شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
تعرّفوا على

تعرّفوا على "السعادة المهنية"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الاثنين 14 نوفمبر 202212:02 م

يغيّر الكثيرون مهنتهم في مراحل مختلفة من حيواتهم؛ بعضهم ليمضي وراء شغفه وسعادته، وبعضهم لأن الظروف أجبرته على ذلك. تغيير المهنة قد يبدو أسهل لمن هم أصغر في السن ومن ينظرون إلى المستقبل، لا إلى ماضيهم وهو وراءهم، المخاطرة بترك النجاحات إلى مغامرة جديدة، تختلف كلياً عن المخاطرة بالسعي وراء نجاحات جديدة.

تغيير المهنة قرار اقتصادي في ظاهره، لكنه أيضاً يحمل أبعاداً اجتماعية تتلخص في المراهنة على تغيير نظرة المحيط لمن يقدم على هذا القرار كشخص قادر على النجاح في أي مهنة، أو كشخص فشل لأنه أقدم على قرار غير مدروس. 

من طبيبة إلى رئيسة تحرير

"طالما كنت أريد أن أغير مهنتي، لكنني كنت دوماً خائفة من الفشل، وألا أجد مكاناً يقبل بتوظيفي، وألا أعرف كيف أجني المال لو تركت شغلي" هكذا بدأت دينا حشيش (40 عامًا) كلامها مع رصيف22. 

عملت دينا لما يقارب خمسة عشر عاماً طبيبة أسنان وأستاذة في كلية الأسنان في جامعة المستقبل في القاهرة، قبل أن تترك تلك المهنة لتلحق بشغفها بالكتابة.

عملت دينا لما يقارب خمسة عشر عاماً طبيبة أسنان وأستاذة في كلية الأسنان في جامعة المستقبل في القاهرة، قبل أن تترك تلك المهنة لتلحق بشغفها بالكتابة

رغم تفوقها الدراسي كانت تعرف بأنها لا تحب مجال طب الأسنان منذ السنة الدراسية الأولى في الكلية. بعد التخرج اقترحت عليها عائلتها أن تمنح طب الأسنان فرصة أخيرة، فأكملت دراسة الماجستير في تقويم الأسنان.

تكمل دينا كلامها: "أخذت أولى خطوات التغيير حين أنشأت مدونة على الـ"Facebook" لكي انشر مراجعات كتب قرأتها. ثم بدأت الكتابة في العديد من المواقع الإلكترونية، وبدأت بترك طب الأسنان تدريجياً". واليوم هي رئيسة تحرير القسم الإنجليزي في موقع الكتروني، ومديرة محتوى الـ "Tiktok" للموقع ذاته.

تقول: "لم تكن خطوة تغييري لمهنتي سهلة، خاصة أنني كنت قد أنهيت الماجستير بتفوق، فكنت كمن ترك نجاحاً يتمناه الكثيرون من أجل حلم غير مضمون النتائج. كان عليّ محاربة من حولي من السلبيين الذين يرددون دوماً بأنني سأفشل في النهاية، بالإضافة لمحاربة خوفي وأفكاري الداخلية".

ترى دينا أن أصعب تحد في تغيير المهنة هو القدرة على الحفاظ على دخل مادي جيد وثابت، خاصة حين يكون هناك من يعتمد عليك أو أناس حولك لا تريد أن تخذلهم.

من مساعد مخرج إلى مساعد تمريض 

أما بيتر صموئيل (37 عاماً) فحكايته مختلفة؛ فقد كان يعمل كمساعد مخرج لثماني سنوات بشكل احترافي، وقبلها كان يمارس الإعلام كهاو ومتطوع، وهو المجال الذي يحبه منذ صغره، بل هو التخصص الذي درسه في الجامعة الفرنسية في القاهرة. 

بدأ التغيير حين قرر بيتر الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2015، فوجد أن فرصته للعمل في مجال الإعلام في ذلك البلد تكاد تكون معدومة، يقول لرصيف22: "وجدت نفسي في بلد ليس بلدي، والناس حولي يتكلمون لغة ليست لغتي الأولى وهو ما كان يشكل عائقاً كبيراً لأن الإعلام يعتمد على الكلام وإتقانه مئة بالمئة".

بعد أن هاجر تاركاً عمله في الإعلام، يعمل بيتر منذ عام 2017 كمساعد تمريض في قسم العظام في مستشفى في كاليفورنيا، ويكمل تعليمه الآن ليصبح معالجاً للجهاز التنفسي أيضاً

يكمل: "وجدت نفسي مجبراً على دفع جميع مصاريفي الحياتية، فعملت في العديد من الوظائف مثل سائق Uber وموظف في محطة وقود إلى أن اتخذت قراري بالدراسة لأصبح مساعد ممرض، لأن هذه الوظيفة تحقق دخلاً جيداً هنا".

بعد أن هاجر تاركاً عمله في الإعلام، يعمل بيتر منذ عام 2017 كمساعد تمريض في قسم العظام في مستشفى في كاليفورنيا، ويكمل تعليمه الآن ليصبح معالجاً للجهاز التنفسي أيضاً.

رغم أن الظروف أجبرت بيتر على تغيير مهنته ليس نادماً على ذلك، يقول: "ربما لأنني أجيد التأقلم مع أية ظروف، وأعتبر تغييري لمهنتي خطوة إيجابية كوني ناجحاً في عملي الجديد وما زالت أطور نفسي في المجال الطبي، الذي لم أتخيل ليوم بأنني قد أعمل به".

ويضيف: "لقد فتحت مهنتي الجديدة عينيّ على جوانب أخرى في شخصيتي، تعلمت أنني قوي واستطيع أن أدرس واجتهد حتى لو كبرت في السن. وتعلمت أننا نستطيع دوماً أن نبدأ من جديد في مجال مختلف كلياً، وأن ننجح إذا اجتهدنا بالقدر الكافي".

أما حول أكبر التحديات التي واجهته فيقول: "الدراسة بلغة ليست لغتي الأم كانت صعبة جداً، والصبر حتى أرى نتائج اجتهادي لم يكن هيناً".

السعادة المهنية  

كانت رنا (34 عاماً) تعمل طبيبة الأسنان في عيادة زوجها، لتبدأ شرارة التغيير في حياتها عندما حملت بطفلها الأول. 

تقول لرصيف22: "كنت مذعورة، لم يكن يؤرقني كيف سأطعم الطفل وألبسه وأغسله بقدر خوفي من كيفية تشكيل شخصيته وطريقة تفكيره وحالته النفسية".  بدأت رنا تقرأ وتحضر الدورات التعليمية حول التربية الإيجابية وعلم النفس، فوجدت نفسها مشدودة جداً لهذا المجال حتى صارت لا تعرف كيف تتوقف عن القراءة والبحث، بحسب وصفها.

رنا... "قبل قرار تغيير المهنة، كنت أخرج من عيادة الجامعة لأجلس في سيارتي وأبكي، لأنني أشعر بأنني في مكان ليس مكاني"

توضح: "كنت على رأس عملي كطبيبة أسنان وفي طور إعداد رسالة الماجستير في تخصص علاج جذور الأسنان، لكنني كنت أترك كتبي الدراسية لأقرأ كل ما له علاقة بعلم نفس الأطفال والتربية الإيجابية، وكنت أطبق ما أدرسه على إبني وأبناء أصحابي. فكرت جدياً بالتوقف عن دراسة الماجستير لأبدأ بماجستير آخر في تخصص علم نفس الطفل، لكن أفراد عائلتي نصحوني بأن أنهي الماجستير الذي بدأته ومن ثم أفعل ما أريد". 

وتضيف: "قبل قرار تغيير المهنة، كنت أخرج من عيادة الجامعة لأجلس في سيارتي وأبكي، لأنني أشعر بأنني في مكان ليس مكاني، مع أنني كنت أجيد القيام بعملي كطبيبة أسنان على أحسن وجه".

بعد أن أنهت رنا الماجستير كان عمر إبنها الثاني ثلاثة شهور فقط، لكنها بدأت بدراسة تخصص "positive disciplining"، وهذه كانت أولى خطواتها باتجاه حلمها بأن تصبح أخصائية تربوية، وتلاحقت بعدها الدورات والشهادات التي أخذتها من داخل مصر وخارجها في تخصصات لها علاقة بالتربية وعلم النفس والعلاقات والتربية الجنسية.

قامت رنا لاحقاً بإنشاء صفحة على الـFacebook، تكتب فيها عن المشاكل التربوية التي تواجهها مع أبنائها. وأنشأت عن طريق تلك الصفحة مبادرة بعنوان "مش حاجة عيب" للتوعية بالتحرش الجنسي بالأطفال والمراهقين وتثقيف الناس عن خصوصية الجسد وكيفية التعامل الصحيح مع أبنائهم في حال تعرضوا للتحرش.

لاقت تلك المبادرة الكثير من الاهتمام حتى أن وزارة التربية والتعليم المصرية اهتمت بالتصوير حول مبادرة رنا تلك والدورات التي تقدمها للأهل والأطفال. وبالإضافة إلى عملها الخاص كمرشدة وأخصائية تربوية ونفسية تعمل رنا كـ"Head Parenting Coach" في منصة "راحة بالي" التي تعد إحدى أكبر المنصات التي تتوجه إلى الأمهات في الوطن العربي.

تختم: "لم أندم على تركي لعملي السابق رغم أنني لا أحقق الدخل المادي الذي كنت سأحققه لو أكملت في طب الأسنان".

البعض يترك أحلامه ويمضي 

بعد أن أنهى داوود سمير (37 عاماً) دراسته الثانوية رفضت عائلته أن يدرس الإعلام أو الإخراج، فقرر أن يأخذ دورات في الإخراج وفي التمثيل المسرحي، ليعمل بعد ذلك كمساعد مخرج ومدير إنتاج وممثل في العديد من الأعمال.

يقول داوود متأسفاً: "العمل في الإعلام في مصر غير منتظم ولا يحقق دخلاً ثابتاً، لذلك يُجبر من يريد الانخراط في هذا المجال على القبول بأي عمل والتنازل عن الأجر، كان عليّ الانخراط في عمل مختلف". 

وهو حالياً مالك شركة استيراد وتجارة قطع سيارات. بات كذلك بسبب ضغط عائلته للعمل في تجارة العائلة الرابحة. ويصف تغيير مهنته بأنه "قرار صعب ومحبط" يوضح: "بعدما صرت أخيراً أقوم بالعمل الذي أحبه، والذي أمضيت سنوات أبحث عن فرصة مناسبة فيه وجدت نفسي مجبراً على تركه لأنه لا يحقق الدخل الكافي". 

يكمل: "أشعر بالندم لأني تخليت عن شغفي. فحين تركت الإعلام لم أكن متزوجاً، كان بإمكاني احتمال قلة الدخل، لأثبت نفسي في المهنة التي أحبها، لكن الآن لا أستطيع لأن لدي الكثير من الالتزامات كمسؤول عن عائلة".

ويعتبر ما حدث في حياته تغييراً سلبياً، لأنه لا يستمتع بعمله الآن، يقول: "تعلمت من تلك التجربة أن عليّ التمسك بحلمي وأن أتعب وأصبر عليه. وتعلمت أن أترك الحرية لأولادي ليختاروا العمل في المجال الذي يحبونه وأن أشجعهم على اللحاق بشغفهم لكي يصبحوا سعداء في حياتهم".

داوود... "أشعر بالندم لأني تخليت عن شغفي. فحين تركت الإعلام لم أكن متزوجاً، كان بإمكاني احتمال قلة الدخل، لأثبت نفسي في المهنة التي أحبها، لكن الآن لا أستطيع لأن لدي الكثير من الالتزامات كمسؤول عن عائلة"

يقال أننا عندما نغادر منطقة الراحة الخاصة بنا تقلب حياتنا رأساً على عقب، سواء كان ذلك على نحو إيجابي أو سلبي، لكن المهم أن لا عمر محدداً لاتخاذ قرار التغيير. كل منا يستطيع تغيير حياته متى أراد، فلا يمكننا أن نجعل قراراً خاطئاً اتخذناه حين كنا صغاراً أو أقل خبرة أن يسيطر على أعمارنا، ولو لم يكن ذلك سهلاً، فقرار التغيير له ثمنه الذي قد يأتي مرتفعاً، لكنه مُجْدٍ.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard