شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
كل ما تريد أن تعرفه عن أزمة صراع المال والسلطة الأخير في ليبيا

كل ما تريد أن تعرفه عن أزمة صراع المال والسلطة الأخير في ليبيا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 31 أغسطس 202202:35 م

تعالت أصوات المدافع الثقيلة والمتوسطة ليلة السابع والعشرين من آب/ أغسطس الجاري، وسط العاصمة الليبية طرابلس، معلنةً دورةً أخرى من الصراع المسلّح الذي أصبح جزءاً من الروتين الأسبوعي لسكّان العاصمة.

هذه المرّة، وعلى عكس سابقاتها، فإنّ صراع بسط السلطة والاستحواذ على المال العام ومصادر التمويل، قد وجد لنفسه أرضيةً صلبةً ينطلق منها، بين المليشيات الموجودة في العاصمة.

خلاف توطّد وجوده خلال الأشهر الماضية، بانشقاقات الصف التي حدثت في صفوف التشكيلات المسلحة المتواجدة في المنطقة الغربية من ليبيا، وأبرزها تلك التي تحكم العاصمة حيث انطلقت المناوشات بعد إطلاق وابل من الرصاص على أحد الفصائل التابعة للقيادي في كتيبة ثوّار طرابلس، هيثم التاجوري، المعروف باسم اللواء 92، من قبل جهاز دعم الاستقرار التابع لحكومة الوحدة الوطنية، لينطلق بعدها وابل من إطلاق النار المتبادل داخل الأحياء السكنية الواقعة داخل العاصمة بجميع أنواع الأسلحة.

نقطة الصراع الأساسيّة التي نشأ بسببها الخلاف، هي سيطرة جهاز دعم الاستقرار على أحد مقرّات اللواء 92، والذي تم الرد عليه من قبل هيثم التاجوري وكتيبته بالاستيلاء على أحد أبرز مقرّات جهاز دعم الاستقرار المليء بسيارات Kia طراز 2021، واصفاً هيثم استيلاءهم عليها في فيديو نشره رفاقه عبر فيسبوك، بأنّه "رزقهم" واصفاً الاعتداء من قبل جهاز دعم الاستقرار، بالبغي من أجل المال.

 الاقتتال الذي استمر لأكثر من 48 ساعةً في مناطق متفرقة من العاصمة وضواحيها، وراح ضحيته أكثر من 30 مدنياً، انتهت ملامحه صباح التاسع والعشرين بطرد كل القوّات الموالية لحكومة رئيس الوزراء المكلّف فتحي باشاغا، وعلى رأسها أشهر تشكيل عسكري ذي أيديولوجيا إسلامية "النواصي"، وهدم أبرز مشاريع حكومة الوحدة الوطنية وأكبرها، "مصيف الليدو"، الذي افتتحه رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة في حزيران/ يونيو الماضي.

المصرف الذي تثار الشائعات حوله بأنّه استثمار للقيادي "محمد الصندوق"، قائد النواصي المطرودة من العاصمة، قد تمت معالجته من قبل قوّات الردع كبرهان على انتهاء وجود تشكيل النواصي في العاصمة بشكل كامل، ولكنّ السؤال ما هي مصادر تمويل المشروع؟ وما هي علاقة حكومة الوحدة بالاستثمار الذي قام رئيسها بافتتاحه؟

"خلال السنوات الماضية، وبعد ما عُرف بـ’حرب فجر ليبيا’ انقسمت المؤسسات السيادية وخصوصاً مصرف ليبيا المركزي، ومن هنا بدأت المشكلة"

كيف هي الصورة الآن؟

عودة إلى شبه المربّع الأول بعد تقطّع السبل في إيجاد حل سياسي سلمي ينأى بليبيا -وطرابلس على وجه الخصوص- عن الحرب، بعد وقوع حالة من الانقسام السياسي بوجود حكومتين تتصارعان على السلطة والمال الذي انقسمت الجهات التشريعية والتنفيذية على إدارته.

فمنذ اعتماد ميزانية العام 2022، من قبل مجلس النواب الليبي الذي أقرها لصالح حكومة فتحي باشاغا رئيس الوزراء المكلّف في حزيران/ يونيو الماضي، والأوضاع السياسية تتأزم أكثر فأكثر في وجود حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة، الرافض للتسليم بحجج عديدة أبرزها مشروعيّة التكليف.

عبد الحميد يقف إلى صفّه الحاكم الفعلي لليبيا، محافظ مصرف ليبيا المركزي، "الصديق عمر الكبير" الذي بدوره يمارس مهامه في دعم حكومة الوحدة الوطنيّة من دون الالتفات إلى قرار البرلمان بتكليف حكومة جديدة ودفع البلاد إلى حالة انقسام سياسي واضحة وشبه انقسام مؤسساتي عملت الأطراف الدولية على منعه بأقصى الجهود.

والصديق الذي يتمادى في منصبه، لأبعاد أعمق من منصبه المكلّف به، قصد في الأول من تموز/ يوليو الماضي، مدينة لندن للقاء محافظ مصرف إنكلترا أندرو بيلي.

الاجتماع تم في سريّة، وانتُقد من قبل رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني توم توجندهات، لأنّه اجتماع مع مموّل للمليشيات وداعم للجماعات غير القانونية (واصفاً الكبير)، معرجاً على عمليّات الاعتمادات التي يتم نقل المال بواسطتها داخل بنوك لندن والتي تُعدّ لندن فيها لاعباً مهماً، مستنداً في تصريحاته إلى تقرير غلوبال ويتنس الأخير حول تدفّق الأموال بين البلدين والذي رفض نتائجه بدوره مصرف ليبيا المركزي.

عمق التأثير

مع تعثّر الجهود في إقناع حكومة الوحدة الوطنيّة بمهمّة التسليم السلمية، لجأ البرلمان إلى خلق مصدر مال موازٍ في محاولة يائسة لإعادة فرع مصرف ليبيا المركزي في مدينة البيضاء شرق ليبيا، برئاسة علي الحبري نائب رئيس المجلس المتمثّل في الصديق الكبير، حيث قام عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي في الثامن والعشرين من حزيران/ يونيو الماضي، بإصدار قرار برلماني بتكليف علي الحبري بمنصب محافظ مصرف ليبيا المركزي خلفاً لمحمد الشكري الذي لم يستطِع سابقاً مزاولة أعماله من العاصمة، ولزم حينها تأسيس فرع جديد للمصرف في مدينة البيضاء، والإعلان عن انقسام المصرف، ولكنّ هذه المرّة كان التصرف مختلفاً، فقد لزم القرار درج المكاتب من دون الخروج إلى النور، وهو إن دلّ على شيء فعلى ضعف موقف البرلمان في هذه المرحلة التي يدفع فيها المجتمع الدولي نحو أهميّة استمرار العمل في توحيد المؤسسات السيادية والتي يأتي على رأسها مصرف ليبيا المركزي.

مسار الانتخابات المعطّل أو المقصود تعطيله، هو الحل الوحيد لإنهاء صراع مشروعيّة الأجسام السياسية، ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو عن جدّية الإرادة السياسية لصنّاع القرار والرغبة الحقيقية في إنهاء الوضع الذي ينفع الكثيرين ويضر بالمواطن، الضحية الأولى والدائمة.

وعلى الرغم من مشاركة مصرف ليبيا المركزي لبيان الإيراد والإنفاق للمدة الممتدة من كانون الثاني/ يناير 2022 حتى نهاية تموز/ يوليو 2022، إلا أن معايير الشفافية ما زالت غير واضحة خصوصاً مع تجاوز حكومة الوحدة الوطنية كافّة القوانين التي تلزم الحكومة بتقنين الإنفاق في بندي الرواتب والنفقات التسيرية، وقد أظهرت في البيان تجاوزاً واضحاً إلى بنود أخرى منها الدعم والتنمية والتي تقدّر ميزانيتها بالملايين. ومع الاجتماع الأخير الذي ضم مصرف ليبيا المركزي، والمجلس الرئاسي، ورئاسة وزراء حكومة الوحدة الوطنية والمؤسسة الوطنية للنفط في التاسع من آب/ أغسطس الجاري، والذي كان قد حوّل الميزانية الاستثنائية للمؤسسة الوطنية للنفط، فإن الصورة الاقتصادية لليبيا ما زالت تسير بخطى التعقّد واللا وضوح.

مافيا المال العام... كيف أثّر الصراع المسلّح على عجلة الاقتصاد؟

زعزع الصراع المسلح خلال السنوات العشر الماضية، الترسانة الاقتصادية الليبية بشتّى الطرق، وقد خلّف الصراع فواتير ماليةً وتخبطات اقتصاديةً في القطاع المصرفي المحلّي، فخلال الحرب التي درات بين عامي 2019 و2020 على العاصمة طرابلس، تضررت المصارف القابعة تحت إدارة المنطقة الشرقية المتمثلة في مصرفي الوحدة والتجارة والتنمية بعد استنزاف القيم المالية الخاصة بهما في تمويل الصراع في حينها، ومع الأسف لم تستطع هذه المصارف استعادة قوّتها الاقتصادية بالرغم من المحاولات العديدة.

وصرّح لرصيف22، ن.ن.، الخبير الليبي في مجال تحليل البيانات الأمنية والجيوسياسيّة، بعمق الإشكال الاقتصادي الذي خلفته الحرب، قائلاً: "خلال السنوات الماضية، وبعد ما عُرف بـ’حرب فجر ليبيا’ انقسمت المؤسسات السيادية وخصوصاً مصرف ليبيا المركزي، ومن هنا بدأت المشكلة فقد باشرت المنطقة الشرقية عمليات طباعة العملة الليبية في دولة روسيا لتوفير السيولة في المصارف بعد إقفال ما يُعرف بـ‘المقاصة المصرفية’ بين المصارف المحلية من قبل المنطقة الغربية في خطوة لإقفال خطوط الإمداد المالية على خليفة حفتر تحديداً".

وأكمل في وصفه للوضع الاقتصادي المتخبّط: طوال هذه السنوات والحلول غير القانونية كانت تجد طريقاً لإنجاز ما لم يمكن إنجازه بشكل قانوني، الأمر الذي انعكس على أصول المصارف الكبرى وتضرر سنداتها المصرفية، ما أدّى إلى عجز المصارف عن مد العملاء بالسيولة النقديّة، وخلال هذه الفترة عودة الإشكال ترجع إلى عمليات إقفال المقاصة بين المصارف وشح النقد الداخل إلى مصرف ليبيا المركزي وارتفاع سقف مصروفات الحكومة ممّا انعكس على النقد المحلّي، ومع الأسف ستستمر الأزمة في التفاقم إذا ما لم يتم التوصّل إلى اتفاق في هيكلية تسلم واستلام الحكومة وإنهاء حالة التشظّي المؤسساتي التي تسيطر على المشهد".

مسار الانتخابات المعطّل أو المقصود تعطيله، هو الحل الوحيد لإنهاء صراع مشروعيّة الأجسام السياسية، ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو عن جدّية الإرادة السياسية لصنّاع القرار والرغبة الحقيقية في إنهاء الوضع الذي ينفع الكثيرين ويضر بالمواطن، الضحية الأولى والدائمة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image