"نظرة المجتمع كفيلة لتشعرك بأنك منبوذ"، بهذه العبارة يصف أبو حسين، وهو اسم مستعار لمريض سعودي أصيب بفيروس نقص المناعة المكتسب HIV، شعوره عند احتكاكه بمجتمع محافظ لا يعلم الكثير عن هذا المرض.
أصيب أبو حسين بهذا الفيروس عندما كان يقضي إجازته في إحدى الدول الآسيوية، حيث أقام علاقة جنسية من دون وقاية. لم يعلم بإصابته إلا عندما أجرى الفحوص الطبية اللازمة لاستكمال إجراءات زواجه، وحينذاك اتهمه الجميع بأنه شخص منحرف لم يراعِ المحظورات الدينية. كانت تلك الحادثة سبباً في "توبته" وإطلاقه لحيته، إلا أنّ مجتمعه الصغير في مدينة جيزان، جنوب السعودية، ما زال يأبى أن ينظر إليه برحمة.
قصة أبو حسين واحدة من قصص كثيرة تكشف المعاناة النفسية لمرضى الإيدز في السعودية، لكون البعض يرفض التعامل معهم حالما يعلمون بإصابتهم. ويزداد الفضول حول أسباب الإصابة لأنّ الكثير من السعوديين يعزونها إلى "الوقوع في شباك الخطيئة" وبأن المصاب موسوم بالعار.
تختلف مأساة مرضى الإيدز في السعودية باختلاف المدن. فتتعامل المدن ذات الكثافة السكانية الأكبر، مع المرضى بوعي أفضل من القرى أو المدن الصغرى، لا سيما أنّ الوعي حيال هذا المرض يقلّ بشكل كبير في المجتمعات المنغلقة أو المعروفة بالمراكز القبلية. إلا أنّ الإصابة بمرض الإيدز ترتبط في أذهان السعوديين بالعقوبة الإلهية.
"أصبت بهذا الفيروس بسبب زوجي الذي اعتاد أن يتذرع بضرورة السفر لإتمام صفقات تجارية. أصيب بالمرض ونقله إلي، قبل أن يكتشف ذلك بمحض الصدفة عندما أراد التبرّع بالدم لأحد ذويه. تمّ تطليقي منه فوراً خوفاً من إنجاب طفل لا ذنب له سوى أن أباه كان طائشاً". هذه هي رواية أم عبد العزيز التي كانت محظوظة بعض الشيء باكتساب تعاطف ذويها حيال معاناتها. وعلى الرغم من طلاقها، تعايشت مع المرض، ونجحت في استكمال حياتها بشكل اعتيادي، والتحقت ببرنامج دراسات عليا في إحدى الجامعات السعودية.
انتشار المرض بالأرقام
وبحسب الإحصاءات الرسمية لتعداد مرضى الإيدز في السعودية، يصل عدد الحالات المكتشفة منذ بداية عام 1984 حتى نهاية عام 2013، إلى 20539 حالة، منها 5890 سعودياً و14649 غير سعودي. وارتفعت وتيرة الحالات المكتشفة بين السعوديين لعام 2013، بمعدل 26% مقارنة بالحالات المكتشفة عام 2012.
وبلغت نسبة الرجال إلى النساء وسط الحالات المكتشفة والمسجلة بين السعوديين خلال عام 2013، 5 إلى 1 تقريباً، وتشكل الفئة العمرية المصابة بالأيدز من السعوديين المكتشفين عام 2013، من 15 إلى 49 عاماً بواقع 79%، و428 حالة من أصل 542.
علماً أن أكثر الطرق التي تُسهم في انتقال فيروس الأيدز بين السعوديين المكتشفين لعام 2013، هي العلاقات الجنسية بواقع 510 حالات من أصل 542، تليها نسبة تعاطي المخدرات بالحقن بعدد 16 حالة، ثم انتقال العدوى من الأم إلى الجنين بما يعادل 11 حالة، وذلك بحسب المشرف العام على مركز الأمير سلمان لأمراض الكلى الدكتور محمد العومي.
انفتاح رسمي لا يريح المواطنين
تتكفل الدولة برعاية المرضى من خلال وزارة الصحة التي تحاول حصر علاجهم بالمستشفيات الحكومية التي تحتوي على أقسام خاصة بالأمراض الوبائية. إلا أن قرار إغلاق مستشفى الملك سعود الذي كان يعالج المرضى منذ وقت طويل وتحويل ملفاتهم إلى مستشفى آخر، أطلق العنان لمخاوف المرضى حيال إمكان تسرب أسمائهم أو ضياع ملفاتهم.
وقد وجد أكثر من 3000 مصاب بمرض "الإيدز" أنفسهم ممنوعين من الدخول إلى قسم الطوارئ في مستشفى الملك سعود، شمالي جدة، وذلك بعد صدور قرار من وزارة الصحة، يقضي بالاستغناء عن خدمات المستشفى، وإحالة جميع الحالات، سواء مرضى الإيدز أو الدرن وحتى الحالات الأخرى، إلى مستشفى شرق جدة، بهدف تعزيز التوجه العالمي بدمج المصابين بالإيدز في المجتمع، والتعامل معهم بشكل متساوٍ من حيث توفير العلاج والمتابعة الصحية في المستشفيات العامة التي تؤمن جميع الخدمات الطبية بدون الحاجة إلى عزلهم، كما جرت العادة.
إلا أن هاجس الخوف من سوء توزيع ملفات المرضى إلى مستشفيات أخرى قد لا تتوفر فيها الخصوصية الطبية، دفع العديد من المرضى للاحتجاج على القرار، وهذا ما أكّده لرصيف22 أحد المرضى، الذي رفض الإفصاح عن اسمه، قائلاً إنّ "هذا القرار أزعج العديد من المرضى لا سيما المريضات اللواتي يخشين من تسرب أسمائهن، برغم طمأنة المسؤولين لهن بالحفاظ على الخصوصية".
وقد أوجدت الدولة جمعية السعودية الخيرية لمرضى الإيدز كأول مؤسسة مدنية تتولى رعاية المرضى والدفع بهم إلى مخالطة المجتمع بدون خوف، وإزالة وصمة العار عنهم، إضافة إلى رفع الوعي المجتمعي حول مرض الإيدز وتطبيق البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز الذي يهدف إلى تقديم الرعاية المتكاملة للمرضى في مختلف المدن السعودية عبر مكاتب الوحدة الصحية التي افتححت في أنحاء البلاد.
يشير الدكتور أسامة المتبولي إلى أنّ "أكثر ما يؤذي نفسية مريض الإيدز شعوره بأنه مقبل على الموت. وهنا يأتي دور المجتمع في دعمه والوقوف بجانبه لا سيما أنّ الكثير من المرضى تماثلوا للشفاء حالما أيقنوا أنّ المرض لا يعني أن الحياة توقفت".
قد يكون مرض الإيدز عبئاً على المرضى السعوديين، إلا أنّه يشكّل معاناة أيضاً للأجانب المقيمين في السعودية. ففور اكتشافهم بأنهم مصابون بالإيدز، لا تتوانى الجهات الرسمية المختصة عن ترحيلهم. علماً أنّ المقيمين الأجانب مجبرون على إجراء فحوص مخبرية عند تجديد إقاماتهم، ولا تتحمّل الدولة السعودية أعباء علاجهم المخصص للسعوديين دون سواهم.
نشر هذا الموضوع على الموقع في 21.05.2015
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع