في الأسبوع الأخير من شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، تلقّى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، تأكيدات من نظيره العراقي فؤاد حسين، في شأن استعداد بغداد لمحادثات جديدة بين الرياض وطهران من دون تحديد التاريخ المرتقب للجولة السادسة من المحادثات.
العرض العراقي جاء بعد أسبوع من تصريح لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، عبر قناة "العراقية الإخبارية"، على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أكّد فيه أنه "نجح في تقريب وجهات النظر بين إيران والسعودية، وأن استقرار المنطقة له انعكاسات إيجابية على الوضع في العراق".
محاولات التقارب بين السعودية وإيران خرقتها تهديدات جماعة الحوثي المدعومة من طهران، بعودة الحرب واستهداف شركات النفط المحلية والسعودية والإماراتية، وذلك بعدما وصلت الهدنة الأممية في اليمن إلى مفترق طرق مع انتهاء فترة تمديدها الأخيرة، مساء الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، عقب رفض الجماعة مقترحاً من المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ.
ففي تغريدة له عبر حسابه الرسمي على تويتر، قال المتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية، يحيى سريع، إن "الحوثيين يمنحون شركات النفط العاملة في البلدين فرصةً لترتيب أوضاعها"، لكنه لم يحدد مدةً معيّنةً للضربات المقبلة، ولا ما الذي يمكنهم القيام به ضد هذه الشركات.
محاولات التقارب بين السعودية وإيران خرقتها تهديدات جماعة الحوثي المدعومة من طهران، بعودة الحرب
عرقلة مسار المفاوضات؟
"لا أظن أن الحوار السعودي-الإيراني سينجح، أقلّه في المنظور القريب، بالرغم من كل الجهود التي يبذلها العراق، واللين الذي تعتمده السعودية لتخفيف منسوب التوترات في المنطقة، وطبعاً رغبة إيران في التقرّب من السعودية الذي يُعدّ بالنسبة إليها تقرّباً من العالم العربي الذي يكنّ في معظمه عداءً لطهران كونها تهدد أمن المنطقة وتتدخل في شؤونها"، يقول المحلل والباحث السياسي اليمني، الدكتور عبد الملك يوسفي، لرصيف22.
يعتقد اليوسفي أنّه "في حال اشتدّ الخناق على الحكومة الإيرانية من الداخل، بسبب الأحداث الأمنية والسياسية والاجتماعية التي تشهدها البلاد حالياً وخوف السلطة فعلياً من الخطرين الداخلي والخارجي، قد تتنازل عن عنجهيتها قليلاً وتميل إلى تخفيف الضغوط عنها"، مشيراً إلى أن تهديدات الحوثيين الأخيرة "لم تعد إلى الواجهة صدفةً في هذا التوقيت، بل إيران هي من دفعتهم لاستعادة لغة التهديد للضغط على السعودية، والإسراع في الحوار، أو ربما قبول شروط طهران، وحسب خبرتي فإن طهران تقوم بخطأ جسيم وتصوّب الرصاصة إلى جهتها في حال نفّذ الحوثي تهديده بقصف أي منشأة حيوية في السعودية أو في الإمارات".
ويختم بالقول: "المجتمع الدولي برمته يراقب تحركات إيران المقبلة، ويضعها تحت المجهر. الحكومة هناك متورطة في مشكلات كبيرة ولا أظن أنها في وقت يفسح لها المجال للتفرّغ لدعم الحوثيين".
تقدّم ملموس
مبادرات الحوار والتفاوض بين إيران والسعودية تحت رعاية عراقية، بدأت منذ نيسان/ أبريل 2021، لكنها لم تحقق تقدماً ملموساً على الأرض، وقد جرت خامس جولات هذه المفاوضات، في شهر آذار/ مارس الماضي، وحققت نتائج إيجابيةً حملت شيئاً من الأمل للوصول إلى اتفاق وحل نهائيين للنزاع الطويل.
وفي الأسابيع الأخيرة، طغى الخطاب الدبلوماسي الساعي إلى التصالح من قبل الإدارة الإيرانية مع السعودية، إذ وافقت الأولى على طلب الرياض إجراء اجتماع مباشر، وأعلن وزير الخارجية العراقي، في 23 تموز/ يوليو 2022، نية بلاده استضافة لقاء علني بين وزيري خارجية السعودية وإيران، في أقرب وقت، ولكن لم يتم تحديد الزمان، ولم يحصل هذا اللقاء وعاد فؤاد حسين للإعلان خلال مشاركته في الجمعية العمومية للأمم المتحدة الشهر الماضي، عن اجتماع مرتقب بين البلدين المتخاصمين سياسياً.
تتمسك السعودية وإيران باستمرار المفاوضات الثنائية، وحتى الساعة هناك رضا متبادل حول النتائج، والأمور تتجه نحو مفاوضات سياسية رفيعة المستوى، ستفضي إلى حل العديد من الخلافات
وفي آواخر شهر آب/ أغسطس الماضي، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، عقب اجتماعه مع وزير الخارجية العراقي، إن "إعادة بناء علاقات بلاده مع السعودية وتعزيزها يخدمان أمن المنطقة"، وأضاف أن "جولات الحوار الخمس بين البلدين بوساطة العراق كانت مفيدةً"، مشدداً على أنه "مع استكمال تنفيذ الاتفاقات السابقة سيُمهّد الطريق لتعزيز التفاعل بين الجانبين".
يقول المحلل والباحث السياسي السعودي، مبارك العاني، لرصيف22: "تتمسك السعودية وإيران باستمرار المفاوضات الثنائية، وحتى الساعة هناك رضا متبادل حول النتائج، والأمور تتجه نحو مفاوضات سياسية رفيعة المستوى، ستفضي إلى حل العديد من الخلافات حول العديد من القضايا المتنازع عليها بين الطرفين".
سجلّ الخلافات
وظهر الخلاف التاريخي السعودي-الإيراني، في العام 1980، واستمر حتى يومنا هذا، إذ بدأت شرارة العداوة بين البلدين خلال الحرب بين إيران والعراق، التي يُطلَق عليها "حرب الخليج الأولى"، في الفترة ما بين 1980 و1988. حينذاك، ساندت السعودية وحلفاؤها من دول الخليج العراق تحت حكم صدام حسين، كحصن ضد إيران الثورية، وفي العام 1988، قطع الملك فهد بن عبد العزيز العلاقات الرسمية مع إيران.
موجة الغضب والكراهية التي ازدادت عند الإيرانيين، كانت سنة 1987، حين قُتل أكثر من 400 شخص في مدينة مكة، عندما نظّم حجّاج إيرانيون مظاهرةً سياسيةً واشتبكوا مع قوات الأمن السعودي، ما أدى إلى ثلاث سنوات انقطعت خلالها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
يقال، وفق الإعلام السعودي، والعربي بشكل عام، إنّ رد الفعل العنيف من قبل السعودية في حق الحجّاج الإيرانيين، لم يكن رد فعل فجائي، أو من دون سبب، لأن إيران سبق أن تمادت عبر رعاياها على الأراضي السعودية.
السلطات السعودية اكتشفت في العام 1986، أن عدداً من الحجّاج الإيرانيين يخفون في حقائبهم مادةً شديدة الانفجار
وفي هذا السياق، ووفق تقرير وثائقي لقناة "بي بي سي عربي"، عرضته في العام 2016، فإن السلطات الأمنية السعودية اكتشفت في العام 1986، أن عدداً من الحجّاج الإيرانيين القادمين إلى مطار جدة، يخفون في حقائبهم مادةً شديدة الانفجار وتُعرف باسم الـ"سي فور C4"، وخلال تفتيش رجال الجمارك لـ95 حقيبةً، تم ضبط ما يعادل 51 كلغ من هذه المادة المتفجرة، وقد سُجّلت اعترافاتهم وبُثّت عبر التلفزيون السعودي.
وكانت العلاقة بين البلدين سيئةً جداً منذ العام 1980، وامتدت حتى العام 1997، حين تولّى الرئيس الإيراني محمد خاتمي سدة الحكم، وكان معروفاً باعتداله في فكره السياسي. آنذاك، تحسنت العلاقات وخفّت حدة التوترات نوعاً ما مقارنةً بما كانت عليه سابقاً.
استمر الأمر على هذا المنوال حتى العام 2005، مع انتخاب الرئيس أحمدي نجاد، الأكثر تشدداً من محمد خاتمي، رئيساً لإيران، فتراجعت العلاقات مع دول الخليج العربي، إذ إن "مرشدي نجاد" المتمثلين في الحرس الثوري الإيراني، صعد نجمهم مرةً أخرى.
وتمضي الخلافات الإيرانية-السعودية وتتنامى منذ عهد نجاد حتى اللحظة، ولعل أبرزها مسألة دعم الميليشيات، التي تعدّها السعودية، وليست وحدها في ذلك إنما المجتمع الدولي يشاركها ذلك أيضاً، خطراً كبيراً على المنطقة، وهي جماعة الحوثي في اليمن، والحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان. ناهيك عن ملف النووي الذي وحده يثير القلق والتوترات في الشرق الأوسط. فعن أي ملفات سيتم الحديث والتباحث؟
حاجة إيران
من وجهة نظر المحلل والباحث السعودي العناني، "هناك عناوين عريضة لملفات كبيرة لن يتم حلّها في المدى القريب، وهناك بعض الملفات التي يمكن معالجتها وإقفالها لكن يبقى عدد آخر يحتاج إلى وقت طويل في حال وصلنا إلى مفاوضات على مستوى أعلى من وزراء خارجية".
يضيف: "لنكن واقعيين وصريحين، يوجد انعدام ثقة بين البلدين حتى الساعة، لذا الذهاب إلى المفاوضات بشكل سريع ليس أمراً سهلاً، أقله بالنسبة إلينا في السعودية، لأن حكومتنا ترى أن طهران غير موضوعية في عدد من الملفات والخلافات، مثل موضوع الحوثي الذي لا يزال يهدد بلادنا، فالجانب الإيراني يفاوض على قضايا هامشية سطحية لا تثير اهتمام الرياض التي تبحث عن حل جذري لتهديدات الحوثي، وغيرها من التهديدات لميليشيات تدعمها إيران، وشرط السعودية الأساسي هو كفّ إيران يدها عن التدخل في الشأن العربي".
محرّك إيران الذي يدفعها للتسريع في عملية التفاوض، هو رغبتها في فك الخناق الاقتصادي عنها لأنها تعتقد أن حل خلافاتها مع السعودية سيعيد تدويرها وقبولها من قبل المجتمع الدولي
أبرز محطات الخلافات بين الرياض وطهران في الألفية الثالثة، والتي شهدت تصعيدات وتهديدات، كانت مع انطلاق "الربيع العربي" عام 2011. يومها ادّعت إيران، التي سُحقت فيها الحركة الاحتجاجية المطالبة بالديمقراطية قبل ذلك بعامين، أي في الـ2009، أن لها الفضل في إطلاق حركات إصلاحية في مختلف أنحاء العالم العربي، وهو الأمر الذي تعدّه الدول العربية والخليجية بشكل خاص تدخلاً سافراً في شؤون العرب.
ولكن لماذا تسعى إيران إلى المصالحة مع السعودية، وقبلها الإمارات؟ ولماذا هي الأكثر تقرباً أو إيجابيةً في اللجوء إلى النقاش والحوار بمسعى عراقي؟
يجيب العناني قائلاً: "محرّك إيران الذي يدفعها للتسريع في عملية التفاوض، هو رغبتها في فك الخناق الاقتصادي عنها لأنها تعتقد أن حل خلافاتها مع السعودية سيعيد تدويرها وقبولها من قبل المجتمع الدولي، ويسهّل عملية فك الحصار عنها، وتخفيف قدر كبير من العقوبات المفروضة عليها، نظراً إلى الدور الكبير الحيوي الذي تقوم به السعودية في العالمين الإسلامي والغربي وعلاقتها الممتازة مع دول الغرب، ولا ننسى أن السعودية عضوة في مجموعة العشرين، أي لها وزنها في العالم".
ويضيف: "إيران تدرك تماماً الدور الكبير للمملكة في المنطقة وخارجها، بمعنى أن السعودية مؤثرة في تحسين العلاقات الإيرانية مع الدول الأخرى، لذا هي تدرك أهميتها، لكن قبل المصالحات، هناك ملفات كبيرة يجب حلها جذرياً مثل ملف إيران النووي، لأن الرياض موقفها واضح من هذا الملف ولن تتراجع عن مطلبها بإخلاء المنطقة من أي سلاح نووي يهدد الأمن فيها".
تحولات المنطقة
فشل الأمن المستورد في تأمين حماية كاملة للأمن القومي العربي، والمنشآت الحيوية كالطاقة، ساهم بتدعيم سياق المصالحات
يقول الباحث في العلاقات الدولية الدكتور علي يحيى: "هناك ثلاثة عوامل رئيسية دفعت في اتجاه إطلاق وتكثيف شبكات مصالحات عربية-عربية، وعربية-إيرانية-تركية، هي فشل الأمن المستورد في تأمين حماية كاملة للأمن القومي العربي، والمنشآت الحيوية كالطاقة، وإعادة تموضع الولايات المتحدة باتجاه المحيطَين الهندي والهادئ عبر تحالفات أوكوس، ودفع المركز الغربي الرأسمالي باتجاه إعادة احتواء إيران عبر العودة إلى اتفاقية العمل المشتركة، حتى لو لم تنل رضا بعض دول الخليج".
وشكلت انطلاقة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وانتقال الاشتباك من الشرق الأوسط نحو الضفة الشرقية لأوروبا، انعطافةً عربيةً أخرى باتجاه روسيا، وذلك عبر الموقف الحيادي بين واشنطن وموسكو، وصولاً حتى قرار أوبك بلس الأخير، المعاكس لرغبة واشنطن في خفض الإنتاج مليونَي برميل يومياً، تتحمل روسيا والسعودية الجزء الأكبر منها بمعدل 526 برميلاً لكل منهما، بهدف رفع سعر البرميل إلى أكثر من 90 دولاراً، وهو ما يمكن أن يستفيد منه البلدان، بالإضافة إلى إيران، مقابل تضرر القارة الأوروبية التي تعاني من أزمة طاقة، فضلاً عن أن القرار يشكل ضربةً للديموقراطيين على أبواب الانتخابات النصفية الأمريكية. وفق يحيى.
ويرى أننا كمنطقة عربية، "أمام لحظات تحوّل عربية باتجاه الدبلوماسية الناعمة، في العلاقات الخارجية، بدل الدبلوماسية الخشنة، وهو ما نلمسه من خلال الحوار السعودي-الإيراني، الذي حقق أهدافاً معيّنةً، فالاشتباك الإعلامي لم يخبُ، إذ تموّل المملكة العربية السعودية قناة إيران إنترناشيونال المعارضة لإيران، والفاعلة جداً في الاحتجاجات الجارية حالياً، في حين تموّل إيران قناتَي نبأ واللؤلؤة المعارضتين للسعودية. وملف اليمن يُعدّ أهم الملفات الإشكالية التي لم ينضج حلها بعد، ومن هنا جاء إعلان سلطة صنعاء، رفضها تمديد الهدنة بسبب عدم الالتزام الكامل ببنودها، مرسلةً رسائل عسكريةً عبر عروض عسكرية ثلاثة، آخرها في الحديدة الساحلية والعاصمة صنعاء مع ما تضمنته من رسائل عسكرية بالغة الأهمية".
ويلفت يحيى إلى أنه "بالرغم من تجاوز إيران صدمات العقوبات، وتزايد صادراتها غير النفطية، بين 21 آذار/ مارس و21 آب/ أغسطس الماضيين، بنسبة 48 في المئة، مقارنةً بالفترة ذاتها من العام الماضي، وتتربع فيها الإمارات والعراق وتركيا على رأس الدول التي تم التصدير إليها. لكن عودة علاقات إيران مع السعودية، بالإضافة إلى مساهمتها في تخفيف التوترات، يمكن أن تساهم في فتح آفاق وعلاقات سياسية وأسواق استهلاكية جديدة لها في السعودية نفسها، وفي مصر، والمغرب، ودول أخرى".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون