استطاع فريق بحث بيولوجي بقيادة البروفيسور الفلسطيني الدكتور يعقوب حنّا، تحقيق اكتشافين علميّين في علم البيولوجيا خلال السنوات القليلة الماضية، والفريق ماضٍ في تطوير هذه الأبحاث بغرض كشف المزيد من أسرار هذا العالم الواسع لتحقيق تقدم في المجال الطبي فيما يتعلق بزراعة الأعضاء والتعرف أكثر على تكوين الأجنة في محاولة لمنع العيوب الخلقية مستقبلاً.
رغم أن أبحاث تطوير الخلايا الجذعية واستخدامها في الأغراض الطبية مستمرة منذ زمن، فإن هذا الفريق استطاع "الوصول إلى نتيجة أنّ الخلايا الجذعية من الممكن أن تتحول بالأنبوبة إلى جنين، والوصول للبيئة التي أعطت الخلايا الجذعية القدرة لخلق جنين كامل مع المشيمة وما يحيط بها" ، كما أخبر الدكتور يعقوب حنّا رصيف22.
الدكتور حنّا الذي تعود أصوله الفلسطينية لقرية الرامة في الجليل، درس الطب، وهو حاصل على رخصة ممارسة الطب، ولكنه استكمل دراسة الدكتوراه كباحث بيولوجي، كما استكمل بحثاً من بعد الدكتوراه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ويعمل في مختبره الخاص منذ 11 عاماً تحت مظلة معهد وايزمان للعلوم، بالإضافة إلى إشرافه على باحثي الماجستير والدكتوراه وما بعد الدكتوراه لـ15 باحثا/ة في مجال الأبحاث الجذعية.
استطاع الفريق الوصول إلى نتيجة أنّ الخلايا الجذعية من الممكن أن تتحول بالأنبوبة إلى جنين، والوصول للبيئة التي أعطت الخلايا الجذعية القدرة لخلق جنين كامل مع المشيمة وما يحيط بها
تم اختياره في العام 2014 من بين 40 عالماً متميزاً تحت سن الأربعين في العالم، كما فاز بلقب "المفكر في القمة" لعام 2021، من بين 50 مرشحاً من مختلف أنحاء العالم، من قبل مجلة "پروسپكت" العالمية.
البداية من الفضول
بدأت الأبحاث الجذعية منذ 11 عاماً، "في البداية لم يكن هناك شيء واضح، كان هناك فضول معين، ومع الوقت تبلور مع التعرف على الإمكانات، لخلق جنين من الخلية الجذعية، أي العودة إلى الوراء وإرجاع جزء من الكائن الحي لوضع الجنين الأول، وهذا ما استطعنا العمل عليه، خلق الجنين لليوم السابع الذي تستطيع فيه الخلية القيام بأشياء كثيرة، فلاحظنا أنها بدأت في خلق المشيمة، وكيس المحيط الخارجي، وهي عبارة عن الأغشية المحيطة بالجنين"، قال الدكتور حنّا.
تقام هذه الأبحاث في غالبها على الفئران، إد تساءل الفريق البحثي عن إمكانية الوصول إلى جنين كامل (اصطناعي) من الخلية الجذعية، وأكد الدكتور حنا: "وهو أمر صعب، كصعوبة تربية الجنين الطبيعي خارج الرحم، فلم يتوصل العلم حتى الآن لكيفيّة تحقيق ذلك".
وأوضح أن الفريق عمِل على اختراع جهاز الكتروني يستطيع تربية الجنين الطبيعي منذ اليوم صفر إلى اليوم الحادي عشر من الحمل لدى الفئران التي تبلغ 20 يوماً، "أي استطعنا الوصول إلى أكثر من نصف المدة، وهي مرحلة الجنين الكامل الذي طوّر كل الأعضاء، وهو اكتشاف جديد في هذا المجال، وكان هذا عنق الزجاجة، فعندما أصبحت لدينا القدرة على تربية الجنين الطبيعي خارج الرحم، بدأنا في التفكير في خلق جنين من الخلايا الجذعية باستخدام الجهاز الذي هو بيئة ملائمة للجنين، وبالفعل أثبتنا أنه بالإمكان خلق جنين من هذه الخلايا دون بويضة وحيوان منوي ورحم، والوصول لليوم الثامن والنصف من الحمل، فأصبح للجنين قلب وخلايا دم، ومخ في الفئران، وهو ما أثبت أن هناك القدرة على خلق جنين اصطناعي من الخلايا الجذعية التي تُسمى بالتنظيم الذاتي، لتصبح شيئاً مشابهاً للجنين".
يعمل في الفريق الذي توصل لهذا الاكتشاف شادي طرزي، طالب دكتوراه من غزة، والباحثة كارين جبران من الرملة، واليخاندرو أغليرا من المكسيك، جميعهم يحضرون شهادة الدكتوراه ويعملون منذ عدة سنوات، وقادوا مشروع الجنين الاصطناعي تحت إشراف البروفيسور حنّا في المختبر الذي يقع اليوم في منطقة في "ريحوفوت"، أو بيارات يافا سابقاً، بين قضاء اللد والرملة.
استطعنا الوصول إلى أكثر من نصف المدة، وهي مرحلة الجنين الكامل الذي طوّر كل الأعضاء، وهو اكتشاف جديد في هذا المجال
وذكر الدكتور حنّا أن الأجنة الاصطناعية تشبه إلى حد كبير الأجنة الطبيعية لكنها لم تكن متطابقة بنسبة 100٪، "فحجم الأعضاء في بعض الأحيان أصغر أو أكبر من المعتاد كالقلب أو المخ، وهو ما نعتقد أنه السبب وراء عدم تطور الجنين عن اليوم الثامن والنصف" كما قال، ويواصل: "يفتح هذا البحث المجال لأسئلة كبرى، تقنية وجوهرية، ما هي الخلايا التي من الممكن أن تكون الأقرب للطبيعية؟ هل من الممكن أن ينجح هذا البحث مع حيوانات أخرى أو مع البشر؟ وما هي الخلايا التي يجب أن تستعمل؟ هل من الممكن استخدام خلايا من الجنين لزراعة الأعضاء؟ والكثير من الأسئلة من هذا النوع، وهذا ما يجعلنا نفكر ونطور البيئة التي تحافظ على الجنين ليكون من ناحية الشكل متطابقاً أكثر مما هو متعارف عليه".
الهدف
أكد الدكتور حنّا أن ما قادهم لهذا البحث هو الفضول العلمي، "لفهم كيف يكوّن الجنين أعضاءه، فهذا الأمر يحدث داخل الرحم، والرحم بالنسبة لنا هو صندوق أسود، لا نعلم ما يحدث فيه، لذلك عملنا على تربية جنين خارج الرحم لنتعرف على ما يحدث عن قرب، وعندما حققناه أصبح الهدف خلق الجنين الاصطناعي من الخلايا الجذعية".
وبسبب الطمع العلمي كما أسماه الدكتور حنا أصبح الهدف اليوم "كيفية استخدام الخلايا الجذعية للإنسان لخلق عضو بالإمكان زراعته، العمل والمحفز اليوم هو توفير أعضاء للزراعة تُخلق من الخلايا الجذعية للشخص نفسه لزراعتها فيه، مما سيساهم في إنقاذ حياة الكثيرين/ات حول العالم. فزراعة الأعضاء اليوم تواجه صعوبة الحصول على متبرع، وعندما يتوفر، فهناك إمكانية عدم تطابق الحمض النووي مما يؤدي في بعض الأحيان لرفض الجسم لهذا العضو، لذلك فإن الحلم هو خلق عضو من الخلايا الجذعية للمريض ذاته، بحمض نووي متطابق مما يقلل فترة انتظار متبرع، والحصول على العضو للزراعة".
الجنين الاصطناعي
الجنين الاصطناعي الذي توصل له الفريق لا يزال في وضع بدائي وبعيد جداً عن الجنين الطبيعي، فهو لا يستطيع العيش بنفسه ولا نستطيع ارجاعه للرحم، كما أكد الدكتور حنّا، وأضاف: "أثبتت الدراسات التي قمنا بها أننا نستطيع خلق جنين بشري اصطناعي لغاية اليوم الأربعين، وهو في مراحل بدائية، وهو شيء مشابه للجنين، ليس مطابقاً له، وبه خلل، ولكننا نعمل على نظام نموذجي، ولكن لا تزال تنقصنا معلومات عما يحدث للجنين بين الأسبوع الأول والرابع وهي مراحل دقيقة، فالجنين خلال الأربعة أسابيع يطور كل أعضائه، علمياً نعرف أكثر عن الجنين في المراحل المتطورة في الأشهر اللاحقة، ونعرف ما يحدث للجنين في الأسبوع الأول في حالة أطفال الأنابيب مثلاً، ولكن من الأسبوع الثاني حتى السادس، هناك مراحل معقدة ودقيقة جداً، تخلق فيها كل الأعضاء، ومن الأسبوع الخامس حتى الشهر التاسع تنمو الأعضاء فقط، فأي تغيير جذري في الشكل يحدث في هذه المرحلة، وكذلك الخلل في أي عضو من الأعضاء".
المحاذير الأخلاقية
هناك نقاش حول المحاذير الأخلاقية في العموم عندما يتعلق الأمر بالأبحاث العلمية، "هناك دائماً الحديث عن السيناريوهات القصوى، فهناك تخوف من أن تتم أبحاث الفيزياء النووية المهمة لعلوم الفضاء والطاقة في تطوير قنبلة نووية، وهذا ينطبق على علم بيولوجيا الفيروسات، الذي يثير القلق دائماً من تطوير سلاح بيولوجي، إلا أن أبحاث الفيروسات البشرية أنقذت الملايين عبر السنوات، كما يقول الدكتور حنّا.
وأشار البروفيسور حنّا: "من المهم أن لا نمنع الأبحاث العلمية، فالقنبلة الذرية على سبيل المثال أخطر بكثير مما نقوم به نحن اليوم، وعلينا التذكر أن في كل مجالات البحث توضع قوانين لضبطها دون منع الأبحاث، فاليوم البشرية تطورت وتجرب فهم الأشياء المعقدة".
يفتح هذا البحث المجال لأسئلة كبرى، تقنية وجوهرية، ما هي الخلايا التي من الممكن أن تكون الأقرب للطبيعية؟ هل من الممكن أن ينجح هذا البحث مع حيوانات أخرى أو مع البشر؟ وما هي الخلايا التي يجب أن تستعمل
وأكد: "إن ما نقوم به أخلاقي، فليس لدينا القدرة على خلق جنين كامل، كما أن المريض الذي بحاجة لزراعة عضو وبموافقة منه، نستطيع في ذلك خلق جنين اصطناعي عمره شهران باستخدام هذا الجهاز، واستخدام الخلايا الجذعية من الجنين وإعادة زراعتها في المريض لإنقاذ حياته، وفي النهاية أنا باحث، أتوصل للتكنولوجيا المستخدمة والمجتمع هو الذي يقرر إذا ما كان سينظر لهذا الأمر بأنه أخلاقي أم لا".
وختم: "لا نستطيع في الوقت الحالي العمل على إبقاء الجنين حياً أكثر من شهر ولسنا بحاجة لذلك، فالهندسة الوراثية اليوم تستطيع العمل على خلايا جذعية بقدرات محددة، بحيث يتطور الجنين دون أن تنبض الحياة في القلب أو الدماغ، تنبض فقط في الأعضاء التي نحتاجها، وهذا قد يحل المشكلة الأخلاقية، فهذا الجنين لا يمكنه أن يكون إنساناً أو طفلاً. كما أنّه لن يتطور".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com