شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"الحاج مصطفى بيوكلني بيدّه"... الزواج في السبعين خليط ناعم من الحنية والدلع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

الاثنين 29 أغسطس 202201:18 م

الحياة تحتاج إلى شريك نتقاسم معه حلاوة الحياة وقساوتها كما يقول الحاج مصطفى (75 عامًا): "هوّ في أحلى من زوجة تدفي سرير الراجل، مهما كبرنا لا غنى عن ونس الست".

لا يدرك الأبناء حاجات أهاليهم العاطفية، فهم مصمَّمون على النظر إليهم من زاوية مختلفة تفترض فيهم القوة والصرامة والمثالية لا الضعف والحاجة، ولا يُدرك الشباب حاجات الكبار العاطفية والجسدية، فقصص الحب والجنس والمشاعر الجياشة ارتبطت دائماً بالشباب وجماله وجبروته، لا بالشيخوخة وهدوئها، سواء في الأدب أو في السينما أو في الأغنيات.

لكن تغيير زاوية الرؤية يغير القصة برمتها، حاجات كبار السن العاطفية قد تكون أكثر تطلباً لخوفهم الطبيعي من الوحدة بعد مرور سنوات العمر وغياب أو ابتعاد كثير من الأحبة، وفي المقابل يأتي عطاؤهم المشاعري سخياً وصادقاً، ويظهر فيه الامتنان لوجود الشريك، لذا ليس غريباً أن تتسم آراء كل من سألناهم في هذا التقرير عن الحب والزواج المتأخر بالحب والحنو والسعادة، سيما مع غياب كثير من المشاكل التي تجعل حياة الزوجين الشابين مستعجلة وتشكل تحدياً كبيراً لهما، كالمشاكل المالية وتربية الأبناء ومحاولات النجاح المهني.

بنتفرج على التلفزيون مع بعض

قرار الزواج في هذا السن لم يكن سهلًا على الحاج مصطفى، توفيت زوجته وهو في الـ65 من عمره، وانتبه لاحقاً أن زوجة ابنه تضيق من خدمته. يقول لرصيف22: "زوجة ابني كانت تأتي إلى البيت مشكورة لتطبخ لي كل يوم، كنت بحس إنها زعلانة وإني تقيل عليها، خصوصاً إني راجل مريض ومعرفش أعمل أي حاجة في البيت، الحال ده استمر لسنين طويلة... وكنت عارف إني لازم ألاقي حل، بس بعدين حصلتلي مشاكل صحية بسبب إحساسي بالضيق، فطلبت من بنتي إنها تساعدني في البيت، ولكن زوجها بدأ يشتكي ففكرت في الزواج".

أنصح أي راجل مراته ماتت إنه يتزوج حتى لو عمره 100 سنة، مراتي حنيّنه وبتاخد بحسّي في البيت وبنونس بعض ونتفرج على التلفزيون مع بعض ونشوف الأخبار مع بعض

عندما طلب الحاج مصطفى من أبنائه أن يبحثوا له عن زوجة لم يصدقوه واستنكروا ذلك، ولكنهم تقبلوا الفكرة، بعد فترة اقترحت عليه زوجة ابنه الزواج من "الحاجة صفية" والتي تعيش في قرية مجاورة لهم، وبالفعل تم الزواج منذ عام، وعن زواجه الجديد يقول الحاج مصطفى: "أنا أنصح أي راجل مراته ماتت إنه يتزوج حتى لو عمره 100 سنة... مراتي حنيّنه وبتاخد بحسّي في البيت وبنونس بعض ونتفرج على التلفزيون مع بعض ونشوف الأخبار مع بعض، والحياة بتمشي أحسن من الأول، الوحدة من أسوأ الأشياء اللي ممكن يمر بها الإنسان وتسببله المرض".

الحاجة صفية (65 سنة) تقول عن زواجها من الحاج مصطفى: "تزوجت مرة بعد وفاة زوجي الأول بس ما ارتحتش لأن كانت طباعه غير طباعي، بس مع الحاج مصطفى الحمد لله... والحقيقة إن أولادي مكنوش عايزيني أتجوز، وابني كان بيسخر مني، بس بنتي قالتلي ما دام مبتعمليش حاجة حرام وتغضب ربنا خلاص ميهمكيش أي حاجة، والحمد لله ربنا كرمني بزوجي".

الزواج في هذا السن يسهل من الحياة كثيرًا، عن هذا الأمر تقول الحاجة صفية: "الونس مفيش أحلى منه والست مبتستغناش عن الراجل، بلاقي حد أتكلم معاه وأخد رأيه في كل حاجة وأشتكيله حتى من عيالي، ونفتكر مع بعض زمان وحكاوي زمان.. الحاج مصطفى حنين وبيأكلني بيدّه ويقولي إنتِ الخير والبركة يا صفية، ربنا يخليه لي ويطولي في عمره دي الحياة معاه جنة.. الإنسان لو حتى فاضل في عمره سنة مش لازم يعيش لوحده".

الدكتورة سامية عبدالرحمن أستاذ طب المسنين بجامعة عين شمس تتحدث عن زواج كبار السن لرصيف22 وتقول: "لا يوجد ما هو أقسى من الوحدة على هذا السن، فالوحدة تزيد من فرص الإصابة بالأمراض وخاصة الاكتئاب وسوء التغذية، ولذلك إن وجد التوافق بين ثنائي حتى لو زاد عمره عن الثمانين سيكون الأمر إيجابياً جدًا، ويُنصح به من الناحية الاجتماعية لأنه يمنحه الدفء والونس وكذلك يعزز الناحية الصحية، حيث أشارت الدراسات أن نسب الوفاة تزيد في هذا العمر لمن يعيش وحده بسبب سوء التغذية وخاصة أن كبار السن لا يتناولون طعامهم بشكل كافٍ ويمكن أن يمتنع الشخص عن تناول الطعام بشكل نهائي دون شريك".

نفتكر مع بعض زمان وحكاوي زمان.. الحاج مصطفى حنيّن وبيأكلني بيدّه ويقولي إنتِ الخير والبركة يا صفية، ربنا يخليه لي ويطولي في عمره دي الحياة معاه جنة

أما الخبير الاجتماعي د. سعيد صادق فيتحدث لرصيف22 عن زواج كبار السن بقوله: "عندما يتزوج الأبناء ويبتعدون تصبح الحياة شاقة على الأب والأم سيما بعد وفاة أحدهما، يشعر الأب أو الأم بأنه أمسى عبئاً ثقيلاً عندما يطلب قضاء حاجة أو مساعدة من الأبناء ويتفاجأ بانشغالهم، ولذلك إذا لاحت فرصة الارتباط فلم لا؟ أندهش أن هناك بعض الأشخاص في المجتمع يرفضون هذا الزواج على اعتباره (عيباً)".

ويعتقد أن كثيراً من الأبناء يعتبرون أن انضمام الشريك الجديد سواءً أكان زوج أم أو زوجة أب سيصيبهم بضرر مادي، وهذا هو السبب الرئيسي لرفض الأبناء لزواج الآباء الذين يعتقدون أن زوجة أبيهم الجديدة ستنفق كل نقوده، وهو تفكير يختلف عن تفكير كبار السن الذين يأملون فقط بوجود شخص إلى جانبهم يشاركهم سنواتهم المتبقية".

حب بعد الثمانين

وجد الحاج حسين نفسه وحيداً وهو في الـ82 من عمره، عاش وحده لسنوات طويلة بعد وفاة زوجته، واكتملت وحدته بعد أن قرّر إبنه الوحيد أن يسافر مع زوجته للخارج للبحث عن فرصة عمل، ورغم أن ابنه كان يداوم على السؤال عنه والاطمئنان عليه إلى الحد الذي عرض عليه أن يسافر معه إلا أنه رفض، وبعد معاناة من الوحدة وبعد أن وجد أنه أصبح يكلم نفسه وأن حالته النفسية ساءت قرر أن يتزوج.

أخبرنا أنه في مرة سمع عن امرأة طردها ابنها من المنزل فذهبت لتعيش عند ابنتها التي تسكن إلى جواره، وعندما رأى زوجته أنيسة لأول مرة شعر تجاهها بالحب والعطف، وقرر أن يعرض عليها الزواج.

سمع عن امرأة طردها ابنها من المنزل فذهبت لتعيش عند ابنتها التي تسكن بجواره، وعندما رأى زوجته أنيسة لأول مرة شعر تجاهها بالحب والعطف، وقرر أن يعرض عليها الزواج

ويشرح الحاج حسين لرصيف22 قصة زواجه الثاني قائلاً: "أول ما قلتلها إني عاوز أتجوزها طلبت مهلة تفكر وتشاور بنتها، وبعد أسبوع قالتلي موافقة، وأنا فرحت بالبشارة وبعتت خبر لابني، هو في الأول كان خايف عليّ لتكون ست مناسبة ليّ، ولما قلتله إنها مناسبة وافق، بس برضه ما اسلمناش من سخرية بعض الجيران والأهل، لكن ما اهتمتش بأي كلام، كنت حاسس إني لو فضلت عايش لوحدي هدخل مستشفى المجانين، الحياة مش بس أكل وشرب دي ونس ومحبة واحتياجات عاطفية".

أما الحاجة أنيسة (71 عامًا) فقالت عن زواجها من الحاج حسين: "مكنتش مرتاحة في أي بيت قبل الزواج، بس من ساعة ما دخلت بيتي من سنتين وأنا والحمد لله عايشة في هنا وسعادة، ابني طردني وكان مش طايق قعدتي عنده، وأنا أرملة من 15 سنة، ومادام أنا مبعملش حاجة تغضب ربنا يبقى ليه لا... الحياة مش بس مكان أنام فيه وأكل وأشرب ليه مندورش على سعادتنا طول الوقت... الحمد لله الحاج حسين مش مخليني عايزة حاجة وأنا معاه في كل مكان وهنعيش كده لآخر عمرنا، نزور الحبايب ونفتح دارنا لكل أصحابنا ونتفرج على المسلسلات في التلفزيون".

الحاجات العاطفية تزداد مع العمر  

وعن هذه الحالة قالت الدكتورة سامية: "احتمال الإصابة بالزهايمر يزداد إذا كان الشخص يعيش بمفرده، الإنسان كائن اجتماعي بطبعه يحتاج للتحدث إلى جليس من شريك أو أصدقاء أو أبناء، ومن الممكن أن تزداد الحالة النفسية السيئة للفرد الذي يعيش بمفرده فمع الوحدة يزداد التفكير السلبي، وبالأخص عند كبار السن، كثير من المسنين عرضة للإصابة بالإكتئاب لمجرد شعورهم أنهم عالة على أولادهم".

الحياة مش بس مكان أنام فيه وأكل وأشرب، ليه مندورش على سعادتنا طول الوقت... الحمد لله الحاج حسين مش مخليني عايزة حاجة وأنا معاه في كل مكان وهنعيش كده لآخر عمرنا

ويقول د. صادق في هذا الشأن إن الأبناء يتصورون أن أهاليهم يحتاجون فقط لممرضة ولذلك قد يرفض الابن زواج أمه أو والده ويحضر له أو لها ممرضة أو "شغالة"، لا ينتبه الأبناء بطبيعتهم للاجتياجات العاطفية لأهاليهم، وأن الرجل أو المرأة في حاجة لمن يشكون له همهم ويفضفضون له ويقضون الوقت معه.

لم يتصور جيران الآنسة لطيفة أنها ستتزوج بعد أن تجاوزت الستين فكما يقولون تقدم لها الكثير من العرسان وهي في سن الشباب ولكنها كانت ترفض باستمرار، وعاشت مع أمها المريضة التي ماتت منذ سنوات، واستمر الأمر كذلك حتى العام الماضي عندما رأت الشيخ جبريل الأرمل (65 عامًا)، والذي فكر في طلب يدها للزواج ولكن الأهل أخبروه أنها ترفض الزواج.

تقول لطيفة (62 عامًا) لرصيف22: "عشت حياتي عشان اهتم بأمي اللي مرضت بعد وفاة والدي وأخويا في حادثة، ولكن يشاء الله بعد العمر ده إني أقابل الشيخ جبريل والحمد لله عايشة معاه في سعادة من سنة، وهو له ابن واحد ولكنه تزوج من شهور قليلة وأنا بحبه جدًا، وبعتبره مثل ابني".

عشت حياتي عشان أهتم بأمي اللي مرضت بعد وفاة والدي وأخويا في حادثة، ولكن يشاء الله بعد العمر ده إني أقابل الشيخ جبريل والحمد لله عايشة معاه في سعادة

وتضيف لطيفة: "ليَّ أعمام وأقارب سمعت منهم كلام غير مؤيد لزواجي، بس أنا في النهاية استخرت ربنا واخترت إني أعيش حياتي بالطريقة اللي بحبها".

الشيخ جبريل (65 عامًا) قال عن زواجه من لطيفة: "الحقيقة هي اسم على مسمى الحمد لله ربنا كرمني بيها بعد وفاة زوجتي، الشهادة لله إنها إنسانة كريمة وتفهم في الأصول وأنا اخترتها من بين ستات كتيرة ودعيت ربنا إنها تكون من نصيبي... الست اللي تعيش مع والدتها وتخدمها لسنوات مفيش أحسن منها، والحمد لله عايشين حياة كويسة كلها ود ومحبة واحترام".



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image