تصريحات مغنّي الراب طوطو، عن الحشيشة، أثارت الكثير من الجدل في المغرب، ودفعت "حراس معبد الأخلاق" إلى انتقاده، ورفع شكاوى قانونية ضده. منذ الثالث والعشرين من أيلول/ سبتمبر الماضي، يتعرض الشاب المغربي، لهجوم شرس في وسائل الإعلام ومواقع التواصل، التي تعدّه "خطراً على الجيل الشاب". لكن كثيرين من مسانديه يرون في الأمر استغلالاً للقانون لتصفية حسابات أخرى.
الحديث المحرّم
بعد شهر من الأخذ والرد في قضية فنان الراب طه فحصي، الشهير بـ"غراندي طوطو"، حول تصريح له تباهى فيه بتعاطي الحشيشة أمام متتبعيه عبر الإنستغرام، قررت النيابة العامة في المحكمة الابتدائية في الدار البيضاء المغربية، متابعته قضائياً وهو في حالة سراح، بعد أن تم توقيفه في البداية، بتهم السب والقذف والتهديد، مع كفالة مالية قدرها 20 ألف درهم (نحو ألفي دولار).
تعود بداية الضجة التي أثيرت حول الفنان المغربي طوطو، الذي حقّق أكبر نسب استماع على منصة "سبوتيفاي" في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بـ135 مليون استماع إلى أغانيه، إلى الندوة الصحافية التي نظّمتها وزارة الثقافة والشباب والتواصل، ضمن مشاركته في فعاليات اليوم الثاني (23 أيلول/ سبتمبر الماضي)، لمهرجان الرباط عاصمة الثقافة الإفريقية، إذ دافع عن تعاطيه الحشيشة كجواب عن السؤال الموجّه إليه من قبل الصحافيين خلال الندوة، قائلاً: "نعم، أتعاطى الحشيشة. وماذا بعد؟"، مضيفاً: "الحشيشة نشتريها من مكانها على بعد 300 كلم (يقصد مكان زراعتها في كتامة شمال المغرب)، ونوعية حشيشة المغرب معروفة عالمياً، وهناك من يزور المغرب من أجلها".
طوطو لم يتوقف عند "التباهي" بتعاطي الحشيشة، بل تلفّظ بكلام عُدّ "نابياً" على خشبة المسرح أمام حضور جماهيري تجاوز المئة ألف شخص.
أغنية "حلمت آدو" لمغني الراب طوطو
خلّفت تصريحاته استياءً وغضباً عارمين لدى فئة عريضة من المغاربة، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، طالبت بتطبيق القانون على الفنان. ولم يقتصر الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، بل وصل صداه إلى البرلمان ليُسأل وزير الثقافة والحكومة عن "التأخر في فتح بحث قضائي حول الحادثة"، ووُجِّهت انتقادات إلى "النموذج الفني والثقافي" الذي تدعمه وزارة الشباب والثقافة والتواصل.
ما فاقم من وضع المغنّي، أنه ردّ في بداية الحملة التي استهدفته بـ"حدّة" على منتقديه، وهدّد إعلامياً مغربياً عبر حسابه على إنستغرام، ليلجأ الأخير إلى رفع شكوى ضدّه إلى النيابة العامة، يتهمه فيها "بالتهديد والتشهير والابتزاز والسب والقذف وادعاء وقائع كاذبة".
مسلسل "تصريحات الحشيشة"، لم يتوقف هنا، بل تعداه إلى منع شرطة الحدود لطوطو من السفر إلى إحدى عواصم الدول الأوروبية لإحياء حفل، بطلب قضائيّ، حتى استكمال التحقيق في الشكوى التي رُفعت ضده.
فيما استجاب ثلاثة فنانين وأحد رجال الأمن، لعقد الصلح الذي قدّمه المغني طوطو، مقابل الاعتذار عن الإساءة إليهم، وكانوا قد تقدموا بشكوى لدى المصالح الأمنية في مدينة الدار البيضاء، ضد الفنان طه فحصي، بدعوى "التهديد والسب والقذف والاعتداء على الشرف والاعتبار الشخصي وإفشاء معلومات وأسرار تتعلق بالحياة الخاصة للأشخاص من دون إذنهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي"، قبل تنازلهم عنها يوم الأربعاء الماضي، وذلك قبل مثوله أمام وكيل الملك في المحكمة الابتدائية في مدينة الدار البيضاء.
اعتذار وحملة تعاطف واسعة
في ظل تسارع هذه الأحداث، قدّم طوطو اعتذاراً قبل مثوله أمام المحكمة، إلى كل المغاربة "الذين أساؤوا فهمه"، و"إلى كافة السلطات الرسمية"، كاشفاً أن هناك سوء فهم لشخصيته: "أنا لست شخصاً سيئاً، الناس لم تفهمني. وأعتذر من كل كبير وصغير كان حاضراً خلال إحيائي السهرة".
علّق ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، ومنهم فنانون وشخصيات عامة وشباب ومعجبون بفحصي، على اعتذاره، عادّين ما فعله صواباً، وأنه لا حاجة إلى محاكمة الفنان اجتماعياً، ما دامت في البلاد مؤسسات الحق والقانون.
وجهت انتقادات واسعة لمغني الراب المغربي طوطو، بعد حديثه العلني عن استهلاكه للحشيش، وتحولت حياته الخاصة إلى قضية رأي عام، ليقول خلال ندوة: "أنا لست شخصاً سيئاً، الناس لم تفهمني. وأعتذر من كل كبير وصغير كان حاضراً خلال إحيائي السهرة".
وانتقد مدوّنون آخرون متابعة الفنان طه، قائلين إن اعتقاله سيفتح باباً لن يكون من السهل إغلاقه، وستُقيَّد معه حرية الإبداع والتعبير في كافة الفنون، وستعجّ المحاكم بالشكاوى التي سيرفعها كُثرٌ ضد ممثلين ومغنّيين بتهمة انتهاك الذوق العام.
شمّاعة لمشكلات شعب
أمام زحمة الأحداث التي مرّ بها الفنان بصفة خاصة، والراب المغربي بصفة عامة، نتساءل: هل فعلاً تصريحاته حول الحشيشة هي ما أفاض الكأس، بالرغم من أن الشباب يتعاطونه بشكل يومي في الشوارع العامة، من دون أن يثير غضب الناس، ومن أن الكلمات النابية هي الأسلوب الطاغي في تعاملات الجيل الحالي في الشارع وفي المدرسة وفي المنازل وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أم أن الأمر أعمق من ذلك؟
هو أعمق من ذلك، إذا ما عدنا إلى بداية الحدث وحتى الآن، وما برز عنه من انقسام الرؤى والتحليلات لدى الأجيال، إذ يعلق الجيل السابق وبعض الأطراف السياسية الشماعة على طوطو، حسب قول محاميه عبد الفتاح زهراش، "في فشل التربية والتعليم". في المقابل، يدافع الجيل الحالي ومعه بعض الأشخاص من الجيل السابق ممن تمكّنوا من فهم تعابير الجيل الحالي، عن الحرية في مفرداته وممارساته، عادّين أنها موضة العصر، كما كانت للأجيال السابقة تعبيرات خاصة لا تتناسب مع الجيل الذي سبقها.
انتقد المحامي زهراش، الضجة التي رافقت متابعة طوطو، ودعا إلى الاتجاه صوب عمق المشكلة وليس محاسبة الفنان، وأن الأمر تلزمُه دراسة من قبل مختصين في مجال التربية، مؤكداً على أن المسؤول عن إخفاق الجيل الحالي في التربية والتعليم ليس طوطو، ويجب الاتجاه إلى مساءلته.
تصادم الأجيال هذا، هو ما عبّر عنه الفنان طه، قبل منعه من السفر، في أحد البرامج الإذاعية، قائلاً: "تكمن المشكلة في غياب التواصل بين الأجيال. أنا أتعاطى المخدرات لكنني لا أدعو الشباب إلى تعاطيها"، مضيفاً: "أدعوهم إلى الاقتداء بنجاحي الذي بنيته من الصفر وكنت مصراً على تحقيق حلمي، والأرقام هي من يتحدث عن نجاحي".
يرى البعض أن قضية المغني طوطو والحشيش لا تخرج عن دائرة صراع الأجيال ورغبة جهات معينة أن أن تستغل المغني لأغراض سياسية أعقد
وتساءل خلال حلقة البرنامج: "هل أنا بالفعل من يبيع الأقراص المهلوسة والحشيشة في الشوارع؟"، مؤكداً على أنه لم يغيّر من كلمات النشيد الوطني، ولم يوجّه عبارات السب إلى الدين والمثليين جنسياً والنساء.
وأبدى الفنان استغرابه من إنكار الجيل السابق للجيل الحالي، قائلاً: "لماذا تعتبرونني غير مغربي كما الجيل الحالي؟ أنا مغربي ورفعت علم بلدي أمام مئات الجماهير في بلدان أجنبية افتخاراً بمغربيتي"، وعزا طه هذا الإنكار إلى "غياب التواصل بين الأجيال وغياب دور الشباب، مشدداً على أن المنع ليس حلّاً. الحل هو التواصل".
قرب من السلطة أم إفلات من العقاب؟
هشام أوداد، رابور مغربي سابق، يرى أن الإعلامي المغربي المقيم في بلجيكا محمد التيجيني، كان غير مرّة يستفز طوطو من خلال برنامجه المذاع على اليوتيوب، وهو ما دفع بالأخير إلى الرد عليه بتلك الطريقة.
وأكد أوداد، أن هذا لا يبرر ما فعله طوطو، وأن إقدامه على الاعتذار خلال ندوة صحافية كفيل بالعفو عما صدر عنه، مضيفاً أننا لا زلنا ننتظر تنازل الإعلامي عن شكواه ضد المغنّي.
من الجانب الحقوقي، يرى خالد البكاري، أن الأمور سلكت من الناحية القانونية مجراها العادي، وأن هناك شكايات من أطراف مدنية تعدّ نفسها متضررةً من تصريحات الفنان طه فحصي، وتحقيقاً فُتح واستماعاُ إلى المشتكى منه، وهناك قرار بالمتابعة في حالة سراح.
وأكد البكاري أن هذا ما يدعون إليه كحقوقيين، في إطار المرافعات من أجل ترشيد الاعتقال الاحتياطي، عادّاً أن الأصل هو أن تكون المتابعات في حالة سراح، خصوصاً مع توفر كل الضمانات، ففي حالة طوطو، تم احترام ضمانات المحاكمة العادلة إلى الآن، "وهو ما كنا نطمح إليه في قضايا أخرى مرتبطة بحرية الرأي والتعبير، والتي للأسف كان قرار القضاء فيها معاكساً لآمالنا بانبثاق قضاء يغلّب جانب الحريات على الجانب الزجري حتى لا نقول التعليمات"، وفق البكاري.
ساهمت النقاشات والحملات المنظمة في فضاءات التواصل الاجتماعي، أو في بعض المواقع الإلكترونية، حسب البكاري، في خروج الموضوع عن سياقه القانوني، إلى مستويات أخرى، والتي يرجّح أنها تصفية حسابات مع وزير الثقافة المهدي بنسعيد، أو أنها توظيف للحادث لخلق انقسامات وهمية داخل الشارع بين المحافظين والحداثيين، وتالياً الزجّ بالمغنّي في معارك أكبر منه.
"هناك من لمّح إلى علاقته بوزير الثقافة، وهناك من تحدث في مواقع إلكترونية قريبة من بعض الأجهزة والمؤسسات الرسمية عن حضور ولي العهد لحفله في الرباط الذي أثار الجدل"
ورأى البكّاري أن النقاش الذي واكب ملف طوطو فيه استهداف للعبارات التي يستخدمها في أغانيه، وأن هناك تحاملاً على فن الراب، يمكن أن يدفع ببقية فناني هذا اللون الفني إلى ممارسة نوع من الرقابة الذاتية، وفق المتحدث نفسه.
في المقابل، يرى أوداد، وهو مقدم برنامج شبابي يُعنى بموسيقى الراب والهيب هوب، أن المغرب لا يمكنه التضييق على حرية التعبير والابداع، خصوصاً أنه استفاد من تجاربه السابقة، وأن هناك تقدماً ملموساً على مستوى حرية الابداع، مضيفاً أن مواقع التواصل الاجتماعي مكّنت الفنان من التواصل مع جمهوره وهو في غنى عن الإعلام الرسمي.
خلص أوداد، إلى ضرورة أخذ مغنّي الراب المغربي بـ"القيم" المغربية، والعمل على إيصال صوت الفئات الاجتماعية المهمشة، وأنه بالرغم من الإكراهات المادية يبقى الرابور هو المحقق الذي ينقل وقائع الشارع من دون تزييف وبتعابير فنية مبتكرة.
وبخصوص الدعم الذي تلقّاه طوطو، من طرف شخصيات عمومية وحقوقيين، ومتابعته في حالة سراح، يعتقد البعض أنه أفلت من القانون، وهنا يوضح الأستاذ خالد البكاري: "صحيح أن هناك من لمّح إلى علاقته بوزير الثقافة، وهناك من تحدث في مواقع إلكترونية قريبة من بعض الأجهزة والمؤسسات الرسمية عن حضور ولي العهد لحفله في الرباط الذي أثار الجدل"، مردفاً: "في النهاية تمت متابعته في حالة سراح، وقبل متابعته تم إيداعه رهن تدابير الحراسة النظرية، بل شُنّت حملة منظمة ضده من موقع إلكتروني مقرب من السلطات، ويدافع عن اختياراتها حتى الأشد سلطوية منها، وهي حملات قد تؤثر على القضاء وحياده".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.