شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"سلامة"... كيف تعمل أول منصة رقمية لخدمة مرضى الإيدز في تونس؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والفئات المهمشة

الجمعة 28 أكتوبر 202203:38 م

تُلقي منال، نظرةً خاطفةً على النسخة التجريبية من منصة "سلامة"، وهي أول منصة رقمية في تونس للإرشاد والتوعية حول فيروس نقص المناعة البشري (الإيدز)، وكلها أمل بأن تتغير وضعية من يعايشون هذا المرض في بلدها وفي كل البلدان العربية.

يرافق منال (40 عاماً)، وهي متحدرة من محافظة بن عروس، فيروس نقص المناعة البشري "الإيدز"، منذ 13 عاماً، بعد أن انتقلت إليها العدوى في أثناء علاقة حميمة من دون وقاية، لتبدأ منذ تلك الفترة رحلة مقاومة المرض والوصم الاجتماعي معاً، أمّا رحلة البحث عن الأدوية فهي قصة أخرى.

منصة "سلامة" متوفرة بثلاث لغات وتهدف إلى تقديم الدعم النفسي والإرشاد لمرضى داء فقدان المناعة المكتسبة "الإيدز"

تقرّ السيدة الأربعينية في حديثها إلى رصيف22، بأن جهلها بمخاطر الأمراض المنقولة جنسياً، وعدم معرفتها بطرق الوقاية في أثناء القيام بعلاقة جنسية، هما السبب في إصابتها بمرض فيروس نقص المناعة البشري.

تعود محدثتنا إلى تصفّح منصة "سلامة" بإمعان، ثم تقول: "أعتقد أن المصابين بهذا المرض يحتاجون فعلاً إلى الدعم والإرشاد ويحتاجون إلى متابعة نفسية خاصة كي يتمكنوا من تجاوز معاناتهم اليومية مع الوصم الاجتماعي، وكي يحصلوا على العلاج لأن نبذ المجتمع لنا أخطر من المرض نفسه".

منصة "سلامة" للتوعية والإرشاد

يمتنع نصف حاملي فيروس نقص المناعة المكتسبة، عن تلقّي العلاج، إما خوفاً من الوصم الاجتماعي أو بسبب عدم معرفتهم بالمراكز والجهات التي تقدّم لهم الأدوية، وتوفر لهم العلاج بشكل مجاني.

وتُدرك منظمات المجتمع المدني في تونس، أن الوقت قد حان للتدخل لتوعية حاملي هذا الفيروس تجنّباً لتوسّع دائرة الإصابة بهذا المرض وتقديم نصائح حول أساليب انتقال العدوى والطرق المتاحة لتفاديها، خاصةً في ظل ارتفاع عدد المصابين سنةً تلو الأخرى.

ونهاية شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، أطلقت الجمعية التونسية للصحة الإنجابية أول منصة رقمية تفاعلية "سلامة"  التي تهدف إلى مكافحة مرض نقص المناعة المكتسبة والأمراض المنقولة جنسياً.

تؤكد رئيسة الجمعية التونسية للصحة الإنجابية، أرزاق خنيتش، أن منصّة "سلامة" الرقميّة ستمكّن الشباب والمهاجرين والرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال وعاملات الجنس ومتعاطي المخدرات، من الحصول على خدمات الصحة الجنسية بجانب خضوعهم لحصص علاج نفسي عبر المنصة، من دون الكشف عن هويتهم الحقيقية.

خمسة أطفال يولدون سنوياً في تونس، وهم يحملون فيروس "الإيدز"، بالرغم من أنه كان بالإمكان تجنّب إصابتهم بالعدوى في حال تمكّنت أمهاتهم من تلقّي العلاج والمتابعة الصحية

تضيف خنيتش، في حديثها إلى رصيف22، أن المنصة تُعنى أساساً بتعزيز الوقاية من التعفّنات المنقولة جنسياً بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشري "الإيدز"، والحد من انتقال الفيروس بين التونسيين من خلال توعية الشباب وإرشادهم.

تواصل حديثها قائلةً: "ستوفر المنصة الدعم للمتعايشين مع المرض، خصوصاً في ظل ضعف المنظومة العلاجية في تونس وتعرّض المتعايشين مع الفيروس للوصم والتمييز الاجتماعيّين، ما يجعل وصولهم إلى الخدمات الصحية صعباً".

بحسب رئيسة الجمعية التونسية للصحة الإنجابية، فإن عشرات المصابين بفيروس نقص المناعة لا يعرفون أن بإمكانهم التعايش مع هذا المرض وإكمال حياتهم بشكل طبيعي لسنوات طويلة في حال تلقّوا العلاج بطريقة منتظمة واتّبعوا أسس الحماية الصحيحة.

تشير خنيتش، إلى أن خمسة أطفال يولدون سنوياً في تونس، وهم يحملون الفيروس، بالرغم من أنه كان بالإمكان تجنّب إصابتهم بالعدوى في حال تمكّنت أمهاتهم من تلقّي العلاج والمتابعة الصحية.

وتتوفر المنصة الرقمية بثلاث لغات، هي العربية والفرنسية والإنكليزية، وتمنح للمستخدمين فرصة طرح استفساراتهم وأسئلتهم على الأطباء والمختصين بطريقة سريّة تحفظ معطياتهم الشخصية وأسماءهم الحقيقة وهوياتهم.

كما تحتوي المنصة على معلومات ونصائح حول الصحة الجنسية والإنجابية والتعفنات المنقولة جنسياً، وتقدّم تعريفاً مبسطاً لمرض السيدا، ولفيروس نقص المناعة البشري، وكيفيّة العلاج منهما، وأهم المراكز التي يتوفر فيها الدعم العلاجي للمرضى، خصوصاً أن غالبيتهم تجهل الأماكن التي توفر لهم العلاج.

صعوبة الحصول على العلاج

تؤمّن تونس علاجاً مجانياً للمصابين بفيروس نقص المناعة البشرية داخل أقسام الأمراض الجرثومية في سبع محافظات من أصل 24 محافظةً، وهو ما يجعل عدداً كبيراً من حاملي الفيروس غير قادرين على التنقل لتلقّي العلاج.

تؤكد أسماء (اسم مستعار)، وهي متحدرة من محافظة سليانة، أنها تضطر إلى البقاء بلا علاج في بعض الأحيان، بسبب عدم قدرتها على التنقل بشكل دوري لإجراء فحوصات الدم والحصول على أدويتها.

أشعر بالوحدة ويقتلني التمييز والوصم الاجتماعي أكثر من المرض في حدّ ذاته، وما زاد من معاناتي هو غياب الأدوية في أحيان كثيرة. لا أحد يمكنه أن يشعر بمعاناتنا وخوفنا"

تصف أسماء التي اكتشفت إصابتها بالفيروس في2010،  رحلة حصولها على الأدوية المطلوبة بالمضنية والمتعبة، كما تؤكد أنها تعاني من التمييز، سواء داخل المركز الذي تتلقى فيه العلاج، أو في عائلتها والمحيط التي تعيش فيه.

تقول أيضاً: "أشعر بالوحدة ويقتلني التمييز والوصم الاجتماعي أكثر من المرض في حدّ ذاته، وما زاد من معاناتي هو غياب الأدوية في أحيان كثيرة. لا أحد يمكنه أن يشعر بمعاناتنا وخوفنا".

وجاء في تقرير نشرته مؤسسة "فريدريش إيبرت" حول حقوق الفئات الهشة وحرياتها زمن الأزمات الصحية والسياسية في تونس، أن المصابين بفيروس نقص المناعة (الإيدز) يعيشون تمييزاً اجتماعياً وإدارياً خطيراً خاصةً في المستشفيات.

وأوصى التقرير بضرورة العمل للقضاء على كافة أشكال التمييز والوصم ضد المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية في القانون وفي الممارسة، بما في ذلك على مستوى خدمات الرعاية الصحية وضمان الإمداد المستمر بمضادات الفيروسات القهرية وضمان الأمن الغذائي للمرضى.

وتخصص وزارة الصحة التونسية اعتمادات ماليةً تتراوح بين خمسة ملايين دولار وسبعة ملايين دولار لمرافقة المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية بجانب تلقّيها دعماً سنوياً من الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن 1،532 شخصاً يعالَجون من الفيروس خلال سنة 2021، في حين بلغ عدد المتعايشين معه سنة 2020، في تونس، نحو 4،500 حالة، منهم 51 في المئة فقط يعلمون بإصابتهم بهذا المرض، وهي أرقام تشكك في صحتها منظمات المجتمع المدني وتؤكد أن الأرقام أعلى بكثير.

يقرّ منسق البرنامج الوطني لمكافحة السيدا في إدارة الرعاية الصحية الأساسية في وزارة الصحة، سمير مقراني، أن الأرقام المقدمة غير دقيقة،  وأنه لا تتوفر لدى الوزارة أي معطيات بخصوص بقية المصابين في تونس الذين لا يعرفون أنهم مصابون أو لم يصرحوا بإصابتهم لدى المصالح الطبية، وهو ما يجعل  منصة "سلامة" جزءاً من مشروع يحاول دفع المصابين إلى الحديث عن مرضهم، والحصول على معلومات دقيقة لحماية صحتهم، وصحة ذويهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image