شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
بيوت ومراكز الدجل في صنعاء.. تجارة العلاج بالوهم

بيوت ومراكز الدجل في صنعاء.. تجارة العلاج بالوهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 31 أغسطس 202209:27 م

نشرت هذه المادة بالاتفاق مع  "مواطن"


آلة موت صامتة، ولا تحتاج إلى كاتم صوت رصاص حتى تدير السلطات في صنعاء الأعين عن وقائعها، ولا يعترف بضررها الملايين من المواطنين اليمنيين، رجال ونساء يحترفون التكهن ويدعون مناجاة كائنات من عالم الجن، كما أن لديهم -حسب ما يدعون- قدرات خارقة في معرفة ما سيحدث في المستقبل، وما حدث في الماضي، ويدعون قدرتهم على علاج المرضى؛ وبالأخص مرضى الذهان، يستغلون جهل البسطاء ويتقاضون مبالغ ضخمة نظير أعمالهم المزعومة.

أعداد مراكز العلاج بالتعاويذ في صنعاء تفوق أعداد المراكز الطبية

يلجأ المرضى في صنعاء والوافدين من خارجها، الذين فشل الأطباء في علاجهم وفي معرفة حقيقة المرض الذي يعانون منه، لمراكز العلاج بالتعاويذ تلك، يقوم المشتغلون بهذه الأعمال في ظل غياب رقابة السلطات بحيل نفسية تقنع هؤلاء بطريقتهم في العلاج.

 تعزز مراكز العلاج بالتعاويذ تلك لدى مرضى “الذهان” عزو الأمراض إلى أسباب ماورائية لا علاقة لها بالعلم، يحافظ هذا التفسير على احترام “المرضى” لذواتهم، كما لا يدينهم أمام المجتمع، فهو أفضل تفسير تتقبله عقولهم. قرابة الـ 300 ألف يمني، يلجؤون إلى السحر والشعوذة، 70% من النساء.

كان أحد أقربائي مصابًا بمشكلة ذهانية، يعتقد أن كل الناس يرغبون في قتله، فأجمع إخوته أنه مصاب بالسحر، وأنهم يعرفون الساحر شخصيًا. فظلوا يعالجونه بالتعويذات، يفرحون عندما تتحسن صحته قليلاً ظنًا منهم أن علاجهم قد بدأت فاعليته، وفي رحلة صراعه مع مرضه لسنوات طويلة شُخصَ من قبل طبيب بإصابته بالشيزوفرينيا، وكانت حالته أفضل دائمًا عندما يلتزم بتعليمات الطبيب، وتتدهور كلما خالفها وأتبع الدجالين.

56 ألف امرأة يمنية تنفق سنويًا نحو 140 مليون ريال يمني (ما يزيد على 250 ألف دولار أميركي) على الدجل والشعوذة، حسب تقرير سابق لصحيفة الثورة اليمنية.

خمسون جرامًا من الذهب وأموال تعادل الـ 100 دولار أمريكي مقابل مساعدات الجن 

زهرة تبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا، تحكي قصتها لمواطن، قائلة إن الشيخة -كما جرت العادة على تسميتها- أخبرتها أن أحد أقاربها قد قام بالاتصال (بالجن) ليدمر حياتها كليًا، وتنبأت بحدوث مكروه، لابنتها وأسدت إليها نصيحة بأن لا تقلق بشأن ذلك.

ومع أن “الشيخة” لم تحدد ماهية المكروه الذي ستواجهه، تضيف زهرة أنها وجدت آثار ذلك التدمير في علاقتها بزوجها، وفي صحتها المتدهورة، وأن رأسها يؤلمها بشدة بسبب ذلك العمل، وأنها لم تفكر في زيارة الطبيب لأنها تعرف المتسبب الحقيقي في مشاكلها الصحية.

وتؤكد أن شيختها قد أرتها وجه عدوها المتسبب في جميع مشاكلها مطبوعًا على سطح صخرة، مما دفعها لإعطاء الشيخة خمسين جرامًا من الذهب، عطايا للجن الذين سيقومون بحمايتها من الأرواح الشريرة، وأن شيختها لم تتلق مقابلاً لهذه المساعدة في الحماية.

أما أميرة؛ فهي امرأة في الثلاثين من عمرها، تعاني حالات خوف لا تعرف أسبابه، تبكي بطريقة هيستيرية إذا تركها أفراد أسرتها وحيدة في المنزل، ذهبت إلى شيخ يدعى عبد المعين الفقيه في ضواحي صنعاء.

تسرد تفاصيل الزيارة لمواطن، تقول إنه عندما رآها الشيخ قام بضربها بسلك كهرباء، ثم أخبر مرافقيها أنها تعاني من السحر، وتضيف أن زياراتها إليه يجب ألا تنقطع مدى الحياة، لأنه الوحيد الذي سيعرف كيف يخلصها من أعمال السحر.

كان على أميرة المواظبة في زياراتها للشيخ، مع أن كل زيارة تكلفها مائة ألف ريال يمني، ما يعادل مائتي دولار

تفسر الدكتورة كوكب الوادعي المتخصصة في العلاج النفسي لمواطن السبب وراء لجوء هؤلاء لمراكز الدجل، قائلة: ” إن هناك ما يسمى بالأمراض السايكوسوماتية، وهي أمراض تؤثر فيها العوامل النفسية، في نشوئها وتفاقمها، فإذا صدَّق المريض بفعالية العلاج النفسي أو التعويذات الدينية أو العلاج الروحي فإنه سوف يتحسن كثيرًا، وما يفسر إخفاق هذا النمط من التداوي أحيانا مع وجود الإيمان؛ هو اختلاف مسببات المرض عن مسببات الأمراض السايكوسوماتية، فمثلاً، الأمراض الذهانية قد يتسبب فيها خلل هرموني أو عدوى فيروسية، أو استعداد وراثي، وفي هذه الحالة يتطلب الأمر تدخلاً طبيًا”

كيف تبدو بيوت الدجل من الداخل؟ وهل حقًا يقدمون العلاج؟

لم أزر من قبل بيوت الدجل، وكانت فكرتي عن هذا العالم أنه درامي بامتياز، فيه شخصيات تضع الأساور الملونة على أيديها، وترتدي الملابس الممزقة، وأن المكان يتصاعد منه البخور، مثلما بدا الأمر مع شخصية صباح في المسلسل المصري الحاج متولي

كنت خائفة من الذهاب، خائفة من أن يعتدي علي أحدهم بسلك كهرباء لكنني تحليت بالشجاعة أخيرًا. ذهبت بنفسي إلى بيوت الدجل لمعرفة كيف يشخصون الحالات ويعملون على علاجها، ادعيت الاعتلال وحاجتي للمساعدة، فكيف جاءت تلك الزيارات؟

 زيارتي الأولى كانت مركز في شارع العدل بصنعاء، يعمل فيه رجل في الأربعين من عمره بداخل غرفة في دور أرضي، يُدعَى هذا الرجل (نبيل بطاح) ويقول إنه يعمل في جامعة العلوم أستاذًا جامعيًا! ويَدَّعي قدرته على علاج أي مرض يواجهه.

عند دخولي أخبرته أنني أعاني مشكلة صحية، فأعطاني كيس نفايات كبير، وطلب مني أن أرتديه كما يرتدي الناس الثياب، وأخبرني أن علي أن أشرب مشروبًا أصفر اللون أعطاني إياه، لأن هذا المشروب هو ما سيكشف ما إذا كنت مصابة بالسحر أم لا، إن تقيأت بعد شرب المشروب فهو السحر بعينه كما يقول، وبالفعل تقيأت!

كان مشروبًا لا طعم له، وتسبب لي ذلك في الإسهال والتقيؤ الشديدين، وأصبت بالوهن، وكانت تكلفة الدواء الذي يزعم أنه سيحل المشكلة مبلغًا من المال يعادل مائة دولار، “هذه العشبة تسمى راوند وتستخدم في الطب الشعبي لعلاج الإمساك” حسب تعليق حسن سقيل أستاذ علوم الحياة في جامعة حجة لمواطن.

إن ذهاب المعتل إلى بيت الدجل، هو محاولة البحث عن تفسير لسبب اعتلاله، وفي كل الأحوال يمكن تقديم مشروب الراوند، واعتبار القيء دلالة على التعرض للسحر. هكذا يتم التشخيص من قبل الدجالين. ما يعني أن الجميع مسحور

وكانت زيارتي الثانية إلى مركز في بيت بوس بصنعاء، يديره فريق من محافظة صعدة، عند المدخل توجد خيمتان؛ إحداهما تنتظر فيها النساء، وأخرى للرجال، صالة واسعة تملؤها ملصقات صور قتلى الحرب، ومجسمات لطائرات حربية وصواريخ ونمور، العنصر الأهم في الفريق هو رجل يدعى عادل الحمزي، يجلس أمام منضدة ارتفاعها أربعون سنتيمترًا، عليها هاتف أرضي، يضع خاتمًا من عقيق على كف الزائر.

ثم يسرد له تفاصيل حياته، مشاكله العاطفية والصحية والعائلية، فيعجب الزائر بقدرات ذلك الرجل الخارقة في معرفة التفاصيل التي لا يعرفها أحد، ثم بعد إظهار كل تلك البراهين على معرفته وقدراته يعطيه دواءً مقابل مبلغ من المال.

 تقمصت في هذه الزيارة دور الصماء، البكماء، وذهبت برفقة قريبة لي، وقدمت نفسي باسم مستعار، فلم يكن بوسع الحمزي أن يكشف معلومة واحدة تخصني، ولكنه أكد أنني بحاجة إلى دوائه ليعالج مشاكلي الصحية، بعد أن خمن أن إصابتي بالبكم والصمم ليست منذ الولادة. لم يكن يملك قدرات خارقة، لم يكشف ادعائي شخصية أخرى، ولم يكشف أيضًا أني لست مريضة.

كاد أن يفقد حياته إثر محاولة العلاج في بيت دجل

يحكي الدكتور جمال عبد المغني طبيب الطوارئ في مستشفى الثورة بصنعاء، على حسابه في فيسبوك، أن شابًا في العشرين من عمره من محافظة الحديدة، أصيب بالحمى والتشنج، فكان ضحية لأحد الدجالين الذين يقدمون أنفسهم على أنهم يمتلكون القدرات في علاج كل مرض.

يضيف الدكتور أن هذا الرجل قام بضربه بعصا وصاعق كهرباء، وقام بحرقه في كل مكان في جسمه، وكان نتيجة ذلك إصابة الشاب بمرض يسمى (Rhabdomyolysis)، وذلك تسبب له في إصابته بتسمم في الدم، ارتفعت فيه نسبة البوتاسيوم إلى 5.7، ليدخل في حالة غيبوبة، فاضطر الأطباء إلى غسيل الكلى ليتخلصوا من سمية الدم التي أصابته.

يوضح عبد المغني أن المرض الذي أصاب الشاب قبل زيارة الدجالين هو مرض شبيه بالتهاب السحايا، وأنه كان بحاجة فقط إلى مضادات حيوية وفيروسية ومضادات التشنج لمدة أسبوع ليتعافى، ويضيف أن المريض تدهورت حالته كثيرًا إثر ما تعرض له على يد الدجال.

“لا وجود لنص قانوني يجرم الشعوذة والدجل في القانون اليمني” حسب تأكيد المحامية اليمنية أحلام الشعوبي، إلا أن هناك قانونًا يستمد من الشريعة الإسلامية ينص على عقوبة قتل الساحر، لا يحدد ماهية السحر، ومن هو الساحر، وما الممارسات تندرج تحت هذا المسمى؟ هذا بالإضافة إلى عدم اكتراث السلطات بكشف ومقاومة هذه الجرائم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image