أعلنت الممثلة التونسية أميرة الشبلي، في تدوينه لها على مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطعتها لوسائل الإعلام التونسية كلها، التي انخرطت في نقل الخبر المتعلق بـ"الاحتفاظ بممثلة تلفزيونية معروفة من أجل شبهة الزّنا بصحبة شاب"، وكتبت على صفحتها الرسمية: "أعلن مقاطعتي لموزاييك إف إم، وكل قناة أو إعلامي نقل الخبر. نقاطع كل طرف إعلامي يغرقنا منذ سنين في الرداءة، وفي محتوى تغيب عنه القيمة الفكرية أو الإنسانية. بدل 'البوز' وهتك أعراض الناس والتدخل في حياتهم الخاصة، يجب أن تتغير المعادلة".
هو رأي من بين آراء متنوعة ومختلفة يفيد البعض منها بضرورة الارتقاء عن نقل الأخبار والانخراط في تحقيقات أكثر عمقاً من شأنها أن تعطي للسلطة الرابعة مكانتها، ويفيد البعض الآخر بأنه لا ضرر في تغطية أخبار الفنانين وإن مسّت بحياتهم الشخصية.
مشهد إعلامي متنوع "ولك"!!
لم تخفَ على أحد الثورة الكمية التي شهدها المشهد الإعلامي التونسي، فقد برزت العديد من القنوات التلفزيونية والإذاعية مانحةً الفرصة للصحافيين والإعلاميين في إبداء آرائهم من خلال توفير منابر متعددة لهم وفرص شغل في ظل حرية تعبير لم تعرف تونس لها مثيلاً أبداً، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لأجل أن تتمتع السلطة الرابعة بكل ما لها من نفوذ وقوة.
غفران الحسايني، الباحث الجامعي والإعلامي، يرى أن الاعلام في تونس لم يعرف طريقه إلى المهنية والحياد طوال السنوات الماضية، لأنه بقي مطمعاً من قبل الأطراف السياسية، ورجال الأعمال ذوي الارتباطات السياسية، لتوظيفه وتوجيهه حسب الحاجة بما يخدم المصالح الضيقة وليس الصالح العام والمصلحة الوطنية العليا.
وقال لرصيف22، إن "الحياد هو أن تبقى موضوعياً وعلى المسافة نفسها من كل الأطراف في المشهد، وأن يكون الإعلام سلطةً رابعةً حقيقيةً وبعيدةً عن التوظيف والدعاية وخدمة البروباغندا السياسية لصالح حزب أو فرد أو اتجاه سياسي"، مضيفا: "إلا أننا في تونس لم نعرف في المشهد الإعلامي عموماً حياداً في الطرح والتحليل مع وجود نزوع نحو تضخيم بعض الأخبار على حساب أخرى".
يرى غفران الحسايني أن الاعلام في تونس لم يعرف طريقه إلى المهنية والحياد طوال السنوات الماضية، لأنه بقي مطمعاً من قبل الأطراف السياسية، ورجال الأعمال ذوي الارتباطات السياسية، لتوظيفه وتوجيهه حسب الحاجة
وأكد الحسايني، أن ذلك كله راجع إلى عدم التشبع الإعلامي بقيمة الحرية والموضوعية مع هشاشة اجتماعية ومادية يعيشها الصحافيون، ممّا يسهّل ابتزازهم وتوجيههم، مشدداً على أنه لا يمكن الحديث عن حياد وحرية إعلامية من دون ضمان حياة كريمة للصحافيين تحميهم من الهرسلة والابتزاز والتوظيف نتيجة الخوف على لقمة العيش، فضلاً عن غياب الإرادة السياسية الكافية لإيجاد إعلام محايد، والرغبة في جعله إعلاماً خاضعاً في خدمة التوجهات، بالإضافة إلى تعطل مسار الإصلاح الذاتي لقطاع الإعلام وغياب إرادة حقيقية صلبة في الجسم الصحافي لحماية المهنة والارتقاء بها إلى درجة السلطة التي تكشف الحقيقة وتسائل وتدفع في اتجاه الحرية والشفافية وخدمة المصلحة العامة من دون توظيف.
أضاف الحسايني، أن ذلك كله لا يلغي الدور الإيجابي للعديد من الأسماء الصحافية والتجارب الإعلامية الجادة التي تدفع في اتجاه صحافة حقيقية وإيجابية على غرار موقع الكتيبة وموقع نواة على سبيل الذكر لا الحصر.
الحياد الصحافي أسطورة
محمد اليوسفي، رئيس تحرير "موقع الكتيبة" وعضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، يرى من جهته أن الحياد الصحافي أسطورة نسبة إلى الحقيقة والقضايا العادلة والنبيلة والصالح العام، مشيراً إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في التوجيه والتضليل وخرق أخلاقيات المهنة والتعدي على القيم الصحافية الكبرى واختراق القطاع بالمال السياسي بشخصيات ليس لها أي علاقة بالصحافة.
