بابتسامة دبلوماسية عريضة، خطا الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة المنظمة الدولية للدعم في ليبيا، عبد الله باتيلي، أولى خطواته في العاصمة طرابلس في زيارته الأولى للبلاد، منذ تكليفه بمنصبه.
ظهور باتيلي، صاحبته تعهدات واضحة منه بالتواصل مع جميع الليبيين، وإطلاق "مسار توافقي"، يفضي إلى تنظيم انتخابات، وتجديد شرعية مؤسسات البلاد.
رسالة المبعوث الأممي من خلال اختيار من قابلهم، كانت جليةً ومتّسقةً مع تصريحه بكونه على مسافة واحدة من الجميع، إذ التقى كلاً من رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفى، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، ورئيس الأركان العامة للجيش، الفريق محمد الحداد.
مؤشّرات تبدو إيجابيةً، إذ يمثّل إحداث توازن بين جميع الأطراف أبرز التحديات التي تواجه المبعوث الأممي الجديد.
لكن هذا التفاؤل لا يخفي شبح الفشل الذي طال كل من سبقوه إلى ذلك المنصب، نظراً إلى عمق الخلافات وتشابكها في ليبيا، التي تحولت إلى "كتلة من الجحيم".
تعيش ليبيا منذ أشهر حالةً من الصراع على سدّة الحكم، بين حكومتين، الأولى في طرابلس، وجاءت وفق اتفاق سياسي، قبل عام ونصف العام، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة، والثانية في سرت برئاسة فتحي باشاغا، عيّنها البرلمان، في شباط/ فبراير 2022، ومنحها الثقة في الشهر التالي آذار/ مارس، وتتّخذ من سرت، في وسط البلاد، مقراً مؤقتاً لها، بعد منعها من دخول طرابلس.
رفضت حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الاعتراف بنتائج التصويت على منح الثقة للحكومة المعيّنة من البرلمان، وتمسكت بالسلطة، فيما حاولت حكومة باشاغا، الدخول إلى طرابلس… فانتهى الأمر بمواجهات مسلحة.
تزامن صراع الشرعية المتجدّد، مع تردٍّ كبير في مستوى الخدمات، من قطاع الكهرباء، إلى قطاع الصحة، وأزمة الغذاء والسيولة، وارتفاع الأسعار، فضلاً عن انتشار المليشيات المسلحة في الشوارع.
فشل الاستفتاء على الدستور الجديد كان أمراً طبيعياً، لرفضه من قبل تيار جماعة الإخوان المسلمين والقوى السياسية، الموجودة في الغرب
دستور 51 يعود للواجهة
في تموز/ يوليو 2017، قدّمت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي مسودّة مشروع دستور دائم للبلاد، بعد أعوام من الانتظار، لكنه واجه فشلاً كبيراً في إقرار إجراء استفتاء شعبي عليه، وظل مجرّد حبر على ورق.
يشير الخبير السياسي الليبي، محمد اللافي، لرصيف22، إلى أن "فشل الاستفتاء على الدستور الجديد كان أمراً طبيعياً، لرفضه من قبل تيار جماعة الإخوان المسلمين والقوى السياسية، الموجودة في الغرب الليبي، والتي تسعى إلى تضمين الدستور موادّ تتماشى مع مرجعيتها الدينية.
فشل الاستفتاء على الدستور، وانسداد أفق حلّ معضلة الاستحقاقات الانتخابية، التي تأجلت في أكثر من مناسبة، دفعا نحو ظهور أصوات مطالبة بالعودة إلى دستور 1951، كان آخرها، مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2022، حين دعا نواب في البرلمان الليبي، إلى إعادة طرح دستور 1951، للتصويت عليه، في جلسة عامة، والتداول في إمكانية العودة إلى النظام الفيدرالي الذي كان معمولاً به في البلاد بين عامي 1951 و1964.
ودعا النواب أهل كل من المنطقتين الغربية والجنوبية إلى دعم هذا الطلب، عادّين أنّه الضامن الحقيقي لوحدة البلاد وأمنها وسلامتها، في ظلّ صراع الشرعية المستمر.
يبدو الحديث عن إجراء انتخابات في ليبيا، أمراً صعباً ومعقّداً. فالخلافات القائمة بين الأطراف المتصارعة، واحتكار كل طرف لمناطق نفوذ، خلق عدم ثقة بينها.
وفي هذا السياق، يستطرد اللافي، بأن "الخيارات الآن، أصبحت ضئيلةً جدّاً، في ظل وجود مطالبة شعبية بالعودة إلى دستور 51، في الأقاليم الثلاثة، خصوصاً في إقليم برقة المهمّش بالرغم من امتلاكه الثروات، والقوّة الجغرافية.
في المقابل، يرى القيادي في النظام السابق، سعيد رشوان، أنه "لم يكن هناك دستور، حتى ننعته بالفشل، لأنه لم يبلغ مرحلة الاستفتاء عليه، ولكنه عبارة عن مسودّة أُعدّت وما زال عليها خلاف".
ويقول رشوان، لرصيف22، إن "الدستور يحتاج إلى الاستفتاء عليه، وإلى دولة ذات سلطة تستطيع أن تضبطه وتشرف عليه، وهذا الأمر، في ظل الانقسامات السياسية والأمنية القائمة في الوقت الراهن، بعيد المنال.
يختتم الرجل حديثه قائلاً: دستور 1951 كان جيّداً جدّاً في وقته، ولكن مضى عليه أكثر من 70 عاماً ولا يصلح اليوم". وإذا كان الليبيون يريدون النظام الملكي، فلماذا لم يعلنوا في 2011، غداة سقوط النظام، قيام مملكة في البلاد؟
المشكلة في ليبيا، ليست مشكلة دستور في الأساس، بل هي أزمة انقسامات نجمت عنها صراعات، بعضها مسلح.
منقذ من الماضي
لم تنجح الحكومات، التي تعاقبت على حكم ليبيا، منذ العام 2011، في إخراج البلاد من مربّع الأزمة الخانقة، وسط نزاع مستمرّ على السلطة، وتهديدات المليشيات المسلحة، وتردّي الأوضاع الاقتصادية.
ذلك الوضع الصعب، بات يفرض -وفق كثيرين- وجود "قائد" فعليّ قادر على إدارة البلاد، وتحقيق الاستقرار والأمن.
ومنذ العام 2015، تصاعدت في ليبيا أصوات مطالبة بعودة "سيف الإسلام القذافي"، إلى الحياة السياسية، بالنظر إلى واقع الأزمة المتصاعدة في البلاد، وما أسموه فشل مسار "شباط/ فبراير"، وهي دعوات كانت في مجملها، محدودةً وعلى استحياء.
لكنّ الأمر اختلف حين أُعلن عن إطلاق سراح سيف الإسلام، من سجنه في الزنتان، في حزيران/ يونيو 2017. حينها، تصاعد الحديث عن إمكانية ترشّحه فعلياً.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، ظهر سيف الإسلام، وهو يقدّم أوراق ترشّحه للانتخابات الرئاسية، مرتدياً العباءة الليبية التقليدية، أسوةً بوالده.
وبالرغم من أن ترشّحه، أثار جدلاً كبيراً، إلا أن الأمر يبدو منطقياً، بعد سنوات من الفشل الذي لاحق ساسة ليبيا الجدد، في إدارة البلاد، إذ يرى البعض أنه يمثّل فرصةً لإخراج البلاد من أزماتها، خاصةً مع الاحتفاء الشعبي به.
إذا كان الليبيون يريدون النظام الملكي، فلماذا لم يعلنوا في 2011، غداة سقوط النظام، قيام مملكة في البلاد
في هذا السياق، يقول الإعلامي الليبي، فائز العريبي، لرصيف22: هناك شريحة شعبية يمكن رصدها، تريد لسيف الإسلام أن يقود ليبيا، لمعالجة الوضع الداخلي في البلاد، وانتشالها ممّا هي فيه".
ويضيف العريبي، أنّ "سيف الإسلام لديه حظوظ جيدة خاصةً أنّ البلاد تبحث عن قائد لإنقاذها، بعد أن فشلت كل هذه القوى السياسية، فشلاً ذريعاً".
يسنطرد العريبي، قائلاً إن وجود سيف الإسلام في المشهد السياسي القادم، "يتطلب إصراراً شعبياً على دوره، وإن حدث ذلك فسترجح كفّة سيف الإسلام، بنسب عالية جداً".
وفيما يعارض البعض عودة سيف الإسلام، إلى المشهد السياسي كونها ردة إلى الخلف، يرى آخرون أن الرجل له فرصة جيدة لتصدّر المشهد، وان كان نجاحه مرتبطاً باعلانه عن برنامج ورؤية متماسكة لإنقاذ ليبيا.
لكن بغضّ النظر عن الآليات التي سيعتمدها الليبيون، للوصول إلى إرساء سلطة في البلاد، عبر دستور قديم أو جديد، أو رئيس من الماضي، أو رئيس من الساسة الجدد، فإن أي حلول ستُطرح ستكون أمام امتحانات سياسية وأمنية صعبة، وواقع شديد التعقيد، يلخّص سنوات من الصراعات والحروب، أثّرت كثيراً على النسيج المجتمعي في ليبيا وعمّقت الانقسامات، والنعرات القبليّة.
يمكن القول إنّ المصالحة الوطنية هي الأساس الذي عليه تستطيع ليبيا بناء مستقبلها.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوميخلقون الحاجة ثم يساعدون لتلبيتها فتبدأ دائرة التبعية
Line Itani -
منذ يومينشو مهم نقرا هيك قصص تلغي قيادات المجتمع ـ وكأن فيه يفوت الأوان عالحب
jessika valentine -
منذ أسبوعSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع