"مستقبل السينما" الذي رآه المخرج الراحل يوسف شاهين، وقدمه في فيلمه "عودة الإبن الضال"، فتى الأحلام، وابن الأصول، كلها ألقاب جمعها الفنان هشام سليم الذي رحل صباح اليوم، 22 سبتمبر/ أيلول، عن عالمنا عن عمر 64 عاماً، قضى معظمها على هامش دائرة الضوء التي استحقها، كمعظم أبناء جيلة ذوي الحضور والموهبة، والقبول الاستثنائي، الذين تمتعوا بمواصفات النجومية، إلا أنهم جاءوا في عصر باهت لا تصنع فيه الموهبة نجوماً.
دخل هشام سليم إلي عالم الفن منذ الصغر، وفرض لنفسه مساحة خاصة، كانت تضيق عليه أحياناً فيختفي لبعض الوقت، ثم يعود ويخطف الأنظار بشخصية جديدة تؤكد حضوره الاستثنائي، الذي كان يجب – لو أن الأمور تؤخذ بالمنطق- أن يجعل منه نجم صف أول لسنوات طويلة، لكن المبادئ التي تربى عليها في بيت أسطورة الكرة المصرية صالح سليم، ورفضه لما يراه "تنازلات" حرماه من الحصول على فرص كبيرة ذهبت لآخرين، أحياناً ما كانوا أقل منه موهبة وحضوراً.
تلك الأزمة التي واجهها سليم وطردته إلى خارج دائرة الضوء، طاردت زميله وابن جيله صاحب الموهبة اللافتة، الراحل ممدوح عبدالعليم، صديق عمره وشريكه في بطولة مسلسل "ليالي الحلمية"، وكذلك الفنان الراحل عبدالله محمود الذي رحل مثلهما قبل أن ينال ما تستحقه موهبته من اعتراف وتقدير.
الأزمة التي واجهها سليم وطردته إلى خارج دائرة الضوء التي يستحقها، طاردت زميله وابن جيله صاحب الموهبة اللافتة، الراحل ممدوح عبدالعليم، صديق عمره وشريكه في بطولة مسلسل "ليالي الحلمية"
الفارس الصغير
يتفق من تعاملوا مع هشام سليم من فنانين وصحافيين على أنه اتسم بما يدعونه "أخلاق الفرسان"، التي ورثها عن والده صالح سليم، وما تعلمه في البلاتوه مع أول ظهور له على الشاشة في فيلم "إمبراطورية ميم" في عام 1972.
في هذا الظهور الأول، وقف هشام وهو على أعتاب المراهقة يستمع لتوجيهات المخرج الراحل حسين كمال، ويتلقى دروس التمثيل الأولى من "الفارس" أحمد مظهر، والفنانة الراحلة فاتن حمامة، صديقة العائلة التي دفعت به في طريق الفن وهو بعد في الثانية عشرة من العمر، على الرغم من مقاومة والده الذي كان يعتبر الفن مجالاً غير مضمون،" بحسب شهادة هشام نفسه في عدد من المقابلات الصحافية التي عنت دوماً بالعلاقة بينه وبين والده.
خطف هشام الأنظار بشخصية مدحت المراهق اللعوب الذي يسعى للمغامرة وخوض التجارب أياً كانت النتائج، وهي الشخصية التي حملت جانباً من شخصية هشام سليم نفسه، وإن كان هذا جانبٌ سعى هو دوماً إلى ترويضه.
محاولات مستمرة لقتل الأب
ساعد الفن هشام سليم في محاولاته المستمرة للخروج من عباءة والده أسطورة كرة القدم، فعلى الرغم من حبه الشديد لأبيه، ورغبته في مرحلة مبكرة من حياته في أن يصبح لاعب كرة قدم مثله، إلا أنه شعر أن اسم الأب بارز الحضور، والمقارنة الدائمة بينهما ستظل تطارده طوال حياته، وأنه لن يتمكن يوماً من التفوق عليه، لكنه رأى أنه من الممكن أن يميز نفسه في مجال التمثيل ويضع بصمته الخاصة، حتى أنه قال في أحد اللقاءات الإعلامية "صالح سليم نموذج لا يتكرر. مهما كنت وصلت لشيء في الكرة، لم يكن من الممكن أن أصل لصالح سليم، ولم يصل لمجده أحد حتى الآن. ولكن في الفن أنا أحسن".
تأكد نجاح هشام في عالم السينما بعد أن دخل مدرسة يوسف شاهين، وشارك عمالقة التمثيل في واحد من أهم أفلام شاهين وهو "عودة الابن الضال" وشكل ثنائي استثنائي مع المطربة ماجدة الرومي في الدور السينمائي الوحيد لها، واستطاع أن يضع بصمة جديدة من خلال شخصية الشاب الحالم الباحث عن ذاته، الذي يتمنى التحليق بعيدا عن ديكتاتورية أبيه، هل يذكرك هذا بشيء؟ إلا أن النقلة المختلفة التي أبرزت موهبته في أداء شخصيات معقدة بعيدة عن شخصيته الحقيقية، ظهرت في شخصية بهلول الانتهازي المتسلق في فيلم "الأراجوز" أمام النجم العالمي عمر الشريف صديق والده.
حروب الجيل
وعلى الرغم من أداءه المتميز لشخصية بهلول؛ إلا أن البعض استغل هذه الصداقة لمحاربة هشام من جديد واتهامه بأن اسم والده وعلاقاته هى السبب في حصوله على هذه الأدوار.
وعانى هشام سليم بسبب تلك الاتهامات، وكذلك بسبب ميل عدد من المنتجين والمخرجين لحصره في أدوار بعينها تشبه شخصيته أو تشبه حياته باعتباره ابن عائلة راقية. وبالتالي، لم يكن من السهل أن يحصل على أدوار متنوعة تبرز موهبته، وحتى شخصية عادل البدري الشهيرة التي قدمها في مسلسل "ليالى الحلمية" لأسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ، هي نموذج الشاب المستهتر ابن الباشا والهانم، على عكس شخصية شقيقه على البدري الذي ولد وتربى في الحلمية لأم من أسرة بسيطة، وقدمها بجدارة ممدوح عبد العليم، وهو صاحب الأدوار الأكثر تعقيداً وتنوعاً في هذا الجيل.
ساعد الفن هشام سليم في محاولاته المستمرة للخروج من عباءة والده أسطورة كرة القدم، فعلى الرغم من حبه الشديد لأبيه، ورغبته في مرحلة مبكرة من حياته في أن يصبح لاعب كرة قدم مثله، إلا أنه شعر أن اسم الأب بارز الحضور، والمقارنة الدائمة بينهما ستظل تطارده طوال حياته
بينما شكل مسلسل "المصراوية" وشخصية العمدة فتح الله التي قدمها هشام سليم مفاجأة صاعقة، أثبتت للمشككين في موهبته أنه ممثل على درجة عالية من النضج والوعي بالشخصية، واقترب ارتباط المشاهدين بالشخصية من ارتباطه بشخصية العمدة سليمان غانم التي قدمها صلاح السعدني في ليالي الحلمية، على الرغم من الاختلاف في تركيبة الشخصيتين، حتى أن المسلسل لم يتمكن من الحفاظ على جمهوره بالدرجة نفسها بعد انتقال شخصية فتح الله للفنان ممدوح عبد العليم، نتيجة اعتذار هشام سليم عن الجزء الثاني. فمع اختلاف الممثل؛ اختلفت الشخصية بشكل كبير، مما أفقد الجمهور التواصل معها.
يذكر هنا، أن صداقة سليم وعبد العليم كانت تصل حد أنه لا يمكن أن يقبل أحدهما دوراً اعتذر عنه الآخر، إلا بعد الاتصال به أولاً لمعرفة الأسباب والاستئذان قبل قبول الدور.
فرصة ضائعة
في حياة هشام سليم العديد من الفرص الضائعة، من أبرزها أنه كان مشروعاً لنجم استعراضي كما ظهر في عمله مع الفنانة الاستعراضية شريهان في عدد من الأعمال، إذ شكلا ثنائياً سينمائياً في عدد من المشروعات، منها "كريستال" و"ميت فُل". إلا أن سوق الإنتاج المصري لم يهتم كثيراً بهذه النوعية من الأفلام منذ بداية السبعينيات، التي بدأ يظهر فيها هشام سليم.
خاض هشام سليم الكثير من المعارك في حياته، أصعبها كانت معركة استعادة حب أبنائه بعد الانفصال عن زوجته، وشهد له الكثيرون بالشجاعة في مواجهة المجتمع عندما ساند ابنه نور ودعمه علناً عندما أعلن الأخير عبوره الجنسي
تنوع متأخر
مثلت الدراما التلفزيونية في نهاية التسعينيات وبداية الألفينات، فرصة جاءت بعد انتظار طويل لهشام كي يحظى ببعض التنوع في الأدوار، فقدم تنويعات على دور الشاب الجاد الطموح المُحبَط في "أرابيسك" و"أهالينا" و"الراية البيضاء"، و"امرأة من زمن الحب"، وجسد دور السياسي الانتهازي في "محمود المصري"، والمناضل في "ظل المحارب" وغيرها.
وفي السنوات الأخيرة، قدم نموذجاً جديداً لشخصية الضابط ورجل المخابرات، خاصة في أعمال "هجمة مرتدة" و"حرب الجواسيس"، الذين جسد فيهما شخصية عادل مكي في إطار يختلف عن النموذج الذي قدمه من قبل فنانون من الجيل السابق عليه، مثل يوسف شعبان ونبيل الحلفاوي في المسلسل الشهير "رأفت الهجان".
خاض هشام سليم الكثير من المعارك في حياته الممتدة منذ ميلاده في 27 يناير/ كانون الثاني 1958، حتى وفاته في 22 سبتمبر/ أيلول 2022، أبرزها معركة الخروج من عباءة والده مع الحفاظ على حبه وإعجابه الشديد بالأب الراحل. أما أصعب معاركه فكانت هي استعادة حب أبنائه بعد الانفصال عن زوجته الأولي، وشهد له كثيرون بالجرأة والشجاعة في مواجهة المجتمع عندما ساند ابنه نور ودعمه علناً عندما أعلن الأخير عبوره الجنسي.
أثرت محاولات الإقصاء على حياة هشام سليم وأبعدته عن الساحة أحياناً، وأجبرته في أحيان أخرى على قبول أعمال لا تناسب ذوقه الفني واحترامه لفنه، لكن تاريخه الفني الكبير والبصمة الخاصة التي تركها في الكثير من الأدوار، ستُبقي ذكرى "ابن الأصول" حاضرة في ذاكرة محبيه، ليجد بعض الإنصاف حتى ولو بعد الرحيل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع