شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الرحمة للأرحام الصغيرة... نزيف القاصرات لا يتوقف

الرحمة للأرحام الصغيرة... نزيف القاصرات لا يتوقف

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الأربعاء 12 أكتوبر 202212:27 م

زُوِّجت ناديا (16 عاماً) من رجل في منتصف عقده الخامس دون أن يكون لديها الخيار بالرفض، تقول: "بكيت طول الليل لما عرفت الخبر، أصحابي كانوا بيقولولي ده أكبر من أبوكِ وعنده 3 عيال، هددت أني أرمي نفسي  في النيل، بس بدون فايدة، في الآخر تجوزت".
ناديا ليست الوحيدة بين بنات القرى أو في مصر التي لديها هذه القصة، كثيرات هن من تم الدفع بهن إلى الزواج فور إخراجهن من المدرسة، سواء في هذه القرية أو في المناطق المجاورة، فبحسب آخر مسح ديموغرافي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن 117 ألف في الفئة العمرية من 10 إلى 17 عاماً تزوجوا أو سبق لهم الزواج، وتعد محافظات الصعيد الأعلى نسبة في مصر. 

أرحام صغيرة

بناء على جولة ميدانية لرصيف22 يرصد هذا التحقيق انتشار زواج القاصرات في قرية الديابة وتبعاته الصحية على الفتيات، والتي تصل إلى النزيف الحاد والذي بدوره يؤدي الى الموت، من بين 20 فتاة تمت مقابلتهن تعرضت 17 منهن لمشكلات صحية تراوحت بين النزيف وإزالة الرحم.
المنسقة الأسرية لمؤسسة الحياة الأفضل صفاء صلاح التي عملت لأكثر من 10 سنوات مع سيدات القرى تقول لرصيف22: "العرف المتبع في قرى الجبل هو تزويج الفتيات من أعمار تبدأ من 13 و14 عاماً. المشكلات التى تواجه الفتيات أكبر من سنهن وثقافة الوالدين لا تستوعب حجم الأخطار التى تعاني منها الفتيات، وحتى وإن حدث وأقنعنا الأم بتغيير سلوكها وثقافتها تجاه ابنتها فلن نكون قادرين على إقناع الجدة التي هي مركز ومحور أي أسرة في القرية".
خبيرة... حتى وإن أقنعنا الأم بتغيير سلوكها وثقافتها تجاه ابنتها فلن نكون قادرين على إقناع الجدة التي هي مركز ومحور أي أسرة في القرية

وتشير إلى أن الوضع الاقتصادي وكبر حجم الأسر يجبران الكثير من الأهالي على تزويج الفتيات في أعمار مبكرة جداً، لكن الأمر الواقع على الفتاة فى هذا العمر الصغير ليس بالسهولة التى يتحدث عنها الأهل لدى تقرير مصير بناتهم.
تزوجت نورة في عمر الخامسة عشرة، وحملت فى نفس العام إذ بدأت قصتها مع النزيف المستمر، تقول والدتها: "غلبتنى مع الدكاترة لأنها حملت على طول، والرحم بتاعها مكنش قابل العيّل، قبل ما يكبر تروح منزلاه... ورتنى الويل".
الطبيب هاني يسي دكتور أمراض النساء فى المنيا كان قد حذر الفتاة ووالدتها من هذا الأمر بحسب ما صرح لرصيف22، وبأن رحمها غير جاهز لتقبل الجنين بعد، وإلا فقد تتدهور حالتها الصحية ويضطر الأطباء لإزالته، لكن هذه النصيحة لم تخفف من عذاب نورة التي عانت للإجهاض أكثر من مرة.

لا توثيق للزواج أو للمواليد

أما الممرضة في وحدة الديابة عبير عبد الرحمن فتقول لرصيف22: "نتفاجأ بصغر سن الفتيات اللواتي ينجبن مبكراً، وعند قدومهن للوحدة مع أطفالهن لا نملك أن نعطيهم أية تطعيمات أو جرع لأن ذلك يتم من خلال شهادة ميلاد الطفل وبوثيقة الزواج، وفى الغالب لا تمتلك الفتيات أية أوراق أو إثباتات من هذا النوع، فيحرم الأبناء من كل حقوق الرعاية الصحية".
بناء على جولة ميدانية لرصيف22 يرصد هذا التحقيق انتشار زواج القاصرات في قرية الديابة وتبعاته الصحية على الفتيات، والتي تصل إلى النزيف الحاد والذي بدوره يؤدي الى الموت، من بين 20 فتاة تمت مقابلتهن تعرضت 17 منهن لمشكلات صحية تراوحت بين النزيف وإزالة الرحم

بين العشرين فتاة اللواتي تحدث إليهن رصيف22، تزوجت ستة منهن دون الرابعة عشرة، وتسعة في دون السادسة عشرة، وخمسة دون الثامنة عشرة. اللافت أن أكثر من نصف آباء الفتيات اللواتي تم تزويجهن وهنّ قاصرات أمّيات، بينما ترتفع نسبة الأمية بين الأمهات لتتجاوز الـ90%.
من جهته يشير القائم بأعمال مدير مدرسة الديابة السابق توفيق محمد لعلاقة ثقافة الزواج المبكر بالتقليل من أهمية التعليم للإناث، يقول لرصيف22: "تسرب الفتيات من المدارس يأتي على مرحلتين، الابتدائية أولاً، ثم الانقطاع الكامل في الإعدادية، إذ نادراً ما تكمل الفتاة تعليمها بعد هذه المرحلة".

مشاكل في القانون أم في إنفاذه؟  

يقول المحامي والمستشار القانوني محمد سيد عبد الغني لرصيف22: "غالباً ما يكون زواج الأطفال نتيجة لانعدام المساواة المتأصلة بين الجنسين، ما يجعل الفتيات يتأثرن على نحو غير متناسب بهذه الممارسة. على الصعيد العالمي، لا يمثل انتشار زواج الأطفال بين الأولاد سوى سُدس نسبته لدى الفتيات".
ويلفت إلى أن واحدة من المشكلات التى تترتب على قضايا زواج القاصرات أن الاهل لا يعمدون إلى توثيق الجانب المدني للزواج، فكل همهم تزويج البنت والتخلص منها، وطالما حدث القبول والإشهار لا تسعى العائلة إلى إثبات الزواج في المحكمة وفي القانون وفي الأحوال المدنية، مشيراً إلى المشاكل القانونية التي يتسبب بها غياب التوثيق والتي تطرأ بقوة في حال وفاة الأب أو الانفصال والطلاق بين الزوجين.
يضيف: "الخطوات المتبعة داخل القرى في عرف تزويج القاصرات هو أن الأهل يوقعون على شيكات ويضعونها عند المأذون أو من يمثل دور المأذون لحين إتمام السن القانونية للتوثيق"، وتوقيع الشيكات يكون لضمان الحد الأدنى لحقوق الزوجة القاصر، حيث يتم سحبها لاحقاً في حال إتمام التوثيق الرسمي للزواج.
الخطوات المتبعة داخل القرى في عرف تزويج القاصرات هو أن الأهل يوقعون على شيكات ويضعونها عند المأذون أو من يمثل دور المأذون لحين إتمام السن القانونية للتوثيق

في التشريعات المصرية تم تجريم تزويج القصّر بشكل صريح، فقد نصّت المادة 116 مكرر من قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008 على  مضاعفة العقوبة إذا ما وقعت الجريمة على طفل، أو إذا ارتكبها أحد والديه أو من له الولاية أو الوصاية عليه أو المسؤول عن ملاحظته وتربيته أو من له سلطة عليه".
كما نصّ قانون العقوبات المصري في المادة رقم 227 /1 منه على أنه: "يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد عن ثلاثمائة جنيه، كل من أبدى أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانوناً لضبط عقد الزواج أقوالاً يعلم أنها غير صحيحة، أو حرر أو قدم لها أوراقاً كذلك، متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أو الأوراق". حيث تقع العقوبة والغرامة على عاقدي الزواج.
وبحسب القانون "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مائتى ألف جنيه، كل من تزوج أو زوَّج ذكراً أو أنثى، لم يبلغ أى منهما ثماني عشرة سنة، وقت الزواج" كما يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تزيد على خمسين ألف جنيه، والعزل، كل مأذون أو موثق منتدب خالف نص المادة (2) من القانون، الخاصة بالإخطار عن واقعات الزواج العرفى الذى يكون أحد طرفيه طفلاً.
لكن رئيس شبكة حماية الطفل أحمد مصيلحي يرى أن الخلل في القانون حتى وإن بدا صارماً في منع زواج الأطفال، وفي حديثه لرصيف22 عن لجان حماية وإنقاذ الطفل يرى أنها غير مؤهلة للجوء إليها بسبب الخلل في القوانين.

يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تزيد على خمسين ألف جنيه، والعزل، كل مأذون أو موثق منتدب خالف نص المادة (2) من القانون، الخاصة بالإخطار عن واقعات الزواج العرفى الذى يكون أحد طرفيه طفلاً

وبحسبه فقد دربت الشبكة خلال السنوات الأخيرة عدداً من العاملين في وحدة حماية وإنقاذ الطفل فى وقت كانت المنيا أعلى المحافظات تسجيلاً للختان والزواج المبكر للإناث، وعمالة الأطفال للذكور، وقد تقدمت الشبكة بمشروع قانون الطفل لمجلس النواب ولم يتم التعامل معه حتى الآن بشكل جاد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image