حق النفاذ إلى المعلومة منتهَك من أعلى هرم السلطة الذي يُعدّ الخزّان الأول للأخبار الزائفة والمضللة والمعطيات المغلوطة التي تقدَّم للجمهور
اليوسفي تطرق، في تصريحه لرصيف22، إلى مسألة المعلّقين و"المحللين" للأحداث، الذين احتلوا المشهد الإعلامي في تونس، منتحلين صفة الصحافي، ويقومون بأدوار غير مهنية ومشبوهة من خلال ترويج خطابات ساهمت في تغذية الكراهية والحقد والتضليل وتزييف الوعي العام ونشر الأكاذيب والأخبار الزائفة والإساءة إلى الصحافيين.
يرى محمد اليوسفي، في هذا الصدد، أن حق النفاذ إلى المعلومة منتهَك من أعلى هرم السلطة الذي يُعدّ الخزّان الأول للأخبار الزائفة والمضللة والمعطيات المغلوطة التي تقدَّم للجمهور، مشيراً إلى أن العديد من المؤسسات الإعلامية قامت بإيقاف البرامج السياسية مع الرجوع إلى الرقابة الفنية على وسائل الإعلام ومحاكمات الصحافيات والصحافيين والزج بهم في السجون، في تراجع كبير لمظاهر حرية الإعلام والتعددية الإعلامية التي كانت سابقةً على إجراءات 25 تموز/ يوليو، وتعززت أيضاً بعد هذا المنعطف.
أضاف اليوسفي، أن غياب صحافة الجودة يساهم بطريقة أو بأخرى في بروز مظاهر صحافة الإسفاف والفضائح والمستوى المتدني والتجسس على الحياة الخاصة للناس، والحال أن القضايا الكبرى المتعلقة بمستقبل تونس والتجربة الديمقراطية والمسائل الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية وغيرها تكاد تكون النقاشات حولها مغيّبةً تماماً، خاصةً بعد أن تم اغتيال النقاش العمومي في تونس، بعد أن عاد الإعلام إلى أحضان السلطة وأصبح بلون واحد وتوجه واحد خدمةً لرئيس الجمهورية وانخرط الإعلام الخاص أو البعض منه في خدمة البروباغندا، إما خوفاً أو طمعاً أو ترهيباً"، على حد تعبيره.
حول طبيعة العلاقة بين الصحافة الهادفة والوضعية الهشة للصحافيين، قال محمد اليوسفي، إنه لا يمكن الحديث عن صحافة جودة وعمق ترتقي بوعي الإنسان وتكون في خدمة المشروع الديمقراطي من دون وضع اقتصادي واجتماعي ومعنوي جيد ومحترم بالنسبة إلى الصحافيين. وأضاف أنه يرى أن الدولة التونسية ليس لديها أي تصور أو رؤية حول سؤال "أي إعلام نريد؟"، خاصةً مع التراجع الكبير في ظل الدستور الجديد والسلطة السياسية الحالية التي ليس لها أي برنامج له علاقة بالبلاد عموماً، فما بالك بقطاع الإعلام والصحافة؟
جودة وعمق أم ماذا؟
تعددت الآراء واختلفت حول واقع الإعلام في تونس وارتباطه الشديد بالمتغيرات السياسية خاصةً في ما يتعلق بحرية التعبير والديمقراطية الناشئة التي لم تكتمل. لكن الأكيد أن المشهد الإعلامي لم يتمكن من ترسيخ إعلام حر من شأنه أن يهتم بالقضايا الأساسية للشعب التونسي، باعتماده وظيفته الأساسية المتمثلة في نقل الخبر بما أمكن من حياد، عوض التجسس على الحياة الخاصة للأشخاص ونشر أخبار تنتمي إلى صنف صحافي لا يسهم في خلق نقاش عام سليم.
يقول البعض إن المشهد السياسي المتأزم أدى بدوره إلى مشهد إعلامي على صورته، بعد أن أُغلق مكتب قناة الجزيرة في تونس يوم 26 تموز/ يوليو 2021، غداة إعلان الرئيس قيس سعيّد تفعيل الفصل 80 من دستور 2014 وما تلاه من إجراءات أثارت الكثير من الجدل وعمّقت المخاوف من العودة إلى نظام حكم الفرد الواحد، ثم إغلاق العديد من القنوات التونسية على غرار قناتَي "نسمة" و"الزيتونة"، وما رافق ذلك من إلغاء للبرامج الحوارية السياسية وتعويضها بالبرامج الترفيهية والمسلسلات، والعودة شيئاً فشيئاً إلى صحافة الفضائح والأخبار الزائفة والمضلّلة والابتعاد عن الأدوار الأساسية للصحافة، وهي الأدوار التي تحققت نسبياً عندما توفر مناخ من الحرية عقب الثورة، حتى وإن لم تكن بالمستوى المطلوب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...