شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
ما ذنب الأطفال لنشوّه صورهم البريئة بالـ

ما ذنب الأطفال لنشوّه صورهم البريئة بالـ "فلاتر"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 11 أكتوبر 202201:45 م

يسعى البعض منا وراء الكمال والمثالية، والبعض الأخر يعشق مشاهير السوشال ميديا ونجوم الفن، وبعضنا مهووس بالجمال الشكلي. وهناك من يفضل التواري وراء الأقنعة التي تعكس السعادة والجمال وتخفي وراءها واقعاً متواضعاً أو شخصية تعاني من ضعف في الثقة بالنفس. ربما تختلف دوافع الأشخاص، ولكن هوس "الفلاتر" يجمعهم، سواء كانوا فنانين وفنانات أو عارضي وعارضات أزياء و"فاشينستات" أو "يوتيوبرز" أو "بلوجرز" و"انفلوانسرز" أو حتى مستخدمين ومستخدمات عاديين لمواقع التواصل الاجتماعي.

بوجوه منحوتة وأسنان ناصعة البياض وشفاه حمراء وعيون لامعة وبشرة ناعمة وخالية من الشوائب وواقع جمالي معزز. هكذا يظهر مستخدمو "الفلاتر" عبر تطبيقات "انستغرام" و"سناب شات" و"تيك توك"، ببضع نقرات على الشاشة، يشعرون بعدها بنوع من الرضا الداخلي. 
ولكن، على الصعيد النفسي، لا يعد الهوس باستخدام فلاتر السوشال ميديا في حد ذاته ظاهرة صحية، إذ أظهرت دراسة علمية جديدة نشرتها مجلتا "لوبسيرفاتوار" و"لاكروا" التأثير الضار لتلك "الفلاتر" على صورة الجسد واحترام الذات، لأنها تهدّد التوازن النفسي لمستخدميها، وعلاقتهم بأنفسهم وبالآخرين، ولا سيما الفئات الأقل وعياً بتأثيراتها السلبية على الحالة النفسية للإنسان، وخاصة المراهقين الذين قد يتحولون إلى نرجسيين أو يلجؤون لعمليات التجميل، بحسب تحذير لباحثين من جامعة بوسطن الأميركية.

يمكن تفهم دوافع البالغين في استخدام الفلاتر التجميلية على صورهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إلاّ أن استخدامها لتجميل وتغيير ملامح وجوه الأطفال يعد ظاهرة غير مفهومة وغير مبررة

ويربط بعض الخبراء النفسيين بين هوس "الفلاتر" ومرض الديسمورفوفوبيا، وهو اضطراب نفسي وسواسي يشعر معه  المصاب بالقلق من عيب في شكله أو معالم جسده. ففي تلك الحالة، يلجأ مستخدم "الفلاتر" لإجراء جراحة تجميلية افتراضية لإخفاء مظهره الحقيقي الذي يظنه معيباً، وربما يلجأ إلى جراحة تجميلية حقيقية.

الأطفال الرُضّع لم يسلموا من الفلاتر 

وبخلاف "الفلاتر" المرحة والمضحكة، يمكن تفهم دوافع البالغين في استخدام الفلاتر التجميلية على صورهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إلاّ أن استخدامها لتجميل وتغيير ملامح وجوه الأطفال يعد ظاهرة غير مفهومة وغير مبررة.
فحتى الأطفال الرضع ذوو الملامح الملائكية والابتسامة الصافية والنظرات البريئة لم يسلموا من الفلاتر التجميلية التي يستخدمها ذووهم عند نشر صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك ما لا يقل عن عشرة تطبيقات مخصصة لتحرير صور الأطفال وتنقيحها وتغيير خلفياتها وإزالة العيوب منها. وأشهرها: تطبيق baby photo الذي تم تصميمه خصيصاً للآباء والأمهات الذين يرغبون في توثيق مراحل نمو أطفالهم منذ ولادتهم حتى ذهابهم لأول مرة إلى المدرسة، وذلك من خلال أدوات تحريرية، إذ يضم  أكثر من 15 "فلتراً" مختلفاً لتعديل الصور.
ولكن، يا ترى ما هي الآثار النفسية المترتبة على تصوير أطفالنا عبر فلاتر هذه التطبيقات؟
ولكن، يا ترى ما هي الآثار النفسية المترتبة على تصوير أطفالنا عبر فلاتر هذه التطبيقات؟

رسالة خطيرة في عمر مبكر 

حين نستخدم "الفلاتر" لتجميل صور أطفالنا، فإننا نمارس عليهم ضغطاً نفسياً ليظهروا بمظهر جميل بدلاً من أن يكونوا على طبيعتهم، وأن يتم التعامل مع صور الأطفال بأكبر قدر من العفوية والأريحية. ومن المؤسف أن بعض الآباء والأمهات يريدون من أطفالهم أن يتمتعوا بإطلالة مثل عارضي الأزياء عند التقاط الصور لهم، فيضغطون على الطفل لأجل الوقوف والظهور بشكل جميل ومثالي يتطابق مع صور مشاهير ومؤثري مواقع السوشال ميديا.
ويؤدي الاستمرار في تصوير أطفالنا بالفلاتر المحسنة إلى إرسال رسالة خطيرة في عمر مبكر للغاية مضمونها: أنك كما أنت لست جميلاً بما يكفي لتحظى بإعجاب الآخرين، وأنك بحاجة للتحسين، مما سيؤثر بالسلب على ثقتهم بأنفسهم كلما نظروا إلى الفروق بين انعكاس صورهم على المرآة وبين الصور "المفلترة" على تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي.
حين نستخدم "الفلاتر" لتجميل صور أطفالنا، فإننا نمارس عليهم ضغطاً نفسياً ليظهروا بمظهر جميل بدلاً من أن يكونوا على طبيعتهم، وأن يتم التعامل مع صور الأطفال بأكبر قدر من العفوية والأريحية

مخاطر نفسية على الأطفال والمراهقين

بدورها، تحذر الرابطة الألمانية لأطباء الأطفال والمراهقين من زيادة "الفلاتر" لمخاطر الإصابة باضطراب تشوه الجسد، الذي يندرج ضمن اضطرابات الوسواس القهري وينعكس على الصحة العقلية والبدنية، مسبباً الهوس بشكل الجسد والشعور بالتدني في احترام الذات والسلوك العدواني والعزلة الاجتماعية، مما يرفع من خطر الإصابة بالاكتئاب أو يؤدي إلى إيذاء النفس أو حتى الانتحار.
كتبت استشارية الصحة النفسية، هند البنا، عبر صفحتها في فيسبوك، عن كيف التقت بفتاة مراهقة من مشاهير السوشال ميديا ولها متابعون بمئات الألوف على "اليوتيوب" و"التيك توك". تخفي وجهها بطبقات كثيفة من المكياج وتواري نصفه بخصلات شعرها وترفض بشدة أن يرى أحد وجهها كاملاً لا في الواقع ولا العالم الافتراضي، مشيرة إلى أنها كانت عصبية ومهتزة نفسياً وفاقدة للثقة في نفسها وغير قادرة على التواصل الاجتماعي الناجح أو الحقيقي بسبب "فلاتر السوشال ميديا" والظهور الدائم من خلف الشاشات والكاميرات. وأكدت أن معظم مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي الذين يستخدمون هذه الفلاتر يعانون من القلق وفقدان الثقة في النفس بسبب العيوب التي يخفونها وراءها. كما تكون لديهم مشكلة في التفاعل مع الناس، بسبب اعتيادهم على "اللايك والشير" وتعليقات الإعجاب، والتي لا تتوفر في الواقع لأن المجتمع الحقيقي لا يوفر لهم كل هذا العدد من المتابعين، مما يصيبهم بالوحدة وتضخم مشاعرهم عن ذاتهم، ويسبب صراعاً نفسياً لديهم ويحرمهم من الحصول على أصدقاء حقيقيين.

البراءة والعفوية في صور أطفالنا 

قبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وفلاترها وتطبيقات تحسين الصور بعقدين تقريباً، أذكر أنني حين كنت طفلة خلال فترة التسعينيات، كان شائعاً أن تلطخ الأمهات شفاه أطفالهن ووجناتهم، ولا سيما الإناث منهم، بأحمر الشفاه قبل التقاط الصور لهم في استوديوهات التصوير، حيث لم يكن التصوير الرقمي شائعاً وقتها. لكن، أمي لم تكن تقبل بأن تفعل ذلك بنا أنا وشقيقاتي، وكانت تفضل ترك صورنا بريئة وعفوية ونحن في عمر الزهور. 
اليوم، وأنا امرأة ناضجة تجاوزت العقد الثالث من عمرها بقليل، أجد أن أمي كانت محقة في ذلك وأشعر بالمتعة وأنا أتفقد ألبوم صور الأسرة وأستعيد ذكريات الطفولة البريئة.

بالنسبة لي كأم، أجد أن أجمل صور التقطتها لأطفالي أو حتى التقطوها بأنفسهم، هي تلك الصور الأكثر عفوية وبراءة.

وبالنسبة لي كأم، أجد أن أجمل صور التقطتها لأطفالي أو حتى التقطوها بأنفسهم، هي تلك الصور الأكثر عفوية وبراءة، فليس هناك أجمل من تصوير أطفالك الذين عانق بعضهم بعضهم وهم يغطون في النوم، أو بينما يضحكون ملء أفواههم من القلب، وأثناء لعبهم ولحظاتهم الجميلة وحتى حين يشاغبون ويسببون المتاعب، فيلطخون أنفسهم بالطعام أو الألوان ويثيرون الفوضى. كل تلك الصور تصنع ذكريات جميلة لا تنسى.

تشويه لطفولتهم وذكرياتهم

ربما يهتم البالغون بأن يظهروا في صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي بأنف أصغر أو بعيون أوسع وبشرة نقية، لكن الطفل لا يهتم بذلك إطلاقاً، فهو بفطرته يشعر بالاكتمال والحب الكافي كما هو على طبيعته دون أي تعديل. 
وفي رأيي، تصوير الأطفال بـ "الفلاتر التجميلية" يعد تشويهاً لطفولتهم وذكرياتهم. ولا يحق لنا كأمهات وآباء تزوير تاريخ أطفالنا وذكرياتهم، لأنهم حينها سيكبرون وسيحبون رؤية صورهم العفوية وهم أطفال، كما هم بلا تلاعب وتزوير للحقيقة.
ليس علينا أن نقع تحت الضغط من أي انتقادات أو تعليقات سلبية أو منافسة تجعلنا نشعر بالحاجة إلى تجميل صور أطفالنا عبر تفتيح لون بشرتهم أو تلوين شفاههم ووجناتهم. علينا فقط تقبل أطفالنا ونؤمن بأنهم رائعون كما هم، وألا نلقي بالاً لآراء الآخرين.
والأهم هو أن نصدق في قرارة أنفسنا أننا وأطفالنا في الحقيقة أجمل مما نبدو عليه بتأثيرات من الفلاتر وتطبيقات تحسين الصور، التي تسلب منّا جزءاً من ذكرياتنا وتشوه واقعنا وتجعلنا غير راضين عن أنفسنا وحياتنا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard