العمال الوافدون ضروريون لتشغيل أكثر من 700 قاعدة عسكرية أمريكية حول العالم. تتضمن مهامهم تقديم الطعام وتنظيف الثكنات.
يكشف هذا التحقيق وجود انتهاكات بحقوق العمال من قبل بعض الشركات المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، واستمرار حصول هذه الشركات على عقود بملايين الدولارات بالرغم من الانتهاكات، خلافاً للسياسات والقوانين الأمريكية.
أنتجت "إن بي سي نيوز" NBC News هذا التحقيق، الذي ينشر هنا بنسخته العربية، بالشراكة مع أريج - إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية، والاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ)، وصحيفة "واشنطن بوست" Washington Post.
************
اعتقد عبد الله أن فرصة العمر جاءته.
بعد معاناة لإيجاد فرصة عمل في وطنه، بنغلادش، يقول عبد الله إن مسؤول توظيف عرض عليه فرصة عمل في مطعم يبعد آلاف الأميال، في مدينة الكويت، مقابل ما يعادل 660 دولاراً أمريكياً في الشهر.
كان هناك عائق، فعليه أن يدفع رسوماً باهظة (حوالي 10,250 دولاراً)، ولكنه رأى أن الأمر يستحق. عندها، يقول إن والدته استطاعت أن تحصل على قرض لتغطية هذه الرسوم، وبعدها سافر عبد الله إلى الكويت في كانون الثاني/ يناير 2016. كان عمره وقتها 21 عاماً.
يقول عبد الله إن الوعود تبخرت عند وصوله إلى الكويت.
لم يذهب للعمل في مطعم، بل يقول إن شركة التميمي (Tamimi Global Co) التي وظفته، أرسلته إلى "معسكر بيوري" في الكويت، حيث توجد القاعدة العسكرية الأمريكية، ليقوم بمهام غسل الصحون. يقول عبد الله إن الراتب الشهري كان 260 دولاراً، أي أقل من نصف الراتب المتفق عليه. وفي المعسكر، كان يقضي 12 ساعة في العمل يومياً، من دون إجازات، طوال نحو ثلاث سنوات قضاها هناك.
عبد الله، الذي نحتفظ باسمه الحقيقي حتى لا يواجه عواقب سلبية، وقّع على عقد وسلّم جواز سفره.
الأمر نفسه تكرر مع نحو 400 عامل، كما يقول عبد الله. "ما الذي يمكننا أن نفعله؟" يتساءل. "اشتقت إلى أمي، وكانت تنتابني حالة بكاء يومياً".
عبد الله واحد من آلاف العمال الذين يزعمون أنهم تعرضوا للإتجار غير المشروع بالعمالة على يد شركات خاصة تعمل في قواعد عسكرية أمريكية، حيث تقاضَى العمال رواتب أقل مما وُعدوا به، ودفعوا رسوم توظيف ليصبحوا مثقلين بالديون، ووُضعوا تحت ضغط للتوقيع على عقود غير عادلة، فضلاً عن عملهم هناك لساعات طويلة، وفق تقارير حكومية أمريكية. كما تعرض بعضهم لإيذاء جسدي.
أجرت "إن بي سي نيوز"، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ)، وصحيفة "واشنطن بوست"، وإعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)، لقاءات مع أكثر من 40 موظفاً حالياً وسابقاً، لشركات متعاقدة لتقديم خدمات في القواعد العسكرية الأمريكية. فحصت "إن بي سي نيوز" آلاف الصفحات من شهادات الكونغرس، وتقارير وزارتي العدل والدفاع، وملفات هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، وغيرها من المستندات، لتكشف في النهاية عن الشركات المتهمة في الإتجار بالعمال، والشركات التي أدينت بالفعل.
وبناء على هذه الوثائق، توصلت "إن بي سي نيوز" إلى غياب الشفافية في ما يخص استعداد البنتاغون لإطلاع الرأي العام على الاستغلال المزعوم الذي يتعرض له العمال على أيدي شركات متعاقدة مع البنتاغون يُدفع لها من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، بالإضافة إلى غياب مشاركة مسؤولي البنتاغون في ما بينهم أو مع وكالات أخرى المعلومات المتعلقة بشركات ذات سجل مخز في شأن الإتجار بالعمال.
من 2017 وحتى 2021، اتخذ الجيش الأمريكي إجراءات بشأن 176 حادثة انتهاك عمالي ارتكبها متعاقدون مع الجيش بشكل مباشر أو غير مباشر، وفقاً لسجلات وزارة الخارجية الأمريكية التي راجعتها "إن بي سي نيوز"، إضافة إلى انتهاكات مثبتة تعرّض لها أكثر من 900 عامل في السنة المالية 2020 وحدها، وفق وزارة العدل.
ورغم أن هذه المعلومات من المفترض أن تكون منشورة علناً، لم يكشف البنتاغون عن أسماء المتعاقدين الذين ارتكبوا انتهاكات لـ "إن بي سي نيوز"، بالرغم من تقديم عدة طلبات بموجب قانون حرية الحصول على المعلومات.
وتنص القوانين واللوائح الفدرالية على ضرورة إدراج أسماء الشركات ومعلومات عن الانتهاكات المرتكبة في قاعدة بيانات التعاقدات. وأفاد مكتب المحاسبة الحكومي (GAO) العام الماضي، بأن مسؤولي تعاقدات الجيش لم يدخلوا بيانات الانتهاكات إلى قاعدة البيانات.
وقال المكتب أيضاً إن المفتشين العموميين للجيش والبنتاغون لم يبلغوا عن نتائج تحقيقاتهم في شأن الإتجار بالعمال، وإن البنتاغون تساهل في الإشارة إلى الشركات التي قامت بانتهاكات تتعلق بالإتجار بالعمال. فمسؤولو الجيش لم ينتبهوا، طوال الأعوام الستة الماضية على الأقل، إلى شركة واحدة تعرّض عمالها لانتهاكات.
يعني هذا أن الحكومة الأمريكية تفتقر إلى الشفافية خارجياً وداخلياً، نتيجة عدم مشاركة مسؤولي البنتاغون المعلومات سواء في ما بينهم أو مع الوكالات الأخرى، الأمر الذي أدى إلى أن موظفي التعاقدات ربما لم يعلموا أنهم يمنحون تعاقدات جديدة لشركات ارتكبت مخالفات سابقة.
واستمرت هذه الشركات في الحصول على عقود. فوفق تحليل "إن بي سي نيوز"، حصلت على الأقل 10 شركات ارتكبت انتهاكات إتجار بالعمالة موثقة، على عقود حكومية تبلغ قيمتها مليارات الدولارات منذ عام 2007.
طريقة التعامل (مع العمال) تتماثل مع ما قد يسميه البعض اليوم بعبودية العصر الحديث
تقول لاتيشا لوف، مديرة فريق الشؤون الدولية والتجارة في مكتب المحاسبة الحكومي الذي حقق في العديد من حالات الإتجار بالعمال في قواعد الجيش الأمريكي: "من المرجح أن أموال دافعي الضرائب تذهب لدعم العمل القسري والإتجار بالبشر، وهذا غير مقبول"، وتضيف: "طريقة التعامل (مع العمال) تتماثل مع ما قد يسميه البعض اليوم بعبودية العصر الحديث".
"التميمي"، الشركة التي كان يعمل فيها عبد الله، قالت إنه لا يمكنها التعليق على "عموميات أطلقها موظفون سابقون، أو على أي قضايا ما زالت جارية". وأضافت الشركة أنها "شركة ممتازة تهتم بعمق بموظفيها".
عبد الله لا يزال في الكويت، ولكنه لا يعمل لدى الشركة في قاعدة عسكرية.
"تدافع جنوني"
وجود عمال أجانب أمر ضروري للعمل في أكثر من 700 قاعدة عسكرية فيها قوات تديرها الولايات المتحدة حول العالم، وهم في الغالب يقومون بأعمال متواضعة، مثل: تقديم الطعام في مطاعم الثكنات وتنظيف الثكنات وحراستها. في كثير من الأحيان، يفد العمال من بلاد أخرى للعمل في هذه القواعد، فهم يُنقلون من بلاد تتوفر فيها فرص عمل أقل، مثل بنغلادش ونيبال والهند والفيليبين.
في الفترة ما بين نيسان/ أبريل وحزيران/ يونيو فقط، أفادت القيادة المركزية الأمريكية التي لديها قوات بنحو 100 قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط، من ضمنها قواعد في العراق والكويت والسعودية، بأن الشركات المتعاقدة معها وظفت نحو 20,300 عامل، ما يقرب من تسعة آلاف منهم قادمون من بلاد أخرى. هؤلاء العمال يتقاضون رواتب أقل، حسبما يقول خبراء.
وتزايد عدد العمال الأجانب خلال العقدين الماضيين لأسباب يتعلق بعضها بالحروب في أفغانستان والعراق.
يقول آدم مور، الأستاذ في جامعة كاليفورنيا، في لوس أنجلوس، ومؤلف كتاب عن اعتماد أمريكا على العمالة الأجنبية في قواعدها العسكرية: "وقتها كان هناك تدافع جنوني، وحاجة كبيرة إلى العمالة لم تكن متوقعة، ما أنشأ هناك نظام التعاقد غير المباشر، والخارج عن السيطرة".
وإنْ كان عدد القوات الأمريكية القتالية في الشرق الأوسط أقل الآن عما كان عليه في الماضي، إلا أن الآلاف من القوات والمدنيين ما زالوا يجندون ويعملون في هذه القواعد في منطقة الشرق الأوسط وفي إفريقيا. وهناك أيضاً أعداد متزايدة من القوات الأمريكية التي تخدم في أوروبا وفي منطقة الخليج الهندي.
ومن الشركات التي استمرت في الحصول على أعمال في القواعد العسكرية الأمريكية، رغم انتهاكاتها السابقة والمثبتة باتفاقية الامتثال المبرمة مع الجيش، شركة التميمي التي وظفت عبد الله.
منذ 2007، حصلت الشركة على عقود بقيمة 277 مليون دولار. شركة التميمي (مقرها السعودية)، لديها عقد سارٍ مع وزارة الدفاع الأمريكية بقيمة لا تقل عن 10.1 ملايين دولار، تقوم بموجبه بإرسال الطعام إلى المنشآت العسكرية الأمريكية.
وقد أدانت محكمة فدرالية مديراً سابقاً في الشركة في العام 2006 بتلقي رشاوٍ. وفي 2009 أدين بالعبث بالشهود. ودفعت "التميمي" غرامة قدرها 13 مليون دولار في أيلول/ سبتمبر 2011 بسبب تلقي رُشا في إطار اتفاق ادعاء فدرالي مؤجل.
وبسبب ارتكابها مخالفات، وقّعت "التميمي" على اتفاقية امتثال إداري في تموز/ يوليو 2017، على الرغم من أن الجيش قال إن لديه "أساس قانوني متين" لمنع التميمي من الحصول على عقود في المستقبل.
عملت لاغريس روبرتس هارفي (59 عاماً) موظفة تعاقد مدني في الجيش الأمريكي في الكويت في الفترة ما بين 2015 و2018. وفي يوم من أيام عام 2016، زارت الثكنات التي تأوي موظفي التميمي العاملين في معسكر بيوري، وهي قاعدة غالباً ما تستخدمها القوات الأمريكية المتجهة إلى العراق. وتقول إنها وجدت عمالاً أفادوا بحصولهم على قروض باهظة لدفع رسوم التوظيف.
وتضيف: "هناك رجال بالغون يبكون لعدم امتلاكهم أموالاً يرسلونها إلى عائلاتهم".
هناك رجال بالغون يبكون لعدم امتلاكهم أموالاً يرسلونها إلى عائلاتهم
وتقول إنهم كانوا يشكون من ساعات عملهم التي تصل إلى 12 ساعة يومياً على مدار سبعة أيام في الأسبوع، فضلاً عن سحب جوازات السفر منهم.
بدأت روبرتس هارفي في فحص ظروف معيشتهم، وأجرت حوارات عديدة مع عمال. وتنقل أن المعسكر كان مكتظاً، وعندما كان يسمع موظفو التميمي أنها قادمة للتفتيش، كانت الشركة تخفي الأسرّة على السطح لتظهر أن الإشغالات أقل داخل الثكنات.
تضيف: "عرض البعض منهم صوراً تظهر تعرضهم للإيذاء الجسدي، فهناك علامات على مناطق في أجسادهم وكأنهم تعرضوا للضرب"، وتتابع أن "بعض العمال تعرضوا للدغات بق الفراش، وكبائن الاستحمام كانت بحاجة للتنظيف، وبعض دورات المياه والاستحمام لم تكن صالحة للاستخدام".
فقدت روبرتس هارفي وظيفتها بعد توجيه الحكومة اتهامات إليها بتلقي هدايا بشكل غير لائق مقابل تقديم خدمات، وهي التهم التي تنكرها هارفي، معتقدة أنها طردت بسبب إبلاغها عن مخاوفها المتعلقة بشركة التميمي. أيد مجلس شؤون الموظفين الحكوميين فصلها. لكنها حالياً تستأنف القرار، زاعمة بأنها عوقبت لإبلاغها عن المخالفات.
ونفت التميمي في خطاب، ارتكابها انتهاكات متعلقة بالإتجار في العمالة لسنوات.
ورفضت التميمي التعليق على تصريحات عمالها السابقين لـ"إن بي سي نيوز". ووصفت اتفاقية الامتثال المبرمة مع الجيش بأنها تستند إلى أحداث مرت عليها سنوات. وقالت الشركة إنها "تسعى للامتثال التام" لقواعد التعاقدات العسكرية. وإنها "تفخر بشراكة عمرها 32 عاماً مع الشركات الأمريكية وحكومة الولايات المتحدة".
وأضافت أنها تفخر بعملها مع الجيش الأمريكي في تقديم أكثر من 600 مليون وجبة على مدار عقدين، وقالت إنها أوصلت الطعام إلى القوات الأمريكية في مدينة الفلوجة العراقية التي دمرتها المعارك، في الوقت الذي رفضت شركات أخرى القيام بذلك.
وعزت النزاع الدائر حول الأجور إلى "تفسيرات مختلفة" للوائح الحد الأدنى للأجور في الكويت، وقالت إنها كانت سابقاً تستلم جوازات سفر العمال "للحفاظ عليها"، لكن الشركة لم يعد لديها هذه السياسة. وأكدت أنها تتخذ إجراءات ضد العمال الذين يدفعون رسوم توظيف، ولكن لم تردّ على الأسئلة عن الرسوم التي دفعت في الماضي.
وقالت الشركة إنها تلقت في 2016 أوامر لتحسين الظروف المعيشية للعمال. وفي حملات التفتيش التي أجريت في 2018 تبين أنها امتثلت لهذا، مضيفة أن الأسرّة التي ذكرتها روبرتس هارفي فوق السطح، وضعت هناك لاستخدام حرارة الصحراء في قتل بق الفراش.
"سياسة عدم التسامح مطلقاً"
كرست الحكومة الأمريكية الوقت والموارد لمكافحة الإتجار بالبشر. وأصدرت مرسومين رئاسيين وعدداً من القوانين واللوائح، وأكدت على انتهاجها "سياسة عدم التسامح مطلقاً" في هذا الشأن. وشكلت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) مكتباً لمكافحة الإتجار بالبشر. كما يحقق المحققون الجنائيون وموظفو التعاقدات التابعون للبنتاغون في مزاعم الإتجار بالبشر.
لكن وفق مراجعة أجراها المفتش العام في وزارة الدفاع في عام 2019، فإن الرقابة ضعيفة.
على مدى السنوات الخمس الماضية، أحالت وزارة الدفاع قضية واحدة تتعلق بالإتجار بالبشر إلى وزارة العدل لاتخاذ الإجراءات القضائية. وحظرت -على الأقل- سبع شركات من المتعاقدين مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، وفق تقارير وزارة الخارجية. ولكن في ما يخص أغلب حالات الإتجار بالعمال المثبتة التي يبلغ عددها 176 حالة، اقتصر الأمر على اتخاذ إجراءات إدارية تتضمن تكثيف الإشراف.
وما زال مكتب المحاسبة يقر بأن ثقافة التخبط واللامبالاة تسود في ما يخص تعامل وزارة الدفاع مع ملف الإتجار بالبشر، فبعض موظفي التعاقد في الجيش والبحرية لا يعرفون حتى مسؤولياتهم إزاء منع الإتجار بالبشر، وفق مكتب المحاسبة الحكومي.
تقول لاتيشا لوف، مديرة فريق الشؤون الدولية والتجارة في مكتب المحاسبة: "إنْ لم تبحث عنه، لن تجده في الغالب".
في الواقع، تتضمن اتفاقية الامتثال الإداري بين التميمي والجيش، والتي حصل عليها مشروع الرقابة على الحكومة، بنداً يحظر نشر التقارير المتعلقة بالشركة، حتى بموجب قانون حرية الحصول على المعلومات.
هذه السرية التي يفرضها البنتاغون على الانتهاكات المتعلقة بالإتجار بالبشر تُصعِّب عمل المحامين، وكل مَن يسعى إلى مساعدة العمال الأجانب في القواعد العسكرية، خاصة في الشرق الأوسط، يقول وليام جويس، المدير الإقليمي لمنتدى المهاجر في آسيا (Migrant Forum in Asia)، وهي منظمة تعمل كمظلة تشمل محامين ورجال دين وآخرين يسعون لمساعدة نحو 25 ألف عامل يواجهون خطر الإتجار بالعمالة في الشرق الأوسط وآسيا سنوياً.
ويضيف جويس: "بسبب أطر السرية التي تفرض على الكثير من هذه الإجراءات، من الصعب تحديد وقائع الاستغلال".
وأعدّ المفتش العام في وزارة الدفاع تقريراً في عام 2019 عن شركة متعاقدة مع الوزارة وفّرت وجبات غذائية في الكويت. التقرير يشير إلى مذكرة للجيش ذُكر فيها أن الشركة المتعاقدة "كانت على دراية بفرض رسوم توظيف باهظة أدت إلى نشوء حالة من استعباد موظفيها". مذكرة الجيش أشارت أيضاً إلى أن "مساكن العمال التي وفرتها (الشركة) لم تتوفر فيها مياه صالحة للشرب، ولم تكن نظيفة، وكانت مليئة ببق الفراش". لكن تقرير المفتش العام لم يذكر اسم الشركة المتعاقدة.
وتقول الكوماندر نيكول شويغمان، المتحدثة باسم البنتاغون: "تدعم وزارة الدفاع سياسة عدم التسامح مطلقاً مع الإتجار في البشر، وتستمر بالعمل بدأب على مكافحة الإتجار بالبشر، لأن هذه الأفعال تنتهك حقوق الإنسان وتضر بمهمة الأمن القومي التي نتولاها".
وفي تصريح، قال متحدث باسم الجيش: "يمثل منع الإتجار بالبشر أولوية قصوى بالنسبة إلينا، ولا نتوانى في التحقيق الجاد في كل حالة انتهاك مزعومة لنتأكد من الامتثال للقوانين المعمول بها"، مضيفاً أن الجيش "لا يمكنه أن يناقش المزاعم الحالية، أو التحقيقات والقضايا الجارية"، ولكن عند التعاقدات الجديدة، يُنظر في سجل الشركة السابق، قبل إرساء التعاقدات، ويخضع الموظفون المدنيون في الجيش والجنود ومسؤولو التعاقدات لتدريبات متخصصة تمكّنهم من تمييز حالات الإتجار بالعمالة.
وقال المتحدث الرسمي إن مسؤولي التعاقدات متواجدون في المواقع المشمولة بالتعاقد "لتحديد الأنشطة المشبوهة والإبلاغ الفوري عن المزاعم ذات المصداقية ليتم التحقيق فيها".
وتابع أن القيادة العسكرية المركزية المسؤولة عن الشرق الأوسط وأفغانستان (CENTCOM) "عززت خطط ضمان الجودة (للتعامل مع انتهاكات حقوق العمال المحتملة) على وجه الخصوص، بشكل مكثف بما في ذلك عمليات الإشراف"، وهذا ما حدث في الكويت عندما عيّن لواء الإسناد التعاقدي 408 التابع للجيش، مسؤولاً متخصصاً "لضمان الامتثال لكل القوانين المعمول بها في شأن الإتجار بالبشر".
"العمل في أجواء يكتنفها الخوف"
في الشرق الأوسط وأفغانستان مزاعم انتهاكات حقوق العمالة لا تزال مستمرة، حتى في ظل التغييرات التي طرأت على التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة.
ففي هذا العام، أقام 22 أوغندياً وظفتهم شركة الأمن الخاصة تريبل كانوبي (Triple Canopy)، الكائنة في ولاية فرجينيا الأمريكية، كحراس أمن في قاعدة العمليات المتقدمة - شراب (Shorab) في أفغانستان، دعوى قضائية في محكمة أمريكية ضد الشركة، بزعم انتهاكات تتعلق بالإتجار بالعمالة.
وقالوا في الدعوى إن جوازات السفر الخاصة بهم صودرت بشكل غير قانوني لمدة شهور، ما منعهم من المغادرة أو البحث عن عمل آخر. وقالوا إنهم واجهوا "مخاوف وتهديدات وأوضاع غير آمنة" من شركة تريبل كانوبي، تتضمن التهديد بالفصل من العمل.
وضمن المزاعم الأخرى، قالوا إنهم اعتُبروا متعاقدين مستقلين وليسوا موظفين بدوام كامل، على الرغم من أنهم يعملون لأيام طويلة من دون راحة، وهذا التمييز يعني أنهم غير مؤهلين للحصول على رعاية طبية، على الرغم من تعرضهم لهجمات متكررة من قبل مقاتلي طالبان، أدت إلى إصابة عدد من الحراس.
وقالوا إن مشرفاً على العمال أخبرهم أنهم يجب أن يشعروا "بحسن الحظ" لعملهم لصالح شركة تريبل كانوبي.
وأدعى العمال الـ22 عاملاً بأنهم طُردوا من العمل بشكل غير قانوني في كانون الأول/ ديسمبر بسبب تساؤلهم عن أسباب خصومات، يقولون إنها كانت غير مبررة، من مرتباتهم البالغة 500 دولار شهرياً.
استبعدت الشركة الادعاءات في المحكمة، مجادلة بأن العمال أوغنديون، وبالتالي لا يحق لهم رفع دعوى في محكمة فدرالية أمريكية. وما زالت القضية مستمرة. فيما لم تستجب "تريبل كانوبي" لطلب الرد.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تخضع فيها شركة تريبل كانوبي للمساءلة. فقد وجدت لجنة التعاقدات إبان الحرب في العراق وأفغانستان المكونة من مجلسي الكونغرس، قبل أكثر من عقد مضى، أن الشركة لم تمدّ رجال الأمن الأوغنديين بالملابس الثقيلة المناسبة أثناء خدمتهم في القاعدة العسكرية المتقدمة في العراق.
عمل الأوغندي عثمان كيمولي، (لم يكن جزءاً من الدعوى المقامة ضد شركة تريبل كانوبي) في الشركة في أفغانستان في 2019 و2020.
حصل العمال على مجموعة واحدة فقط من القفازات وقناع وجه واحد في اليوم خلال جائحة كورونا، رغم أن رجال الأمن يتولون مهمة تفتيش زوار المعسكر. "كنا نعمل بينما ينتابنا الخوف"، يقول أحدهم
أخبر كيمولي "إن بي سي نيوز" أنه كان يعمل لمدة 12 ساعة يومياً، ولكنه تقاضى راتب ثماني ساعات عمل فقط لمدة شهرين. وقال العامل البالغ من العمر 35 عاماً، إن العمال حصلوا على مجموعة واحدة فقط من القفازات وقناع وجه واحد في اليوم خلال جائحة كورونا، رغم أن رجال الأمن يتولون مهمة تفتيش زوار المعسكر. وأضاف: "كنا نعمل بينما ينتابنا الخوف".
وحصلت "تريبل كانوبي" على أكثر من 350 عقداً رئيسياً من الحكومة الفدرالية منذ عام 2007، بقيمة أربعة مليارات دولار، وهي حالياً متعاقدة مع البنتاغون ووزارة الأمن الداخلي.
يعمل سام مكاهون، المستشار السابق لمشتريات الجيش ومحامي الشركات المتعاقدة مع الجيش سابقاً، محامياً موكلاً عن الناجين من الإتجار بالعمالة، بمَن فيهم العمال الأوغنديون في دعوتهم ضد تريبل كانوبي.
وقال إن الجيش يتساهل في منع الإتجار بالعمالة، ويعتمد بكثرة على عمال بأجور قليلة لتشغيل قواعده العسكرية في الخارج. وأضاف: "نموذج العمل هذا لا يمكن أن يتماشى مع سياسة عدم التسامح مطلقاً (مع الإتجار). هو (نموذج) مؤسسي".
أبرمت شركة فيكتروس سيستمز (Vectrus Systems)، وهي شركة لوجستيات مقرها كولورادو سبرينغز، أكثر من 800 عقد بقيمة تزيد عن 17 مليار دولار منذ 2007. ومن ضمن هذه العقود، عقد تصل قيمته إلى 37.8 مليون دولار، لتوفير خدمات التدبير المنزلي للجيش الأمريكي في السعودية.
ورفع عدد من الموظفين السابقين في شركة فيكتروس دعوى قضائية ضد الشركة في عام 2015، زاعمين أنهم واجهوا انتقاماً وطردوا بشكل غير قانوني، لأسباب من ضمنها الإبلاغ عن الإتجار بالعمالة في قاعدة العمليات المتقدمة العسكرية "شانك" في أفغانستان.
وحكمت محكمة فدرالية للمدعين بتعويض يبلغ أكثر من 1.5 مليون دولار، ورفض قاض فدرالي محاولة "فيكتروس" عقد محاكمة جديدة. وبعد الاستئناف، تمت تسوية القضية مقابل مبلغ لم يُكشف عنه. الشركة لم تعترف بارتكاب أية مخالفات.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تواجه فيها "فيكتروس" مثل هذه الادعاءات، فقبل ست سنوات، اتصل مشتكٍ مجهول بالخط الساخن لمكافحة الإتجار بالبشر في مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع، وادعى أن شركة متعاقدة من خلال شركة فيكتروس وظفت عمالاً بوعود كاذبة، وامتنعت عن دفع رواتبهم، وفق تقرير صادر عن وزارة العدل.
اتصل مشتكٍ مجهول بالخط الساخن لمكافحة الإتجار بالبشر في مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع، وادعى أن شركة متعاقدة من خلال شركة فيكتروس وظفت عمالاً بوعود كاذبة، وامتنعت عن دفع رواتبهم
أحيلت القضية إلى دائرة التحقيقات الجنائية التابعة لوزارة الدفاع، ولكن لم يتبين كيف تمت تسوية القضية.
وقالت فيكتروس في تصريح: "نحن نُقَدر كل العاملين، ونعاملهم بكرامة واحترام". وأضافت أنها تلتزم بقوانين العمل، وتطلب من الشركات المتعاقدة معها الالتزام بها أيضاً.
أبرمت شركة الأمن الخاصة أغيس غروب (Aegis Group) هي الأخرى العديد من التعاقدات مع البنتاغون، فقد حصلت على أكثر من 95 عقداً منذ العام 2011 بقيمة أكثر من 830 مليون دولار، خصصت أغلبها لتوظيف رجال أمن.
تحدث لوسامبو كريم، العامل الأوغندي الذي يبلغ من العمر 50 عاماً، لـ"إن بي سي نيوز" عن انتهاكات تعرّض لها عندما كان يعمل لشركة أغيس في أفغانستان في الفترة ما بين 2018 و2020.
ويقول كريم إنه دفع رسوم توظيف، وكان ينام في مبنى مهدم يفتقر لمكيف هواء رغم درجات الحرارة المرتفعة، وأُجبر على العمل من دون عقد، ما حال دون حصوله على رعاية صحية في منطقة حرب. يضيف: "كان الأمر مأساوياً، العمل في أفغانستان سيِّئ جداً جداً جداً".
جاردا وورلد (GardaWorld) التي تملك "أغيس" تقول إن كريم لم يفهم تفاصيل عقده على ما يرام، وإنه في ما بعد غادر عمله أثناء فترة دوامه.
البنتاغون يعرف عن حالة كريم.
ظهر كريم هذا الصيف في مقطع فيديو نُشر على موقع وزارة الدفاع. كان جزءاً من سلسلة بعنوان "أصوات الناجين من الإتجار بالبشر"، أعدها مكتب إدارة برنامج مكافحة الإتجار بالبشر، وهي إحدى الوكالات العسكرية الرئيسة التي تحاول الحد من الانتهاكات.
وكتبت الوكالة التابعة للبنتاغون في مقدمة السلسلة: "نحن ممتنون لهؤلاء الناجين الذين كرسوا وقتاً لمشاركة قصصهم".
ترجمت شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) هذا النص من نسخته الإنكليزية.
*****
- لمشاهدة تحقيق "إن بي سي نيوز" اضغط هنا
- لقراءة تحقيق "واشنطن بوست" حول الموضوع اضغط هنا
- تابع القضية على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال هاشتاغ TraffickingInc#
*****
ساهم في هذا التحقيق:
- كيتي ماكوا: صحافية مستقلة في المركز الدولي للصحافة الاستقصائية وصحيفة "واشنطن بوست".
- يوسف الشامري: صحافي مستقل يقيم في الكويت متعاون مع شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية (أريج).
ـ هدى عثمان: عضو هيئة تحرير في شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية (أريج).
- ياسمين الملا: صحافية مقيمة في الكويت متعاونة مع شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج).
- تانكا داكال: صحافي مقيم في نيبال متعاون مع شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج).
- ميلفن هرس: متدرب في الوحدة الاستقصائية لـ"إن بي سي نيوز".
- أوغستين أرمينداريز: صحافي بيانات في الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ).
- إيميليا دياز ستروك: محرر بيانات وباحث في الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ).
******
هذا التحقيق إنتاج مشترك بين إن بي سي نيوز والاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ) وصحيفة واشنطن بوست وإعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) وراديو WGBH بوسطن، والمركز الفيليبيني للصحافة الاستقصائية، وبرنامج التقارير الاستقصائية في جامعة كاليفورنيا، بركلي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون