفه بحالة التأجيج والتضخيم التي تقوم بها الأطراف ذاتها لغرض عرقلة الانتخابات، لافتاً إلى أنه، وبحسب المعطيات التي تأكدت منها الوزارة، فإن المحتجين كان عددهم قليلاً وقد أعطينا تعليماتنا لقوة الردع، التي بدورها فرّقتهم عند الساعة 11:30 صباحاً، وأمّنت المكان كاملاً".

وغمز الدبيبة من قناة تسريبات في شأن سعي عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، وخالد المشري، رئيس مجلس الدولة، إلى عقد صفقة سرية لتقاسم السلطة، إذ عدّ أن "سياسة التكتم والتعتيم وعقد الاتفاقات في الغرف المظلمة، خاصةً من أشخاص لا يتمتعون بمستوى مقبول من الثقة من الشعب الليبي، للتمديد لأنفسهم في السلطة قرابة 11 عاماً، قد تؤدي إلى احتجاجات قد تكون غير منضبطة في بعض الأحيان".

أضاف: "بات واضحاً أن هناك طرفاً لديه طموح إلى القفز بعد نحو 11 عاماً من السلطة التشريعية إلى التنفيذية، عبر صفقة تقاسم سلطة تؤجل الانتخابات، لكن الشعب الليبي لن يقبل بذلك. ونحن وراءه حتى تحقيقها".

وبعدما طالب "الوطنيّين من أعضاء مجلس الدولة بعدم الزجّ به في مقامرات سياسية فردية"، حثّهم على الصمود أمام ما أسماها موجة التمديد الثانية، والتركيز على كل ما من شأنه الإسراع في الانتخابات.


حصار مجلس الدولة

وكان خالد المشري، رئيس المجلس، قد اتهم الدبيبة، بمحاولة عرقلة عقد جلسة مهمة للمجلس (الإثنين)، وقال: إن قوات تتبع للدبيبة حاصرت مقرّه في فندق المهاري، الذي يستضيف اجتماعات المجلس في العاصمة طرابلس، كما اتهم الدبيبة بإصدار تعليماته إلى جميع فنادق العاصمة بمنع تأجير أي قاعات لعقد جلسات المجلس .

وبحسب المشري، فقد أبلغته قوة حماية الدستور بتلقّيها تعليمات من الدبيبة كونه وزير الدفاع بالإضافة إلى مستشاره وقريبه إبراهيم الدبيبة، بمنع الجلسة .

وبعدما وصف حكومة الدبيبة بأنها "ميليشياوية تريد فرض سيطرتها بالقوة، وجّه المشري سلسلةً من الرسائل الخطية المكتوبة إلى مجلس النواب والمجلس الرئاسي والنائب العام وبعثة الأمم المتحدة لإطلاعهم على تفاصيل ما حدث، وعدّه سابقةً في تاريخ البلاد.

وكان المكتب الإعلامي لمجلس الدولة، قد نشر صوراً تظهر قيام ميليشيات مسلحة تتبع حكومة الدبيبة بنشر آليات مسلحة أمام مقر المجلس في فندق المهاري في العاصمة طرابلس.

وواصل المجلس الرئاسي، برئاسة محمد المنفى، إبراز ضعفه وقلة حيلته حيال هذه التطورات، عبر مطالبته الأجهزة الأمنية المختصّة بالعمل على حماية وتوفير بيئة آمنة تضمن حرية التعبير للجميع وسلامة القرار للمؤسسات السياسية .

وأثار ما حدث قلقاً أمريكياً وغربياً، عبّرت عنه بيانات متتالية للسفارت الأمريكية والبربطانية والفرنسية في طرابلس.

هكذا ببساطة، عادت النغمة الأمريكية-الغربية المشتركة في إدارة الأزمة وليس حلها

رسائل أمريكية وغربية

واكتفت السفارة الأمريكية بدعوة قادة ليبيا إلى حل خلافاتهم السياسية، من خلال الحوار والتسوية وإجراء الانتخابات الموثوقة والشفافة والشاملة التي يريدها الليبيون ويستحقونها، وعدّت أنّ التهديد باستخدام القوة من شأنه أن يزعزع الاستقرار ويقوّض الجهود المبذولة لتحقيق الوحدة الوطنية، وهو ليس طريقةً مشروعةً أو مستدامةً لحل الخلافات السياسية في ليبيا.

وأبدت سفارة بريطانيا قلقها إزاء التقارير التي تفيد بأن بعض المجموعات المسلحة منعت اجتماعاً بين أعضاء المجلس الأعلى للدولة في طرابلس، وقالت: "ينبغي السماح للمؤسسات المدنية بالوفاء بمسؤولياتها والاضطلاع بها، ورأت أن أي محاولة لعرقلة نشاطهم بالاشتراك مع المجموعات المسلحة، أمر غير مقبول.

بدورها، قالت سفارة فرنسا، إن الحوار هو الطريق الوحيد لتهيئة الشروط لتنظيم الانتخابات في أقرب وقت طبقاً لرغبة الشعب.

هكذا ببساطة، عادت النغمة الأمريكية-الغربية المشتركة في إدارة الأزمة وليس حلها، عبر المطالبة بانتخابات تشريعية ورئاسية، ستجري في ظل هيمنة الميليشيات المسلحة (ما لم يتم حلها)، على مقاليد الأمور في البلاد.

هذه النغمة، بحسب مراقبين، تستهدف الإبقاء على "حالة اللا سلم واللا حرب"، في العاصمة طرابلس التي شهدت في شهر آب/ أغسطس المنصرم، اشتباكات عنيفة دامت يومين بين قوات موالية لحكومة الدبيبة، وأخرى موالية لمنافستها حكومة الاستقرار الموازية، برئاسة فتحي باشاغا، بعد محاولة قوات الأخير التقدم والسيطرة على العاصمة، مما تسبب في مقتل 32 شخصاً وإصابة 159 آخرين بجروح متفاوتة.

ودخلت ليبيا في عقد كامل من الفوضى الأمنية والصراع على السلطة منذ الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي، عام 2011، قبل توقيع اتفاق برعاية بعثة الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2020، ما سمح بتولي سلطة تنفيذية مكوّنة من المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة، إدارة أمور البلاد في شباط/ فبراير العام الماضي.

وتعاني البلاد من حالة انقسام سياسي في ظل وجود الحكومتين، إذ انتهت ولاية حكومة الدبيبة في حزيران/ يونيو الماضي، علماً بأنها نتجت عن اتفاق سياسي قبل أكثر من عام في جنيف، وتعمل من طرابلس، بينما تمارس غريمتها، حكومة باشاغا، المكلفة من قبل مجلس النواب مهامها من بنغازي في شرق البلاد، لكنها مع ذلك في صدد الانتقال إلى سرت في وسطها.

وبينما سجل 2.8 مليون ليبي أسماءهم لدى مفوضية الانتخابات، فإن لحظتهم التي ينتظرونها لانتخاب برلمان جديد، وأول رئيس للبلاد مباشرةً من الشعب في تاريخ ليبيا، لا تبدو قريبةً على الإطلاق.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard