شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
لماذا يخاف بعض الرجال من عضلات المرأة وقوتها البدنية؟

لماذا يخاف بعض الرجال من عضلات المرأة وقوتها البدنية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

السبت 8 أكتوبر 202212:00 م

مع عرض المسلسل الأميركي "شي هالك" She-Hulk الذي يقدّم النسخة الأنثوية من البطل الخارق "هالك"، تصاعدت الانتقادات، ولكن على عكس المتوقع، لم يحظ المسلسل بالنقد السلبي لمستواه الفني، بل انتقد البعض مجرد اختيار أنثى لتكون بطلة العمل.

وفي التفاصيل، تصاب الشابة جينفر في حادث سيارة وهي برفقة الخارق "هالك"، أحد أبناء عمومتها، فينتقل إليها دمه، وتصبح لها قدراته، وتستطيع التحوّل إلى عملاقة خضراء ذات عضلات، الأمر الذي أثار حفيظة بعض الرجال الذين يعتقدون لحدّ الآن أن العضلات "حكراً" على الرجل فقط.

الحب مقابل الحماية

تبعاً لنظرية "جزية الحماية مقابل الحب" التي بحث فيها علماء الاجتماع وشرحها كل من لوري رودمان وبيتر جليك، في كتابهما بعنوان "علم النفس الاجتماعي للجندر"، لفهم تأسيس العلاقات بين الرجال والنساء، تبيّن أنه في عصر الإنسان البدائي كانت الأنثى تخضع لقوة الذكر في هذه المجتمعات، ويقوم بعض الرجال بقتل أطفال النساء لمجرد أنهم أبناء رجال آخرين، وبقي هذا الوضع المأساوي على حاله لحين أن لجأت المرأة البدائية إلى الحلّ التالي: جزية الحماية مقابل الحب، أي أن تقبل بالارتباط من رجل واحد بغية أن يحميها من الآخرين.

مع الوقت، تحوّلت هذه العلاقة إلى ما يسمى الـ Monogamy أو الزواج الأحادي، وفي هذا الصدد، اعتبر كل من رودمان وجليك أنه "من الصعب أن نجد نظرية عن أصول الحب بين الرجال و النساء أكثر سوداوية من هذه النظرية، فهذه النظرية تُرجع الحب الرومانسي بين الرجال والنساء إلى أصول سحيقة، تتمثّل في القسر الجنسي العنيف وقتل الأبناء واستراتيجيات الإناث من ناحية أخرى لتجنب هذه المخاطر".

حرصت البطريركية على إعلاء قيمة ضعف النساء الجسدي، بحجّة أنه كلما كانت المرأة أضعف كلما كانت تستحق حماية الرجال أكثر

وبالعودة إلى الكتاب نفسه، نجد أن نشأة النظام الأبوي في الأساس كانت ناتجة عن تقسيم العمل بسبب قوّة عضلات الجزء العلوي في أجسام الرجال، الأمر الذي سمح لهم بمهام أكثر صعوبة وأكسبهم مكانتهم في المجتمع.

إذن، الضعف الجسدي للنساء الناتج عن قلة كتلة العضلات، كان سبباً مباشراً في تراجع وضع المرأة في عصور ما قبل التاريخ، وشكّل دافعاً لاحتياج المرأة لرجل قوي يحميها، وبالتالي حرصت البطريركية على إعلاء قيمة ضعف النساء الجسدي، بحجّة أنه كلما كانت المرأة أضعف كلما كانت تستحق حماية الرجال أكثر.

واليوم، في ظل الوصم المجتمعي الذي يلاحق المرأة التي تتمتع بعضلات، ومع تصاعد الاتجاهات الخاصة بالرعاية الصحية وأهمية التمارين الرياضية والكتلة العضلية، أصبحت المخاوف الذكورية أشدّ، غير أن هذا الدرب الطويل من إهمال بعض النساء لأجسادهنّ أدى إلى إصابة نسبة كبيرة منهنّ بوهن العضلات، بحيث يشعرن بالتعب المستمر، أو يجدن صعوبة في رفع الأشياء، أو يفتقرن إلى التحكم في العضلات.

وصم النساء

في وقتنا الراهن، قد تلاقي بعض النساء اللواتي يحاولن اكتساب كتلة عضلية أو يذهبن إلى الصالة الرياضية لتحسين صحتهنّ، الكثير من التعليقات السلبية، حتى من قبل المتخصصين.

سمعت رانيا رشوان (22 عاماً)، وهي طالبة في كلية الآداب تحاول تحسين جسمها وصحتها بحمل أوزان الحديد، تعليقات مشابهة من المدرّبة الخاصة بها، كما قالت لرصيف22: "طلبت مني المدربة ألا أقوم بتمارين (الولاد) التي قد تؤدي إلى تكبير الذراعين وزيادة عرض الظهر"، لكن هذه الشابة لم تنصع لمثل هذه النصائح، لأنها تدلّ على افتقار المدربة للمعلومات الرياضية السليمة، إذ إن حجم العضلات لا يمكن أن يتساوى بين الرجال والنساء للاختلافات الهرمونية.

تلاقي بعض النساء اللواتي يحاولن اكتساب كتلة عضلية أو يذهبن إلى الصالة الرياضية لتحسين صحتهنّ، الكثير من التعليقات السلبية، حتى من قبل المتخصصين

بدورها، حكت ألاء الفار، وهي طبيبة، عن تجربتها مع الصالة الرياضية: "بدأت ممارسة التمارين في النادي الرياضي بعد الضغط النفسي والجسدي الذي تعرّضت له في دراسة الطب، ولكن سريعاً ما أصبح الجيم لا غنى عنه في حياتي"، على حدّ تأكيدها، مع العلم بأن هذا لم يمنع تعرّضها لبعض التعليقات السلبية، بخاصة من والدتها التي قالت لها بصريح العبارة: "هل ترغبين في أن تصبحي مثل (بيغ ياسمين) لاعبة كمال الأجسام الشهيرة؟".

ازدادت ثقة ألاء في نفسها بعد زيادة كتلتها العضلية، ولاحظت كذلك أن الكثير من الرجال يشعرون بالقلق من رؤية عضلاتها، بحيث يعتبر بعضهم ذلك تهديداً لرجولته: "عضلاتي حسستني بالثقة، مع العلم بأنها بتخلي بعض الذكور insecure وهم بيكلموني، وده احساس كنز".

أما يارا محمد، وهي مدربة باليه في الواحدة والثلاثين من عمرها، فقد استاء منها والدها عندما وجد في منزلها "أوزاناً حديدية" تخصّها، ورأى أنها كبنت يجب ألا تحملها لكي لا يصبح لها عضلات "مثل الرجال"، على حدّ قوله، أما زوجها فحين أخبرته إنها ترغب في بناء عضلات بطن مشدودة مثل العارضات على إنستغرام، خاف من أن تقوم بذلك بالفعل، ظناً أن ذلك سيفسد جمالها.

العضلات مهمة لكلا الجنسين

في حديثها مع رصيف22، شدّدت المدربة مروة حسن، المعتمدة من مؤسسة ISSA الأميركية، على أهمية العضلات لجسم المرأة، وكذلك تحدثت عن موضوع الوصم الشائع الذي قد يطال صاحبات العضلات: "في البداية، يجب توضيح أهمية العضلات لشخص يرغب في عيش حياة طبيعية، ويتمتع بصحة جيدة، فالعضلات هي المسؤولة عن الحركة والتحكم في الجسم، وبالتالي، فإن الحصول على عضلات هو أمر طبيعي لأنها جزء من الجسم".

وأضافت مروة: "التمرين يعمل على تقوية العضلات لتحسين القيام بوظائفها"، منوهة بأن شكل عضلات السيدات يختلف عن عضلات الرجال: "هناك حدود جينية، وعندما تعمل السيدة على تحسين الكتلة العضلية في الجسم يحدث لها ما يسمى toning... بصراحة، لم أقابل في عملي سيدات يخفن من نمو عضلاتهنّ، على العكس أصبح الحصول على العضلات في الوقت الحالي هدفاً للكثيرات، وهو ما أشجعه".

قد نظن أنه انتهى عصر الإنسان الحجري الذي يرى أن عضلاته هي سبيله للتفوق على باقي الرجال والتحكّم في النساء، لكن في الحقيقة لا يزال موجوداً تحت السطح

في المقابل، تعاني العديد من النساء من مشاكل في العضلات، خاصة في أوقات عدم التوازن الهرموني، ويمكن أن يكون هذا الضعف العضلي نتيجة لعدد من الأسباب، فبالنسبة لغالبية النساء اللواتي يمررن في مرحلة انتقالية لانقطاع الطمث، يرتبط السبب الكامن وراء ضعف العضلات بالتقلبات الهرمونية. بالنسبة للآخريات، قد يكون للأعراض جذور مسبّبة أخرى أو لا توجد محفزات واضحة على الإطلاق.

لا توجد طريقة مؤكدة واحدة لمنع ضعف العضلات تماماً كما لا توجد طريقة لكبح التقلبات والعمليات الهرمونية الطبيعية، ومع ذلك، هناك تدابير يمكن للمرأة اتخاذها لتقليل فرصة الإصابة بضعف شديد في العضلات، أو للتحكم في الألم إذا حدث، يمكن أن يكون لتعديلات نمط الحياة - بما في ذلك تلك المتعلقة بالنظام الغذائي والتمارين الرياضية والعادات - تأثير كبير في منع ضعف العضلات.

غير أن الضغط المجتمعي على النساء للحفاظ على جسم من دون عضلات قد يؤدي إلى إيذائهن جسدياً بصورة مباشرة،  هذا وقد تقرر بعض السيدات الإبتعاد كلياً عن الرياضة والتي لديها فوائد لا تعد ولا تحصى، أبرزها: تعزيز الثقة في النفس والتخلص من القلق اليومي، كل ذلك تفقده المرأة نتيجة للبطريركية والعقول المتحجرة.

قد نظن أنه انتهى عصر الإنسان الحجري الذي يرى أن عضلاته هي سبيله للتفوق على باقي الرجال والتحكّم في النساء، لكن في الحقيقة لا يزال موجوداً تحت السطح، وقد نراه متجسداً في الغضب على مسلسل بطلته امرأة مفتولة العضلات، أو في تعليقات مسيئة للنساء اللواتي قرّرن الاهتمام بصحتهنّ الجسدية، ووصمهنّ بأنهن "قليلات الأنوثة". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image