ذهبت ميرفت أمين وحيدة لتؤدي واجب العزاء في وفاة المخرج المصري الشهير علي عبد الخالق، مساء الإثنين الماضي 5 أيلول/سبتمبر 2022، وذلك في مسجد الحامدية الشاذلية بضاحية المهندسين، وحيدة لأنها اعتادت الذهاب إلى الجنازات وسرادق الأعزاء بصحبة صديقتيها الراحلتين رجاء الجداوي ودلال عبد العزيز
ز
العلاقة بين النجوم وفئة واسعة من المجتمع المصري معقدة إلى حد كبير. يحب المصريون الفن والفنانين، يتابعونهم عن قرب ويرددون عباراتهم الشهيرة ويشبهون أنفسهم بنجم محبوب ونجمة جميلة، لكن في الوقت نفسه يرفض كثير من هذا المجتمع الفن كمهنة، ويعتبر النجوم أثرياء بدون حق، فيشمت في مرضهم وموتهم وشيخوختهم، آخر الضحايا كانت جميلة السينما المصرية ميرفت أمين.
ميرفت وحيدة في العزاء
رحلت الصديقتان تباعاً بسبب كورونا لكن أمين لم تفوت الواجب، وفي الوقت نفسه لم يتوقف الجمهور عند كونها فنانة متقدمة في السن، ومع ذلك لا تترك مثل تلك المناسبات، وأن هذا بحد ذاته أمر يستحق الإشادة، لكن مصوراً نجح في الاقتراب من عزاء السيدات وحصل على صورة عن قرب لملامح أمين (75 عاماً) فظهرت عليها بوضوح ملامح الإرهاق وتجاعيد الشيخوخة، ليقوم أحدهم بدمج صورة ميرفت في العزاء مع أخرى لها وهي في ريعان الشباب، ثم تبدأ حملة الاندهاش من جهة، والشماتة من جهة أخرى.أحدهم قام بدمج صورة ميرفت في العزاء مع صورة أخرى لها وهي في ريعان الشباب، لتبدأ حملة الاندهاش من جهة، والشماتة من جهة أخرى
قرأنا تعليقات جارحة من نوع "ذهب الجمال يا فنانة واقترب موعد الرحيل فماذا أنتِ فاعلة؟" هذه العبارة تلخص مئات العبارات التي كتبها "الشامتون" على منصات التواصل الاجتماعي .
الظاهرة ليست جديدة بالطبع، قبل السوشيال ميديا لو نشرت مجلة مطبوعة تلك الصورة، لكان الموظفون في أي مصلحة حكومية أو جامعة تعليمية سيتداولونها ويقولون: "ميرفت أمين عجّزت أوي"، وكأن الفنان لا يشيخ.
الجديد هو محاسبة الفنان على ما قدّم، والجلوس مكان الله وإلقاء عبارات الوعيد، لكن اللافت أننا لو حللنا هذه الظاهرة اجتماعياً فسنشاهد أن الفنانة المتقدمة في العمر والتي لا تظهر عليها ملامح الشيخوخة تنالها الطعنات أكثر، نادية الجندي نموذجاً.
نجمة الجماهير كما تلقب، أكبر عمراً من ميرفت أمين، وتتعمد في الآونة الأخيرة نشر صور عديدة لها وهي تتمتع بحيوية الشباب، يعرف الجميع أن الصور تمر أولاً على برنامج الفوتوشوب، لكن معظم التعليقات تقارن بين حالة الفنانة الصحية الجيدة وحالة جمهورها ممن هم دون الستين ويشتكون من أمراض عدة.
ذهبت ميرفت أمين وحيدة لتؤدي واجب العزاء في وفاة المخرج المصري الشهير علي عبد الخالق، لأنها اعتادت الذهاب إلى الجنازات وسرادق الأعزاء بصحبة صديقتيها الراحلتين رجاء الجداوي ودلال عبد العزيز
باختصار هذه الفئة من الجمهور غير معجبة في كل الحالات، ظهور فنانة كناديا الجندي عبرت عامها الثمانين في كامل رونقها لا يلهم جمهور الشامتين الحفاظ على الصحة وحب الحياة، وفي المقابل ظهور فنانة بملامحها الحقيقية وهي تؤدي واجب العزاء لا يعني البتة أنها بذلك تعترف بحكم الزمن وتشعر بحزن حقيقي على المتوفي، بل هي فرصة للشماتة وتبادل الأراء حول ما يسمونه "سوء المصير" .
الشماتة ستحدث بغض النظر عن العمر والتاريخ
التربص والشماتة لا يقتصران على جيل ناديا الجندي وميرفت أمين، قد تجد ممثلة معتزلة ابنة فنان راحل شهير يتردد اسمها بسخرية على صفحات فيسبوك التي لا يعرف أحد من يديرها فقط لأن خطيبها السابق جمعته بزوجته الحالية صورة رومانسية.
الضحية المقصودة هي مي نور الشريف، البعيدة عن الأضواء والتمثيل حتى قبل وفاة والدها، مي خلال تصوير مسلسل "الدالي" في العام 2007 ارتبطت بالممثل الصاعد عمرو يوسف، لكن الخطبة لم تستمر طويلاً، وتفاصيلها لم تكن متداولة فقد كان فيسبوك آنذاك من الرفاهيات.
قد نجد ممثلة معتزلة مثل مي نور الشريف يتردد اسمها بسخرية على صفحات فيسبوك التي لا يعرف أحد من يديرها فقط لأن خطيبها السابق جمعته بزوجته الحالية صورة رومانسية
قبل يومين نادت الممثلة السورية كندة علوش زوجها عمرو يوسف من أجل الظهور معها في صورة على السجادة الحمراء لمهرجان فينسيا ليلة عرض فيلمها الجديد "نزوح"، بدا في لقطة الفيديو القصيرة أن عمرو يوسف لا يريد مزاحمة زوجته وأبطال الفيلم، وأنها تصر على وجوده وقد كان، لينطلق منشور يتم نسخه على عشرات الصفحات يقارن بين الزوجة السورية التي تعتبر نجوميتها ناقصة إذا غاب زوجها عن الصورة، فيما لم يجد عمرو يوسف المعاملة نفسها من خطيبته السابقة بل هرب من العلاقة سريعا بسبب التعالي.
لا أحد يعرف من أين جاء هؤلاء بتلك القصة، هل من حوارات ما قديمة في الأرشيف، أم من نميمة عابرة للأجيال، هل وقعت فعلاً أم لا، لكن في النهاية لا يتورع هؤلاء عن التدخل في خصوصية من غابوا عن الأضواء تماماً كما لم يتورعوا عن انتظار ميرفت أمين لتخرج من سرادق العزاء للتعليق على شيخوختها.
ظهور فنانة كناديا الجندي عبرت عامها الثمانين في كامل رونقها لا يلهم جمهور الشامتين الحفاظ على الصحة وحب الحياة، وظهور فنانة بملامحها الحقيقية وهي تؤدي واجب العزاء لا يعني لهم أنها بذلك تعترف بحكم الزمن وتشعر بحزن حقيقي على المتوفي
هذه الثقافة الساخرة عموماً دون محاذير صنعت جمهوراً مهمته ترقب وفاة هذا الفنان أو تلك الممثلة لتحديد مصير الراحلين بين الجنة والنار حسب معايير كل منهم، فيما مجالس العزاء الحقيقي يجب أن تقام على روح قيم وأخلاقيات وخصوصيات أهدرتها تلك الفئة من الجمهور عبر منصات التواصل الاجتماعي دون أي شعور بالذنب أو أدنى قدر من تأنيب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...