قبل أيام، التقيت بصديقتي المنتقبة. تبادلنا الأحاديث والحكايات وأخبرتني أنها على مشارف خلع النقاب وتود الاكتفاء بالحجاب فقط دون تغطية وجهها، ولكن ما يجعلها تتراجع عن تلك الخطوة هو خوفها الشديد من عقاب الله. فبدأت أهدئ من روعها خاصة أنها ملتزمة بالثوابت الدينية طوال حياتها.
تطرّق حديثنا إلى الحرام والحلال، وبدأت أتحدث بأن النقاب ليس فرضاً. سألتني عن مصدر تلك الفتوى، فأخبرتها أن دار الافتاء المصرية لها الكثير من الفتاوى الواضحة والمعلنة على الصفحات الخاصة بها توضح من خلالها أن قيام المرأة بتغطية وجهها ليس من فرائض الدين الإسلامي، بل إنه عادة في بعض المجتمعات مستدلة على ذلك بالعديد من الأحاديث النبوية.
بدأت أسأل نفسي: "إذا كنا مش هنصدق دار الإفتاء هنصدق مين؟"
وهنا فاجأتني ردة فعلها، إذ بدأت تستنكر فتوى دار الإفتاء، وأخذ حديثها أسلوباً يحمل سخرية من تلك الفتاوى، قائلةً: "أنا مش مقتنعة". ارتسمت علامات الذهول على ملامحي، وأجبتها: "يعني إيه مش مقتنعة بفتوى صادرة من الجهة الوحيدة اللي مسنود لها إصدار الفتاوى؟!"
فباتت تتحدث عن آراء واجتهادات شخصية للعديد من العلماء. وهنا، قررت أن أنهي الحديث بأن كل إنسان حر في ما يعتقد وما ينفذ.
لن أخفي أن حديثها استفزني، وأثار أعصابي. وبدأت أسأل نفسي: "إذا كنا مش هنصدق دار الإفتاء هنصدق مين؟"
وفي حقيقة الأمر، إن موقف صديقتي ليس الموقف الأول الذي أقابله من آراء الكثيرين حول الفتاوى التي تصدرها دار الإفتاء، خاصة حين تصدر فتاوى في قضايا شائكة كانت آخرها التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، إذ أكد أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خالد عمران، أن التبرع بالأعضاء بعد الوفاة يعد من الصدقات. ولكن، يجب أن يتم وفق ضوابط فقهية وقانونية.
وقد لقت تلك الفتوى رفضاً من قبل الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد أن خرج عدد من رجال الدين وأكدوا أن التبرع بالأعضاء بعد الوفاة مُحرم ولا يجوز شرعاً. وهو ما أوضحه أستاذ الشريعة بالأزهر مبروك عطية موضحاً أن جسد الإنسان ليس ملكه، ولكنه ملك لله فقط. وذلك ما اتفق عليه أيضاً أستاذ الشريعة الإسلامية والفقه المقارن بجامعة الأزهر أحمد كريمة موضحاً أن التبرع بالأعضاء مخالفاً للشريعة الإسلامية.
ومن أكثر الأشياء التي لفتت انتباهي هو هجوم الكثير من الناس على دار الافتاء حين حاولوا تصحيح مفاهيم مغلوطة يتم تداولها على أنها مسلم بها منذ مئات الأعوام
ومن أكثر الأشياء التي لفتت انتباهي هو هجوم الكثير من الناس على دار الافتاء حين حاولوا تصحيح مفاهيم مغلوطة يتم تداولها على أنها مسلم بها منذ مئات الأعوام، أبرزها حكم الإفتاء في تربية الكلاب، إذ حسمت الجدل وأكدت أن الكلب ليس بنجس.
وقد لقيت تلك الفتوى أيضاً استنكار الكثيرين ممن أعرفهم بشكل شخصي، مؤكدين أن الكلب نجس، ويجب ألا نلسمه مطلقاً. هذه الكلمات نطقت بها مجموعة من أصدقائي حين فتحت معهم باب الجدل بعد تلك الفتوى ووجدتهم متشددين لآرائهم غاية التشدد حتى أنني نطقت ساخرة: "إنتوا أكيد كلب عضكم وإنتوا صغيرين، كل دي عداوة ضد الكلاب؟"
الغريب أن أغلبية من يعترضون على أي فتوى دينية على درجة وعي عالٍ وثقافة جيدة ولكنهم غير متخصصين في الشأن الديني أو بالأحرى غير متعمقين في دراسة الدين
لم يتوقف الأمر على ذلك بل هاجم البعض من رواد السوشال ميديا فتوى دار الإفتاء بأن إيداع الأموال في البنوك وأخذ الفوائد جائز شرعاً ولا إثم فيه.
والغريب أن أغلبية من يعترضون على أي فتوى دينية على درجة وعي عالٍ وثقافة جيدة ولكنهم غير متخصصين في الشأن الديني أو بالأحرى غير متعمقين في دراسة الدين، ولكن يبدو أن عقولهم تبرمجت على التشدد في الدين أو أن دخول الجنة سوف يقتصر على المتشددين في الأفكار الدينية فقط دون غيرهم.
والسؤال الآن الذي أود الاجابة عليه: "لو مش هناخد الفتاوى من دار الإفتاء هناخدها من مين؟".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ 3 أياملا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...