شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
تتناسى قوى القمع والظلام أن حركة تغيير العقول لا يمكن لها أن تتوقف

تتناسى قوى القمع والظلام أن حركة تغيير العقول لا يمكن لها أن تتوقف

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحريات العامة

الثلاثاء 8 نوفمبر 202210:47 ص

ذكر الأستاذ ندرة اليازجي، في "الرسائل الإنسانيّة"، الكيان الذي يتألق في اللحظة التي يحبُّ فيها المرء غيره، ويحبّ الحياة (ويقصد هنا المحبّة وليس الحبّ)، ففي المحبّة تكمن الحريّة، والوعي، وعندما تبلغ الإنسانية مستوى المحبّة يتقلص التملّك إلى أدنى حدوده، أو ينتهي، ويتحقق الكيان، وفي تحقيق الكيان يدرك البشر المغزى الجوهري للوجود على كوكب الأرض. فالتفكير وعقلنة الأشياء يجعلان البشر مدركين، ويعرفون مهمتهم على أحسن وجه، فالجميع يحملون طاقةً حيويّةً فاعلةً ولها خصائصها العقليّة، والنفسيّة، ويعرفون معنى الحبّ، والعدل، وأشياءً كثيرةً كانت غائبةً عن التفكير الجمعي بشكلٍ أو بآخر. فالإخلاص لمبادئ العقل واتساق نتائجه مع مقدماته، وتجاوز الواقع في التأملات المختلفة، تبيّن أن هناك طرقاً وسبلاً عديدةً لتحرير العقل الجمعي، وإحلال التوازن والاستقرار في نفوس البشر على حدٍّ سواء.

المغلول يعاني من فقدان الحريّة، فقيوده كثيرة ومتنوعة والسؤال المهم: هل هناك حلول وأجوبة لأسئلةٍ شتى تراود عقول المغلولين؟ وهل هناك سبل للخلاص من سوء التفكير، والضياع، وحالات التشتت المتلاحقة؟

التدريب على الممارسات الذهنية يزيل الحُجب ويكشف الرؤية بوضوح، كأن يسأل المرء مثلاً: كيف ننفذُ بالبصيرة إلى بواطن الأشياء؟

حياة البشر في حالة صراع دائم وكأنها في حربٍ لا تهدأ، فالوصول إلى طريقِ السلام الداخلي، والاتزان العقلي، يحتاج إلى بداية صعبة كي تبدأ معها مرحلة الفهم التدريجي ومعرفة الواقع بكلّ أبعاده وإدراكه بشكلٍ معقول.

هناك إرادة ويقين بشري يتجاوزان الواقع أحياناً، وهذه الإرادة هي المرشد، والدليل، في أصعب الظروف، للوصول لاحقاً إلى السلام الداخلي، والعيش في وئامٍ تام من دون خوفٍ ووجل من كثرة المشكلاتِ والمعوقات.

بعض المفاهيم الاجتماعية تحتاج بين حينٍ وآخر إلى مراجعات نقدية جادّة، فلكلِّ مفهوم سياقه الخاص، إن تم الخروج منه تظلّ دائرة الفهم غير مكتملة. وبناءً على ذلك، تبقى الممارسات الذهنية كفيلةً بالوصول إلى "طريق المعرفة"، وصولاً إلى المعرفة شبه الكليّة لاحقاً، والتي من دونها لا حقيقة تُعقَل، فالاعتقاد بفكرٍ مُعيّن يؤدي في غالبية الأحوال إلى ضمور الوعي الفردي، ومن ثم إلى ضمور الوعي الجمعي وبقاء المجتمع حبيس طقوسِ الولاء والاتكالية، وهذا هو درب الضياع والوقوع في مهاوٍ كثيرة.

القدرة على استيعاب المنعطفات معرفة، واستبصار الحقائق مرهون بالذهنِ، وذهن الغالبية في حاجةٍ إلى فك أواصر كثيرة، ومن ينتظر الحقيقة كاملةً يعِش في وهمٍ كبير، فقدرات التطوّر الجسدي ما زالت محدودةً، والعقل البشري لم يكتمل بعد.

التدريب على الممارسات الذهنية يزيل الحُجب ويكشف الرؤية بوضوح، كأن يسأل المرء مثلاً: كيف ننفذُ بالبصيرة إلى بواطن الأشياء؟

تحرير الفكر من الانفعالات، بداية نضوج معرفي، وخطوة في طريق الوصول إلى أسرارِ بعض الحقائق، وخلق أفكار جديدة ولهذا تُعدّ العبودية انتهاكاً لقوانين الوجود، والحريّة المطلقة طريقاً بلا ذنوب.

المغلول يعاني من فقدان الحريّة، فقيوده كثيرة ومتنوعة والسؤال المهم: هل هناك حلول وأجوبة لأسئلةٍ شتى تراود عقول المغلولين؟ وهل هناك سبل للخلاص من سوء التفكير، والضياع، وحالات التشتت المتلاحقة؟

هل نحن بحاجةٍ إلى علم الجمال كي نكتمل؟

علم الجمال هو علم أخلاق المستقبل، كما يقول عنه الكاتب الروسي مكسيم غوركي. فطرح الأسئلة وإعادة نمط التفكير بين فترةٍ وأخرى، وتحرير العقل من الخرافة، ومن ترسبات الماضي، ونتائج الأفعال الخطأ، تُساهم جميعها في حالات الاندماج المعرفي والاقتناع بضرورة العمل المشترك لحياةٍ أفضل، وبإيمانٍ وثيق بأهميّة التغيير وهذا هو علم الجمال المطلوب لتعرية الإيمان الزائف، والتعصب، وخلط الخطأ بالصح، ومن دون الاهتمام بأفكار الآخرين.

إذاً، الوصول إلى نقاط عديدة مشتركة لتحرير العقول المختلفة يحتاج إلى جهد وعناء وتفكير طويل ليشمل كلّ الجوانب المهمة والمتداخلة في الحياة العمليّة.

ماذا عن الأمراض النفسيّة المجتمعيّة؟

الدراسات السيكولوجية غير كافية لتساهم في عملية التغيير النوعي، فالمجتمع السليم يجب أن يخلو أو يكاد من الأمراض النفسيّة، هكذا يقول سلامة موسى في كتابه "دراسات سيكولوجية".

أما جوليان هيكسلي، فيقول: "الإنسان قد وقف بسبب اللغة"، أي أن الارتقاء الثقافي اللغوي قد عاق وسوف يعيق التطور العضوي، والتطوّر الجسدي هو الآخر قد أوقف، ولكن التطور المُخّي لن يتوقف.

ويقول سارتر صاحب الوجودية: "أنا لا أثقُ بما لا يمكن التعبير عنهُ، فالعقيدة عاطفة"، والعاطفة قريبة من الجنون الذي يُغشي العقل، ويظلمهُ، ويُلغيه فالمُجتمع يقتضي أن يحلّ مسألةً غاية في الأهميّة، ألا وهي تغيير تفكير الناس، وأن يُطوّر ذات الفرد بشكل يستطيع العيش ككلّ متجانس، وقابل للتطوّر لاكتشاف أبعاد الإنسان "الجوانيّة"، من دون الوقوع في التصورات الخطأ.

الأخلاق مجموعة من قوانين السلوك، وجانب من جوانب الكفاح اليومي ضد الجهل والخوف الذي يحاول الطُغاة وأتباعهم تكريسه للإبقاء على حالة المجتمع المتخلّف الذي لا يفكر، ولا يُساهم في التغيير ويبقى في حالة استسلامٍ، وانقيادٍ، ومن دون أيّ احتجاجٍ، أو تذمّرٍ فعّال، وليبقى الحُلم وحدهُ سيد المواقف.

الأخلاق مجموعة من قوانين السلوك، وجانب من جوانب الكفاح اليومي ضد الجهل والخوف الذي يحاول الطُغاة وأتباعهم تكريسه للإبقاء على حالة المجتمع المتخلّف الذي لا يفكر، ولا يُساهم في التغيير 

التعرّف على القوّة الكامنة داخل الإنسان، وتنظيمها، هما اللذان يجعلانه متجانساً وغير مفصول عن ذاتهِ، فمحاولات الاستشعار بكليّةِ الكون واتساق قوانين الطبيعة، وإيقاظ شعور المعرفة الكونية وديمومة هذه المعرفة، ستجعل منه كائناً صاحب فكر مُتّقد، وسيكون تاريخه مليئاً بالمبادرات والاهتمامات، وهذا يساعده على اجتياز عتبات المستحيل وصولاً إلى المعارف العقليّة التي تُغيّر طرق التفكير وتجعل منهُ خالقاً لقيمٍ جديدة، ومُتقناً في الدقّة والإبداع، ويؤثر على الطبيعة ويتأثر بها، ويعيش حالة تجانسٍ وانسجام مع الكائنات الأخرى بسلام.

هل تستطيع البشرية درء الأخطار، والتعلّم من التاريخ القديم، والاستفادة منه لبناء حياة مختلفة على الأرض يجمعها التفاهم والسلام لكونها كائنات اجتماعيةً، ولديها القدرات العقليّة والروحيّة الناضجة نسبيّاً؟

هل تستطيع البشرية درء الأخطار، والتعلّم من التاريخ القديم، والاستفادة منه لبناء حياة مختلفة على الأرض يجمعها التفاهم والسلام لكونها كائنات اجتماعيةً، ولديها القدرات العقليّة والروحيّة الناضجة نسبيّاً؟

كلّ المؤشرات هي دليل على قدرة الإنسان على الخلقِ والإبداع وبلا حدود، فالوحدة، والاتفاق، والابتعاد عن الأوهام بكلِّ أشكالها، وإنهاء الصراع النفسي هي في حدِّ ذاتها بداية تغيير جذري في الفكرِ الإنساني، وعملية انتخاب حقيقيّة، وثورة مُقنّعة حسب قول ليمان، الذي يقول أيضاً إن أوراق التصويت في الانتخابات هي التي تُبدّل الحكومات وليس رصاص البنادق، فالمجتمع الذي لا يستطيع أن يُغيّر حكامه بواسطة التصويت الهادئ، يلجأ عادةً إلى تبديلهم بالعنف والثورة المسلّحة، وهنا تجدر الإشارة إلى دور المرأة ومشاركتها الفعّالة في اتخاذ القرارات الصائبة، والذي يُعدّ بمثابة الخطوات الصائبة الأولى في عملية التغيير والتحويل المجتمعي، والتي تحتاج إلى ثقافة فعليّة ودعم كبير من قبل القوى الواعية في المجتمع التي تحسّ وتشعر بالمسؤولية الجماعية، وبضرورة التغيير الحقيقي وليس الشكلي، فالثقافة إذاً، هي وعي نظري وعملي، أي أنها قول وفعل يعتمدان على العقل، والحدس، والذات الواعية.

ومن أجل أن تتلاشى الظروف القاهرة، وقسوة القوانين، لا بدّ من المساواة في الحقوق والواجبات بين الجنسين، ونشر مبادئ العدل بين الجميع، فمن دون كلّ هذه العوامل لن يحصل تغيير حقيقي، فالمشكلات والمعوقات مرتبطة ببعضها في كلّ مكان من هذا العالم الشاسع.

المحاولات التغييرية قائمة منذ القِدم، ولكنها كانت تُطمس بسرعة نظراً إلى شدة بطش قوى القمع والظلام، وهذه القوى ما زالت نشطةً وتحاول فرض السكون الظاهري على المجتمعات التقليدية خاصةً

المحاولات التغييرية قائمة منذ القِدم، ولكنها كانت تُطمس بسرعة نظراً إلى شدة بطش قوى القمع والظلام، وهذه القوى ما زالت نشطةً وتحاول فرض السكون الظاهري على المجتمعات التقليدية خاصةً، متناسيةً أن حركة تغيير العقول، والأفكار عند البشر لا يمكن لها أن تتوقف مهما ازداد العنف، والظلم بأنواعه، فالعنف مظهر من مظاهر العدوانيّة في المجتمعات المتخلفة خاصةً، وأنهُ يمارَس بطرقٍ مُقنّعة و مُبطّنة وهذا يُمثل عبثاً وتهديداً للتوازن النفسي، وتدميراً للذات الإنسانيّة، فالتوازن والقدرة على التمييز قابلان للتغيير، كما الطبيعة التي تغيّر نفسها باستمرار، وهذا التغيير عادةً ما يكون بطيئاً لكنه يحصل تلقائيّاً وهو الأسمى والأفضل للتطوّر الاجتماعي ويحمل معه ميّزة التوازن، بدلاً من القلق والحيرة والتفسيرات الخطأ والعبثيّة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard