شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
المياه في الضفة الغربية… من عطش الفلسطينيّين إلى مسابح المستوطنين الملأى على آخرها

المياه في الضفة الغربية… من عطش الفلسطينيّين إلى مسابح المستوطنين الملأى على آخرها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 19 سبتمبر 202212:39 م
Read in English:

While settlers' swimming pools overflow, Palestinians go thirsty

تعاني معظم مدن الضفة الغربية من انقطاع المياه عدة أيام، خاصة في فصل الصيف، ويعود هذا لفرض الاحتلال سيطرته على المياه الجوفية في أراضي الضفة، وتحديد الكميات المسموح باستخدامها، ناهيك بسوء التوزيع، والاستهلاك غير المرشد. وعلى نحو خاص، تُعاني مدينة رام الله النقص الشديد في المياه بسبب توافد عدد كبير من الزائرين من المدن الأخرى، كونها العاصمة السياحيّة في الضفّة الغربيّة. وتُعاني بلدة بيتونيا نقصاً شديداً في معدّلات المياه، وقد يصل معدّل انقطاع الماء عنها عشرة أيّام. وحسب الإحصاءات المتوفّرة، فإنّ الفرد يحتاج حسب المعدّلات الطبيعيّة إلى ما يُقارب مئة ليتر من الماء، في حين تسمح إسرائيل بـ30 إلى 40 ليتراً يوميّاً.

ليس لأنها أرض بور

إذا مررنا عبر تجمّعات سكّان الحديديّة قرب طوباس، في منطقة الأغوار الفلسطينيّة، فسنرى الأرض الجرداء تمتدّ على طول الطريق، ليس لأنّها أرض بور، وإنّما لشحّ المياه وانعدامها في الكثير من الأوقات، ولكن في الأفق، سوف تظهر منطقة واحات خضراء كثيفة ملاصقة لتلك المنطقة، وهي مستوطنة "روعيت"، التي يقطنها مستوطنون يحصلون على معظم المياه في مقابل حرمان الفلسطينيّين من الريّ والشرب وسقي الماشية، ما يمثّل العنصريّة الواضحة فيما يخصّ مصادر المياه وتوزيعها.

في الوقت ذاته، تُعاني بلدة الظاهريّة في قضاء مدينة الخليل النقص الشديد من المياه، إذ يتقلّص معدّل الاستهلاك اليوميّ للفرد إلى ثلاثين ليتراً، لكن على الجانب المقابل، نجد مستوطنات إسرائيليّة متعدّدة على أطراف البلدة، مثل مستوطنة "بيت ياتير" ومستوطنة "شيمعة" و"أدورا"، حيث تصل حصّة الفرد فيها إلى 550 ليتراً من الماء، ولا يخفى على أحد الرفاهية التي يعيش فيها المستوطنون وسط حدائقهم الخضراء الكثيفة، في حين يحصل الفلسطيني على الماء بشقّ الأنفس.

برك ترفيهية واستجمام

لم يكتف الإسرائيلي بسرقة الأرض والهيمنة عليها، بل استطاع مع الوقت من السيطرة على موارد الأرض كذلك، فهو المتحكّم بخرائط تشغيل واستثمار المياه في أنحاء الأرض الفلسطينيّة، ولا يتعلّق الأمر بالتنظيم وحده، ولكن يتعلّق أيضاً بإثبات قدرته على السيطرة التامة على مصادر المياه والحياة، إذ يستهلك المستوطنون المياه من الضفّة الغربيّة، ليس للاستحمام والشرب وما شابه فقط، وإنّما لضخّها في مسابحهم وبركهم الترفيهيّة.

 لا يخفى على أحد الرفاهية التي يعيش فيها المستوطنون وسط حدائقهم الخضراء الكثيفة، في حين يحصل الفلسطيني على الماء بشقّ الأنفس

يعمل الاحتلال الإسرائيلي بنظام "أنا ومن بعدي الطوفان"، هذه الغطرسة التي تبدو أبعد ما تكون عن فكرة الحضارة، تمنع الماء في حدّه الأدنى عمّن يطلبه فعلاً، من خلال السيطرة على الآبار الجوفيّة المحفورة بأموال الفلسطينيّين، والتي أُقيمت حولها المستوطنات، بالإضافة إلى منع الفلسطينيّين من حفر آبار جديدة.

ازدادت نسبة تلوّث المياه الجوفيّة في مدن الضفّة الغربيّة، بالإضافة إلى ارتفاع نسب النترات فيها، وذلك بسبب الاستخدام المفرط من قبل المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينيّة، ففي مدينة طولكرم مثلاً، فإنّ كميّة المياه التي "نجت" من التلوّث، لا تتجاوز الـ27٪ في أفضل الأحوال، فيما بلغت في محافظة قلقيلية، 23٪ فقط.

وبفعل ذلك، أصبح الفلسطيني في ورطة فيما يخصّ المياه، إذ تتزايد المعاناة بشكل مستمرّ، نظراً لزيادة السكّان في الضفّة، مع إبقاء الاحتلال على نسبة ثابتة يمكن للفلسطيني الحصول عليها من المياه، وهو ما يعني تناقص الحصّة المائيّة للفرد الواحد بشكل مستمر.

تقول الطبيبة نادية صوافنة لرصيف22: "تحصل معظم قرى الضفة على المياه بشكل شحيح، وهو ما يعرض حياة المواطن الصحية للخطر، في ظل الحاجة الماسة للنظافة والشرب، وري الأرض والنباتات".

وتستطرد الطبيبة: "إن الحصول على المياه عبر الصهاريج المتنقلة بالسيارات، حيث الضوضاء والزحام على الطرق، وانقطاع المياه لأوقات طويلة، يعتبر مشقة كبيرة لأهل القرى، كما أن هذه الصهاريج تتسبب بمشاكل صحية كبيرة للسكان لعدم توفر الحد الأدنى من سبل تعقيمها، وفي الكثير من الأحيان، يتم نقل الجراثيم والكائنات الدقيقة عبر عملية النقل البدائية هذه".

وتكمل: "تردنا حالات من الفشل الكلوي والتلوثات في الكبد، لأن المياه التي يشربها الكثير من السكان في الضفة الغربية ملوثة بمادة النترات ومادة الكلورايد. المواطن الفلسطيني في حيرة ما بين تلوث المياه وشحها، كما أنّ هناك الكثير من العائلات التي لا تستطيع الحصول على المياه المحلاة أو المعدنية، فمعظم الحالات التي تردنا تكون قد اعتمدت على مياه الشرب التي تلوثت بفعل ممارسات المستوطنين الجائرة".

عصابات

عزم الاحتلال والمستوطنون بالسيطرة على أراضي الفلسطينيين في الضفة بطرق غير قانونية، عبر شق الشوارع وسط مزارع الفلسطينيين، دون أي سند قانوني، وذلك بهدف عزل المزارع بعضها عن بعض، ومنع الفلسطينيين من التنقل عبر هذه الشوارع. كما اعتمدوا على ترويع المواطنين الفلسطينيين والاعتداء عليهم، لطردهم من أراضيهم والسيطرة على منابع المياه الجوفية.

يقول المهندس خليل الطوالبي في هذا الأمر لرصيف22: "تعاني المدن الفلسطينية في الضفة الغربية أزمة المياه لسنوات طويلة، بسبب قرصنة الاحتلال للمياه الجوفية والتحكم بها، إذ يُحظر على الفلسطيني الحصول على حصته اليومية من الماء، فيما يهدر المستوطن الكميات الفائضة الممنوحة له، ويدلقها للفراغ على مرأى من الجميع".

تردنا حالات من الفشل الكلوي والتلوثات في الكبد، لأن المياه التي يشربها الكثير من السكان في الضفة الغربية ملوثة بمادة النترات ومادة الكلورايد

ويكمل الطوالبي:"يمنحنا الاحتلال الحد الأدنى من الحياة، ويفعل ذلك بالمياه أيضاً، فلا يحق للفلسطيني أن يستثمر بالزراعة في الأراضي المحيطة بالمستوطنات لمساحات شاسعة، فإنهم يحاولون بكل الطرق إماتة الأراضي المحيطة بالمستوطنات، فيما يحوّلون الأراضي التي قرصنوها إلى جنائن خضراء، حتّى أنّ العين تستطيع تمييز الأرض المملوكة للفلسطيني عن الأرض التي سرقها المستوطنون. إنّه مشهد يدعو للاستغراب".

ويضيف: "قبل عام، جئت بالعمّال لزراعة أرضي في قضاء قرية "هربات النبي"، البعيدة بعض الشيء عن مستوطنة "بيت ياتير" الإسرائيلية، وبعد أن تمكنّا من زراعة البرقوق واللوز والحمضيات، لاحظنا شحّ المياه في المكان، وأنّها بدأت تنقطع بشكل غير مبرر. حاولنا التواصل مع المسؤولين الفلسطينيّين من أجل ذلك، إلّا انّهم أخبرونا بأنّ الأمور تمضي بشكل غير طبيعي، لكن كميّة المياه المتوفّرة قليلة، وهذا هو الحدّ المسموح لنا باستخدامه من قبل الاحتلال. بعد ذلك اكتشفنا أنّ المستوطنين يعرفون مصادر شبكة المياه الممنوحة لنا، ويتحكّمون بها حسب مزاجهم، إذ يستطيعون أيضاً منعها عنّا في الوقت الذي يريدون به ذلك".

ويتابع الطوالبي: "فوجئنا ذات ليلة بهجوم المستوطنين على الأراضي الخاصة بنا، وقد أقدموا على تكسير جميع مقتنياتها، والكثير من الأشجار، وتحطيم موزعات المياه في الأراضي، ولم يستطع الحارس منعهم بسبب تهديدهم له بالقتل".

الأرض… الهوية

وفي الوقت الذي تمثل الأرض هوية الفلسطيني، يدافع عنها بدمه وحياته، ويحافظ على مواردها ومياهها الجوفية، لكنها لا تمثل للمستوطن سوى غنيمة حصل عليها، ويريد الاستفادة من امتيازاتها في أقصر وقت ممكن، دون أي اكتراث لمستقبلها.

يحدثنا المزارع حسين الصيفي حول ذلك، ويقول لرصيف22: "أنا مزارع أباً عن جد، ونشأت بين الأشجار، وكنت أسمي الأشجار بأسمائنا وقت كنت طفلاً، لقد كان أبي بعتز بمهنته، ويعلمني بأن زراعة الأرض تطرد المحتل، وأن إبقاءها بوراً هذا يعني شيئاً واحداً: أنك ميت".

لا يحق للفلسطيني أن يستثمر بالزراعة في الأراضي المحيطة بالمستوطنات لمساحات شاسعة، فإنهم يحاولون بكل الطرق إماتة الأراضي المحيطة بالمستوطنات، فيما يحوّلون الأراضي التي قرصنوها إلى جنائن خضراء

ويكمل الصيفي: "في عام 1996، لاحظنا حركة غريبة للمستوطنين في المناطق المحيطة بمزارعنا، وبعدما ذهبنا للتأكد، عرفنا نيتهم إقامة مستوطنة على مساحة كبيرة من دونمات الفلسطينيين، وقتها أخبرني أبي بأن هذه الأرض هي حصننا ولن نغادرها حتى لو كلفتنا حياتنا".

ويضيف: "بعد فترة من الزمن بدأ المنفلتون من المستوطنين الإسرائيليين يداهمون مزرعتنا بحجة شرب الماء، كنت ألمح في عيونهم النظرات الخبيثة. كنّا أنا وأبي نتصدّى لهم، بحجة أن المياه مقطوعة، فيذهبون ويشربون الماء أمام أعيننا من سياراتهم".

ويتابع المزارع النابلسي: "لقد قامت في المكان مستوطنة "جفعات أولام" على مساحة كبيرة من المكان، وينتج منها مخزون كبير من بيض الدجاج بشكل يومي، والمشكلة تكمن في أنه منذ إقامتها، بدأت المياه تشح في مزرعتنا والمناطق المحيطة، وأصبحت الأولوية لهم، في امتلاك المياه والتصرف بها، ومع الوقت، بدأنا نشعر بالخطر على أشجارنا بعدما نقص منسوب المياه إلى الصفر في عز أوقات الصيف، ووجدنا أنفسنا في حسرة على أشجارنا التي رأيناها تذبل وتموت وتتساقط عطشى أمام أعيننا، ولا سبيل لدينا لحلّ هذه المشكلة، وبسبب هذا البؤس، ساءت صحة أبي تدريجياً، وسقط كما سقطت أشجاره، فلم يحتمل أن يرى جنى عمره، والأشجار التي تتهاوى دون مقدرة على إنقاذها".

ويستكمل الصيفي: "لقد مات أبي، وساءت حالة الأرض، لكنني عزمت على إكمال الدرب، والبقاء في مواجهة المستوطنين وظلمهم، وعملت بكامل جهدي للاعتناء بالأشجار مهما حدث، وقمت بزراعة الأشجار ذات الثمار البعلية في أماكن مختلفة من المزرعة، فيما عزمت منذ ذلك الوقت على البقاء على أرضي والحفاظ على الشجر مهما كلفني ذلك، واضطرت في الكثير من الأوقات إلى شراء المياه عبر الصهاريج، لتفادي موت الأشجار، فلا أزال أتفادى الموت كما وصفه لي أبي. وما دمت على قيد الحياة، فأرضي لن تتحوّل إلى بور، وأنا أعلّم هذا لأطفالي".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image