شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أسئلة جديدة عن سيد درويش... فكتور سحّاب يجيب

أسئلة جديدة عن سيد درويش... فكتور سحّاب يجيب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 10 أكتوبر 202204:14 م

فكتور سحّاب واحد من الأسماء اللامعة في النقد والتأريخ الموسيقي. أصدر مجموعة من المؤلفات القيّمة حول الموسيقى العربية وأعلامها، منها: "السبعة الكبار في الموسيقى العربية" و"مؤتمر الموسيقى العربية الأول–القاهرة 1932" و"محمد عبد الوهاب، سيرة موسيقية" و"وديع الصافي". كما شارك مع أخيه الناقد الموسيقي إلياس سحّاب في تأليف موسوعة أم كلثوم في ثلاثة مجلدات، وله العديد من الكتب الأخرى.

نال الماجستير في التاريخ من الجامعة اللبنانية ثم دكتوراه الدولة في التاريخ من الجامعة ذاتها، وكان باحثاً زائراً في جامعة جورج تاون الأمريكية. مؤخراً صدر له كتاب مرجعي بعنوان "سيد درويش المؤسس" عن دار نلسن في بيروت ودار ريشة في القاهرة، إذ تحل الذكرى المئوية لرحيله العام المقبل 2023. لذلك كان هذا الحديث المتشعب معه.

ما الذي بقي من سيد درويش حتى يومنا هذا؟

لماذا لم تسألني عمن هو أقرب إلى زماننا من سيد درويش؟ هل بقي الكثير في ذاكرة أجيالنا الفيسبوكيّة من محمّد عبد الوهّاب وأم كلثوم ومحمد الموجي وكمال الطويل؟ناهيك عن زكريا أحمد ورياض السنباطي، واللائحة تطول.

الدكتور فكتور سحاب

نهضت الموسيقى العربية بفضل اهتمام غير تجاري الدوافع، من الخديو اسماعيل، وفي القرن العشرين بجهود غير تجارية حين عقد مؤتمر الموسيقى العربيّة سنة 1932. ثم أنفق طلعت حرب من ماله لرعاية السينما الغنائيّة، ولم يكن ينتظر كسباً. أي جهد غير تجاري يُبذَل الآن لنُبقي سيد درويش في وجدان أجيالنا الطالعة؟ نحن بحاجة إلى النزر اليسير من المال الذي يُنفَق في حروبنا المدمِّرة، من أجل إنشاء مكتبة لحفظ تراثنا الموسيقي، ومسرح مخصص لهذا التراث، وموازنات حكومية في المعاهد من أجل ربط وجدان أجيالنا بتراثهم القومي.

سُطرت العديد من الدراسات والكتب حول سيد درويش منذ رحيله، فما الجديد الذي يمكن أن يضيفه كتابك؟

الفصل الأساسي في كتابي هو دراسة أكاديميّة خضعت للتدقيق العلمي في الجامعة، قبل أن تجاز. وهي لذلك إسهام "مسؤول" علمياً. إضافة إلى ذلك حققتُ في صحف القاهرة التي واكبت حياة سيد درويش يوماً بيوم، فاكتشفت أولاً أن سيد درويش لحّن ثلاثين مسرحية غنائية، لا اثنتين وعشرين كما يقال. ثانياً، وضعتُ ثبتاً تاريخيّاً يُذكر فيه اليوم الأول الذي عُرضَت فيه المسرحيات الثلاثون. ثم أوضحت بجلاء إسهامَ سيد درويش الأساسي في الموسيقى العربيّة، وهو استحداث جمالية التعبير والتصوير والتمثيل بالموسيقى، بعدما كانت الجماليّة الوحيدة في موسيقانا العربية هي الطرب.

صدر مؤخراً للباحث فكتور سحاب كتاب "سيد درويش المؤسس"، نتعرف فيه على الإسهام الرئيسي الذي أتانا به سيد درويش في الموسيقى العربيّة، وهو استحداث جمالية التعبير والتصوير والتمثيل بالموسيقى 

وهذا ما شدد عليه محمد عبد الوهّاب الذي أدخل تلحين المعنى والتعبير عنه. وهذه مرحلة تاريخيّة بدأها سيد درويش. ثم راكمتُ في الصفحات المائة الأخيرة ملاحق مهمة جداً عن هوية الذين قتلوا سيد درويس، أو آراء عبد الوهّاب، وبيرم التونسي، وبديع خيري، وآخرين بفن سيد درويش. الكتاب مرجع يختصر الحاجة إلى صحف لم تعد متوافرة للجمهور.

هل ترى أن أغلب الكتابات التي تناولت سيد درويش ركزت على الأسطورة أكثر من النتاج الموسيقي؟

بعض الكتب، نعم، بالغتْ في تصوير سيد درويش وتنزيهه عن الهنات البشرية التي لا يخلو منها إنسان، فحولته إلى أسطورة، أخفت عن الناس موسيقاه. وقد توسّعتُ في كتابي في هذه الناحية. وكتبت عما طوّره سيد درويش، وهو التعبير في الموسيقى، وقلت بصراحة إن سيد درويش لم يمسّ بتاتاً الشكلَ الموسيقي الذي ورثه، ولذا فهو لم يحدث ثورة شاملة؛ في المضمون نعم، وليس في الشكل. كذلك لاحظت أن سيد درويش لم يلحن القصيدة والموال، وهما فصلان أساسيّان في الموسيقى العربية. كل هذا بمحبة وتقدير يستحقهما سيد درويش بلا أدنى شك.

هل يمكننا القول إن أسطورة سيد درويش قد ظهرت بعد وفاته، خصوصاً بعد ثورة الضباط الأحرار في 23 تموز/يوليو 1952 من المنطلق القومي؟

الأمر الذي أسهم في خلق الأسطورة في رأيي، هو التعتيم الموسيقي الرسمي على نتاج سيد درويش في العهد الملكي، قبل 23 تموز/يوليو 1952. إذ إن عدم معرفة أغنيات سيّد درويش، حوّل الاهتمام به من النظر في موسيقاه إلى النظر في الرموز التي يمثلها.

ولكن في عهد الثورة، أسهمت الدوائرُ الفنية والموسيقيّة، في إحياء فن سيد درويش وإسماعه للجمهور العريض. فلا ننس أن فرقة الموسيقى العربيّة التي كان يقودها عبد الحليم نويرة، كانت بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر، بعد نكسة حزيران/يونيو 1967، ضمن ردِّه على هذه النكسة. وهذا يدل على عمق الفهم عند الزعيم الراحل للعلاقة العضوية بين التمسك بالتراث والمسألة الوطنية والقومية. لذلك أخذت الهيئاتُ الفنية تعيد نبش ميراث سيد درويش. لكن هذا غير كاف بتاتاً. والأمل في نهضة ويقظة رسميّة، لا تكتفي بنبش تراث سيد درويش، بل بتنظيم إعادة تقديم مسرحياته الغنائية على المسارح أيضاً.

نقرأ في الغالب أن سيد درويش كان صاحب فضل في تخليص الموسيقى المصرية من النزعة التركية، فهل يمكن أن توضح لنا ذلك؟

لم أجد ما يسند هذا الرأي بتفصيل موضوعي واضح. فأي العناصر الموسيقيّة من الموسيقى التركية، من حيث الشكل والمضمون، هي التي استبعدها سيد درويش؟ بل إن ثمة تأكيداً في تاريخ سيّد درويش أنه، على العكس، أدخل في الموسيقى العربيّة مقامات الحجاز والزنجران (الزنكولاه)، والبعض يضيف الكورد، وهي مقامات تركية، كما قال موسيقيو زمن سيد درويش.

هل ترى أن تأثير موسيقى سيد درويش قد اقتصر على القاهرة فقط أم انه امتد إلى المشرق العربي؟

تأثير موسيقى سيد درويش شكل في البدء عنصراً أساسيّاً في موسيقى محمّد عبد الوهّاب ومحمّد القصبجي ورياض السنباطي والآخرين، الذين أنتجوا تراثاً موسيقياً وغنائياً ضخماً شاركت فيه أم كلثوم غناءً، مع المطربات الأخريات. وهذا النتاج، بدوره، كان عاملاً طاغياً في تكوين الوجدان الموسيقي العربي في مغرب بلادنا ومشرقها.

سألت كثيراً من كبار الموسيقيين اللبنانيين عن مصدر تأثرهم وإلهامهم الموسيقي الأول، فاستولى عبد الوهّاب على المكانة العليا، وهو أنجب تلاميذ سيد درويش، من حيث المضمون الموسيقي التعبيري. مع أن عبد الوهّاب هو الذي أحدث ثورةً في تلحين القصيدة والموال العربيّين، وهما شكلان لم يقربهما سيد درويش.

من هم التلاميذ المخلصين لمدرسة سيد درويش في رأيك؟

من حيث المزاج التلحيني والمضمون اللحني، زكريا أحمد، أو سيد مكاوي. أما من حيث السمة التعبيريّة التي أحدثها سيد درويش، فمحمّد عبد الوهّاب، بلا أدنى شك، هو أنجب تلاميذ سيّد درويش. وكان لا يكف عن القول: "أنا درويشي حتى العظم". لكن في النهاية، امتداد مدرسة سيد درويش كان الفضل فيه لكوكبة الفنانين المصريين الكبار في البدء. ثم أصبح تلاميذ عبد الوهّاب في الموسيقى العربية، داخل مصر وخارجها، لا يعّدَّون ولا يُحصَون.

هل يمكن القول إن سيد درويش هو أول من أعطى للملحن شخصيتَه بعد أن كان المطرب هو رأس الموضوع في القرن التاسع عشر؟

هذا القول يصح في ألحان سيد درويش المسرحيّة. ذلك أن ألحان الأغاني المسرحيّة تعبيريّة، وقد وُضع لحنها بالتحديد لأجل تعبير معيَّن دقيق. وكان تصرف المغني فيها ربما يُفقدها هذا التعبيرَ، لذلك كان لا بد من أن يلتزم المغني بلحن الملحّن بحذافيره، ضمن السياق المسرحيّ.

من حيث السمة التعبيريّة التي أحدثها سيد درويش، فمحمّد عبد الوهّاب هو تلميذه المخلص بلا شك. وكان لا يكف عن القول: "أنا درويشي حتى العظم"

أما في ألحان سيد درويش الأخرى، الأدوار والموشحات والطقاطيق، فحرية المغني أرحب بكثير، لأنها تقوم على جمالية الطرب، ولا تحتوي بالضرورة على التعبير التصويري أو التمثيلي. خذ مثلاً: "ضيعت مستقبل حياتي"، كيف غناها زكريّا أحمد. هذا التسجيل التاريخي يطربني أكثر من غناء سيد درويش للدور نفسه. وهذا يُعزى إلى التصرّفات التي أحدثها غناء زكريا، الذي لم يلتزم حرفيّاً بلحن سيد درويش، فانطلق في مغامرة غنائيّة مطربة للغاية. هنا استقل المغني نسبياً عن الملحن، خلافاً للحال في الألحان المسرحيّة، حيث يبقى مقيَّداً.

هل ترى أن النقاد والباحثين أنصفوا موسيقى سيد درويش أم أن النظرة إليها لا زالت قاصرة؟

بعضهم أنصف سيد درويش، مثل محمّد علي حماد أو محمود أحمد الحفني، والذين ألفوا الكتب باكراً عن سيد درويش، فمنعوا جزئياً التعتيم عليه. لكن إنصافه الأهم هو إصدار إسطواناته في وسائل السمع وتقديم تراثه على المسارح، ووضع أطروحات علمية عنه في المعاهد الموسيقيّة. أما النقاد فإن مثل هذه البيئة كفيلة بتفريخهم، إذا كان التراث الموسيقي مخدوماً خدمةً جيدة في الإعلام والمسارح والمعاهد الموسيقية.

هل يمكننا القول إن موسيقى سيد درويش كانت بمثابة قطيعة مع القرن التاسع عشر أم أنه حلقة وصل بين قرنين؟

هذا خطأ شائع. أولاً لأن جزءاً مهماً جداً من تراث سيد درويش كان امتداداً للموسيقى العربية المدنيّة في مصر في القرن التاسع عشر. وهو الجزء غير المسرحي، من أدوار وموشحات وطقاطيق، وفيه جمالية الطرب هي الجمالية الوحيدة التي تسوقها الأغنية إلى آذان المستمعين ووجدانهم. أما ما سمّيتَه "قطيعة" فينحصر في الألحان المسرحيّة، التي أضفت على اللحن العربي مهمتَه التعبيرية والتمثيليّة والتصويرية، من دون أن تلغي الطرب. لذا ظلَّ الطرب والتعبير متلازمين معاً في موسيقى وألحان كبار القرن العشرين. وهذا يدعونا إلى القول: لم تحدث قطيعة، بل حدثت إضافة.

يرى البعض أن ثورة 1919 الشعبية لعبت دوراً مؤثراً في انتشار أعمال سيد درويش، فما رأيك؟

لا شك في ذلك. إذ كان سيد درويش يرافق التظاهرات الشعبية وهو يحمل العود، ويستمع إلى الهتافات التي ينشدها المتظاهرون، فيرددها ملحَّنَة، ويأخذ الجمهور في تردادها من بعده. وقد جاء في كتابي "سيد درويش المؤسس"، أنه وضع في الأغنية الوطنية خمسة أنواع، وشرحتُ ذلك بالتفصيل. ويتبيّن في هذا التفصيل السببُ الأول الذي جعل هذه الأغنياتِ تنتشر، لا بفضل جودة موسيقاها فقط، بل كذلك بفضل موضوعها الشعبي، الذي التزم في كثير من الأحيان التعبيرَ عن الحدث اليومي آنذاك.

يرى البعض أن ثورة 1919 الشعبية لعبت دوراً مؤثراً في انتشار أعمال سيد درويش، فما رأيك؟ -لا شك في ذلك 

ولا شك في أن جزءاً من نفور مسؤولي معهد الموسيقى الشرقي، مثل صفر علي ومصطفى بيه رضا، من سيد درويش، كان سببه سياسياً، لا سيما لرفقته الوثيقة مع بيرم التونسي الذي كان في بعض أشعاره يشتم الملك فؤاد، الذي كان الوطنيون المصريّون في ثورة 1919 ينظرون إليه على أنه صنيعة الإنكليز، بعدما أحلّوه على العرش، وبعدما نحوا الخديو عباس حلمي عنه.

نلاحظ أنك في الفترة الأخيرة قد أصدرت كتباً مستقلة حول بعض الشخصيات الواردة في كتابك المرجعي "السبعة الكبار في الموسيقى العربية"، فهل من الممكن أن نرى لاحقاً إصداراً مستقلاً عن القصبجي أو السنباطي أو زكريا أحمد أو أسمهان؟

هذه حسرة في حياتي التأليفيّة، لأن ما ملكته من سعة المعلومات عن سيّد درويش ومحمّد عبد الوهّاب، لا أملك مثله، من حيث المراجع الحية عن هؤلاء الكبار. ثم إن ضعف سمعي الآن يحُول دون معاودة الاستماع والتحليل، وهما من الأدوات اللازمة في أي كتابة تاريخية وافية بالغرض، في الموسيقى.

لدي حسرة مماثلة في الكتابة عن الموسيقيين اللبنانيين الكبار، الذين عرفتهم شخصياً، مثل فليمون وهبي وحليم الرومي. لكن رجائي أن يكون مثل هذا العمل القومي العظيم على جدول أعمال الجيل الجديد من المؤرخين للموسيقى العربية، مثلكم ومثل كريم جمال، وآخرين.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard