حلمة. اسمها حلمة.
ليست "حبّة" رمان. ليست حبة بُنٍّ أو حبة عنب أو حبة زبيب، ولا حتى حبة كرز. لقد ابتكر الشعراء للحلمة أسماءً وتشابيه هرباً من اسمها ووقعه. ولو كان للحلمة صوت، لطالبت بالكف عن استخدام أسماء بديلة لها، مكتفيةً باسمها: حلمة. عدّوها مؤنث الحلم، وللذكر نصيب منها أيضاً، واكتفوا باسمها ممثلاً حصرياً عنها، وعن جمالها الذي تظنون أنكم تتغنون به عندما تختارون لها من جنّة الخضروات والفاكهة أسماءً وتشابيه.
أنا فراشة يا... شاعر؟ شُبّه لك!
وبإمكانكم أيضاً استخدام مفردة "بزّ". قد تبدو مفردةً عاميةً ولكنها فصيحة، هذا في حال كانت العامية حاجزاً بين رقيِّكم وبين العامية التي قد تجدون أنها سوقية، ولا تليق بعضوٍ بجمال الحلمة. الحلمة والبزّ مفردتان فصيحتان لا يعيبهما حرف. اتكلوا على الله واستعملوهما ولن يصيبكم مكروه.
لم يترك الكتاب والشعراء عضواً إلا حاولوا تشويهه باختراع تشبيه له. حوّل الشعراء أجسام النساء إلى أجسام متنكّرة. لم يسلم أي عضو من استعراضهم اللغوي؛ لا العيون ولا الفم ولا الشفتان، ولا الشعر ولا الخصر ولا الأثداء، ولا الأسنان ولا الحلمات ولا الرموش والحواجب. وكأنهم يسبلون كل صفات الجمال عن هذه الأعضاء، فلا تعود جميلةً أو معترفاً بجمالها إلا إذا كانت شبيهةً بشيء آخر. كل عضو يصبح أجمل إذا ما أصبح شيئاً آخر وعلى الأغلب ثمرة!
وبإمكانكم أيضاً استخدام مفردة "بزّ". قد تبدو مفردةً عاميةً ولكنها فصيحة، هذا في حال كانت العامية حاجزاً بين رقيِّكم وبين العامية التي قد تجدون أنها سوقية، ولا تليق بعضوٍ بجمال الحلمة
هل حبة اللوز أجمل من العين؟ هل حبة الرمان أجمل من البزّ؟ هل اللؤلؤ أجمل من الأسنان؟ هل رائحة البشرة أجمل من رائحة العنبر؟ متى أصلاً كانت آخر مرة شممتم فيها رائحة عنبر؟ هل كوز الرمان أطيب من الثدي؟ هل الحرير أجمل من الشعر؟ هل القمر أجمل من وجه الحبيب؟ قمر؟؟؟ هل يوجد ما هو أبيخ من القمر الطفيلي؟
أحدهم مرةً شبّهني بالفراشة!!! نظرت إلى كلمات التشبيه تلك التي وصلتني بواسطة رسالة على المسنجر، وحاولت أن أتكهن إن كان جاداً في تشبيهه هذا أم ساخراً. تمنيت أن يكون ساخراً كي يجنّب نفسه سخريتي من تشبيهه إياي. أنا فراشة؟ متى حدث هذا التحول؟ وأين كنت أنا حينها؟ أنا لا أطير، أنا أصلاً أمشي بصعوبة. وبإمكان مدرب الرياضة أن يؤكد له أنني لست بخفة الفراشة ولا بوزنها، ولست بهشاشتها كذلك ولا رقتها ولا سذاجتها. أنا أفوقها جمالاً بأشواط ضوئية.
ثم قلت في نفسي: لا بد أن يكون شاعراً أو يطمح إلى هذه الصفة، ويظن أنه سيقطفني بهذا التشبيه وستحمرّ وجنتاي خجلاً وسأشكره وأرسل له وجوهاً صفراء مبتسمةً ومتصيدةً المزيد من التشبيهات. أنا فراشة يا... شاعر؟ شُبّه لك!
لم يكتفِ الشعراء بتلويث الشعر، بل لوّثوا أجيالاً من الشباب الذين اتخذوا منهم مراجع، حتى ظنوا أن الشعر يقتصر على البلاغة، والبلاغة تقتصر على التشابيه والاستعارات، وأن الغزل لا يكون شعراً إلا إذا كانت الحبيبة عبارةً عن تشكيلة من "جاط" فواكه
لم يكتفِ الشعراء بتلويث الشعر، بل لوّثوا أجيالاً من الشباب الذين اتخذوا منهم مراجع، حتى ظنوا أن الشعر يقتصر على البلاغة، والبلاغة تقتصر على التشابيه والاستعارات، وأن الغزل لا يكون شعراً إلا إذا كانت الحبيبة عبارةً عن تشكيلة من "جاط" فواكه.
ما الذي يريده الشعراء باللجوء إلى التشابيه والاستعارات؟ كل ما يصلني عنهم عندما أقرأ لغتهم أنهم من دون شك كانوا طلاباً مجتهدين على الأقل في مادة اللغة العربية، وتحديداً في دروس الجناس والطباق والإنشاء، ولا يزالون حتى اليوم متمسكين بعلاماتهم العالية التي حصلوا عليها حينها، ويحاولون إثبات هذه الحقيقة التاريخية كل يوم، ومع كل قصيدة، وفي كل رسالة على مسنجر.
كل تلك الاستعارات والتشابيه والأوصاف كي يهربوا من التحدث عما يريدون التحدث عنه أو ذكره.
كل تلك الاستعارات والتشابيه والأوصاف كي يهربوا من التحدث عما يريدون التحدث عنه أو ذكره، وكي يستعرضوا مجدداً تلك العلامات العالية التي لم يبالِ لشأنها غير أمهاتهم ومعلماتهم حينها، وذلك على أبعد تقدير.
فلنرَ إذاً بماذا ستشبّهون "الكسّ"؟ ماذا ستستعيرون لتصفوه؟ هاتوا ما عندكم! أتحفونا.
أي أحرف ترتقي لتكون بجمال هذين الحرفين الصادرين من منتطقتين مختلفتين في الفم. أولهما يخرج عند لصق اللسان بمنتصف سقف الحلق، وثانيهما يخرج عند كزّ الأسنان الأمامية على بعضها. ليست كلمةً فصيحةً، أو من لسان العرب، ولكن من يبالي؟ هي على الأرجح أُخذت من الكلمة التركية "kiz"، أي "بنت"، واستُخدمت عربياً للدلالة على عضو المرأة.
أي أحرف ترتقي لتكون بجمال هذين الحرفين الصادرين من منتطقتين مختلفتين في الفم. أولهما يخرج عند لصق اللسان بمنتصف سقف الحلق، وثانيهما يخرج عند كزّ الأسنان الأمامية على بعضها
في أي فاكهة أو اسم فاكهة ستجدون شعراً أجمل من لفظة "كسّ"؟
أي فاكهة أجمل من "الكسّ" أو أطيب؟
أنا أقول لكم: لن تجدوا.
الشعراء والراغبون في أن يكونوا شعراء، ومن لحس قاموسهم، يستخدمون الاستعارات والتشابيه كي يهربوا من الشعر، لأنهم لا يعرفونه ولم يميزوه يوماً. فحين كان يمكن أن يبدؤوا بتمييزه، أو التقاطه، اكتفوا بلعب دور الطلاب المجتهدين، ونيل علامات عالية عند معلمة اللغة العربية، ولا يزالون يكتفون بهذا الدور.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع