شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
حينما دُعي للخليفة الفاطمي في مسجد المنصور... فتنة البساسيري في بغداد

حينما دُعي للخليفة الفاطمي في مسجد المنصور... فتنة البساسيري في بغداد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتاريخ

الثلاثاء 18 أكتوبر 202203:15 م

لسنواتٍ طويلة تنافست الدولتان الفاطمية والعباسية على خلافة المسلمين. في عصور نشأتها الأولى، حقّقت الدولة الفاطمية نجاحاتٍ متتالية على نظيرتها وعدوتها اللدود العباسية؛ اقتطعت منها مصر ثم الشام ثم بلاد الحجاز، ووصلت دعوتها إلى العراق ذاتها. لم يقتصر الأمر على هذا النحو، وإنما تمكّن قائدٌ موالٍ للفاطميين من الاستيلاء على بغداد ذات يوم، فطرد الخليفة منها، وحوّل عاصمته إلى مدينة تدين بالطاعة لخليفة مصر، مُعلنةً أكبر خطر شكّله الفاطميون على العباسيين، وهي التي عُرفت في كُتب التاريخ بـ"فتنة البساسيري".

من هو البساسيري؟

هو أرسلان مظفر بن عبدالله، أبو الحارث التركي، أما لقب "بساسيري" فهو مشتقُّ من مدينة "فسا" الفارسية.

هذا الرأي محل خلاف بين المؤرخين العرب والفرس، فبعض العرب ينكرون نسبة البساسيري إلى "فسا" باعتبار أنه اشتقاق غير مألوف وغير صحيح مهما كان الخبر عنه منتشرًا في كُتب المرويات.

وبالرغم من عددٍ من أمهات كتب التاريخ العربية أقرّت صحة هذه المعلومة، مثل المؤرّخ والفقيه أبو العباس القلقشندي -كان شافعي المذهب- في كتابه "صبح الأعشي في صناعة الإنشاء"، الذي ذكر أن البساسيري ينحدر من قرية "بسا" الفارسية.

لكن تقول الدكتورة نعمة الموسوي في بحثها "موقف البساسيري من الخلافة الفاطمية": هذه التسمية المتداولة بين علماء النسب والمؤرخين والباحثين بحاجة إلى شيءٍ من البحث الدقيق لاستجلاء حقيقة ارتباطها بالمدينة "فسا" أو غيرها، إذ لا تبدو مقنعة بما فيه الكفاية، فبمقتضى قواعد الاشتقاق والصرف كان يجب أن تكون التسمية المنسوبة لهذه المدينة (بسوي أو فسوي).

في المقابل، فإن باحثين فُرس فنّدوا تلك الشكوك العربية بأن اللقب ينقسم إلى مقطعين "بَسا" و"سيري"، الأول مشتق من اسم المدينة "فسا" (بسا)، أما "سيري" فهي نسبة للمكان، ليجري عليها ما جرى مع الكلمتين الفارسيتين "سردسيري" (سرد/سيري)، والتي تعني المنطقة ذات المناخ البارد، و"كَرْمسيري" (كَرْم/سيري)، وتعني المنطقة ذات المناخ الحار.

أوقع ابن المسلمة بين البساسيري والجنود الأتراك وحضّهم على الانتقام منه. فهجم الأتراك على منازل البساسيري في بغداد، ونهبوها واعتقلوا زوجته، وهو الأمر الذي أشعل غضب البساسيري فعبّر عنه شِعراً: "هم هدموا داري وجروا حليلتي/إلى سجنهم والمسلمون شهودهم"

كما يسعفنا الجانب الحكائي الفارسي من سيرة البساسيري فتطالعنا بالمزيد عن نشأته، فقيل إنه من عشائر الأكراد الذين كانوا يقيمون بالقرب من شيراز وفَسا. وهو ما لا تؤيده أيضاً المرويات العربية، فابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ" أبرز أخبارَ كيفية تمكّن البساسيري من الإيقاع بجماعات الأكراد الذين هاجموا بعض القرى، فلم يتورّع عن حربهم وقتلهم أجمعين دون أن تأخذه شفقةٌ بأقاربه على حدِّ الزعم الفارسي، فيما يؤكد ابن خلدون في تاريخِه أن أكثر أكراد بغداد لم يُساندوا البساسيري في حروبه داخل الدولة العباسية. فتبقى تلك المسألة محلّ تضارُب لم يُحسم بين الباحثين حتى الآن.

بعدها تتّحد الروايات في قصة تكاد تكون متطابقة لا خلاف فيها إلا في تفاصيل صغيرة؛ أصبح البساسيري مملوكاً لأحد التجار ومنه انتقل إلى معية بهاء الدولة بن عضد الدين بن بويه، أمير البوهيين في العراق، والآمر الناهي في بغداد حينها رغماً عن الخليفة الذي أسقط عنه الكثير من صلاحياته وصار مجرد رمز بلا صلاحية ولا عسكر يحمونه ويجبرون الأمراء على طاعته. 

بحسب حيدر ناظم عزوز في بحثه "حركة البساسيري"، فإن أقدم إشارة تاريخية ورد فيها ذِكر البساسيري، كانت حينما كان جزءاً من الصراع الذي نشب بين الأمراء المزيديين الذين عاشوا في أواسط العراق للاستيلاء على زعامة الدولة المزيدية. بعدها انتشرت الاضطرابات في غرب بغداد فأبدى البساسيري كفاءةً عسكرية كبيرة في قمع تلك "الفتن"، ووأدِها في مهدها فـ"ارتفع شأنه وطارت شهرته وزاد الاعتماد عليه في قيادة الجيش ومباشرة الحروب"، على حد وصف عزوز.

خادم مُخلص لبني بويه

بعدها، استمرَّ البساسيري قائداً عسكريّاً مخلصاً لبني بويه، وحقّق لهم الانتصارات الواحد تلو الآخر؛ قاتَل الأتراك والأكراد والعرب وقمع تمرداتهم جميعاً من أجل الحفاظ على العرش البويهي، وهو ما زاد من شهرته في أرجاء العالم الإسلامي.

يقول عزوز: "لم يعد مجرد رئيس فرقة، بل أصبح المتنفّذ المُطلق في شؤون العراق وطارت شهرته حتى خُطب لها على المنابر في العراق والأحواز، وجُبيت له الأموال وهابته الملوك وعظم أمره".

ووفقاً لما ذكرته نعمة الموسوي في بحثها "موقف البساسيري من الخلافة الفاطمية": "أصبح البساسيري المتنفذَ في كافة شؤون العراق، وصار يُشرف على بيت المال حتى لُقٍّب بـ(كافل الخلافة)".

الخليفة العباسي يستشعر الخطر

نتيجةً للشعبية المتنامية التي حصدها البساسيري استشعر الخليفةُ العباسي القائم بأمر الله ووزيره ابن المسلمة الخطرَ المتعاظم لذلك القائد العسكري الذي يكنُّ ولاءً مُطلقاً لبني بويه، وهو ما يجعل عداوته محتومة في المستقبل القريب.

ضاعف من هذه الخطورة هو أن البساسيري اتّبع مذهب أمرائه البوهييين وهو مذهب الشيعة الزيدية، ما قد يجعله أكثر ارتباطاً بالشيعة الفاطميين في مصر، الأعداء الألداء للسُلطة السُنية العباسية في بغداد.

في هذا الوقت، كان الصراع بين المعسكرين بلغ حدّاً كبيراً؛ فالدولة العباسية شكّكت في نسب الفاطميين علناً وأعلن علماؤها على رؤوس الأشهاد عدمَ أحقية حكّام القاهرة في الخلافة، أما الخلفاء الفاطميون فلم يخفوا مطامعَهم في انتزاع بغداد من العباسيين، وهو ما نستشفه من مقولة الخليفة الفاطمي المعز لدين الله لرسولٍ بيزنطيٍّ زاره في القاهرة: "أتذكُر إذ أتيتني وأنا في المهدية، فقلتُ لك لتدخلنَّ عليّ وأنا بمصر مالكٌ لها، وها أنا أقول لك لتدخلنَّ عليّ بغداد وأنا خليفة لها".

الدولة الفاطمية لم تكن راغبة في مغامرة عسكرية غير مضمونة النتائج لذلك لم ترغب في الصدام المباشر مع العباسيين، وإنما لجأت إلى نشر دعاتها في أنحاء العراق وفي قلب بغداد

لم يطمئن الوزير ابن المسلمة -وكان سنيًّا حنبليًّا- أبدًا لتعاظم نفوذ البساسيري فمضى في تحريض الخليفة ضده، وحاول استغلال أي فرصة لتحجيم قوته.

وكثيرًا ما جرى في بلاط الخليفة منازعات بين الرجلين؛ قال البساسيري للخليفة يوماً: "ما أشكو إلا من رئيس الرؤساء الذي خرّب البلاد وأطمع الغُز وكاتبهم"، فيما لم يكف ابن المسلمة عن الإعراب عن مخاوفه من سيطرة قائد شيعي على عاصمة الخلافة السُنية، كما اتهمه بأنه يُراسل الفاطميين سرّاً للتآمر على الخليفة العباسي.

تقول الموسوي، إن الكثير من الباحثين أشاروا إلى أن البساسيري لم يكن شيعياً في نشأته، وإنما تمذهب به اتساقاً مع الأجواء التي عاشها في حضرة البويهيين، أي أن الهوى الشيعي لم يكن متجذراً فيه وإنما كان طموحه السياسي هو الغالب، وبالتالي فإن معارضته للخليفة لم تكن من مُنطلقٍ ديني، ولكنه ببساطة كان يريد أن يحكم بدلاً منه.

اقتنع الخليفة برأي الوزير، وبدأ في التعامُل مع ذلك الخطر الجاثم على باب داره. سنة 446هـ (1054م) عقد القائم بأمر الله اجتماعاً مع عددٍ من الأمراء المعادين للبساسيري -أبرزهم أمير الموصل قريش بن بدران- لبحث كيفية مقاومته. بالرغم من السرية التي حاول الخليفة فرضها على ذلك الحدث، فإن البساسيري عرف واعتبرها إعلانَ حرب غيرَ مباشر من الخليفة، وقال للملأ من حوله: "هؤلاء وصاحبهم قريش بن بدران كبسوا حُللاً، ونهبوا وفتحوا البثوق وأسرفوا في هلاك الناس".

كذلك، أوقع ابن المسلمة بين البساسيري والجنود الأتراك وحضّهم على الانتقام منه. فهجم الأتراك على منازل البساسيري في بغداد، ونهبوها واعتقلوا زوجته، وهو الأمر الذي أشعل غضب البساسيري فعبّر عنه شِعراً: "هم هدموا داري وجروا حليلتي/إلى سجنهم والمسلمون شهودهم... منعوها أن تكوّر خمارها/فلله در الدهر كيف يعود".

السلاجقة في بغداد

ردّاً على تلك الاعتداءات أغار البساسيري على بعض مناطق بغداد كالأنبار، مُعلناً إسقاط طاعته للخليفة العباسي، واشتعلت الأجواء أكثر فأكثر بين الطرفين.

في خضم كل هذا كان الخليفة بلا حول ولا قوة إلا سُمعة دينية برّاقة يطمع الكثيرون في مدِّ الوصال معها. أدرك الوزير ابن المسلمة أن العباسيين لا طاقة لهم بالبساسيري وجنوده، فأرسل إلى السلاجقة يطلب منهم دخول البلاد.

وفي 447هـ (1055م) دخل السلاجقة بقيادة طغرلبك بغداد بعدما أرسل إلى الخليفة رسالة يبالغ بها في إظهار الطاعة والعبودية لشخص الخليفة العباسي ظِل الله في أرضه. احتفت النخبة العباسية بقدوم السلاجقة السُنة بدلاً من البويهيين الشيعة، وخرجوا في مواكبٍ كبيرة ضمّت ابن المسلمة وأصحاب المناصب وقاضي القضاة والجنود لاستقبال طغرلبك، الذي اعترف به الخليفة ومنحه صلاحية الحُكم في جميع أنحاء البلاد، وهكذا دخل العراق في دائرة النفوذ السلجوقي.

ومع هذا الطارئ الجديد، أيقن البساسيري أنه سيكون بحاجة إلى حليفٍ قوي فانسحب إلى "الرحبة" (تقع بالقرب من مدينة النجف)، وهناك جرى التواصل بينه وبين الخليفة الفاطمي لبحث إسقاط مُلك العباسيين ورفعِ الراية البيضاء المصرية على سور بغداد.

البساسيري في مواجهة طغرلبك

تقول نعمة الموسوي، إن الدولة الفاطمية لم تكن راغبة في مغامرة عسكرية غير مضمونة النتائج لذلك لم ترغب في الصدام المباشر مع العباسيين، وإنما لجأت إلى نشر دعاتها في أنحاء العراق وفي قلب بغداد.

وتمثّل نجاح تلك السياسة الأبرز في التحالف مع القائد العسكري البساسيري مستغلة حالة الجفاء التي نشبت بينه وبين الخليفة ووزيره بسبب دخول السلاجقة بغداد. بموجب هذا التحالف أمدّت القاهرة البساسيري بالسلاح والأموال.

الداعية الفاطمي المؤيد الشيرازي كان شاهداً على تكوين جيش البساسيري المطهّم المكوّن من العرب والعجم والأكراد والأتراك الراغبين في مواجهة السلاجقة. يقول المؤيد "رأيتُ العسكر تلاحق ميمنه نحو الجبل وميسره طرف الفرات، وسمعت الأبواق تخرق الحجب بالأصوات".

اتّخذ البساسيري من الرحبة قاعدةً له لبثِّ الدعوة الفاطمية في كافة مناطق العراق. وفي سنة 448هـ أوقع البساسيري هزيمة بالسلاجقة في موقعة سنجار، التي قُتل فيها ابن عم طغرلبك. بعدها انحاز قريش بن بدران -عدو البساسيري القديم- إلى صفِّ البساسيري وعاونه على السيطرة على الموصل وإقامة الخلافة للفاطميين فيها.

بعد ذلك تلقّى البساسيري هدية غير متوقة، بعدما انشقَّ إبراهيم شقيق طغرلبك أمير بغداد السلجوقي، واستولى على عدة مناطق قُرب بغداد ثم أرسل إلى البساسيري يُطالبه بالتحالف واستعداده لإعلان طاعته للخليفة الفاطمي بشرط تعيينه حاكماً على الأراضي التي استولى عليها.

فتنة البساسيري... بغداد شيعية فاطمية

عام 450هـ خرج طغرلبك لملاقاة أخيه إبراهيم وقمعِ تمرّده، وهي الفرصة التي استغلها البساسيري فاقتحم بغداد وبصحبته 600 فارس حملوا أعلاماً فاطمية كُتب عليها اسم الخليفة الفاطمي المستنصر باللّه أمير المؤمنين.

إزاء ضعف حيلته وهوانه أمام قوات البساسيري، طلب الخليفة الأمان فمُنح ما ابتغاه مقابل مغادرة بغداد. نقل لنا المؤيد الشيرازي جانباً من رؤيته لذلك الحدث الجليل، فقال: "زحف بالراية المستنصرية وصادف فيها أرضًا تعجُّ إلى الله تعالى من ظُلم التركمانية، وقلوبًا مُلئت غيضًا من الخليفة العباسي وابن مسلمة الذي كان سبب استدعائهم وتسلُّطهم على حس الناس وأموال ودمائهم، فكان قدوم البساسيري عليهم كنزول الرحمة من سمائهم، فشدّوا معه لإقامة الدولة المستنصرية".

فكّر البساسيري في إرسال الخليفة الأسير إلى القاهرة لكنه بعد ذلك اكتفى بنفيه إلى "عانة" (تقع على نهر الفرات). قبل رحيله، أرغم البساسيري الخليفة المنفي على كتابة عهد اعترف فيه بأنه لا حق لبني العباس في الخلافة مع وجود أبناء فاطمة، ثم أمر بقتل الوزير ابن سلمة عدوه الأول في البلاط العباسي.

صلاحيات الحُكم باتت كلها في قبضة طغرلبك، الذي أمر بمصادرة بعض أملاك الخليفة، ثم أقدم على خطوة غير مسبوقة وهي إجبار الخليفة على تزويجه من ابنته

لاحقًا، بعث البساسيري هذا العهد إلى القاهرة برفقة رسالته التي بشّرت بالفتح الفاطمي لبغداد، ومعها أيضًا أرسل ثوب الخليفة وعمامته. دانت بغداد تمامًا للحُكم الفاطمي، وهو ما تجلّى في الخطبة بِاسم الخليفة في جامع المنصور (مسجد العباسيين الأشهر) وجميع منابر بغداد، كما ضُربت في بغداد دنانير فاطمية كُتب عليها اسم الخليفة الفاطمي لذا سُميت بـ"المستنصرية".

سريعًا تحوّلت بغداد إلى مركزٍ جديد لنشر الدعوة الفاطمية، وكأنها صارت قاهرة جديدة في قلب العراق، ومنها راح الدعاة يخرجون إلى الكوفة والبصرة وواسط وغيرها من مدن العراق لكسب المزيد من الأنصار، واستمرَّ هذا الوضع قرابة عامٍ من الزمن.

عودة الخليفة العباسي

بعدما اطمأنت الخلافة الفاطمية لانهيار منافسها الأكبر تراخت يدها في دعم رجلها الأول في صف المعركة الأمامي، تدريجيًا تقلّصت إمدادت السلاح الوافدة على البساسيري. وربما يكون للمجاعة الكبيرة التي تعرّضت لها مصر في هذه الأثناء -عُرفت بِاسم "الشدة المستنصرية"- سبباً في عجز الدولة عن تدبير الموارد الكافية لدعم "بغداد الفاطمية".

في الوقت نفسه كان الأمير السلجوقي طغرلبك قد فرغ من سحق تمرُّد أخيه، وأمّن لنفسه قوة كافية تُعينه على تحرير بغداد بعد عامٍ من بقائها رهينة في الفلك الفاطمي. وفي 451هـ داهم السلاجقة بغداد -وبصحبتهم الخليفة المنفي- فاضطر البساسيري إلى الهرب لعدم امتلاكه ما يكفي من قوة لمواجهتهم.

لم يكتفِ طغرلبك بالسيطرة على بغداد وإعادة تنصيب الخلافة، وإنما طارد البساسيري على قتله في معركة بالكوفة، وطيف برأسه في بغداد ثم عُلقت جوار دار الخلافة، ليكون شاهداً على تخلُّص العباسيين من أحد أخطر الأعداء الذين كادوا يفنوا دولتهم.

المفارقة، أن السلطان السلجوقي طغرلبك لم يُبد حريضاً على هيبة الخليفة كما ظنَّ العباسيون، فبعدما تخلّص من البساسيري حجّم تماماً من نفوذ الخليفة لدرجة بات معها حبيس قصره لا يكاد يرى الناس، أما صلاحيات الحُكم فباتت كلها في قبضة طغرلبك، الذي أمر بمصادرة بعض أملاك الخليفة ثم أقدم على خطوة غير مسبوقة وهي إجبار الخليفة على تزويجه من ابنته، وهو أمر كان يستنكره العرب أن تتزّوج الهامشية بأجنبي. وافق الخليفة مضطراً لكنه بعث رسالة عتاب مريرية إلى طغرلبك قال فيها: "ما رجونا من ركن الدين ما صنع، وما توقعنا ما وقع".

لكنه حال السياسة دائماً، فالضعيف دوماً يؤكل لحمُه حتى لو كان خليفة المسلمين، فالأقوياء لا يرحمون هشاً مهما بلغت مكانتُه. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image