شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لماذا نكذب في السيرة الذاتية... يجيب من توظّفوا

لماذا نكذب في السيرة الذاتية... يجيب من توظّفوا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الثلاثاء 4 أكتوبر 202211:41 ص

مع ارتفاع متطلبات سوق العمل يقع الشباب في حيرة، فكيف يستطيعون الارتقاء إلى المستوى المطلوب، وخاصة حديثي التخرج، ومن ثم يقع الكثير منهم في الفخ ويكذب بكل الطرق الممكنة في ادعاء خبراته في محاولة للحصول على فرصة عمل.
فور تخرجي اندفع الكثير من أصدقائي لكتابة السيرة الذاتية الخاصة بهم، وفوجئت وقتها أن هناك شخصاً متخصصاً في كتابتها، بمعلومات عارية من الصحة، فالكل كان يدعي أنه صاحب خبرة في مجال العمل لعامين وأكثر، وغيرها من الأمور التي تجعل صاحب العمل يظن أن المتقدم هو الشخص المناسب.
نجح بعض الأصدقاء بالحصول على فرصة عمل باستخدام "الفهلوة" كما يسمونها، والبعض الآخر لا يزال عاطلاً عن العمل، واتضح أن الكذب عند كتابة السيرة الذاتية يحدث بطريقة عادية، بل يعتبره البعض ضرورة لا غنى عنها.

أكل عيش

يرفض سيد (32 عاماً) وهو موظف علاقات عامة أن يسمي تزييف المعلومات في السيرة الذاتية كذبًا، ويقول لرصيف22: "دا اسمه أكل عيش، دلوقتي كلنا بنشوف اللي بتطلبه الشركات الخاصة في كل مكان، وعشان تكون موظف محترم وبمرتب محترم لازم يكون عندك خبرة 5 أو 10 سنين على الأقل، ويكون معاك شهادات كتيرة، وأنا واحد من الناس اللي في البداية عملت سيرة فيها معلومات مش حقيقية يعني مثلا كنت اشتغلت في مكان 6 شهور قلت إني اشتغلت فيه سنتين وضربت شهادة خبرة وعشان كده اتوظفت ومش شايف إن اللي عملته عيب والدنيا مشيت".
نجح بعض الأصدقاء في الحصول على عمل باستخدام "الفهلوة" كما يسمونها، والبعض الآخر لا يزال عاطلاً عن العمل، اتضح أن الكذب عند كتابة السيرة الذاتية يحدث بطريقة عادية، بل يعتبره البعض ضرورة لا غنى عنها

أما سناء (38 عاماً) التي تعمل في مجال الإعلام فتروي لرصيف22 أنها بعد تخرجها هي وزميلاتها بدأن بالسعي للعمل في أية صحيفة أو قناة وبأية طريقة، وبعد فترة تعبن جميعاً من العمل تحت التمرين دون مردود، حينها بدأ الجميع بالتقدم لوظائف من خلال سيرة ذاتية مبالغ بخبراتها، تقول: "أنا بعد فترة عملت زيهم واشتغلت في قناة، قلت وقتها إنه سبق ليّ العمل في أكثر من قناة ودا مكنش حقيقي، بعدها بس اشتغلت، ودلوقتي مش ندمانة على اللي حصل، من حقنا إننا ناخد فرصة للشغل ونثبت نفسنا حتى لو كنا لسة متخرجين".

حيلة لم تنجح

في بعض الأحيان لا ينخدع صاحب العمل بالكلام المكتوب في السيرة الذاتية للمتقدم للوظيفة، ويطلب أوراقاً تثبت صحة ما يقول، وهو ما حدث مع أحمد (28 عاماً) الذي يعمل صحافياً، يقول لرصيف22: "أول ما اتخرجت اتقدمت لأكثر من وظيفة وكنت اشتغلت شوية تحت التمرين وأنا في الجامعة وقدمت السيرة الذاتية بتاعتي للعمل في جورنال كبير، وللأسف كنت كتبت في السيرة أني تدربت في جريدة منافسة مشهورة وأثناء لقائي مع مدير التحرير سألني عن فترة التدريب ووقتها اكتشف كذبي وخرجت من المكان وخسرت العمل وكان موقف محرج جداً".
أحمد... كتبت في السيرة إني تدربت في جريدة منافسة وأثناء لقائي مع مدير التحرير سألني عن فترة التدريب ووقتها اكتشف كذبي وخرجت من المكان وخسرت العمل وكان موقف محرج جداً

أما دينا (39 عاماً) وهي حالياً موظفة في شركة خاصة فتقول: "الموضوع دا حصل من فترة طويلة بعد ما اتخرجت بكام سنة، مكنش عندي أي خبرة وفكرت فجأة أنزل أشتغل كتبتلي واحدة صاحبتي السيرة، والحقيقة لما قرأته حسيت إنها مبالغة جداً بكمية الكذب اللي كانت مكتوبة، كتبت إن ليّ خبرة أكتر من 5 سنين وإني اشتغلت في أكتر من مكان، وقالتلي محدش هياخد باله وإن الكل بيعمل كده ولكن الحقيقة مع أول أسئلة لي مع المدير في الشغل عرف إني عمري ما اشتغلت ووجه لي نصيحة إني لازم أتدرب وأشتغل على نفسي أكتر وطبعا ما اختارنيش، ولكن بعد فترة اشتغلت في مكان تاني بعد ما حاولت فعلاً أخد خبرات وأشتغل على نفسي".

تسويق جائز

يرى الخبير الاجتماعي الدكتور سعيد صادق في حديثه لرصيف22 أنه عندما يكذب الشباب في سيرتهم الذاتية للحصول على عمل فهذا في الحقيقة "تسويق"، فهم يحاولون عرض إمكانياتهم حتى تزداد فرص حصولهم على الوظيفة، وهذا جائز في ظل ارتفاع متطلبات أصحاب العمل، فما الذي سيجعله يختاره إن لم يكن فيه صفات مميزة.

ويقول إن المتقدم للعمل ربما يبالغ، والمبالغة غير الكذب فيكتب أن لديه خبرة ثلاث سنوات وهو في الحقيقة عمل ستة أشهر فقط، فهذه هنا بمثابة وسيلة جذب، لكن مع الوقت تنكشف الأكاذيب. فلو قال الشاب أو الفتاة أنه/ـا أن لديه/ـا مهارة محددة أو شهادة علمية فالكذبة ستنكشف في وقت قصير".
أما محاضر التنمية البشرية كامل ناصر فيقول لرصيف22: "هناك بعض الأشخاص النرجسيين الذين يعتبرون وجودهم في هذا العالم نعمة ومكسب للآخرين. هذا الشخص عندما يتقدم لوظيفة يقدم أدلة كاذبة على أنه مثالي للوظيفة، وهناك نوع ثان عادي ولكنه يكذب أو يتجمل فقط للحصول على العمل، بينما هناك نوع ثالث مخادع ويمكن أن يقوم بتزوير شهادات خبرة للحصول على العمل".

آخرون فضلوا الصدق

في الوقت الذي قام فيه عدد كبير من الشباب بالكذب عند كتابة السيرة الذاتية، فضّل آخرون الصدق.
خبير اجتماعي... عندما يكذب الشباب في سيرتهم الذاتية للحصول على عمل فهذا في الحقيقة "تسويق"، هم يحاولون عرض إمكانياتهم حتى تزداد فرص حصولهم على الوظيفة، وهذا جائز في ظل ارتفاع متطلبات أصحاب العمل

تقول المدرسة حنان سيد (33 عاماً) لرصيف22: "في مرة تقدمت للعمل في مدرسة خاصة وكنت لسة متخرجة جديد ومن متطلبات الوظيفة أن يكون للمتقدمة خبرة لا تقل عن عامين. وعند لقاء لي أولي مع مسؤول المادة سألني عن خبراتي قلت له الحقيقة، وهي أنني لا أملك خبرات، وقتها استغرب وبصلي وهو مندهش، أكدت له إنني عندي استعداد كبير للتعلم وبعد انتهاء المقابلة بأسبوع فوجئت أنه يتصل بي وحدد لي مقابلة أخرى واشتغلت في المدرسة، لكن تركت العمل فيها بعد شهور بسبب ضغط العمل، كانت المديرة تتصور لأني معنديش خبرة فيمكن استعبادي في الشغل".
أما علي (29 عاماً) ويعمل حالياً موظفاً في شركة أدوية فيروي أنه عمل في أكثر من شركة بعد تخرجه، ولكنه كان يترك العمل سريعاً، لأنه كان صغيراً ولا يحتمل أية ملاحظة أو كلمة، يقول: "في مرة اتقدمت لوظيفة في شركة أدوية كبيرة وكان نفسي أشتغل فيها، ولما قابلني المدير سألني إن كنت اشتغلت قبل كده ولما قلتله إني اشتغلت طلب مني شهادات الخبرة واعترفت له إني مش معايا وطبعا مشتغلتش ولكن وقتها أصحابي قالولي إني كان ممكن أزور أي شهادة وأعدي من المشكلة دي بالفهلوة ولكن أنا مبسوط إني معملتش كده".
الدكتورة النفسية سارة النجار تحدثت عن تلك المشكلة لرصيف22 ورفضت أن تعتبر أن هذا الشخص يمكن أن يكون شخصاً كاذباً بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولكنه تسويق يعتمد فيه الشخص على إبراز أجمل ما فيه أو حتى ادعاء صفات لا يمتلكها كالعمل تحت الضغط، فهذه الجملة نكتبها جميعاً، بينما للجميع حدود في الضغط.

الحل الأمثل

وقد اعتبر الخبير الاجتماعي الدكتور سعيد صادق أن ما يحدث نتيجة طبيعية لزيادة البطالة في المجتمع وارتفاع شروط التوظيف في ظل المنافسة الشديدة. ويرى أن الحل لتلك المشكلة هو أن يقوم الشاب بالاستعداد الجيد للحصول على العمل، وألا يتعجل، وأن يكون لديه من العلم ما يؤهله للحصول على الوظيفة حتى لا يخسرها بعد ذلك في أقل وقت ممكن.
ما يحدث نتيجة طبيعية لزيادة البطالة في المجتمع وارتفاع شروط التوظيف في ظل المنافسة الشديدة

مدرب التنمية البشرية كامل ناصر اعتبر أن حل هذه المشكلة في أيدي الشباب الذين يجب أن يتعرفوا على طموحهم بشكل أوضح ليتخلصوا من التوتر الذي يقضي على آمالهم بمرور الوقت، وقال إن الشاب عندما يعرف هدفه يسعى لتحقيقه بكل الطرق. 

الصراع الذي يعيشه الشباب ليس بالسهل، فما بين ضرورة بدء الحياة المهنية، وضرورة الحصول على عمل، وما بين الأعداد الضخمة للخريجين في قطاعات مشبعة في سوق العمل والتنافسية الشديدة، وما بين ملاحقة الطموح الحقيقي قد يجد الشاب أو الفتاة أن عليهما التضحية بالأحلام وأنها قد تصبح ترفاً في سبيل الوصول إلى بداية الاستقرار المادي والدخول إلى سوق العمل.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard