شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
كيف ندرّب أطفالنا على الاستقلاليّة؟

كيف ندرّب أطفالنا على الاستقلاليّة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الأحد 27 نوفمبر 202210:57 ص

هناك مشاهد تكررت في كثير من الأفلام والمسلسلات العربية الكوميدية، يظهر خلالها رجل بالغ في مظهر الطفل التابع لأمه المتسلطة التي تتخذ القرارات المتعلقة بحياته بدلاً منه، حتى في أكثر الأمور حساسية أو تلك التي يمكن اعتبارها مصيرية بالنسبة لمستقبله، كالزواج والدراسة. وعادةً ما يشمئز منه الآخرون أو يسخرون منه بوصفه "ابن أمه" المدلل. 

وأحياناً، تظهر هذه العلاقة نفسها بين الشاب وأبيه الصارم القاسي، الذي قام بمحو شخصيته مذ كان طفلاً صغيراً ولم يعطه حرية الاختيار والثقة الكافية لاتخاذ القرارات. وفي مرات قليلة، نجد أن الجدة المتسلطة القاسية هي من سلبت حفيدها اليتيم شخصيته وثقته بنفسه حتى وصل إلى عمر الأربعين وبات خائفاً من التصرف كرجل ناضج واختيار شريكة حياة وتأسيس حياة زوجية وأسرية بعيداً عن صرامتها وتسلطها. وهو ما جسده الفنان الكوميدي "محمد هنيدي" عبر شخصية رؤوف وجدته راوية في الفيلم الكوميدي "تيتا رهيبة".
بعيداً عن الكوميديا ومبالغاتها، يمكننا أن نرصد نماذجاً مشابهة في حياتنا اليومية، وليس بالضرورة أن يكون الأمر مُضحكاً على الإطلاق، فربما يتسبب ذلك في نهايات حزينة، كالانفصال عن الحبيب والطلاق وحتى بعض الجرائم كان سببها الرئيسي هو ضعف شخصية الزوج/ الشريك أمام أهله وعجزه عن اتخاذ القرارات والقيام بدوره كرب أسرة. 

ولا أُبالغ إن قُلت إنني أعرف شخصاً شارف الأربعين من عمره ولا يزال يعتمد على أمه في الإنفاق عليه واختيار ثيابه وشرائها له، ولم ينجح في الزواج بعد لأنه لم يعثر على عروس تُعجب والدته أو تحل محلها كشخصية متسلطة.

ما الذي يجعل أشخاصاً من حولنا يتصفون بشخصيات ضعيفة وثقة بالنفس شبه منعدمة ويعجزون عن اتخاذ أبسط قرارات حياتهم؟

فما الذي يجعل أشخاصاً من حولنا يتصفون بشخصيات ضعيفة وثقة بالنفس شبه منعدمة ويعجزون عن اتخاذ أبسط قرارات حياتهم؟ هل تسلط الأهل وقسوتهم السبب؟ أم التدليل الزائد لأبنائهم؟ وما هي الأخطاء التي يمكن أن نقع فيها أثناء تربيتنا لأولادنا وتتسبب في تدمير شخصياتهم على هذا النحو؟ والأهم كيف يمكننا تدريب أطفالنا وتشجيعهم على اتخاذ القرارات؟

القرارات الأولى في حياة طفلك

منذ السنوات الأولى من عمر أطفالنا، وبينما يكتشفون العالم من حولهم، يبدؤون في ملاحظة أن لديهم شخصيات مستقلة عن والديهم وأنهم يمتلكون القدرة الذاتية على التفكير واتخاذ القرارات، مما يمنحهم المقدرة على الاعتراض على الأشياء التي لا تعجبهم ولا يريدونها. وعلى مدار اليوم، يقوم الأطفال باتخاذ عدة قرارات بسيطة، كأن يختار أحدهم الألعاب التي يرغب في اللعب بها، وكتب الأطفال والقصص التي يريدنا أن نقرأها له، والرسوم المتحركة والبرامج التلفزيونية التي يحب مشاهدتها.

كلما تقدم الأطفال بالعمر، فإن قرارات أكثر عدداً وتعقيداً ستكون في انتظارهم لاتخاذها، سيما بعد وصولهم إلى سن دخول المدرسة. فحين يصل طفلك إلى عمر الخامسة، يتوجب عليك البدء بتعليمه أساسيات اتخاذ القرارات وإعطائه مساحة للاختيار حتى في أبسط أمور حياته كتحديد نوع الطعام والحلوى أو الألعاب أو لون الملابس.
ولنقوم بذلك، علينا السماح للطفل بأن يختار بنفسه. مثلاً، عند شراء الملابس. يمكنك اختيار قميصين وأن تطلب من طفلك أن يختار واحداً منهما. وعند الذهاب إلى متجر الألعاب، أطلب منه أن يختار لعبة واحدة أو اثنتين فقط لتشتريها له، على أن تُخيّر طفلك بين ثلاث أو أربع ألعاب مثل كرة، سيارة، قطار، طائرة.

علينا السماح للطفل بأن يختار بنفسه. مثلاً، عند شراء الملابس. يمكنك اختيار قميصين وأن تطلب من طفلك أن يختار واحداً منهما

دور الوالدين والحياة الأسرية

لا شك أن البيئة الأسرية التي ينشأ فيها الطفل تلعب الدور الأهم في تطور ثقته بنفسه أو ضعفها واهتزازها خلال مراحل حياته المقبلة. فإذا كانت التربية تعتمد على فرض السيطرة على الأبناء، ورفض الأبوين أو أحدهما للاستماع إلى آرائهم ورغباتهم، فإنّ ذلك ينعكس على شخصياتهم فيجعلهم مترددين وخائفين ويحد من قدرتهم على التفكير واتخاذ القرارات ويهدم ثقتهم بأنفسهم.
وهنا تكمن أهمية أن يعمل الوالدان على تعزيز مهارتي الاستقلالية وتحمل المسؤولية لدى طفلهما، مما يساعده على اتخاذ القرارات المناسبة لسنه ومستوى مسؤوليته وزيادة ثقته بنفسه، حيث إن الأطفال لا يحتاجون إلى التحكم والسيطرة الأبوية لتنمو شخصياتهم بل يحتاجون إلى الاعتماد على أنفسهم والاستقلالية.

البيئة الأسرية التي ينشأ فيها الطفل تلعب الدور الأهم في تطور ثقته بنفسه أو ضعفها واهتزازها خلال مراحل حياته المقبلة.

تحمل نتائج اتخاذ القرارات

وبجانب ذلك، يجب أن نجعل الطفل يُدرك أن هناك نتائج للأمور التي يقوم بها والخيارات التي يتخذها، وأن نسمح له بارتكاب الأخطاء دون تعنيف بشرط أن نجعله يتحمل نتيجة هذه الأخطاء.
مثلاً، لو سكب الماء على الأرض نجعله يجفف المكان بنفسه، ليصبح قادراً على التعامل مع المواقف الحياتية المختلفة ويدرك عواقب الأمور، فلا تكفي الحرية وحدها لجعله يتخذ القرارات بطريقة ناضجة. وإذا اختار، مثلاً،  لعبة ما لأن شكلها أعجبه ثم اتضح له أنها لا تعمل بشكل جيد أو سهلة الكسر والتعطل، فعليك حينها أن توضح له بلطف أن القرار الذي اتخذه لم يكن صائباً، وأن تذكر له الأسباب المقنعة التي يفترض بها أن تجعله يختار شيئاً أو يرفضه، وتعلمه أن لكل اختيار أو قرار إيجابيات وسلبيات ومميزات وعيوباً، وأن ننصحه بعد اتخاذه للقرار بمراقبة النتائج المترتبة على قراره سواء كانت جيدة أم سيئة والتعلم من تلك التجربة.
وعند مناقشة قرارات الطفل، يمكن للأبوين تقييمها ومنحها صفات مثل: فكرة جيدة، أو فكرة سيئة، أو قرار حكيم، أو قرار ضعيف، وأن يوضحا له أسباب اتفاقهما أو اختلافهما مع قراره، مع مراعاة أنه لا يمتلك بعد الخبرة الكافية لتكون قراراته هي الأفضل دائماً. لذا، حين يتخذ قراراً خاطئاً يتوجب على والديه توجيهه إلى الأفضل، ولكن دون أن يصدرا أحكاماً على قدراته.
وحين يواجه طفلك مشكلة ما، فعليك أن تدعه أولاً يفكر بحل لها ولا تُسارع أنت إلى تقديم الحل، ولكن يمكنك التدخل فقط عبر إعطائه نصيحة لمساعدته.
كما ينبغي ألاّ نسارع إلى إنقاذ أطفالنا من نتائج الحماقات التي يرتكبونها والقرارات الخاطئة التي يتخذونها كي لا يتحول الطفل إلى شخص غير مسؤول عن قراراته، فيستمر في ارتكاب الحماقات دون أن يحسب حساباً لنتائجها.

حين يواجه طفلك مشكلة ما، فعليك أن تدعه أولاً يفكر بحل لها ولا تُسارع أنت إلى تقديم الحل، ولكن يمكنك التدخل فقط عبر إعطائه نصيحة لمساعدته

ما الذي يؤثر في قرارات أطفالنا؟

لا يولد الطفل وهو يمتلك مهارة اتخاذ القرارات، وإنما يكتسبها ويتعلمها بالتدريج من خلال الأسرة والبيئة المحيطة، ويتم تعزيزها عن طريق التوجيه الفعال وتقديم الدعم له وإعطائه الفرصة لاتخاذ القرارات وتجربة عواقبها، ومنحه الوقت للتفكير قبل التصرف، وتشجيعه على ذلك لتجنب التسرع والاندفاع ومساعدته على اتخاذ قرارات أفضل. 
تتأثر عملية صناعة القرار عند الأطفال بالقيم التي يكتسبونها من الأسرة والدائرة المحيطة بهم، حيث يجب أن نُعلّم الطفل تلك القيم الإيجابية التي يفترض بنا أن نأخذها بعين الاعتبار عند اتخاذنا القرارات، وأبرزها: "الصدق والأمانة، الاحترام، مراعاة مشاعر الآخرين".

لا يولد الطفل وهو يمتلك مهارة اتخاذ القرارات، وإنما يكتسبها ويتعلمها بالتدريج من خلال الأسرة والبيئة المحيطة، ويتم تعزيزها عن طريق التوجيه الفعال وتقديم الدعم له وإعطائه الفرصة لاتخاذ القرارات وتجربة عواقبها، ومنحه الوقت للتفكير قبل التصرف

محاذير علينا تجنبها مع أطفالنا

ويُحذر خبراء التربية الحديثة من التدخل بشكل مباشر وغير مباشر في قرارات الطفل، واختياراته في قضاء وقت فراغه وهوياته المُفضلة واختياراته لأصدقائه وطعامه وملابسه وألعابه، وعدم منحه الحرية الكاملة في التعبير عن رأيه أوالسخرية منه وتوبيخه وإهانته أمام الآخرين.
وفي النهاية، علينا أن نتذكر دوماً أن تعليم أطفالنا اتخاذ قرارتهم بأنفسهم سيجعلهم أكثر استقلالية وتحملاً للمسؤولية وثقة في النفس، وسينعكس إيجابياً على مسار حياتهم في المستقبل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image